إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

محمد باقر الصدر..السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق-تأليف احمد عبدالله ابو زيد العاملي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد باقر الصدر..السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق-تأليف احمد عبدالله ابو زيد العاملي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    محمد باقر الصدر
    السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق




    تأليف

    احمد عبدالله ابو زيد العاملي








    الملفات المرفقة

  • #2
    لا بأس قبل عرض الكتاب أن ننقل نص الحوار الذي أجرته شبكة والفجر الثقافية مع المؤلف ( هنا ) :


    كتاب (محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة) الذي صدر في عام 2007م بقلم الباحث الشيخ أحمد أبوزيد العاملي؛ أوسع كتاب تناول حياة السيد الشهيد الصدر والحركة الإسلامية في العراق آنذاك، المطالع للكتاب سيقدّر الجهد الذي بذله الباحث في إعداد الكتاب، خمس سنوات من العمل المتواصل مدّة جمع مادته...

    في هذا الحوار مع سماحة الشيخ أحمد أبو زيد نحاول أن نستكشف ما خلف هذا الكتاب من جهد وجهاد، وعتب وعقبات واجهها...

    1. ارتباط مجموعة من علماء جبل عامل بالشهيد الصدر تلمّذاً وتنظيماً.. عقد مراسيم زواجه من السيدة الفاضلة أم جعفر الصدر في جبل عامل.. وبعد وفاته يتلقاه عامليّ آخر ليؤرّخ لسيرته.. ما سر ارتباط العامليين بالشهيد الصدر؟

    بدايةً أشكر لموقع (والفجر) استضافتي في هذا الحوار، عسى أن يكون فيه توضيحٌ لبعض الأمور.

    إنّ الملاحظة التي أبديتموها في محلّها تماماً؛ فقد كان للعامليّين ـ ودعونا نقول: اللبنانيّين ـ علاقة خاصّة بالإمام الشهيد الصدر، وذلك كما قلتم تنظيماً وتلمّذاً، حتّى شكّل اللبنانيّون النسبة الأكبر من طلاّبه، تلاهم بعد ذلك الإيرانيّون. وقد يربط شخصٌ بين هذه الظاهرة وبين نَسَب الشهيد الصدر، الذي يرجع ـ كما تعلمون ـ إلى آل شرف الدين في لبنان، ولدينا وثائق لجدّه المباشر السيّد إسماعيل الصدر موقّعة باسم إسماعيل الصدر العاملي. طبعاً لا نتحدّث عن نِسبة الآخرين له؛ إذ قد يحلو للبعض أن يعبّر عنه بالإصفهاني باعتبار أنّه سكن لفترة ما في إصفهان، ولكنّنا نتحدّث عمّا كان ينسب به نفسَه؛ فهو كان يوقّع بالعاملي. وقد عثرت في قريتنا منذ سنتين على رسالة عمليّة للسيّد إسماعيل الصدر خطّها أحد نسّاخ قريتنا سنة 1333هـ، وهذا قد يعبّر عن تفاعل أهل تلك المناطق مع مرجعيّته. ثمّ بعده جاء ولده السيّد حيدر الذي عرف بالكاظمي، ثمّ جاء دور الشهيد الصدر الذي تمحّض بالنجفي. وقد يحلو للبعض اعتبار الشهيد الصدر لبنانيّاً؛ باعتبار أنّ جدّه المباشر كان لا يزال لبنانيّاً، وهذا مبرّر إذا قسناه إلى أشخاص آخرين، فهناك إلى اليوم إيرانيّون في النجف الأشرف مولّدون من أجداد إيرانيّين ولا زالوا يعتبرون أنفسهم إيرانيّين.

    ولكنّني شخصيّاً لا أحبّ هذا التعاطي مع الأمور؛ لأنّ هذه الأسرة العلميّة دمجت نفسها في المجتمع العراقي واعتبرت نفسها جزءاً من نسيجه، وتخلّت ـ بمعنى من المعاني ـ عن أصلها اللبناني، على نحو (الإعراض عن الوطن) المطروح في بحث المسافر، بخلاف وضعنا نحن الطلبة في حوزة قم المشرّفة مثلاً، فنحن لا ندمج أنفسنا في المجتمع الإيراني متبنّين عاداته وثقافته ومتخلّين عن عاداتنا وثقافتنا.

    طبعاً قد يكون لعامل النَسَب دورٌ (لا وعيي) في اقتراب اللبنانيّين من الشهيد الصدر، وهو طبيعي إلى حدٍّ ما، وأضرب لكم مثالاً حدث معنا منذ فترة قريبة، حيث قمت مع مجموعة من الطلبة اللبنانيّين بزيارة السيّد محمود الهاشمي حفظه الله، وقد استرجع في حديثه ذكرياته اللبنانيّة التي تفاجأ بها الإخوان، الذين خرجوا من الجلسة وهم فرحون بحديث السيّد، وقد لمستُ بشكل واضح شعورهم بالقرب منه خطوة، هذا طبيعي، فما بالك لو كان أصله لبنانيّاً؟!

    على كلّ حال لا أعتقد أنّ هذا العامل كان العامل الرئيس في التفاف اللبنانيّين حول الشهيد الصدر، وإن أمكن أن يكون أحد المحرّكات في اللاوعي، وأسباب التفافهم حوله ـ على ما أعتقد ـ عديدة:

    1 ـ بدايةً من الواضح أنّ مقولة (مغنيّة الحي لا تطرب) تصدق بشدّة في الجاليات العربيّة أكثر من صدقها في الجالية الإيرانيّة، وربّما كان ذلك ما دعا اللبنانيّين إلى إنشاد ضالّتهم عند الجاليات الأخرى، ولهذا نجد أنّ أوّل من اكتشف الشهيد الصدر كان السيّد فخر الدين أبو الحسن اللبناني، ثمّ قام هو بإرشاد أصدقائه إليه (طبعاً لستُ أتحدّث عن أوّل من تتلمذ عند الشهيد الصدر؛ إذ يقال إنّ الشيخ الفضلي حفظه الله تعالى وشفاه كان أوّلهم، ولكنّني أقصد درسه العام)، تماماً كما هو الوضع في أيّامنا هذه، فأنتم تعيشون في قم المشرّفة وتعلمون أنّ أكثر طلاّب فلان اللبناني من الجالية السعوديّة والعراقيّة، وفي الوقت نفسه نجد أنّ أكثر طلاّب فلان السعودي من الجالية العراقيّة واللبنانيّة.

