النهي عن السبّ والشتم عند الأئمة:
ان عظمة الائمة من أهل البيت مستمدة من سيرتهم وتفانيهم في سبيل الحق وخير الناس أجمعين لا من الخرافات والاساطير ولا من سيئات أخصامهم , والتاريخ وحده هو الذي يكشف هذه الحقيقة ويضع الانسان اما في صفوف عباقرة العصور والمصلحين, أو في صفوف الأبالسة والشياطين , هذا بالاضافة إلى أن الاثار الصحيحة تؤكد أنهم كانوا يحرصون أشد الحرص على أن يترفع أصحابهم عن لغة السب والشتم وكشف العيوب ,لقد سمع أميرالمؤمنين (ع) جماعة من أصحابه يشتمون معاوية , فانكر عليهم ذلك وقال : اني اكره لكم أن تكونوا قوما سبابين , فاذا ذكرتموه وأصحابه فقولوا عوضا عن ذلك اللهم اجمعنا واياهم على الحق والهدى واهدهم الى صراطك المستقيم , في حين أن معاوية قد عمل بما تقتضيه طبيعته وطينته فأمر بلعن علي وشتمه على المنابر وفي النوادي والحلقات وأعد القصاصين لهذه الغاية كما أشرنا الى ذلك في الفصول السابقة , مع العلم بأن الذين حكموا قبل معاوية كانوا انزه منه واحرص منه على مصلحة الاسلام بعشرات المرات , ومن الثابت ان الرواية التي رواها بعض المؤرخين والمحدثين والتي تنص على أن عليا (ع) قد أمر أصحابه بلعن معاوية وقنت بلعنه في صلاته . هذه الرواية من موضوعات معاوية وأتباعه وضعوها ليبرروا بها شتم علي ولعنه على منابر المسلمين , بل وحتى في الصلاة وجميع الطاعات.
وذكر جماعة من المحدثين وكتاب الفرق أن جماعة ممن بايعوا زيدا في الكوفة قالوا له , في الوقت الذي استعد لمواجهة اتباع الامويين : ما تقول رحمك الله في أبي بكر وعمر , فقال : غفر الله لهما ما سمعت احدا من آبائي تبرأ منهما وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا . فقالوا له : فلم تطالب اذن بدم أهل البيت , فقال: إن اشد ما أقول فيمن ذكرتم , إنا كنا أحق الناس بهذا الامر ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه , ولم يبلغ ذلك عندنا كفرا, فقد ولوا فعدلوا وعملوا بالكتاب والسنة , قالوا : فلم تقاتل اذن ؟ قال : إن هؤلاء ليسوا كاولئك , ان هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم , واني ادعوا الى كتاب الله وإحياء السنن واماتة البدع , فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل , فرفضوه وانصرفوا ونقضوا بيعته فلحقهم اسم الرافضة كما يبدو ذلك في كتاب الفرق والمؤرخين , لو صح ما ينسب الى الائمة (ع) من أنهم كانوا يشتمون , أو يرضون بالسب والشتم لا يمكن أن ينفي زيد هذا الامر نفيا قاطعا ويصر على موقفه , وهو يعلم أن جماعة ممن بايعوه سينفضّون من حوله وهو في أمس الحاجة الى الانصار والاتباع.
وجاء عن الامام علي بن الحسين (ع) أنه أنكر على جماعة من الشيعة شتمهم للخلفاء وقال لهم : أيها الناس أحبونا حب الاسلام فما برح حبكم لنا حتى أصبح علينا عارا وحتى بغّضتمونا الى الناس.
وجاء عنه أن جماعة من الشيعة نالوا من أبي بكر وعمر في مجلسه فقال لهم : أخبروني أأنتم من المهاجرين الاولين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله ؟ قالوا كلا, قال : أفأنتم من الذين تبؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؟ قالوا : لا , فقال لهم : أما أنتم فقد أقررتم على أنفسكم وشهدتم بأنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء , وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله فيهم : ((والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )) قوموا عني لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم أنتم مستهزئون بالاسلام ولستم من أهله.
ورويت هذه الحادثة مع ولده الامام محمد الباقر (ص) ومن الجائز أن تكون قد تكررت معهما وأجاب الثاني بعين جواب الاول , لان منطقهما واحد وهدفهما لا يدارون ولا يحابون ولا يهمهم إلا رضا الله وخير الناس أجمعين.
وروي جابر الجعفي عن الامام الباقر (ع) أنه قال له وهو يودعه: ابلغ أهل الكوفة أني برىء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر , ولمن يعرف فضلهما فقد جهل السنة.
وروي عنه أنه قال له : بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني بريء منهم , والذي نفسي بيده لو وليت لتقربت الى الله بدمائهم , لا نالتني شفاعة محمد (ص) أن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما.
