خطبة لعلي بن أبي طالب خالية من حرف الألف
حدثني هشام بن محمد عن أبيه محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح قال: جلس جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون فتذاكروا: أي الحروف أدخل في الكلام، فأجمعوا على أن الألف أكثر دخولا في الكلام من سائرها فقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فخطب هذه الخطبة على البديهة وأسقط منها الألف، المؤنقة، وقال: حمدت وعظمت من عظمت مننه، وسبغت نعمته وسبقت رحمته غضبه، وتمت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته حمدته حمد عبد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل لخطيئته معترف بتوحيده، مؤمل من ربه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته وبنيه، ويستعينه ويسترشده ويستهديه ويؤمن به ويتوكل عليه وشهدت له تشهد مخلص موقن وبعزته مؤمن، وفردته تفريد مؤمن متقن، ووجدت له توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير، وعن عون معين ونظير، علم فستر، وبطن فخبر وملك فقهر، وعصى فغفر، وحكم فعدل، لم يزل ولن يزول، ليس كمثله شيء، وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء، رب منفرد بعزته، متمكن بقوته،متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر، وليس يحيط به نظر، قوي معين منيع، عليم، سميع، بصير، رؤوف، رحيم عطوف، عجز عن وصفه من يصفه، وضل عن نعته من يعرفه، قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مؤنقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة، وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله وصفيه ونبيه وحبيبه وخليله صلى عليه صلاة تحظيه، وتزلفه وتعليه، وتقربه وتدنيه، بعثه في خير عصر، وحين فترة وكفر، رحمة منه لعبيده، ومنة لمزيده، ختم به نبوته، ووضح به حجته، فوعظ ونصح، وبلغ وكدح، رؤوف بكل مؤمن رحيم، سخي رضي ولي زكي عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم، من رب غفور رحيم، قريب مجيب؛ وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربكم، وذكرتكم سنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم ويبلدكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته، وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم وتملقكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخضوع، وتوبة ونزوع، وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشيبته قبل هرمه وكبره، وسعته قبل فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل أن يكبر فيهرم ويمرض ويسقم، ويمله طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، وينقطع عمره، ويتغير عقله، ثم قيل هو موعوك، وجسمه منهوك، ثم أخذ في نزع شديد وحضره كل حبيب قريب وبعيد، فشخص ببصره، وطمح بنظرة ورشح جبينه، وخطف عرنيته، وسكن حنينه، وجذبت نفسه وبكته عرسه، وحفر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق عنه صديقه وعدوه، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، وكفن ومدد، ووجه وجرد، وغسل وعري، ونشف وسجي، وبسط وهيء، ونشر عليه كفنه، وشد منه ذقنه، وقمص منه وعمم، وودع وعليه سلم وحمل فوق سريره وصلي عليه بتكبيرة، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، فجعل في ضريح ملحود، ضيق موصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود، وهيل عليه عفره، وحثي عليه مدره، فتحقق حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليه ونديمه ونسيبه، وتبدل به قرينه وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين قفر، يسعى في جسمه دود قبره، ويسيل صديده على صدره ونحره ويسحق تربته لحمه، وتنشف دمه، ويرم عظمه حتى يوم حشره،فينشر من قبره وينفخ في صوره، ويدعى لحشره ونشوره، فثم بعثرت قبور، وحصلت سريرة صدور، وجيء بكل نبي وصديق وشهيد، وقصد للفصل بعبده خبير بصير، فكم زفرة تغنيه