إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رحلة في عالم الأرواح قصة واقعية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة في عالم الأرواح قصة واقعية


    كان بيتنا قرب صحن العبّاس في كربلاء ، وقد شقّه بعد ذلك الشارع الذي يسمّى اليوم بشارع علي أكبر ، وكان لنا حمّام مقابل دارنا هذه يسمّى بِحمّام (شنطوط) وفي دارنا يوجد نيم سرداب فيه رفّ يرتفع عن أرض السرداب بمقدار متر ، وتحت الرفّ درج تتّصل بأتون الحمّام .
    وفي يوم من أيام الصيف رغبت أن أنام على ذلك الرفّ ، فنهتني أمّي عن ذلك وقالت "إن نمتَ على هذا الرفّ تسقط إلى أسفل الأتون وتموت" . فلم أنتهِ عن رغبتي ولم ألتفت لقولِها ، ثمّ استغفلت والدتي بعد أن ذهبتْ عنّي لقضاء أشغالِها وصعدتُ ونمتُ على ذلك الرفّ ، وكنت أتقلّب في نومي فسقطتُ من الرفّ على رأسي فوق الدرج التي تحت الرفّ ، وعند وقوعي شعرتُ كأنّي كنتُ في قفص فخرجتُ منه ، والقفص هو جسمي وقد أصبحتُ روحاً من الأرواح ، وصعدتُ من الدرج إلى السرداب أقفز كالعصفور ؛ إذْ كانت ساقاي فيهما تجاذب ولا أستطيع أن أرفع رجلاً وأضع أخرى لكي أصعد من الدرج ، وتركت جسمي ملقىً على الدرج .
    ثمّ نظرتُ إلى نفسي فإذا أنا عريان [ قال النبيّ (ع) :" تحشر الناس يوم القيامة عراةً حفاةً غُلفاً ." وقال الله تعالى في سورة الكهف{ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني : جئتمونا عُراةً كما جئتم إلى الدنيا عراة .] فاستحييتُ مِمّا أنا فيه والتفتُّ يميناً وشمالاً لعلّي أجد ثوباً ألبسه وأستر به عورتي ، فرأيتُ ثوباً من ثيابي (دشداشة) ملقىً على الأرض قرب الجدار فمددت إليه يدي لكي ألبسه فلم أتمكّن من حمله مع أنّي كنت ألمسه وأشعر بوجوده ولكن لا أستطيع حمله من الأرض فعجبت من ذلك ، ولَمّا عجزت عن حَمل الثوب التفتّ إلى الوراء لأرى أحداً أسأله عن السبب فإذا بفتاة تحمل بيدها بضعة ثياب تصلح للأطفال فقالت : "ما بالك ؟"
    قلت : "أريد أن ألبس ثوبي هذا ولكن لا أستطيع"
    فقالت : "اتركه وخذ ثوباً من عندي والبسه" ، وناولتني ثوباً أبيض ناصع البياض ، فخلته كفناً واشمأززت منه فرددته عليها وقلت : "لا أريد هذا الثوب لأنه يشبه الكفن في بياضه" ، فناولتني ثوباً آخر مخطّطاً بألوان فأخذته منها ولبسته وسترت به عورتي ولكنّه كان قصيراً لا يتجاوز ركبتيّ ،
    فقلت لَها : "هذا ثوب قصير" ،
    قالت : "إلبسه مؤقّتاً حتّى أعطيك ثوباً أطول منه ." [ ومن هذا يظهر أنّ الأطفال لا تبقى عراة في عالم الأرواح لأنّ الأطفال لا ذنب لَهم . أمّا الرجال والنساء فيعامَلون بأعمالِهم فمن كان من الصالحين تعطيه الملائكة ثياباً يستر بِها عوراته .
    ولقد رأيت عمّي علي يرتدي ملابس وكذلك الفتاة التي أعطتني ثوباً ترتدي ملابس هي الأخرى . أمّا الفاسقون فيبقون عراة بين النفوس ، وذلك عذاب الخزي في عالم الأرواح ؛ قال الله تعالى في سورة فصّلت { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} .]
