إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

تهذيب شرح نهج البلاغة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تهذيب شرح نهج البلاغة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تهذيب
    شرح نهج البلاغة
    لإبن أبي الحديد المعتزلي

    السيد عبدالهادي الشريفي
    نشرع بعون الله تعالى وبفضله ومنه بعرض شرح نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام والذي جمعه الشريف الرضي رحمه الله وشرحه عز الدين ابو حامد عبد الحميد بن ابي الحديد المدائني البغدادي.
    وتركت بعض الابحاث المتعلقة بكتاب نهج البلاغة الى محل آخر يمكن مراجعتها ( هنا ) وعلى الله قصد السبيل.

  • #2
    1

    1

    الاصل

    فمن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداءَ خلق السماء والارض وخلق آدم
    الحَمْدُ للّه ِ الَّذِي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ ، وَلاَ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ ، وَلاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ المُجْتَهِدُونَ ؛ الَّذِي لاَ يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ ، وَلاَ وَقْتٌ مَعْدُودٌ ، وَلاَ أَجَلٌ مَمْدُودٌ . فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَوَتَّدَ بالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ .
    الشرح

    الّذي عليه أكثر الأُدباء والمتكلّمين أنّ الحمد والمدح أخَوَان ، لا فَرْق بينهما ، فهما سواء يدخلان فيما كان من فعل الإنسان ، وفيما ليس من فعله ، فأمّا الشكر فأخصُّ من المدح ؛ لأنّه لايكون إلاّ على النعمة خاصّة ، ولا يكون إلاّ صادرا من منعَم عليه.
    والمِدْحة : هيئة المدح ، كالرِّكْبة ، هيئة الركوب ، والجِلْسة هيئة الجلوس ؛ والمعنى مطروق جدا ، ومنه في الكتاب العزيز كثير ، كقوله تعالى : « وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لاَ تُحْصُوهَا » [سورة ابراهيم 34 وسورة النحل18].
    وأمّا قوله : « الذي لا يدركه » ، فيريد أنّ هِمَم النُّظار وأصحاب الفكر وإن عَلَتْ وبَعُدت فإنّها لا تدرِكه تعالى ، ولا تحيط به.
    فأمّا قوله : « الذي ليس لصفته حد محدود » ، فإنه يعني بصفته هاهنا كُنهَه وحقيقته ، يقول : ليس لكنهه حدّ فيعرف بذلك الحدّ قياسا على الأشياء المحدودة ؛ لأنّه ليس بمركّب ، وكلّ محدُود مركّب.
    ثم قال : « ولا نعت موجود » ، أي ولا يدرك بالرسم ، كما تُدرَكُ الأشياء برسومها ؛ وهو أن تعرف بلازم من لوازمها ، وصفة من صفاتها.
    ثم قال : « ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود » ، فيه إشارة إلى الردّ على من قال : إنّا نعلم كنهَ الباري سبحانه لا في هذه الدنيا ، بل في الآخرة ؛ فإن القائلين برؤيته في الآخرة يقولون : إنّا نعرف حينئذٍ كُنهَه ؛ فهو عليه السلام ردّ قولهم ، وقال : إنه لاوقتَ أبدا على الإطلاق تُعرَف فيه حقيقته وكنهه ، لا الآن ولا بعد الآن ، وهو الحقّ.
    فأمّا قوله : « فطر الخلائق ... » إلى آخر الفصل ؛ فهو تقسيم مشتق من الكتاب العزيز ، فقوله : « فطر الخلائق بقدرته » ، من قوله تعالى : « قَالَ مَنْ رَّبُّ السَّموَاتِ والأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا » [سورة الشعراء 24 .] وقوله : «ونشر الرياح برحمته»، من قوله: « يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشُرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» [سورة الأعراف 57 ، وهي قراءة أهل الحرمين ، وأبي عمرو].
    وقوله : « ووتَّد بالصخور ميدان أرضه » ، من قوله : « وَالجِبَالَ أوْتَادا » [سورة النبأ 7] . والمَيدان : التحرّك والتموّج.

    تعليق


    • #3
      اخي العزيز جهود موفقه...