وجاء عن الامام الصادق (ع) أن عروة بن عبدالله سأله عن حلية السيوف , فقال : لا بأس بها , فقد حلي ابو بكر الصديق سيفه , قال له : أتقول الصديق فوثب واستقبل القبلة , ثم قال : نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا. الى غير ذلك من المرويات المنتشرة هنا وهناك وهذه المرويات وان لم تكن مستوفية للشروط المطلوبة من حيث متنها وسندها كما يبدو ذلك من رواية جابر المتقدمة التي يقول الامام فيها : لو وليت لتقربت الى الله بدمائهم , فانهم لا يستوجبون هذه العقوبة لمجرد أنهم ينالون من أبي بكر وعمر كما هو المعلوم حتى ولو كان ابو بكر وعمر في منتهى القداسة , إلا أن هذه المرويات على تقدير صدورها ولو لأي جهة من الجهات تلمح إلى أن لغة السباب والشتائم ليست مألوفة للائمة (ع) ولا هي من منطقهم , ولا تساعده الطروف على استعمالها , وبالامكان أن تكون تلك المرويات من صنع الدساسين وأعداء الائمة كما ذكرنا سابقا حسبما يتفق مع مصالحهم وأغراضهم الدنيئة , وأنا لا أريد أن أبرىء بعض المتشيعين من الطعن على الخلفاء وإلصاق بعض الصفات المشينة بهم, فقد وضع بعضهم عددا من المرويات حول هذا الموضوع ونسبوها الى الائمة الى جانب ما وضعه اعوان الحكام من المرتزقة وأعداء أهل البيت , كما جاء في رواية ابراهيم بن أبي محمود عن الامام الرضا(ع) , ولكن الذي أريده أن الائمة الهداة (ع) مع حرصهم الأكيد على التمسك بالحق الذي جعله الله لهم والذين هم أولى به من أي انسان آخر مهما كانت منزلته وصفته , كانوا عندما يحاولون اظهار حقهم وظلامتهم لا يتعدون اسلوب القرآن الكريم في التنديد بالظالمين والغاصبين ذلك الاسلوب الذي يتناسب مع مقامهم الرفيع وحرصهم على تماسك الامة في مقابل اعداء الاسلام الذين يكيدون لله ورسوله وكتابه , كما نبهت على ذلك أكثر من مرة في الفصول السابقة والله من وراء القصد.
منقول من كتاب تهذيب أحاديث الشيعة
تأليف وترجمة : أحمد القبانجي
ان عظمة الائمة من أهل البيت مستمدة من سيرتهم وتفانيهم في سبيل الحق وخير الناس أجمعين لا من الخرافات والاساطير ولا من سيئات أخصامهم , والتاريخ وحده هو الذي يكشف هذه الحقيقة ويضع الانسان اما في صفوف عباقرة العصور والمصلحين, أو في صفوف الأبالسة والشياطين , هذا بالاضافة إلى أن الاثار الصحيحة تؤكد أنهم كانوا يحرصون أشد الحرص على أن يترفع أصحابهم عن لغة السب والشتم وكشف العيوب ,لقد سمع أميرالمؤمنين (ع) جماعة من أصحابه يشتمون معاوية , فانكر عليهم ذلك وقال : اني اكره لكم أن تكونوا قوما سبابين , فاذا ذكرتموه وأصحابه فقولوا عوضا عن ذلك اللهم اجمعنا واياهم على الحق والهدى واهدهم الى صراطك المستقيم , في حين أن معاوية قد عمل بما تقتضيه طبيعته وطينته فأمر بلعن علي وشتمه على المنابر وفي النوادي والحلقات وأعد القصاصين لهذه الغاية كما أشرنا الى ذلك في الفصول السابقة , مع العلم بأن الذين حكموا قبل معاوية كانوا انزه منه واحرص منه على مصلحة الاسلام بعشرات المرات , ومن الثابت ان الرواية التي رواها بعض المؤرخين والمحدثين والتي تنص على أن عليا (ع) قد أمر أصحابه بلعن معاوية وقنت بلعنه في صلاته . هذه الرواية من موضوعات معاوية وأتباعه وضعوها ليبرروا بها شتم علي ولعنه على منابر المسلمين , بل وحتى في الصلاة وجميع الطاعات.