    2 ـ ثمّ بعد أن اكتشف السيّد أبو الحسن نبوغ الشهيد الصدر وتميّزه وبدأ الطلاّب يتداولون ذلك، التفّ حوله مجموعة من الإيرانيّين والعراقيّين، وكان العراقيّون قلّة لأنّ نسبة الطلبة العراقيّين في حوزة النجف كانت قليلة جداً كما تعلمون؛ فقد كان في حوزة النجف سنة 1957م 896 طالباً إيرانيّاً، في مقابل 47 طالباً من سوريا ولبنان، و20 طالباً من الأحساء والقطيف والبحرين، بينما كان عدد الطلاّب العراقيّين لا يتجاوز الثلاثين، وكانت الجالية الإيرانيّة ـ التي تشكّل العمود الفقري لحوزة النجف ـ منغلقة على نفسها ولم تكن تندمج في المجتمع العراقي (وهذا طبيعي، تماماً كعدم اندماج الجالية العربيّة في المجتمع الإيراني في هذه الأيّام)، الأمر الذي انعكس فقراً في المبلّغين، الأمر الذي دعا السيّد محسن الحكيم إلى تعزيز الوضع العراقي في الحوزة، لينعكس بالتالي على المناطق العراقيّة من حيث المبلّغين القادرين على ممارسة عمليّة التبليغ. أمّا الطلاّب الآخرون ـ اللبنانيّون والحجازيّون مثلاً ـ فعلى الرغم من اندماجهم في المجتمع العراقي، إلاّ أنّ نسبتهم الضئيلة لم تكن من ناحية لتحلّ المشكلة، ومن ناحية أخرى لم تكن حلاًّ على المدى الطويل؛ لأنّ من الضروري وجود شريحة ثابتة من نسيج المجتمع العراقي، لا جالية قد تختفي بين لحظة وأخرى نتيجة الرجوع إلى الوطن.

    إذن من عوامل الاعتقاد بالتفاف اللبنانيّين حول الشهيد الصدر هو أنّ الحوزة العراقيّة في تلك المرحلة كانت ضعيفة، فكان طبيعيّاً أن يطفو اللبنانيّون، فضلاً عن أنّ الشهيد الصدر كان بالنسبة إلى من وُجد من العراقيّين من أبناء الحيّ، فكان طبيعيّاً أن لا يُطربهم.

    لكن لماذا طفا اللبنانيّون ـ وهم قلّة ـ على حساب الإيرانيّين الذين يفوقونهم بأكثر من 20 ضعفاً؟! من الطبيعي أن يُعرف شخصٌ عند أهل لغته أكثر من معروفيّته عن أهل اللغات الأخرى، ولهذا تجد أنّ أكثر الإيرانيّين الذين اندمجوا في دائرة الشهيد الصدر هم في الحقيقة من الإيرانيّين الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من الحوزة الإيرانيّة، بل اندمجوا في المجتمع النجفي، السيّد نور الدين الإشكوري نموذجاً.

    أضيفوا إلى ذلك الشعور الذي لا زلنا نلمس بعض تجلّياته إلى يومنا هذا حول عدم اعتراف الحوزة الإيرانيّة بوجود نبوغ وتميّز عند العرب، طبعاً هذا الشعور تبدّد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ولكنّنا نتحدّث عن الخمسينات الميلاديّة، ولهذا نجد أنّ بعض طلاب السيّد الخوئي رحمه الله عندما يتفاجأ بأجوبة الشهيد الصدر العلميّة المتينة بعد أن أحاله السيّد الخوئي إلى الشهيد الصدر يستغرب من صدور هذه الأجوبة من شخص عربي، وبعد أن يعرف أنّ السيّد الشهيد حفيد السيّد إسماعيل (الإصفهاني) يرتفع استغرابه.

    طبعاً لستُ أصدر أحكاماً تعميميّة، وإنّما أتحدّث عن الطابع العام، وأكرّر بأنّني لا أحب توجيه البحث باتّجاه العنصر القومي، ولكن هذا ما نلمسه بشكل واضح، ولستُ أتحدّث عن النوايا والدوافع وأنّها قوميّة.

    3 ـ العامل الآخر هو طبيعة اللبناني التي تسهّل عليه الاندماج في الآخرين، وأنتم تعلمون إلى أي حدّ كان سهلاً على اللبنانيّين التفاعل مع الشهيد مطهّري والترويج لفكره، ومختلف الشخصيّات الإيرانيّة، دون الشعور بحاجز القوميّة، ولم أستشهد بالإمام الخميني الذي شكّل مفردة تفاعلت معها مختلف الشعوب والقوميّات، بينما لم يتفاعل الإيرانيّون مع فكر الشهيد الصدر بشكل يتّجه نحو المناسب سوى في الآونة الأخيرة.

    عموماً، من السهل على اللبناني ـ بحسب طبيعته ـ الاندماج في الغير، وأنتم تعلمون ماذا أقصد، ولهذا تجدون أنّني عندما أتحدّث معكم فأنا تلقائيّاً أحاول التحدّث بلهجتكم، ومع العراقي بلهجته، حتى حسبني الكثيرون عراقيّاً، بينما لم أجد عراقيّاً تحدّث معي يوماً باللهجة اللبنانيّة! ليس لأنّه لا يتقنها، بل لأنّه لا يجد داعياً إلى ذلك.

    أرجو أن لا تفهموا كلامي على أنّه تمجيد بالطابع اللبناني؛ لأنّني أعتبر أنّني أتحدّث عن طبيعة واضحة لمختلف الجاليات، وهي جزء من تركيبتنا التي جعلتنا بلداً سياحيّاً خدماتيّاً، وهي طبيعة لا يُمكن اعتبارها أمراً جيّداً في كلّ المواطن والمواقف.