    ثمّ قالت : "هل تريد ماءً لتشرب ،
    قلت : "لا أريد " ،
    قالت : "ألست عطشاناً ؟"
    قلت : "كلاّ " ،
    فجاءت بكأسٍ كالبلّور وفيه ماء فقالت : "أنظر إلى هذا الماء فإنّه لذيذ الطعم كالشربت [: العصير] فإنْ شربتَ منه لا تظمأ بعده أبداً " ، وهكذا أخَذَتْ تحثّني على شربه فأخذتُ الكأس منها وشربتُه ، ولَمّا شعرتُ ببرودته وطعمه اللذيذ لم أترك في الكأس شيئاً منه وناولتها الكأس فارغاً ،
    ثمّ قالت : "هذا عمّك علي تعال سلّمْ عليه" ، وأشارت إلى شابٍّ كان واقفاً في السرداب ، فنظرتُ إليه فتبسّم في وجهي ودعاني إليه ، ولكنّي لم أذهب إليه ولم أرغبْ في مكالمته لأنّي لم أعرفْه ولم أكنْ قد رأيتُه من قبل ولم أعلم أنّ لي عمّاً اسمه علي مات قبل أن أولَد ،
    وكذلك الفتاة لم أعرفْها ولكنّها قالت لي : "أنا أختك ."
    وجاءت والدتي مسرعة لَمّا سمعت صوت الوقعة ونزلَتْ إلى أتون الحمّام ورفعت جسمي من على الدرج وصعدتْ به إلى السرداب ، فجلست على الأرض واحتضنَتْه وصارت تقبّله وتمسح الدم عن وجهه وتبكي وهي تخاطبه باسمي ، فجاءت عمّتي وجلست عندها ، ثمّ جاءت بنت عمّي وأخذتْ قطعة من الصوف وأشعلَت فيها النار فلَمّا اشتعل نصفها أخمدَتها فوضعَتها فوق الجرح الذي كان يسيل منه الدم [لم يكن اليود أو موادّ التعقيم الأخرى معروفة عند الناس حينذاك بل كانوا يضعون "عطّابة" على الجرح ، وهي صوفة يحرقون نصفَها ثمّ يخمدونَها ويضعونَها على الجرح .] وجاءت عمّتي بعُصابة سوداء فشدّت بِها رأس جسمي وجلسْنَ عنده يخاطبنه ، ثمّ قامت عمّتي وجاءت بالماء وصارت ترشّه على وجهه ولكنّ جسمي كان كالميّت لا يتحرّك بأدنى حركة .
    كلّ هذا وأنا واقف أنظر إليهنّ متعجّباً من فعلهنّ بالجثّة التي بين أيديهنّ ، وقلت في نفسي "إنّ والدتي قد اختلّ فكرها وتاه لبّها فهي تخاطب هذا الطفل الميّت باسمي وتقبّله وتبكي عليه فهل لا تراني واقفاً أمامها وهل هذا الطفل ابنها أم أنا ؟"
    ثمّ دنوتُ منها وصرت أخاطبها وأشير لَها بيدي اليسرى وأقول : "أنا إبنكِ ، أنا محمّد علي ، ألا ترَيني واقفاً أمامكِ ؟ إني سالم لا أشكو وجعاً من رأسي ولا عضواً من أعضائي" . ولكنّها لم تسمعني ولم تلتفت إليّ ، فكرّرت لَها القول ورفعت صوتي لعلّها تسمعني وتراني ولكن دون جدوى .
    فحزنت لِحالِها وكدتُ أبكي ، فتقدّمت منّي تلك الفتاة التي أعطتني الثوب في عالم الأرواح وقالت : "ما بالك حزين؟" ،
    قلت : "ألم تنظري إلى والدتي تبكي وتندب ؟" ،
    فقالت : "أتركها لِحالِها واذهب إلى التنزّه واللعب فإنّها ستترك البكاء بعد ساعة ."
    فلمّا أردتُ الخروج من السرداب إذا بساقَيّ لا تساعدانني على المشي ولا يمكنني أن أرفع رجلاً وأضع أخرى فكأنّهما قيّدتا بالقيود أو رُبطتا بالحبال [قال الله تعالى في سورة القيامة يصف الأرواح حين خروجِها من الأجسام {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ، وأمّا سبب هذا الالتفاف فهو تجاذب يكون بين الساقين فيمنع النفوس من المشي على الأقدام فينطلقون كالطيور .]
    فقلت لتلك الفتاة : "لا أتمكّن من المشي والخروج من السرداب ولا أعلم ما الذي أصاب ساقَيَّ فكأنّهما رُبِطَتْ إحداهما بالأخرى" ،
    فقالت : "أترك المشي على الأقدام وانطلق كالطير" ،
    فلم أفهم ما تقول فقلت : "وهل يسير الإنسان بدون أقدام ؟ وكيف أنطلق وساقاي قد شُلّتا وبطلتا عن الحركة ؟" ، فأرادت أن تُفهمني مقصودها فأخذتْ تعبّر بكلمات أخرى بدل كلمة الانطلاق فلم أفهم مقصودها ،
    ولَمّا عجزتْ عن إفهامي قالت : "أنظرْ إليّ كيف أنطلق وانطلق مثلي بدون أن ترفع قدماً وتضعَ أخرى" ، وانطلقتْ في الهواء كالطير ولكن بدون جناح ، فتعلّمتُ منها وانطلقتُ وتركتُ أمّي تبكي وخرجتُ من السرداب قاصداً الزقاق لأتسلّى باللعب عَمّا أشاهده من حال أمّي والجثّة التي احتضنتْها .