      تعليق


      • #4
        الأصْلُ

        أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بهِ تَوْحِيدُهُ ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاْءِخْلاصُ لَهُ ، وَكَمَالُ الاْءِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيْرُ الْمَوْصُوفِ ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ . فَمَنْ وَصَفَ اللّه َ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ، وَمَنْ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ . وَمَنْ قَالَ «فِيمَ ؟» فَقَدْ ضَمَّنَهُ ، وَمَنْ قَالَ «عَلاَمَ ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ
        الشّرْحُ

        إنما قال عليه السلام : « أول الدّين معرفته » ؛ لأنّ التقليد باطل ، وأوّل الواجبات الدينية المعرفة . وأميرُ المؤمنين عليه السلام أراد أوّل واجب مقصود بذاته من الدين معرفةُ البارئ سبحانه.
        « وكمال معرفته التصديق به » ؛ فلأنّ معرفتَه قد تكون ناقصة ، وقد تكون غير ناقصة ، فالمعرفة الناقصة هي المعرفة بأنّ للعالَم صانعا غيرَ العالم ؛ وذلك باعتبار أن الممكنَ لابدّ له من مؤثر ، فمن علم هذا فقط عَلِم اللّه تعالى ، ولكن علما ناقصا ، وأما المعرفة التي ليست ناقصة ، فأنْ تعلم أنّ ذلك المؤثّر خارج عن سلسلة الممكنات ، والخارجُ عن كلّ الممكنات ليس بممكن ، وما ليس بممكن فهو واجب الوجود ؛ فمن عَلِم أنّ للعالم مؤثرا واجبَ الوجود فقد عرفه عرفاناً أكملَ من عرفان أنّ للعالم مؤثّرا فقط ؛ وهذا الأمر الزائد هو المكنّى عنه بالتصديق به ؛ لأنّ أخصّ ما يمتاز به البارئ عن مخلوقاته هو وجوب الوجود.
        « وكمال التصديق به توحيدهُ » ؛ فلأنّ مَنْ علم أنّه تعالى واجبُ الوجود مصدّق بالبارئ سبحانه ؛ فالتصديق الناقص أن يقتصر على أن يعلم أنّه واجبُ الوجود فقط ، والتصديق الذي هو أكمل من ذلك وأتمّ هو العلمُ بتوحيده سبحانه ، باعتبار أنّ وجوب الوجود لا يمكن أن يكون لذاتين ؛ فمن علم البارئ سبحانه واحدا ، أي لا واجبَ الوجود إلاّ هو ، يكون أكملَ تصديقا ممّن لم يعلم ذلك.
        « وكمال توحيده الإخلاصُ له » ؛ فالمراد بالإخلاص له هاهنا هو نَفْيُ الجسمية والعَرَضية ولوازمهما عنه ؛ فمن عرف وحدانية البارئ ولم يعرف هذه الأُمور كان توحيده ناقصا ، ومن عرف هذه الأُمور بعد العلم بوحدانيته تعالى ؛ فهو المخلص في عرْفانه جلّ اسمه ، ومعرفته تكون أتمّ وأكمل.
        « وكمالُ الإخلاص له نَفْيُ الصفات عنه » )1( ، فهو تصريحٌ بالتوحيد الّذي تذهب إليه المعتزلة ، وهو نفيُ المعاني القديمة التي تُثْبِتها الأشعرية وغيرهم ، « لشهادة كلِّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنه غير الصفة » ، فاعرف أنّ الإخلاص له تعالى قد يكون ناقصا وقد لا يكون ، فالإخلاص الناقص هو العلم بوجوب وجوده ، وأنه واحد ليس بجسم ولا عَرَض ، ولا يصحّ عليه ما يصحّ على الأجسام والأعراض . والإخلاص التامّ هو العلم بأنّه لا تقوم به المعاني القديمة ، مضافا إلى تلك العلوم السابقة ؛ وحينئذٍ تتمّ المعرفة وتكمل.
        ثمّ أكّد أميرُ المؤمنين عليه السلام هذه الإشارات الإلهية بقوله : « فمَنْ وَصَف اللّه سبحانه فقد قَرَنه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ الموصوفَ يقارن الصفة ، والصفة تقارنه(2). قال : « ومن قرنه فقد ثَنّاه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّه قد أثبت قديمين ، وذلك محض التثنية . قال : « ومن ثنّاه فقد جَزّأه » ، وهذا حقّ ، لأنّه إذا أطلق لفظة اللّه تعالى على الذات والعلم القديم فقد جعل مسمّى هذا اللفظ وفائدته متجزئة ، كإطلاق لفظ « الأسود » على الذات التي حلّها سواد . قال : « ومن جَزّأه فقد جهله » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ الجهل هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به.
        وقال : « ومن أشار إليه فقد حَدّه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ كلَّ مشارٍ إليه فهو محدود ؛ لأنّ المشار إليه لابدّ أن يكون في جهة مخصوصة ، وكلّ ما هو في جهة فله حدّ وحدود ؛ أي أقطار وأطراف . قال : « ومَن حدّه فقد عدّه » ، أي جعله من الأشياء المحدثة ، وهذا حقّ ؛ لأنّ كلّ محدود معدود في الذوات المحدَثة . قال : « ومن قال : فِيمَ ؟ فقد ضمّنه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ مَنْ تصوّر أنه في شيء فقد جعله إمّا جسما مستَتِرا في مكان ، أو عرضا ساريا في محلّ ، والمكان متضمّن للتمكّن ، والمحلّ متضمّن للعرَض . قال : « ومن قال : علامَ ؟ فقد أخْلَى منه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ مَنْ تصوّر أنّه تعالى على العرش ، أو على الكرسيّ ، فقد أخلى منه غير ذلك الموضع . وأصحاب تلك المقالة يمتنِعون من ذلك ؛ ومرادُه عليه السلام إظهار تناقض أقوالهم.