    4 ـ العامل الأخير ـ وهو المهم والرئيس ـ هو اقتراب الشهيد الصدر من أفق الثقافة اللبنانيّة؛ فأنتم تعلمون أنّ الشهيد الصدر لم يكن ذلك الشخص المتقوقع المنعزل عن ثقافات الغير، بل كان مثقّفاً منفتحاً، يقرأ المجلات والصحف ويعيش في أفق أكثر رحابةً من أفق حوزة النجف، وهو بذلك يلامس الأفق المنفتح الذي وفد منه عدد كبير من الطلاب اللبنانيّين، وكان هذا عامل جذب بالنسبة إلى اللبناني الذي يتفاعل مع هذه الأجواء، فهو عالم نجفي يقرأ قصص (أرسين لوبين) مثلاً، ومن الطبيعي أنّه عندما يلتقي مع أفق اللبنانيّين فسينجذبون إليه.

    وأكرّر بأنّني لا أصدر أحكاماً تعميميّة؛ فإنّك تجد في اللبنانيّين عقليّات أكثر انغلاقاً من العقليّات النجفيّة نفسها، ولكنّ الجو العام للّبنانيّين هو الانفتاح؛ باعتبار أنّه يفد إلى حوزة النجف من نسيجٍ متنوّع. طبعاً، هذا هو حاله عند وروده إلى الحوزة على أقلّ تقدير، بعيداً عمّا تصنع منه الحوزة لاحقاً.

    وأخيراً، طالما أنّنا نتحدّث عن هذا العامل، فأنا لا أخفيكم بأنّني تعرّضت لبعض الانتقادات هنا وهناك حول هذه المسألة، حيث اتّهمني بعض إخواننا العراقيّين بأنّني حاولت لبننة الشهيد الصدر من خلال وثيقة جواز المرور اللبناني الذي نشرته في الكتاب. طبعاً هذا لا يعني أنّ إخواننا العراقيّين كانوا متحسّسين من كوني لبنانيّاً، بل على العكس من ذلك؛ فقد فتحوا لي أبوابهم على مصراعيها وكانوا فرحين جدّاً بعملي، والحمد لله تعالى.

    2. من الوثائق التي أثارت عجب قرّاء الكتاب صورة جواز لبناني باسم الشهيد الصدر ما هي حكايته؟

    حكايته أنّ أحد عشّاق الإمام موسى الصدر ـ وبالتالي الشهيد الصدر؛ باعتبار أنّ السيّد موسى الصدر كان يروّج لمرجعيّة الشهيد الصدر، فمن عشق الأوّل عشق الثاني عموماً ـ وهو اللواء مصطفى الحاج الذي كان يعمل في مطار بيروت، استطاع استصدار جاوز مرور لبناني للشهيد الصدر يسمح له بالخروج من النجف، وسافر بنفسه إلى العراق لإيصاله إليه رغبةً منه في تخليص الشهيد الصدر من الحصار، ولكنّ أحداً لم يدلّه إلى منزل الشهيد الصدر، وبعد أن وصلت رغبته إلى الشهيد الصدر رفض الأخير ترك الشعب العراقي لوحده في ذلك الوضع، ولهذا لا زال اللواء الحاج يحتفظ بجواز المرور هذا.

    3. خمس سنوات من الجهد المضني حصيلة جمع المادّة التاريخية لكتاب(محمد باقر الصدر...السيرة والمسيرة) من المؤكد أن (الشيخ أحمد أبو زيد ) اطّلع على ما هو مستور من مؤلفات الشهيد الصدر، ليطلعنا عمّا أطلع عليه؟ وهل نترقب شيء منها؟


    دعوني أذكر لكم أصل القصّة، فبعد أن بدأت بجمع ما يتعلّق بالشهيد الصدر وقبل أن أبدأ بتدوين الكتاب في صيف 2003م كنت أتردّد على السيّد حامد الحسيني الذي كان قد جمع أرشيف الشهيد الصدر طيلة عشرين عاماً، وهو أرشيف مهمّ جدّاً، وكان ذلك بعد عقد مؤتمر الشهيد الصدر في طهران عام 2001م، حيث كان السيّد حامد في ذلك الوقت قد قدّم الأرشيف لأمانة مؤتمر الشهيد الصدر والتي تحوّلت بعد انعقاد المؤتمر إلى مؤسّسة (مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر) التي تعني بنشر بقيّة التراث، حيث كانت قد أعدّت إلى حين انعقاد المؤتمر خمسة مجلّدات من أصل عشرين مجلّداً.

    فتح لي السيّد حامد الحسيني قلبه، وكان يجيبني عن كلّ سؤال ويرشدني إلى ضالّتي، وكان في ذلك الوقت في مرحلة تسليم الأرشيف، أي إنّه كان بصدد ترتيب الأرشيف وتقديمه إلى المؤسّسة؛ باعتبار أنّه ترك العمل على الأرشيف ولم يعد له علاقة به.

    في تلك المرحلة لم يكن قد بقي في المؤسّسة سوى السيّد علي أكبر الحائري والشيخ مجتبى المحمودي بوصفهم محقّقين، ولم يكونوا طبعاً موظّفين بدوام، وإنّما يقدّمون الخدمة العلميّة للمؤسّسة، وكان هناك السيّد نور الدين الإشكوري مديراً.

    السيّد الحائري أيضاً فتح لي قلبه، ولكنّ السيّد الإشكوري كان يتوجّس منّي خوفاً، وكلّما يتذكّر السيّد الإشكوري تلك الأيّام الآن يتبسّم، ويقول بأنّ العلاقة الممتازة بدأت بعلاقة سيّئة، فكنتُ إذا طلبتُ تصوير وثيقة معيّنة أو حتّى الاطّلاع عليها، أو أحياناً مجرّد تصوير كرّاس بسيط لا قيمة انحصاريّة له، كان السيّد الإشكوري يمانع، ولم أكن حينها أعلم السبب، ولكنّني كنت أرجع وأطلب مجدّداً، وكان يقابلني بالرفض، فأرجع، فتزيد مخاوفه، فيرفض، وكان السيّد الحائري يحاول إقناعه بأنّه لا مدعاة للخوف والحذر، ولكنّه لم يقتنع إلاّ لاحقاً، فبدأ يتنازل شيئاً فشيئاً، إلى أن فتح لي قلبه وأعطاني مفتاح المؤسّسة وخوّلني الوصول إلى كلّ ما أريد، حتّى دفاتره الشخصيّة.