    فلمّا وصلتُ باب الدار رفعتُ يدي اليسرى وأدخلتُ أصابعي الأربع في حلقة الباب وبقي الإبهام خارجاً وسحبتُها كما كنتُ أفتحها كلّ مرّة ، ولكن في هذه المرّة لم تنفتح الباب ومرّة ثانية لم تنفتح وفي الثالثة سحبتُها بكلّ قواي فتقطّعت أصابعي من ذلك وزاد تعجّبي لَمّا رأيتُ أصابعي معلّقة في الهواء لم تسقط على الأرض ولم يخرج منها دم ، فكانت كالشمع في مرونته وقتَ الصيف ، فبقيتُ متحيّراً أسائلُ نفسي كيف أفتح الباب وقد تقطّعت أصابعي ، ولماذا لا أقوى على فتحها اليوم وقد فتحتُها من قبل مراراً عديدة ، وكيف تقطّعت أصابعي بسهولة وقد كانت قويّة ، ولِماذا لم يخرج منها الدم وقد كان خروجه لأقلّ خدش يصيبها .
    فبينما أنا واقف أفكّر في أمري وإذا بالفتاة أقبلت نحوي فقالت : "ما بالك في حيرة ؟" ،
    قلتُ : "لقد تقطّعتْ أصابعي ولم أتمكّن من فتح الباب"
    قالت : "لا تحزنْ على ما أصابك فالأمر هيّن ولا يحتاج إلى تكدير الحال : أمّا أصابعك فضعها في أماكنها على راحة كفّك تعُدْ كما كانت ، وأمّا الباب فإنّك لا تستطيع فتحَها فإنْ شئتَ الخروج من الدار فاخرجْ من شقوق الباب" ،
    فقلت لَها : " أتسخرين منّي وأنا في هذه الحال !؟" ،
    قالت : "لستُ بساخرة وإنّما أقول الحقيقة" ،
    قلت في تعجّب : "هل يمكن ذلك وهل أستطيع عليه ؟" ،
    قالت : "بلى" ، فمددتُ يدي اليمنى وأخذتُ أصابعي المتقطّعة من الهواء واحداً بعد الآخر ووضعتُها في أماكنِها على راحة كفّي اليسرى فالتصقت بِها حالاً كما تلتصق قطع الشمع بعضها بالبعض في زمن الصيف وعادتْ يدي سالمة كما كانت ففرحتُ بسلامتها ،
    فقالت الفتاة : "والآن ضَعْ رأسك في أحد شقوق الباب واخرج إلى الزقاق" ،
    فظننتُ أنّها تسخر منّي فقلتُ لَها بانزعاج : "هل أنا مجنون فتسخرين منّي ؟" ،
    قالت : "لستُ بساخرة ؛ ألم ينطبق قولي في أصابعك وعادتْ يدك سالمة كما قلت لك فكذلك ينطبق في خروجك من شقوق الباب وسترى أنّ ما أقوله هو حقيقة وليس بسخرية " ،
    فوضعتُ رأسي في أحد شقوق الباب وإذا بي أنساب من الشقّ كما تنساب ذرّات الرمل من بين الأصابع ، وكانت ذرّات جسمي الأثيري تنجذب بعضها إلى بعض وكلّها تتبع رأسي كبرادة الحديد التي تنجذب نحو المغناطيس ، وفي نصف دقيقة أو أقلّ خرجتُ من باب الدار إلى الزقاق .
    فوقفتُ قرب الباب وصرت أنظر إلى الناس وهم يسيرون قي ذلك الزقاق المؤدّي إلى سوق العبّاس ، فرأيت بعضهم عراة (أرواح) وبعضهم يرتدي ثياباً قصيرة وسيقانهم مكشوفة فإذا صار طريقهم في الشمس اختفوا عن بصري وإذا صاروا في الظلّ رأيتُهم بوضوح يسيرون في الطريق ، ورأيت بعضهم يسيرون وليس لَهم أقدام بل لَهم حوافر مثل حوافر الخيل ، ولَمّا سألتُ عنهم قالوا هؤلاء من الجنّ .