وحسرة تفضيه! في موقف مهيل، ومشهد جليل، بين يدي ملك عظيم، بكل صغيرة وكبيرة عليم؛ حينئذ يلجمه عرقه ويحفزه قلقه؛ عبرته غير مرحومة، وضرعته غير مسموعة، وحجته غير مقبولة؛ تنشر صحيفته، وتبين جريرته؛ حين نظر في سوء عمله، وشهدت عينه بنظره، ويده ببطشه، ورجله بخطوه، وفرجه بلمسه، وجلده بمسه؛ ويهدده منكر ونكير، فكشف له عن حيث يصير؛ فسلسل جيده، وغلغل يده؛ وسيق يسحب وحده، فورد جهنم بكرب وشدة؛ فظل يعذب في جحيم. ويسقى شربة من حميم؛ يشوى وجهه، ويسلخ جلده، يضربه ملك بمقمع من حديد، يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد؛ فيستغيث فيعرض عنه خزنة جهنم، ويستصرخ فلم يجب، ندم حيث لم ينفعه ندمه، فيلبث حقبة؛ نعوذ برب قدير، من شر كل مصير، ونسأله عفو من رضى عنه، ومغفرة من قبل منه؛ فهو ولى مسألتي، ومنجح طلبتي، فمن زحزح عن تعذيب ربه، جعل في جنته بقربه، وخلد في قصور مشيدة، وملك حور عين وحفدة، وطيف عليه بكوؤس، وسكن حظيرة قدس في فردوس؛ وتقلب في نعيم، وسقى من تسنيم؛ وشرب من عين سلسبيل، قد مزج بزنجبيل؛ ختم بمسك، وعنبر مستديم للملك، مستشعر للشعور، يشرب من خمور، في روض مغدق ليس ينزف في شربه؛ هذه منزلة من خشى ربه، وحذر نفسه؛ وتلك عقوبة من عصى منشئه، وسولت له نفسه معصيته؛ لهو قول فصل، وحكم عدل، خير قصص قص، ووعظ نص؛ تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين من عند رب كريم على قلب نبي مهتد رشيد؛ صلت عليه سفرة، مكرمون بررة؛ وعذت برب عليم حكيم قدير رحيم، من شر عدو لعين رجيم؛ يتضرع متضرعكم ويبتهل مبتهلكم، ونستغفر رب كل مربوب لي ولكم؛
شرح ابن ابى الحديد ج 19 ص 140 تا ص 143،نهج السعادة فى مستدرك نهج البلاغه ج 1 ص 87 خ 20،كنز العمال ج 16 ص 208 تا ص 213 ش 44234،سفينة البحار ج 1 ص 397
خطبة لعلي بن أبي طالب خالي من النقط
الحمد لله أهل الحمد ومأواه, وله أوكد الحمد وأحلاه, وأسعد الحمد وأسراه, وأطهر الحمد وأسماه, وأكرم الحمد وأولاه. الواحد الأحد الصمد لا والد له ولا ولد. سلط الملوك وأعداها, وأهلك العداة وأدحاها, وأوصل المكارم وأسراها, وسمك السماء وعلاها, وسطح المهاد وطحاها, ووطدها ودحاها, ومدها وسواها, ومهدها ووطاها, وأعطاكم ماءها ومرعاها, وأحكم عدد الامم وأحصاها, وعدل الأعلام وأرساها. ألا له الأول لا معادل له, ولا راد لحكمه, لا إله إلا هو الملك السلام المصور العلام الحاكم الودود, المطهر الطاهر, المحمود أمره, المعمور حرمه, المأمول كرمه. علمكم كلامه وأراكم أعلامه وحصل لكم أحكامه, وحلل حلاله وحرم حرامه وحمل محمدا الرسالة, رسوله المكرم المسود المسدد الطهر المطهر, أسعد الله الامة ؛ لعلو محله وسمو سؤدده وسداد أمره وكمال مراده. أطهر ولد آدم مولودا وأسطعهم سعودا وأطولهم عمودا وأرواهم عودا وأصحهم عهودا وأكرمهم مردا وكهولا ! صلاة الله له ولآله الأطهار مسلمة مكررة معدودة, ولآل ودهم الكرام محصلة مرددة ما دام للسماء أمر مرسوم وحد معلوم. أرسله رحمة لكم وطهارة لأعمالكم وهدوء داركم ودحور عاركم وصلاح أحوالكم, وطاعة لله ورسله, وعصمة لكم ورحمة. اسمعوا له وراعو أمره وحللوا ما حلل, وحرموا ما حرم, واعمدوا رحمكم الله لدوام العمل, وداحروا الحرص واعدموا الكسل وادروا السلامة وحراسة الملك وروعها, وهلع الصدور وحلول كلها وهمها. هلك والله أهل الإصرار, وما ولد والد للأسرار, كم مؤمل أمل ما أهلكه, وكم مال وسلاح اعد صار للأعداء عده وعمده. اللهم لك الحمد ودوامه والملك وكماله لا إله إلا هو, وسع كل حلم حلمه, وسدد كل حكم حكمه, وحدر كل علم علمه. عصمكم ولواكم ودوام السلامة أولاكم وللطاعة سددكم وللإسلام هداكم ورحمكم, وسمع دعاءكم وطهر أعمالكم وأصلح أحوالكم. وأسأله لكم دوام السلامة, وكمال السعادة, والآلاء الدارة, والأحوال السارة, والحمد لله وحده
ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب. في باب و(علم أمير المؤمنين (عليه السلام)) ونقلها عنه العلامة المجلسي في بحار الأنوار (9/ 531 ـ 535)