    ولمّا سألته لاحقاً عن سبب تخوّفه، قال لي بأنّ مجيئي إليه كان قد اقترن بالموجة التي أثارها الشيخ علي كوراني عام 2003م حول الشهيد الصدر، وهي الموجة التي تعرفونها ولا داعي للدخول فيها الآن، ولمّا كنت لبنانيّاً ـ كالشيخ كوراني ـ فقد كان يحتمل أنّني أريد الوصول إلى الأرشيف وجمع المعلومات خدمةً لحملة الشيخ كوراني، ولكنّه تأكّد بعد ذلك بأنّ المسألة لم تكن كذلك.

    وفي تلك المرحلة كانت المؤسّسة تعاني من ضعف الإمكانات، ولم يكن فيها أحد في الحقيقة؛ فهناك السيّد الإشكوري مديراً والسيّد الحائري بقي لإكمال تحقيق كتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء)، والشيخ المحمودي له انشغالاته العلميّة الخاصّة واقترصت مشاركته على مراجعة الكتاب قبل ذهابه إلى الطبع بعد أن كان قد أكمل تحقيق الكتب التي كانت على عاتقه.

    عندها لم يكن قد بقي ضمن موسوعة العشرين مجلّداً سوى كتاب واحد، وهو الكتاب المعروف الآن بكتاب (ومضات)، وهو أشبه ما يكون بكشكول جمعت فيه متفرّقات مقالات ومحاضرات الشهيد الصدر، فأناط السيّد الإشكوري مهمّة إعداده بي؛ لأنّه كتابٌ بطبيعته يعتمد على التسلّط على الأرشيف بعد أن وجد أنّ لديّ إلماماً إلى حدٍّ ما بخبايا الأرشيف هنا وهناك، وكان ذلك، فرحت أستخرج له بعض المواد التي لم يكونوا قد أضافوها إلى الكتاب؛ لكونها مخبيّة، فتضاعف حجم الكتاب، وقمت بتخريج مصادره وتوثيقه وطبع بعنوان (ومضات)، وفيه العديد من المحاضرات التي تنشر للمرّة الأولى.

    وبعد أن كان مقرّراً أن يكون كتاب (ومضات) آخر أجزاء الموسوعة (وهو رقم 17 من أصل 20)، عثرت في الأرشيف على مجموعة من التقريرات التي كتبها طلاّب الشهيد الصدر لأبحاثه التي كان يلقيها في شهر رمضان المبارك، واقترحت على اللجنة أن نقوم بنشرها، ولكنّها رفضت في البداية، باعتبار أنّها أبحاث متفرقة من ناحية، وباعتبار أنّها تقريرات من ناحية أخرى، ولكن بعد عدّة محاولات وافق السيد الإشكوري بعد أن أصبح عملياً المولج الوحيد باتخاذ القرار، فقمنا أوّلاً بتقديمها إلى مجلّة (الاجتهاد والتجديد) برئاسة تحرير الأخ والأستاذ الشيخ حيدر حب الله، الذي قام بترتيبها ونشرها، ثمّ قمنا باختيار أفضل هذه التقريرات ووزّعناها على أبواب ستّة: المنطق الذاتي، شبكة الملكيّات، المعاملات البنكيّة، الحوالة، إحيات الموات (1) وإحياء الموات (2)، وقمت بإعادة ترتيبها ومقابلتها وتحقيقها، وهي الآن ماثلة إلى الطبع تحت عنوان (محاضرات تأسيسيّة)، ويشكّل هذا المجلّد الجزء الحادي والعشرين من الموسوعة.

    وإلى جانب هذه التقريرات وجدت في الأرشيف ما يقرب من ألف صفحة بقلم المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي، هذا السيّد الوفي الذي نذر حياته لخدمة الإسلام من خلال أستاذه، وهي عبارة عن تدوين لمحاضرات الشهيد الصدر في بحث الخمس، وهو البحث الذي ألقاه على مدى سنتين ابتداءً من سنة 1383هـ عندما كان في الثلاثين من عمره، وقد أقنعت المؤسسة بنشرها، وقد بدأت العمل عليها لتشكّل المجلّدين 22 و23 من الموسوعة، ولكنّه توقّف مؤقّتاً لما سأذكره الآن.

    بعدما انتهيت كليّاً من العمل على كتاب (تأسيسيّة) ورجعت إلى العمل على كتاب(الخمس) الذي كنت قد بدأت به قبل (محاضرات تأسيسية)، في هذه الفترة كانت المؤسسة بصدد طباعة الدورة بأجزائها الـ21، حيث تقرّر أن يُلحق بها كتاب الخمس إلحاقاً بعد الفراغ منه، ولكي لا يعيق تأخّره طباعة الموسوعة، ولكنّها هنا رغبت في الأخذ بملاحظة كنتُ قد سجّلتها لهم منذ سنتين تقريباً حول كتاب (أئمة أهل البيت) الذي يشكّل الجزء العشرين، والذي كان قد طبع منذ مدّة بعد أن اشتمل على ضعف المحاضرات التي اشتمل عليها كتاب (تنوع أدوار ووحدة هدف) في بيروت منذ سنوات طوال؛ حيث كنتُ قد أكّدت للجنة العلميّة أنّ كتاب (أهل البيت) فيه الكثير من الأخطاء التي ترجع إلى عدم ضبط مخارج حروف الشهيد الصدر حين التنزيل من الكاسيت، وأنّ طبعة (تنوّع أدوار) أدقّ منها وإن كانت طبعة المؤسسة أكبر وتشتمل على محاضرات أكثر.