    فبينما أنا واقف أنظر إلى المارّة وإذا بريح تهبّ على ذلك الطريق فرفعتني من مكاني وصارت تدفعني بسرعة وكلّما حاولتُ أن أقاوم الريح وأثبت في مكاني فلم أتمكّن ـ فكنتُ كورقة قرطاس في خفّتها تنقلها الرياح من مكانٍ إلى آخر ، ثمّ ألقتني على الأرض فاصطدمتُ بكرسي كان في المقهى القريب من دارنا ، وكانت الصدمة في ركبتي اليسرى ، فتألّمتُ ألماً شديداً وبقيت في مكاني بضع دقائق جالساً جنب الكرسي [قال الله تعالى في سورة الحج في ذمّ المشركين{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } فالطيور والرياح خطر على الأرواح .] وكانت رجلي المصدومة ممدودة إلى جانب الكرسي وقد فصلتُها عن الثانية بصعوبة ، فجاء رجلٌ من الأحياء ليجلس على الكرسي الذي أنا بجانبه فوطأ قدمي برجله وحذائه ، فزادني بذلك ألماً فسحبتُ رجلي
    ونهرته قائلاً : "هل أنت أعمى ؟ لقد سحقت قدمي برجلك ؛ ألا تراني جالساً هنا ؟" ، فلم يجبني بكلمة واحدة ، ثمّ عاودت عليه اللوم فلم يسمع ولم يلتفت إليّ ؛
    فقلتُ في نفسي : "ما بال الناس لا يسمعون ولا يبصرون في هذا اليوم ، وبقيت في مكاني حتّى زال الألم وسكنت الرياح فقمتُ متعجّباً مِمّا شاهدتُه في ذلك اليوم وزاد عجبي لَمّا رأيتُ نفسي خفيفاً كالهواء ويمكنني أن أطير بلا جناح .
    فأنهضتُ نفسي إلى فوق فارتفعتُ إلى علوّ مترَين أو ثلاثة ودخلتُ سوق العبّاس وأنا فرح مسرور بنفسي لِما أشاهدُهُ من استطاعتي على الطيران ثمّ قلت في نفسي : "هل أستطيع أن أرتفع أكثر من هذا ؟" فأنهضتُ نفسي وارتفعتُ وصرتُ أطير على علوّ أربعة أو خمسة أمتار ، فرأيتُ طيور حمام واقفات على أعواد سقف السوق ، فصارت رغبتي أن أمسك واحدةً منها ، فدنوتُ منها وهي لا تراني طبعاً فمدَدْتُ يدي اليسرى وأمسكتُ طيراً منها ، فكنتُ أشعر بالطير تحت يدي وفي قبضتي ولكنّي لم أتمكّن من إخضاعه وإيقافه عن المسير فوق الأعواد بل تقطّعت أصابعي أنملةً أنملةً بقوّته وحركته وفلتَ الطير من قبضتي وأخذ يمشي على الأعواد ويهدر على أنثاه ، وبقيت أناملي معلّقة بالهواء لم تسقط على الأرض [ومن هذا يظهر أنّ جاذبية الأرض ليس لَها تأثير على الأرواح .] فعجبتُ من ذلك وبقيت في حيرةٍ من أمري وحزنتُ مرّة أخرى على ذهاب أصابعي ، ثمّ تذكّرتُ ما جرى لي حين أردتُ فتحَ الباب إذْ تقطّعتْ أصابعي فأرشدَتني تلك الفتاة إلى إعادتِها في مكانِها ، ثمّ مدَدتُ يدي اليمنى وأخذتُ الأنامل من الهواء واحدةً بعدَ الأخرى و ردَدتُها إلى أماكنِها فالتصقَت بِها حالاً وعادتْ سالمة كما كنتُ فسررتُ بِها وزال حزني ، ولكن بقيت أفكّر في الطيور وأيّها أمسك ولم أكترثْ بِما أصابني مِنها من أذى ، فبينما أنا أفكّر فيها طار واحد من تلك الطيور فرفعتُ يدي اليسرى لأمسكه فوقعتْ كفّي اليسرى على عضدي الأيمن فاخترقتها ، ولكنّها اخترقت مكان اللحم دون العظم ، ولَمّا رفعتُ كفّي عنها التحمَتْ وعادت كما كانت ، فعجبت من ذلك ، ثمّ ضربتُ عضدي مرّة ثانية للتأكّد فاخترَقتْها ، ومرّة ثالثة فكانت النتيجة واحدة ، فكان جسمي الأثيري كالزبدة في الصيف عندما تنزل السكّين فيها بسهولة ثمّ تلتحم إذا رُفعَتُ عنها .