        تعليق:
        1.« نفي الصفات عنه » : أي نفي الصفات الخارجة عن الذات وطبيعتها ، لا نفي الصفات التي هي عين الذات وحقيقتها.
        2.أي فمن وصف اللّه بالعالم والقادر ونحوهما ، وأراد الصفة التي هي غير الموصوف فقد جعل له قرينا ، ومعنى القرين : الصاحب ، وليس له صاحب ولا صاحبة
        .

        تعليق


        • #5
          الأصْلُ :

          كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَثٍ ، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَمٍ . مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ ، وَغَيْرُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُزَايَلَةٍ ، فَاعِلٌ لاَ بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلَةِ . بَصِيرٌ ؛ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ ؛ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ ، وَلاَ يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ . أَنْشَأَ الْخَلْقَ إنْشَاءً ، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً ، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا ، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا ، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَها ، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا . أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِها ، وَلاءَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا ، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا ، وَألْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا ، عَالِما بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا ، مُحِيطا بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا ، عَارفا بِقَرائِنِهَا ، وَأَحْنَائِهَا
          الشّرْحُ :

          قوله عليه السلام : « كائن » ، وإن كان في الاصطلاح العرفيّ مقولا على ما ينزَّه البارئ عنه ؛ فمراده به المفهوم اللغوي ؛ وهو اسم فاعل من « كان » ، بمعنى وجد ، كأنّه قال : موجود غير محدَث.
          فإن قيل : فقد قال بعده : « موجود لا عن عدَم » ، فلا يبقى بين الكلمتين فرق . قيل : بينهما فرق ، ومراده بالموجود لا عن عدم هاهنا وجوب وجوده ونفي إمكانه ؛ لأنّ مَنْ أثبت قديما ممكنا ، فإنه وإن نفى حدوثَه الزمانيّ فلم ينفِ حدوثَه الذاتيّ ، وأمير المؤمنين عليه السلام نفى عن البارئ تعالى في الكلمة الأُولى الحدوثَ الزمانيّ ، ونفى عنه في الكلمة الثانية الذاتي.
          وأمّا قوله : « مع كلّ شيء لا بمقارنة » ، فمراده بذلك أنّه يعلم الجزئيات والكليّات ، كما قال سبحانه : « مَا يَكُونُ مِن نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ » 1 . « وغير كلّ شيء لا بمزايلة 2 » ، فحقّ ؛ لأنّ الغَيْرين في الشاهد هما ما زايلَ أحدُهما الآخر وباينه بمكان أو زمان ، والبارئ سبحانه يباين الموجودات مباينة منزّهة عن المكان والزمان ، فصدَق عليه أنّه غير كلّ شيء لا بمزايلة . « فاعلٌ لا بمعنى الحركات والآلة » ، فحقّ ؛ لأنّ فعله اختراع ، والحكماء يقولون : إبداع ، ومعنى الكلمتين واحد ؛ وهو أنه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منّا ، ولا يُوجد شيئا من شيء . « بصير إذ لا منظورَ إليه من