    وبعد أن كادت الموسوعة تذهب إلى الطبع رغب السيد الإشكوري في أن أعيد تحقيق كتاب (أهل البيت) لتكون النسخة التي ستُدرج ضمن الموسوعة الكاملة نسخة صحيحة، فجمّدت العمل مؤقّتاً على كتاب الخمس وعدت إلى كتاب (أهل البيت) الذي أعمل عليه حالياً.

    لا أخفيكم أنّني أتأخّر عادةً في إنجاز الأعمال، ومنها مقابلتكم هذه التي كان مقرّراً أن أقدّمها لكم منذ أشهر، ولكنّ الحقيقة هي أنّ الانشغالات العلميّة في الدرس والكتابة تحدّ من إمكانيّة التفرّغ لعمل التحقيق، خاصّةً أنّني انشغلت مؤخّراً في تحقيق كتاب (بحوث في علم الأصول) برغبةٍ من سيّدنا الأستاذ السيّد محمود الهاشمي حفظه الله، بعد أن تبيّن أنّ في الطبعة القديمة والمتداولة الكثير من الأخطاء.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا أحبّ أن أقوم بعمل دون أن أحاول إتقانه، ولهذا عندما رجعت إلى كتاب (أهل البيت)، بدت لي المهمّة صعبة جداً؛ وذلك:

    أوّلاً: كان عليّ الاستماع إلى محاضرات الشهيد الصدر حول أئمة أهل البيت(ع) بصوته، وهي محاضرات وصلتنا من أشرطة التسجيل القديمة للمرحوم السيّد عبد الغني الأردبيلي، وكانت المؤسسة قد طلبت من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلاميّة نقلها من الأشرطة القديمة (الدائريّة الكبيرة) إلى أشرطة كاسيت عاديّة، ثمّ طلبنا من إحدى المؤسسات تحويلها إلى ملفات رقميّة (Wav)، وهنا برزت المشكلة؛ إذ لدينا على العموم (616) ملفاً رقمياً، فيها الغثّ والسمين، أصوات متداخلة ومحاضرات مبتورة، فقه وأصول وسيرة ومجالس تعزية وتلاوة قرآن.. كلّها أصوات متمازجة على هذه الأشرطة، فقامت (إذاعة النور) في لبنان بإيكال هذه المهمّة إلى أحد الإخوان ـ ولستُ أعرف اسمه أو من هو، وإلاّ لشكرته ـ فقام مشكوراً بالاستماع إلى هذه المحاضرات وتقديم تقرير مفصّل حول محتويات الأشرطة دون أن يكون معنيّاً بأمر ترتيبها.

    هنا قمت باستخراج كلّ ما يرتبط بأئمّة أهل البيت(ع) ووضعها في ملفات رقميّة مستقلة، ولكنّ المشكلة هي أنّها كانت على شكل مقاطع مبعثرة، فرحت أستمع إلى المحاضرة وأحدد متنها وموضعها من خلال ما كان قد كتبه المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي في دفاتره قديماً عندما كان الشهيد الصدر يلقيها، فتسنّى لي بعد جهد جهيد إعادة تكوين 11 محاضرة بصوت الشهيد الصدر، فيها (6) محاضرات كاملة كليّاً، و(5) فيها بعض المقاطع الناقصة المبتورة، ثمّ عمدت إلى الاستماع إليها وتنزيل كلمات الشهيد الصدر وتطبيقها على طبعة المؤسسة الأولى، وكانت مهمّة صعبة، فجودة المحاضرات سيئّة، وتلفّظ الشهيد الصدر ليس واضحاً، فكان عليّ اللجوء إلى برامج متخصّصة في الصوتيّات لاستيضاح الصوت، ولكن دون جدوى أحياناً.

    وهنا تحدّدت لي المشكلة التي كانت موجودة في الطبعات السابقة، وطبعة المؤسسة بالتحديد، حيث تبيّن وجود الكثير من الأخطاء، وبعضها يغيّر في المعنى جذريّاً. وأمثّل لكم بثلاثة أمثلة تحضرني الآن:

    1 ـ (وهنا نجد تصوّراً شائعاً لدى كثير من الناس الذين اعتادوا أن يعبّروا عن الأئمة بوصفهم اُناساً مظلومين فقط قد اُقصوا عن مركز القيادة ، وأقرّت الأئمة هذا الإقصاء)، بينما قال الشهيد الصدر: (وأقرّت الأُمّة) لا (الأئمّة).

    2 ـ ومن قبيل: (وأصبحت تعيش علي بن أبي طالب ، ثبت من أعلى كأمل ، كحكم)، بينما قال الشهيد الصدر: (كمثلٍ أعلى، كأمل، كحلم)

    3 ـ ومن قبيل: (هؤلاء البقية الباقية من المهاجرين والأنصار الذين استجابوا لدعوة الإمام الحسين (عليه السلام) هدّدهم الإمام الحسين (عليه السلام))، بينما قال الشهيد الصدر: (هزّهم) بدل (هدّدهم).

    إلى غير ذلك الكثير الكثير من الأخطاء، بحيث قال لي السيّد الإشكوري: هل لديك أقلام حبر أحمر زائدة فلوّنت بها الكتاب؟!

    وحيث إنّ العمل أصبح جذريّاً، فقد ألحقت بالكتاب ستّة ملحقات، من مقالات وكلمات مختلفة ترتبط بأئمّة أهل البيت(ع) والمبعثرة في الصحف وغيرها، مثل مقال كان قد نشره الشهيد الصدر في صحيفة النشاط الثقافي سنة 1958م، بحيث أصبح الكتاب مكوّناً في النتيجة من 26 فصلاً، أي 26 محاضرة وكلمة ومقالة.

    وقد نشرنا مؤخّراً محاضرة من هذه المحاضرات على موقعنا (www.mbsadr.com) وهي حول النبوّة الخاتمة، على أن نكمل نشر البقيّة في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى.