    وبينما أنا واقف في الهواء أفكّر في ذلك وإذا بطير يطير نحوي صدفة فاخترق بطني وخرج من ظهري ـ فقصمتني ضربته نصفَين ودَفعتْ بالنصف الأسفل إلى حوالَي ثلاثة أمتار بعيداً عنّي وغُشي عليّ من شدّة الألم [قال الله تعالى في سورة الحج في ذمّ المشركين{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } ، فهذا هو خطف الطير .] فلمّا أفقتُ رأيتُ نفسي بلا عجز ولا رجلين ، فنظرتُ يميناً وشمالاً فرأيت رجليّ خلفي واقفات في الهواء وكان الهواء يحرّكهما بحركة خفيفة ، وكان جسمي الأثيري شفّافاً يشبه زلال البيض قبل نضجه [قال الله تعالى في سورة الإنسان في وصف الولدان {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} ، فاللؤلؤ يكون شفّافاً قبل خروجه من الصدَفة . وقال تعالى في وصف الحور في سورة الصافّات {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} يعني كأنّها زلال البيض في نقاوته وشفّافيّته . وفي سورة الواقعة وصَفَهنّ باللؤلؤ فقال تعالى {وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} ، يعني كاللؤلؤ قبل خروجه من الصدَفة .] فعجبتُ مِمّا أرى ومِمّا أنا فيه ، وبقيتُ في حيرة كيف أُرجع رجلَيّ إلى جسمي ، وهل يعود جسمي كما كان وقد أصبح نصفين ، وكيف بقيتُ حياً لم أمت وأما في هذه الحال ، فبينما أنا أفكّر في أمري وإذا برجل عريان يصعد نحوي وهو يطير في الهواء بلا جناح ، فاشمأزّتْ نفسي منه وخفتُ منه في بادئ الأمر إذ ظننتُه مجنوناً لأنّ عورته بادية للعيان ، ولَمّا اقترب منّي أخذ يكلّمني فيما أنا فيه ويرشدني إلى إصلاح شأني ، فحينئذٍ ذهب الخوف عنّي إذ علمتُ أنّه ليس بمجنون ،
    فقال : "ما صنعتَ بنفسك ؟"
    قلتُ له : "صنع بي ذلك الطائر" ،
    قال : "أترك الطيور واذهب إلى أهلك فأنتَ روح ولا يمكنك أن تقبض عليها" (وكان الكلام ما بيننا باللهجة العامّية) كما كنتُ أتكلّم وأنا في جسمي المادّي .
    فقلتُ له : "وما معنى روح ؟ " ،
    قال : "أنت ميّت لا تتمكّن من أنْ تقبض على الطيور" ،
    فلم أفهم معنى قوله فظننتُ أنّه يقول إنّ الطير أماتك بضربته ، فقلتُ : "إنّي لم أمت من ضربة الطير ولكنّه قصمني نصفين كما ترى ، فهل يمكنك أن ترجع إليّ رجلَيّ ؟"
    قال : "إنّها لا تأتي إليكَ ولكن يمكنك أنْ تذهبَ أنتَ إلَيها" ،
    فقلتُ : "كيف أذهب إليها وليس لي أرجل أمشي بِها ؟"
    قال : "انطلق بدون أرجل" ،
    قلت : "وكيف يسير الإنسان بدون أرجل؟ " ، فلمّا رأى أنّي لم أفهم مقصده أخذ بيدي وقادني إلى حيث كانت رجلاي فأوقفني عليهما وساواهما مع جسمي الأثيري فالتصقتا به في الحال فكانت كالشمع إذا ألصقتَه بقطعة أخرى وعدتُ صحيحاً ،
    فعجبتُ من ذلك وقلتُ له : "هل لديك قطعة قماش تضمّدني بِها أو دواء ترشّه على جرحي لئلاّ ينفصل مؤخّري عن جسمي مرّة أخرى ؟"
    فقال : "لا حاجة إلى ذلك ."
    ثمّ سألته عن حاله فقلتُ له : "لماذا أنتَ عريان ، مالك من ثوب تلبسه أو لباس تستر به عورتك ؟ "
    قال : "إنّهم لم يعطوني" ،
    فقلت : "إشترِ من السوق" ،
    فقال : "لا يبيعون" [ قال الله تعالى في سورة البقرة {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ } ، وقال تعالى في سورة إبراهيم{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} ] فلم أفهم معنى كلامه ، ثمّ تركني وانصرف بعد أن أوصاني أن أترك الطيور وأرجع إلى أهلي ، وأنا أنظر إلى ظهره وجسمه العريان يلمع كالبلور أو كمعدن طُلي بالفسفور فصار يعطي شعاعاً ،
    فعجبتُ من حاله وقلتُ في نفسي : "هل هذا الرجل فقير لا يملك ثوباً ؟ كلاّ فإنّ الفقراء يسترون عوراتهم ولو بخرقة من القماش ، أو لعلّه مجنون ؛ ولكنّ المجانين لا يرشدون الناس إلى إصلاح حالِهم بل يؤذونهم ، وقد أرشدني هذا الرجل وأسعفني ولم أرَ منه قطّ أذى" .