خَلْقه » 3 ، فهو حقيقةُ مذهب أبي هاشم رحمه الله وأصحابه ؛ لأنهم يُطلقون عليه في الأزَل أنّه سميع بصير ، وليس هناك مسموع ولا مُبصَر . « متوحّد ، إذْ لا سكنَ يستأنِس به ، ويستوحش لفقده » ، فـ «إذ» هاهنا ظرف ، ومعنى الكلام أنَّ العادة والعرف إطلاق « متوحّد » على من قد كان له من يستأنس بقربه ويستوحش ببعده فانفرد عنه ، والبارئ سبحانه يطلقَ عليه أنّه متوحِّد في الأزل ولا موجود سواه . وإذا صَدَق سَلْب الموجودات كلّها في الأزَل ، صدق سلبُ ما يؤنِس أو يوحِش ؛ فتوحّده سبحانه بخلاف توحّد غيره . « أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء » 4، كلمتان مترادفتان على طريقة الفصحاء والبلغاء ؛ كقوله سبحانه : « لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ » 5 . وقوله : « لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُم شِرْعَةً وَمِنْهَاجا » 6 . « بلا رَوِيَّةٍ أجالها » ، فالرويّة : الفِكْرة ، وأجالها : ردّدها . ومن رواه : « أحالها » بالحاء ، أراد صرفها . وقوله : « ولا تجربة استفادها » ، أي لم يكن قد خلق من قبلُ أجساما فحصَلت له التجربة التي أعانته على خَلْق هذه الأجسام.
          وقوله : « ولا حركة أحدثها » ، فيه ردّ على الكرّامية الذين يقولون : إنّه إذا أراد أنْ يخلُق شيئا مباينا عنه أحدث في ذاته حادثا ، يسمّى الإحداث ، فوقع ذلك الشيء المباين عن ذلك المعنى المتجدّد المسمَّى إحداثا . « ولا هَمامة نفس اضطرب فيها 7 » ، فيه ردٌّ على المجوس والثَّنَوِيّة القائلين بالهمامة ، ولهم فيها خَبْط طويل يذكره أصحاب المقالات ، وهذا يدلّ على صحّة ما يقال : إنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام كان يعرف آراء المتقدمين والمتأخرين ، ويعلم العلوم كلّها ، وليس ذلك ببعيد من فضائله ومناقبه عليه السلام . « أحال الأشياء لأوقاتها » ، فمن رَواها : « أحَلّ الأشياء لأوقاتها » ، فمعناه جعل محلّ كلّ شيء ووقته ، كمحلّ الديْن . ومن رواها : « أحال » ، فهو من قولك : حال في مَتْن فرسه ، أي وثب ، وأحاله غيرُه ، أي أوْثبَه على متْن الفرس ؛ عدّاه بالهمزة ، وكأنّه لما أقرّ الأشياء فيأحيانها وأوقاتها صار كمن أحال غيرَه على فرسه . « ولاءم بين مختلفاتها » ، أي جعل المختلفات ملتئِمات ، كما قَرَن النفس الروحانية بالجسد الترابيّ ، جلّت عظمتُه ! « وغرّز غرائزها » ، المرويّ بالتشديد ، والغريزة : الطبيعة ، وجَمْعها غرائز ، وقوله : « غرّزها » ، أي جعلها غرائز ، كما قيل : سبحان من ضوّأ الأضواء ! ويجوز أنْ يكونَ من غرزتُ الإبرة بمعنى غرست . وقد رأينا في بعض النسخ بالتخفيف . « وألزمها أشباحها » ، الضمير المنصوب في « ألزمها » عائد إلى الغرائز ، أي ألزم الغرائز أشباحَها ، أي أشخاصها ، جمع شَبح ، وهذا حقّ ؛ لأنّ كلاًّ مطبوع على غريزة لازمة ، فالشّجاع لا يكون جبانا ، والبخيل لا يكون جواد ، وكذلك كلّ الغرائز لازمة لا تنتقل .« عالما بها قبل ابتدائها » ، إشارة إلى أنّه عالم بالأشياء فيما لم يزَل . وقوله : « محيطا بحدودها وانتهائها » ، أي بأطرافها ونهاياتها . « عارفا بقرائنها وأحنائها » ، القرائن جمع قَرُونة ، وهي النفس . والأحناء : الجوانب ، جمع حِنْو ، يقول : إنه سبحانه عارف بنفوس هذه الغرائز التي ألزمها أشباحَها ، عارف بجهاتها وسائر أحوالها المتعلّقة بها والصادرة عنها .