    ولكنّ المسألة لم تنتهِ هنا، فأرشيف المؤسّسة يعاني من التكديس وعدم الفهرسة، فهناك دائماً احتمال العثور على شيء جديد، وهذا ما حصل فعلاً، فقد عثرنا مثلاً على أوراق هي تدوين لأحاديث كانت تجري بين الشهيد الصدر وطلابه في منزل السيد الإشكوري عندما كان في النجف، وهي كلمات قصيرة وليست محاضرات، أي دردشة، ولكنّ فيها سقطاً كثيراً، وقد استطعت لحدّ الآن ترتيب كلمة واحدة من أصل عدّة كلمات، وهي تتناول خصائص الفكر الإسلامي، وقد نشرناها في مجلّة (المنهاج)، العدد 54 على ما في بالي.

    وبالمناسبة، فقد عثرت مؤخّراً وبالاتفاق على نسخة كتاب (المعالم الجديدة للأصول) بخطّ الشهيد الصدر، ولكنّها غير كاملة، عثرت عليها وأنا أقلّب في دفاتر أحد طلاّبه، ولم يكن هو على علمٍ بوجودها لديه، وقد تفاجأ كثيراً عندما علم بالموضوع، وربّما نقوم قريباً برفعها على الموقع إن شاء الله تعالى.

    للأسف الشديد، فقد أوعزت إلى أحد المبرمجين بإنشاء برنامج كمبيوتري خاص بالأرشفة ونفّذ لنا المهمّة، ولكنّ السيّد الإشكوري اعتذر عن تأمين موظّف لإدخال المعلومات الكاملة وفهرسة أرشيف المؤسّسة؛ باعتبار أنّ ميزانيّة المؤسّسة لا تتحمّل توظيف موظّف واحد، وهو محقٌّ طبعاً في ذلك؛ لأنّه كثيراً ما تقصر مبيعات الكتب عن تأمين مصاريف المؤسّسة فيقوم هو بتغطية النفقات من ماله الخاص، مع أنّه لا يوجد في المؤسّسة سوى موظّف واحد، وهو مسؤول عن متابعات الأمور الإداريّة.

    وقد انسحب هذا العجز المالي على موقع الإنترنت (www.mbsadr.com)، لأنّ لدينا مئات ـ بل آلاف المواد ـ ولا نتمكّن من رفعها على الموقع نتيجة العجز المالي عن تأمين موظّفين لهذه المهمّة، ولهذا فنحن نعتمد في تغطية نفقات الموقع على تبرّعات متفرّقة بعضها من العراق وبعضها من السعوديّة، ولسنا نعرف في الواقع هؤلاء المتبرّعين.

    أعتقد أنّ هذه المسألة جزءٌ من المظلوميّة التي كتب أن يعيش فيها الشهيد الصدر.

    4. تابعنا في الجزء الخامس من الكتاب أكثر من 500 وثيقة ترتبط بالإمام الشهيد الصدر، هل من وثائق آخرى أثرتم التّحفظ عليها؟ وإن وجدت فما هي أبرزها؟

    في الواقع إلى حين صدور الكتاب كان بين يديّ عدد قليل جدّاً من الوثائق التي لم أنشرها في الكتاب، وربّما تكون خمس رسائل، ولكنّ المشكلة ليست أنّني تحفّظت على نشرها بقدر ما هي تحفّظ من الشخص الذي قدّمها لي، فهي رسائل وجّهها الشهيد الصدر إلى هذا الشخص وفيها حديثٌ من الشهيد الصدر عن عدم صلاحيّة أحد طلاّبه الآخرين لتولّي فلان قضيّة، ولم يرغب هذا الشخص في نشرها، واحترمنا له رغبته.

    نعم، منذ مدّة أرسل لي السيّد محمّد باقر المهري من الكويت رسالة استفتاء كان قد بعث بها أحد الكويتيّين إلى الشهيد الصدر، إضافة إلى رسالة أخرى عثر عليها صديقنا الشيخ محمّد تقي الفقيه في تراث جدّه المرحوم الشيخ محمّد تقي الفقيه العاملي، المجتهد المعروف، هذا إلى جانب بعض الصور الجديدة، من قبيل صورته مع المرجع المعاصر السيّد السيستاني التي تفضّلتم بها أنتم، وبعض الصور الأخرى التي خرجت من أرشيف السيّد حسين إسماعيل الصدر ابن أخي الشهيد الصدر.

    5. هل من تراث مسموع للشهيد الصدر غير ما هو منتشر من محاضرات في (التفسير الموضوعي)و (المحنة)؟ وماذا عن التراث المرئي؟

    سبق أن تحدّثنا بما يكفي عن التراث المسموع ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّه يوجد ضمن المحاضرات الصوتيّة التي استخرجناها بعض الدروس في علم الأصول، وربّما في الفقه، والذي يسمعها يقول: سبحان الواهب الرازق، من فمه إلى المطبعة، وعندما تسمعها تدرك جيّداً أن الإغلاق الموجود في تقريرات درس الشهيد الصدر الأصولي هو من المقرّر وليس من بيان الشهيد الصدر، وسنقوم قريباً برفعها على موقعنا الإلكتروني إذا تمكّنا من ذلك.

    أمّا التراث المرئي، فهناك شخص في الكاظميّة لديه شريط فيديو مصوّر يظهر فيها الشهيد الصدر والسيّد موسى الصدر، حيث كان الأخير في زيارة إلى العراق، وقد دعيا إلى حفل عقد قران، وكان صاحب المنزل يملك كاميرا فقام بالتصوير، ولكنّه يقول بأنّه لن يسلّمه إلاّ إلى السيّد جعفر الصدر ـ نجل الشهيد الصدر ـ يداً بيد، وقد تابعنا المسألة مؤخّراً، ووعدنا خيراً.

    تعليق


    • #3

      6. ما مدى صحة ما نقل من أن بعض الشخصيات العلمائية في الحوزة غير راضية عن ما ورد في الكتاب، وهي تفضل عدم نشر كل ما وقع؟

      صحيح، فقد وقع ما كان متوقّعاً وكان طبيعيّاً، ولا ضير في ذلك، ووصلتني بعض الرسائل الاعتراضيّة الكتبيّة والشفاهيّة، لكنّ ما لفت نظري بعض التهم التي ذكرت بأنّ ورائي مؤسّسة قام بتأسيسها فلان وقامت لجنة من الكتّاب بكتابة الكتاب، ثمّ استفادت من اسمي لوضعه على الكتاب، باعتبار أنّ هذا الكتاب كتابُ مؤسّسة وليس كتاب شخص، وذكر لي آخرون بأنّ الشخصيّة الفلانيّة هي التي دعمت الكتاب ووقفت وراء تصنيفه، واللطيف أنّ هذين الشخصين على التحديد هم أقلّ من تعاون معي ومدّني بالمذكّرات.