    ثمّ صرفتُ نظري إلى نفسي أتأمّل فيها : فإذا أنا لا أستنشق الهواء كما كنت في السابق ، بل رئتاي ساكنتان هادئتان لا شهيق ولا زفير [قال الله تعالى في سورة إبراهيم في وصف النفوس{لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} يعني أفئدتهم فارغة من الدم ورئاتهم فارغة من الهواء ، لأنّهم نفوس أثيرية ، والشاهد على ذلك قول حسّان :
    ألا أبـلغْ أبـا سـفيانَ عنــّــي فـأنتَ مُـجَوّفٌ نخبٌ هـــواءُ ]
    فعجبتُ لِما أنا فيه ، واستنشقتُ مقداراً من الهواء للاختبار فلَمّا دخل الهواء جوفي أحسستُ بثقل في جوفي أزعجني فنفَثتُه من جوفي حالاً واسترحت منه .
    ثمّ فطنتُ إلى عينَيّ وإذا هما لا يرتدّ إليهما طرفهما كما كنت سابقاً ولكنّي إذا أردتُ أن أغمضهما يمكنني ذلك ، وإذا أردتُ أنْ أدير ببصري يميناً وشمالاً فلا أتمكّن بلْ عيناي شاخصتان إلى الأمام [قال الله تعالى في سورة إبراهيم متوعّداً الكافرين والظالمين {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} يعني يؤخّرهم ليوم مماتِهم الذي تشخص فيه أبصارهم ، أي تثبت .]
    وبعد هذه الحوادث أزعجني الدخان المتصاعد من المطاعم وبائعي الكباب ، فنزلتُ وعدتُ أطير على ارتفاع مترين أو أكثر من ذلك حتّى دخلتُ جامع العباس فدرتُ حوله نصف دائرة ، أي كنتُ أطير في الجهة التي فيها الظلّ ، أمّا الجهة التي تقع عليها أشعة الشمس فلم أتمكّن أنْ أذهب إليها لأنّ شعاع الشمس يغلب على بصري فلا أرى طريقي بل أكون كالأعمى لا أرى شيئاً .
    وهكذا ذهبتُ وأنا طائر والناس تحتي ما بين ماشٍ وقاعد وبين راكعٍ وساجد لا يراني أحدٌ منهم سوى الأرواح والجنّ ، وكنتُ حينها أتجنّب كلّ طائرٍ يتّجه نحوي فأزول عنه لئلاّ يمزّق أحشائي بصدمتِه مرّةً أخرى ، وكنت أرتاح إذا صار طريقي في مكانٍ مظلم أو في الظلّ ، وكنت أرى من بعيد ويكون بصري قوياً [قال الله تعالى في سورة ق{لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ، أي قويّ البصر .] أمّا إذا صار طريقي في الشمس فأكون هناك كالأعمى لا أرى شيئاً سوى غشاءٍ أبيض يكون على بصري [ قال الله تعالى في سورة الإنسان في أهل الجنّة{لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} ، أبعدهم الله عن الشمس لأنّها ترهق النفوس .] وإذا صار طريقي في مكانٍ كثير الضياء فكنت هناك لا أرى إلاّ الشيء القريب منّي ، وكانت الشمس تزعجني كثيراً ، ولَمّا كان صحن العباس مكشوفاً والشمس تشرق عليه فقد أزعجتني أشعّتها وآذتني حرارتُها والطيور تخاطفتني عن يميني وعن شمالي وأنا أحاذر منها ، فتركتُ الصحن و رجعتُ إلى الدار من الطريق الذي جئتُ منه فرأيتُ والدتي جالسة في مكانِها وجسمي المادّي لم يزلْ في حجرها وهي تبكي وتقول : "مات ابني"
    فتخاطبها عمّتي وتقول لَها : "لا تبكي ؛ لقد أغمِيَ عليه وليس بِميّت"
    فتجاوبها والدتي وتقول لَها : "لقد مضى عليه ساعة من الزمن ولم يفق من إغمائه وقد رششنا على وجهه الماء فلم ينتبه ولذعناه بالعطّابة فلم ينتبه وإذاً هو ميّت ."