          هوامش
          ---------
          1.سورة المجادلة 7 .
          2.المزايلة : المفارقة والمباينة .
          3.معناه ، أنّ اللّه سبحانه عالم بخلقه قبل أن يخلقهم .
          4.انشأه ، وابتدأه بمعنى أوجده على غير مثال سابق .
          5.سورة فاطر 35 .
          6.سورة المائدة 48 .
          7.همامة النفس : الاهتمام والتردد .

          تعليق


          • #6
            الأصْلُ :


            ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأَجْواءِ ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ ، فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِما تَيَّارُهُ مُتَرَاكِما زَخَّارُهُ . حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ ، واَلزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ ، وَقَرَنَهَا إلَى حَدِّهِ . الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ ، وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ . ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحا اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا ، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا ، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها ، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا ، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السَّقَاءِ وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ . تَرُدُّ أَوَّلَهُ إلَى آخِرِهِ ، وَسَاجِيَهُ إلَى مَائِرِهِ ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ ، وَرَمَى بالزَّبَدِ رُكَامُهُ ، فَرَفَعَهُ في هَواءٍ مُنْفَتِقٍ ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجا مَكْفُوفا ، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفا مَحْفُوظا ، وَسَمْكا مَرْفُوعا ، بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلاَ دِسَارٍ يَنْظِمُهَا . ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَواكِبِ ، وَضِيَاءِ الثَّواقِبِ ، وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجا مُسْتَطِيرا ، وَقَمَرا مُنِيرا في فَلَكٍ دَائِرٍ ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ .
            الشّرْحُ :

            لسائل أن يسأل فيقول : ظاهرُ هذا الكلام أنّه سبحانه خلق الفضاء والسماوات بعد خَلْق كلّ شيء ؛ لأنّه قد قال قبل : « فَطَرَ الخلائق ، ونشر الرياح ، ووتّد الأرض بالجبال » ، ثم عاد فقال : « أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء » ، وهو الآن يقول : « ثمّ أنشأ سبحانه فَتْق الأجواء » ، ولفظة « ثمّ » للتراخي.
            فالجواب : إنّ قوله : « ثم » هو تعقيب وتراخ ، لا في مخلوقات البارئ سبحانه ، بل في كلامه عليه السلام ، كأنه يقول : ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم : إنه تعالى أنشأ فتْق الأجواء . ويمكن أن يقال : إن لفظة « ثم » هاهنا تُعْطِي معنى الجمع المطلق كالواو ، ومثل ذلك قوله تعالى : « وَإنّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثمَّ اهْتَدَى » [سورة طه 82] .
            ثم نشرع في تفسير ألفاظه :
            أمّا الأجواء فجمع جَوّ ، والجوّ هنا الفضاء العالي بين السماء والأرض . والأرجاء : الجوانب ، واحدها رَجا مثل عصا . والسكائك : جمع سُكاكة ؛ وهي أعلى الفضاء ، كما قالوا : ذُؤابة وذوائب . والتيّار : الموج . والمتراكم : الذي بعضُه فوق بعض . والزّخّار : الذي يَزْخَر ، أي يمتدّ ويرتفع . والريح الزعْزع : الشديد الهبوب ، وكذلك القاصفة ؛ كأنها تُهلِك الناس بشدة هبوبها . ومعنى قوله : « فأمرها بردّه » ، أي بمنعه عن الهبوط ؛ لأنّ الماء ثقيل ، ومن شأن الثقيل الهُوىّ . ومعنى قوله : « وسلّطها على شدّه » أي على وثاقه ؛ كأنه سبحانه لما سلَّط الريح على منعه من الهبوط ؛ فكأنه قد شدّه بها وأوثقه ومنعه من الحركة . ومعنى قوله : « وقرنها إلى حَدّه » ، أي جعلها مكانا له ؛ أي جعل حدّ الماء المذكور ـ وهو سطحه الأسفل ـ مما ساطح الريح التي تحملها وتُقِلّه . والفتيق : المفتوق المنبسط . والدفيق : المدفوق . واعتقَم مَهَبَّها ، أي جعل هُبوبَها عقيما ، والريح العقيم : التي لا تُلْقِحُ سحابا ولا شجرا ، وكذلك كانت تلك الريح المشار إليها ؛ لأنّه سبحانه إنما خلقها لتمويج الماء فقط . وأدام مُرَبّها ، أي ملازمتها ، أربّ بالمكان مثل أَلبَّ به ، أي لازمه.
            ومعنى قوله : « وعصفت به عَصْفَها بالفضاء » ، فيه معنى لطيف ، يقول : إنّ الريح إذا عصفت بالفضاء الذي لا أجسام فيه كان عصفُها شديدا لعدم المانع ، وهذه الريح عصفت بذلك الماء العظيم عصفا شديدا ؛ كأنها تعصِفُ في فضاء لا ممانع لها فيه من الأجسام . والساجي : الساكن . والمائر : الذي يذهب ويجيء . وعبّ عُبَابه ، أي ارتفع أعلاه . ورُكامه : ثَبجه وهضْبته . والجوّ المنفهق : المفتوح الواسع . والموج المكفوف : الممنوع من السيلان . وعمَدٍ يَدْعمُها : يكون لها دِعامة . والدِّسار : واحد الدُّسُر وهي المسامير . والثواقب النَّيّرة : المشرِقة . وسراجا مستطيرا ، أي منتشر الضوء ، يقال : قد استطار الفجر ، أي انتشر ضوؤه ، ورقيم مائر ، أي لوح متحرّك . سُمّي الفلك رقيما تشبيها باللوح ؛ لأنّه مسطّح .