      7. ما الذي أثار الحوزة النجفية أو بعض أعضائها في برنامج (شهيد العراق ..الصدر الأول)المنتَج من قناة المنار، والذي كانت لكم اليد الطولى في إمداده بالمادّة التاريخية؟

      أنتم تعلمون بأنّها كانت المرّة الأولى التي تتحدّث فيها الوسائل المرئيّة عن وقائع مرتبطة بالحوزة العلميّة بهذا الشكل من الصراحة ومدعّماً بالحقائق والوثائق، وإن كنتُ أعتقد بأنّ البرنامج لم يُسئ إلى أحد، ولكنّ الحقائق مرّة، ولم يتناول ما يرتبط بالأمور الشخصيّة، وإنّما اقتصر على التعرّض للأحداث العامّة.

      طبعاً لا يخفى عليكم أنّ هناك اتّجاهين في تبرير التأريخ لأحداث من هذا القبيل، ولا أريد هنا الدخول في تفاصيل كلٍّ منهما، ولكنّنا على كلّ حال بنينا على وجهة نظر الإمام الخميني الذي شجّع على عمليّة التأريخ بشفافيّة؛ باعتبار أنّ إثبات تاريخ الأمّة أهمّ من المحاذير الشخصيّة.

      على كلّ حال، فالمقدار الذي عرضه الفيلم الوثائقي لا يُذكر أمام ما كان متوفّراً، وكثيرٌ منه بخطّ الشهيد الصدر، ولكنّها كانت المرّة الأولى، فكان طبيعيّاً الاقتصار على أقلّ القليل.

      8. يطرح البعض: إن الكتاب خرج عن تأريخ (شخصية) إلى تاريخ (حركة)، وأن عنوان الكتاب أخصّ من محتواة.. ويستمر البعض ليتساءل! لماذا لم يفصل الباحث أبو زيد بين تاريخ شخصية الصدر وتاريخ الحركة الإسلامية في العراق، ليكونا كتابين مستقلين؟

      لقد أوضحت هذه النقطة في مقدّمة الكتاب، وهذا لم يكن فرضيّةً نظريّةً منّي، ولا تتصوّروا كم ساهم اطّلاعي على واقع الحركة الإسلاميّة في العراق ومرجعيّة المرحوم السيّد الحكيم بإجلاء الصورة المتعلّقة بتحرّكات الشهيد الصدر، بحيث لو قمنا بفصل الشهيد الصدر وسيرته عن النسيج الاجتماعي الذي تحرّك فيه لجاءت الصورة منقوصة.

      تخيّلوا مثلاً أنّني ذكرت في الكتاب أنّه بعد نشر استنكار جماعة العلماء على اعتراف الشاه الإيراني بإسرائيل واجه الشهيد الصدر ضغطاً من قبل اتّجاه معيّن في الحوزة، وذلك دون توضيح مفردات هذه القضيّة وتسليط الضوء على واقعها الموجود آنذاك. هنا سيسأل القارئ: ما هي جماعة العلماء؟ وما هو موقفها من الشاه؟ وما هي اتّجاهات الحوزة تجاه الشاه، وعبد الناصر؟؟؟ إلى الكثير من الأسئلة...

      أو أنّني عندما وصلت إلى أحداث سنة 1389هـ قلت: 25/6/1969م سافر الشهيد الصدر إلى لبنان لدعم مرجعيّة السيّد الحكيم، وكفى. فيسأل القارئ: لماذا يدعم الشهيد الصدر مرجعيّة السيّد الحكيم؟ وهل تعرّضت لضغوطات؟! وممّن؟! ولماذا؟

      هنا لا تستطيع استجلاء الصورة دون الحديث عن كيفيّة مجيء البعثيّين إلى الحكم، والسياسة التي اتّبعوها تجاه السيّد الحكيم، وقضيّة اتّهامهم السيّد مهدي الحكيم بالعمالة، وموقف الشهيد الصدر من ذلك، ولماذا كان مستعدّاً للتضحية في سبيل هذه المرجعيّة؟!

      كلّها أسئلة لا يُمكن الإجابة عنها دون الحديث عن (المسيرة)، ولذلك جعلت (المسيرة) مفردة من مفردات عنوان الكتاب.

      أعتقد أنّ التجوال في ثنايا الكتاب يوضح أنّ هذا الخطّة ـ أعني التأريخ للمسيرة إلى جانب التأريخ للسيرة ـ كانت مهمّة، بل ضروريّة، فهي واجبة، وليست نافلة.

      9. طبع الكتاب في 2007م ونحن الآن في 2009م، ماذا استجد عندك حول سيرة السيد الصدر؟

      الصورة العامّة للأحداث لم تنخرم، نعم هناك بعض الإضافات أو التعديلات التي لم تغيّر في الأحداث شيئاً رئيساً، ولكنّ إدخالها حالياً غير متيسّر؛ فالكتاب قد طبع في السنتين الأوليين ثلاث طبعات، وهي متّحدة شكلاً ومضموناً وليس فيها أيّ تعديل، وقد رغب الناشر مؤخّراً إعادة النظر فيها وإدخال التعديلات لأنّه يعتزم طبعها في عشرة مجلّدات؛ لأنّ الكثيرين اعترضوا عليه ـ وعليّ شخصيّاً ـ بأنّ خطّ الطباعة صغير جدّاً، وهم محقّون في ذلك، فقد حسبت عدد كلمات الكتاب، ووجدت أنّه بحسب النموذج الافتراضي لطبع الكتاب في بيروت يعادل ما يقرب من 12 إلى 15 مجلّداً، ولكنّ القارئ لا يعرف أنّني واجهت صعوبةً في طباعة الكتاب في 5 أجزاء، فكيف في 10 أو 15؟!