    فتجاوبها عمّتي وتقول لَها : "إلمَسي رجليه فإنّهما ساخنتان فلو كان ميتاً لبرد جسمه"
    وهكذا كانت المحاورة بين عمّتي ووالدتي ، فلمّا سمعتُ بكاء والدتي ومحاورتها مع عمّتي خفتُ من ذلك المشهد ومن تلك المحاورة وقلتُ للفتاة التي أعطتني ثوباً : "ما بال والدتي تبكي وتندب وتقول مات إبني؟ "
    فقالت : "ألست ميّتاً ؟ "
    فأجبتها بعصبيّة وحدّة : "كلاّ أنا حيٌّ لم أمُتْ ولن أرضى بالموت ولا أريد أن أموت "
    قالت : "إذاً ستعود إلى جسمك" قلتُ : "أين جسمي؟ " قالت : "ألا تراه في حجر أمّك وهي تبكي عليه ؟ "
    فحينئذٍ عرفتُ أنّ ذاك هو جسمي وإنّما أنا روح كما قال لي ذاك الرجل العريان الذي أسعفني ؛ حينئذٍ خفتُ من الموت ومن انتهاء أجلي فقلتُ قي نفسي : "سأعود إلى جسمي وأرى هل يستوي جالساً أمْ يبقى على حالته : فإنْ جلس فقول عمّتي هو الصحيح وأنا حيّ ، وإنْ بقِيَ على حالته فهو ميّت وقول أمّي هو الصحيح " ،
    ثمّ سألتُ الفتاة : "كيف أعود إلى جسمي ومن أيّ مكانٍ أدخل ؟ "
    قالت : "أدخل من منخر أنفه " ،
    قلتُ : "وكيف يمكنني هذا وهو ثقبٌ صغير؟ " ،
    قالت : "كما أمكنك الخروج من شقوق الباب كذلك يمكنك الدخول من ثقب الأنف" ؛ فلمّا رأت أني عازم على العودة لِجسمي قالت : "إذا كنتَ عازماً على العودة فانزع الثوب وناولني إيّاه " ،
    قلتُ : "لماذا؟ " ،
    قالت : "لأنّك عازمٌ على العودة إلى جسمك" ،
    قلتُ : "إنّ الثوب يسترني فكيف أنزعه وأبقى عرياناً ؟ " ،
    قالت : "سيسترك جسمك إنْ عدتَ إليه ، فلم أوافق على انتزاع ثوبي ولكنّها ألَحّت عليّ وأصرّت على أخذه فنزعته وأعطيتها إيّاه ثمّ دخلتُ جسمي من منخر الأنف ولبسته كما ألبس الثوب ، فانتبهتُ من إغمائي وفتحتُ عينيّ وقد انتهت رحلة الموت هذه وعدتُ إلى الحياة المادّية ثانيةً ، فرأيتُ رأسي في حجر أمّي وقد عصبوه بعصابة سوداء فحينئذٍ شعرتُ بالألم في رأسي ، فقصصتُ قصّتي على والدتي وما شاهدتُه في رحلتي القصيرة التي استغرقَتْ ساعة واحدة من الزمن ،
    فتشاءمَتْ من ذلك وقالت : " أسكتْ ولا تحدّثني بِهذا الحديث ولا تعُدْ إلى ذلك مرةً أخرى" ،
    فقلتُ : "ولِمَ يا أمّاه ؟ إنّها رحلة جميلة" ،
    فقالت : "إنْ عدتَ إلى مثل هذه الرحلة فإنّك تموت ."
    ولَمّا ذكرتُ لَها عن عمّي علي الذي رأيتُه في سردابنا تعجّبَتْ وقالت بلهفة : "رأيتَ عمّك علي؟ " ، وسمحت لي أن أقصّ عليها ما رأيتُ في عالَم الأرواح ،
    فقلتُ لَها : "ومَنْ هو عمّي علي؟ " ،
    فقالت : "كان لك عمٌّ اسمه علي مات شاباً لم يتزوّج وكان موته قبل مجيئك إلى الدنيا" .
    ولَمّا جاء والدي من السوق قصّت عليه الحادثة فجاء والدي يسألني ويتأكّد من صحّة ذلك ويسألني عن عمّي وأين رأيته وما هي صفاته فحدّثته بما رأيتُ فصدّقني بما قلتُ لأنّي أعطَيتُ أوصاف عمّي ولم أكن قد رأيته من قبل ولم أكن أعلم به ولا بموته .
    فبقيتُ مريضاً بضعة أيّام على أثر تلك الحادثة ثمّ شفيت وأحمد الله الذي شافاني وعلى بعض آياته أطلعني وأراني ، وقد ذكرتُ هذه الحادثة باختصار في كتابي (الإنسان بعد الموت) ولكن مع الأسف فقد أنكرها بعض الناس وصدّق بِها آخرون ، وسيصدّق من كذّب إذا رأى بنفسه ما رأيت ، وذلك حين موته وانتقاله إلى عالم النفوس ويندم حيث لا ينفع الندم .