            تعليق


            • #7
              الأصْلُ :

              ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلاَ ، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوارا مِنْ مَلائِكَتِهِ ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَ يَرْكَعُونَ ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ ، وَصَافُّونَ لاَ يَتَزاَيَلُونَ ، وَمُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ، وَلاَ سَهْوُ الْعُقُولِ ، وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ ، وَلاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ . وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ ، وأَلْسِنَةٌ إلَى رُسُلِهِ ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوابِ جِنَانِهِ . وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ في الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطارِ أَرْكانُهُمْ ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ . نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ . لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالأَمَاكِنِ ، وَلاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ .
              الشّرْحُ :

              الملَك عند المعتزلة حيوان نوريّ ؛ فمنه شفّاف عادم اللون كالهواء ، ومنه ملوّن بلون الشمس . والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء ، بعلوم وقُدَر وحياة ؛ كالواحد منَّا ، ومكلّفون كالواحد منّا ، إلاّ أنهم معصومون . ولهم في كيفية تكليفهم كلام ؛ لأنَّ التكليف مبنيّ على الشهوة ، وفي كيفيّة خَلْق الشهوة فيهم نظر.
              وقد جعلهم عليه السلام في هذا الفصل أربعة أقسام :
              القسم الأول : أرباب العبادة ؛ فمنهم مَنْ هو ساجد أبداً لم يقم من سجوده ليركع ، ومنهم من هو راكع أبدا لم ينتصِب قَطّ ، ومنهم الصافّون في الصلاة بين يديْ خالقهم لا يتزايلون ، ومنهم المسبّحون الذين لا يملّون التسبيح والتحميد له سبحانه .
              والقسم الثاني : السُّفراء بينه تعالى وبين المكلّفين من البشر بتحمّل الوحي الإلهيّ إلى الرسل ، والمختلفون بقضائه وأمره إلى أهل الأرض .
              والقسم الثالث : ضربان : أحدهما حَفَظة العباد كالكرام الكاتبين ، وكالملائكة الذين يحفظون البشر من المهالك والورطات ؛ ولولا ذلك لكان العَطَب أكثرَ من السلامة ، وثانيهما سَدَنة الجِنان .
              القسم الرابع : حَمَلة العرش .
              ويجب أن يكون الضمير في « دونه » ـ وهو الهاء ـ راجعا إلى العرش لا إلى البارئ سبحانه . كذلك الهاء في قوله : «تحته» . ويجب أن تكون الإشارة بقوله : «وبين مَنْ دونهم» إلى الملائكة الذين دون هؤلاء في الرتبة.
              فأمّا ألفاظ الفصل فكلّها غنيّة عن التفسير إلاّ يسيرا ، كالسَّدنة جمع سادِن وهو الخادم ، والمارق : الخارج . وتلفّعت بالثوب ، أي التحفت به .

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

              يعمل...
              X