وذكر جماعة من المحدثين وكتاب الفرق أن جماعة ممن بايعوا زيدا في الكوفة قالوا له , في الوقت الذي استعد لمواجهة اتباع الامويين : ما تقول رحمك الله في أبي بكر وعمر , فقال : غفر الله لهما ما سمعت احدا من آبائي تبرأ منهما وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا . فقالوا له : فلم تطالب اذن بدم أهل البيت , فقال: إن اشد ما أقول فيمن ذكرتم , إنا كنا أحق الناس بهذا الامر ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه , ولم يبلغ ذلك عندنا كفرا, فقد ولوا فعدلوا وعملوا بالكتاب والسنة , قالوا : فلم تقاتل اذن ؟ قال : إن هؤلاء ليسوا كاولئك , ان هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم , واني ادعوا الى كتاب الله وإحياء السنن واماتة البدع , فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل , فرفضوه وانصرفوا ونقضوا بيعته فلحقهم اسم الرافضة كما يبدو ذلك في كتاب الفرق والمؤرخين , لو صح ما ينسب الى الائمة (ع) من أنهم كانوا يشتمون , أو يرضون بالسب والشتم لا يمكن أن ينفي زيد هذا الامر نفيا قاطعا ويصر على موقفه , وهو يعلم أن جماعة ممن بايعوه سينفضّون من حوله وهو في أمس الحاجة الى الانصار والاتباع.
وجاء عن الامام علي بن الحسين (ع) أنه أنكر على جماعة من الشيعة شتمهم للخلفاء وقال لهم : أيها الناس أحبونا حب الاسلام فما برح حبكم لنا حتى أصبح علينا عارا وحتى بغّضتمونا الى الناس.
وجاء عنه أن جماعة من الشيعة نالوا من أبي بكر وعمر في مجلسه فقال لهم : أخبروني أأنتم من المهاجرين الاولين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله ؟ قالوا كلا, قال : أفأنتم من الذين تبؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؟ قالوا : لا , فقال لهم : أما أنتم فقد أقررتم على أنفسكم وشهدتم بأنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء , وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله فيهم : ((والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )) قوموا عني لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم أنتم مستهزئون بالاسلام ولستم من أهله.
ورويت هذه الحادثة مع ولده الامام محمد الباقر (ص) ومن الجائز أن تكون قد تكررت معهما وأجاب الثاني بعين جواب الاول , لان منطقهما واحد وهدفهما لا يدارون ولا يحابون ولا يهمهم إلا رضا الله وخير الناس أجمعين.
وروي جابر الجعفي عن الامام الباقر (ع) أنه قال له وهو يودعه: ابلغ أهل الكوفة أني برىء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر , ولمن يعرف فضلهما فقد جهل السنة.
وروي عنه أنه قال له : بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني بريء منهم , والذي نفسي بيده لو وليت لتقربت الى الله بدمائهم , لا نالتني شفاعة محمد (ص) أن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما.
وجاء عن الامام الصادق (ع) أن عروة بن عبدالله سأله عن حلية السيوف , فقال : لا بأس بها , فقد حلي ابو بكر الصديق سيفه , قال له : أتقول الصديق فوثب واستقبل القبلة , ثم قال : نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا. الى غير ذلك من المرويات المنتشرة هنا وهناك وهذه المرويات وان لم تكن مستوفية للشروط المطلوبة من حيث متنها وسندها كما يبدو ذلك من رواية جابر المتقدمة التي يقول الامام فيها : لو وليت لتقربت الى الله بدمائهم , فانهم لا يستوجبون هذه العقوبة لمجرد أنهم ينالون من أبي بكر وعمر كما هو المعلوم حتى ولو كان ابو بكر وعمر في منتهى القداسة , إلا أن هذه المرويات على تقدير صدورها ولو لأي جهة من الجهات تلمح إلى أن لغة السباب والشتائم ليست مألوفة للائمة (ع) ولا هي من منطقهم , ولا تساعده الطروف على استعمالها , وبالامكان أن تكون تلك المرويات من صنع الدساسين وأعداء الائمة كما ذكرنا سابقا حسبما يتفق مع مصالحهم وأغراضهم الدنيئة , وأنا لا أريد أن أبرىء بعض المتشيعين من الطعن على الخلفاء وإلصاق بعض الصفات المشينة بهم, فقد وضع بعضهم عددا من المرويات حول هذا الموضوع ونسبوها الى الائمة الى جانب ما وضعه اعوان الحكام من المرتزقة وأعداء أهل البيت , كما جاء في رواية ابراهيم بن أبي محمود عن الامام الرضا(ع) , ولكن الذي أريده أن الائمة الهداة (ع) مع حرصهم الأكيد على التمسك بالحق الذي جعله الله لهم والذين هم أولى به من أي انسان آخر مهما كانت منزلته وصفته , كانوا عندما يحاولون اظهار حقهم وظلامتهم لا يتعدون اسلوب القرآن الكريم في التنديد بالظالمين والغاصبين ذلك الاسلوب الذي يتناسب مع مقامهم الرفيع وحرصهم على تماسك الامة في مقابل اعداء الاسلام الذين يكيدون لله ورسوله وكتابه , كما نبهت على ذلك أكثر من مرة في الفصول السابقة والله من وراء القصد.
منقول من كتاب تهذيب أحاديث الشيعة
تأليف وترجمة : أحمد القبانجي
تعليق