    وإليك بعض ما دار بيني وبين والدتي من استفسار بعد انتباهتي :
    قلتُ : "أمّاه رأيتُ بنت عمّي الكبرى أشعلت النار في صوفة ثمّ أخمدتها ووضعتها على رأس الصبيّ الذي كان في حجرك ، ثمّ جاءت عمّتي بعُصابة سوداء وشدّت بِها رأسه ، فلماذا فعلتا ذلك ؟ "
    قالت : "كان ذلك لِتضمّد الجرح الذي في رأسِك ، وأنتَ الذي كنتَ في حجري ."
    قلتُ : "كلاّ لم أكنْ أنا في حِجرك بل كان صبيّ لا أعرفه وقد وضَعَت بنت عمّي الصوف على رأسِه وليس على رأسي إذ أنا سالم لا أشكو وجعاً في رأسي ولا جرحاً أصابني ."
    قالت : "إذاً أين كنتَ حينئذٍ ؟"
    قلتُ : "كنتُ واقفاً قربَكنّ في السرداب أرى ما تضعن وأسمع ما تتكلّمن ." وسكتُّ برهة ثمّ اعتراني سؤالٌ آخر .
    قلتُ : "أمّاه أنا كنتُ أكلّمكِ فلا تسمعين ، لِماذا ؟ "
    قالت : "متى كنتَ تكلّمني ؟ "
    قلتُ : "حين كنتِ تبكين والصبيّ الميّت في حجرك ."
    قالت : "لم أكن أسمع لكَ صوتاً " . وسكتُّ برهة ثمّ اعتراني سؤالٌ آخر .
    قلتُ : "أمّاه لِماذا لم أتمكّن من فتح باب الدار وقد تقطّعت أصابعي ولم تُفتَح ؟"
    قالت : "ها هي أصابعكَ سالمة لم تتقطّع ."
    قلتُ : "لقد أرشدتني الفتاة التي أعادتها فوضعتُها في أماكنِها فالتَصَقت بكفّي وعادت كما كانت ."
    قالت : "لعلّها رؤيا رأيتَها ."
    قلتُ : "كلاّ لم تكن رؤيا ولكن حادثة واقعيّة ."
    قالت : "لا يهمّك ! أصابعك سالمة الآن ." وسكتُّ برهة ثمّ اعتراني سؤالٌ آخر .
    قلتُ : "أمّاه أنا يمكنني أن أطير ، لماذا ؟ "
    قالت : "كيف تطير ومتى كان ذلك ؟ "
    قلتُ : "لقد طرت ورحتُ إلى صحن العبّاس وشاهدتُ أشياء كثيرة ."
    قالت : "كنتَ روحاً ولذلك أمكنك أن تطير ."
    قلتُ : "حقاً أمّاه لقد قال لي ذلك الرجل الذي أسعفني أنتَ روح ، فما معنى روح ؟ "
    قالت : "لم تفهم اليوم معنى الروح ولكن لَمّا تكبر تفهم ذلك ."
    قلتُ : "أمّاه لِماذا لم أتمكّن من أن أقبض على الطير وأسيطر عليه بل كان يخرج من بين أصابعي ويقطّعها بقوّته ؟ "
    قالت : "لأنّك كنتَ روحاً ولذلك لم تتمكّن من إخضاعه ."
    قلتُ : "أمّاه لقد رأيتُ رجلاً عرياناً لم يلبس شيئاً من الثياب على جسمه ، لِماذا ؟ "
    قالت : "لعلّه مجنون ."
    قلتُ : "كلاّ لم بكن مجنوناً لأنّه أرشدني وأسعفني ."
    قالت : "لعلّه فقير لا يملك ثوباً ."
    قلتُ : "لقد رأيتُ كثيراً من الفقراء وهم يرتدون بعض الملابس ولو كانت ممزّقة أو مرقّعة ، ولم أرَ فقيراً عرياناً مثل هذا ."
    ثمّ قلتُ : "لقد رأيتُ رجلاً واقفاً في السرداب فقالت الفتاة التي أعطتني ثوباً : هذا عمّك علي تعال سلِّم عليه ، فمن هو عمّي ؟ "
    قالت : "كان لكَ عمٌّ اسمه علي مات شاباً لم يتزوّج وكان موته قبل مجيئك إلى الدنيا ، فما هي أوصافه ؟ " ولَمّا أعطيتها أوصافه صدّقَتني .
    وهكذا جرت بيننا محاورات فكانت تفهم بعض ما أقول وتجيبني عليه ، وبعضها لا تتصوّرها فتظنّها رؤيا فتسكت عنها أو تجيب بجواب غير مقنع .
    هذا ما شاهدته بنفسي في عالم الأرواح ، وأما الذي سمعته وقرأته فكثير ، وإليك بعضها
    منقول من كتاب
    ساعة قضيتها من الارواح للمرحوم محمد علي حسن الحلي
    :
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد القهار; الساعة 11-08-2011, 11:29 PM. سبب آخر: تعديل العنوان
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X