      فبعد أن فرغت من الكتاب ـ وكان سنة 2004م في 3 مجلّدات ـ لم أجد ناشراً يوافق على نشر 3 مجلّدات عن حياة الشهيد الصدر، فمنهم من اشترط أن أشاركه في تكاليف الطباعة، ومنهم من وافق على شرط إعطائي نسبة مئويّة رمزيّة أقل من المتعارف باعتبار أنّ الكتاب لا سوق وأنّه سوف يتكدّس لديه، وأنّه لا ربح له فيه، وكدت أشعر بأنّه يحمّلني هذا الجميل الكبير مقابل طبع كتاب لا قيمة له، وأخيراً وجدت داراً معروفة جدّاً وافقت على طباعته بشرط تقليصه إلى مجلّد واحد؛ لأنّ الموضوع ـ كما صرّحوا لي ـ لا يستحقّ أكثر من مجلّد واحد، فأصبت بالإحباط، إلى أنّ قدّمت في الوقت نفسه طلباً لدار المحجّة البيضاء ودار العارف، فوافقا معاً، ولكنّ الحاج أحمد الخرسا تنازل عن ذلك لصالح دار العارف باعتبار أنّه الحاج أبا ميثم الجواهري عراقي ولديه رغبة نفسيّة في طبع الكتاب.

      وبعد أن اتّفقت رسميّاً مع دار العارف تضخّم الكتاب بمقدار مجلّدين فصار خمسة أجزاء مضغوطة، فطلب منّي الناشر عدم تكبير الخطّ لكي لا يتضخّم الكتاب ويعجز المشتري عن شرائه، فكان أن رتّبناه في 5 مجلّدات متراصّة.

      10. يتساءل البعض: لماذا أطال الباحث أبو زيد في تحليل بعض المقولات التي قد تكون لا ثمرة من ثبوتها أو نفيها، مثل مسألة تلّمذ السيد الصدر عند السيد محمد الروحاني؟

      عندما بدأت العمل على الكتاب كان عليّ وضع ضوابط كليّة أقوم باعتمادها في طيّات الكتاب بكاملها، وقد ذكرت في المقدّمة أنّ مجموعة من الضوابط تكوّنت لديّ أثناء العمل على الكتاب، ولكن منذ البداية قرّرت الدخول والتحقيق في كلّ التفاصيل؛ لأنّ مسألة من المسائل بحجّة عدم أهميّتها سيعرّضني لإشكال (الذوقيّ) و(التعسّفيّة)، فإذا أهملت المسألة (أ) بحجّة عدم أهميّتها فسأواجه إشكالاً بأنّها كذلك بنظرك أنت، وإلاّ فهي مهمّة، ولهذا توجّب عليّ عدم استثناء بعض المسائل دون الآخر.

      أمّا المسألة التي ذكرتموها بالذات فجاءت لوضع النقاط على الحروف فيما يرتبط بتتلمذ الشهيد الصدر عند السيّد الروحاني؛ لأنّ الكثيرين كانوا يتعاملون مع مسألة التتلمذ تعامل البديهيّات، معتمدين على نقل تلامذة السيّد الروحاني، ولم يكونوا ملتفتين إلى وجود شهادات معاكسة، ولكنّني ـ بعد عرضت مختلف الشهادات ـ وصلت إلى مرحلة الترجيح، وهنا عثرت على الكثير من العناصر الموضوعيّة التي إن لم ترجّح كفّة معيّنة، فهي على أقلّ تقدير تهدم بناء البديهيّة الذي بناه أولئك في مخيّلتهم، وأتصوّر أنّه بعد الأدلّة التي سقتها لم يعد ممكناً التصديق بأنّ الشهيد الصدر درس عند السيّد الروحاني 15 عاماً، هذا إذا لم نصل إلى نفي المسألة من أساس.

      من السهل على شخص خارج الحوزة أن يُشكل بعدم أهميّة هذا البحث؛ لأنّه لا يعيش تعقيدات المسألة، ولكنّ الذي يعيش داخل الحوزة ويلمس هذه التعقيدات لا يستطيع تجاهلها، ولا أقول إنّني حقّقت المسألة (بما لا مزيد عليه)، ولكنّني وضعت المسألة على الأقل على السكّة الصحيحة.

      يقول الشاعر:

      قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتظلّ حزازات الصدور كما هي
      نقل لي أحدهم عن أحد مدرّسي بحث الخارج في قم وهو من المراجع الكرام بأنّه يعتبر الشهيد الصدر (بچه اصول)، أي (طفل في علم الأصول)، فأجبته بأنّه لو كان الشهيد الصدر (بچه) فمن سواه (نطفة). ليست المسألة مسألة استفزاز، ولكن يحزّ في قلبك أنّ التركيبة الحوزويّة القائمة تتيح لمن لم نعرف من عطائه العلمي شيئاً أن يجرّد الآخرين بسهولة، ولسنا نتحدّث عن شخص عادي، وإنّما نتحدّث عن الشهيد الصدر الذي لا يحتاج إلى اعتراف أحد.

      11. اعتمدتَ في الكتاب السرد الحولي غير الموضوع ـ بحسب تعبيرك ـ في عرض التأريخ لأسباب ذٌكرت في مقدمة الكتاب، ولكن ألا تظن أن مثل هذا الأسلوب يصلح للقارئ الذي يريد أن يتعرّف على سيرة الصدر، أما الباحث فيصعب عليه تحصيل معلومة ما بهذا الأسلوب المعتمد في الكتاب خصوصاً مع عدم توفر الكتاب على فهرست موضوعي؟


      مسألة الفهرست الموضوعي هو الذي يقدّم الحلّ، فنحن لا نستطيع رفع اليد عن هذا الأسلوب النافع والضروري لمجرّد عدم التمكّن من تحصيل المعلومة، وإنّما علينا البحث عن متممّات لهذا العمل، وهي تتمثّل بالفهرست الموضوعي، ولكنّ إنجازه ـ كما تعلمون ـ يتطلّب وقتاً لم أكن أملكه، واعتذر الناشر حينها عن تكليف شخصٍ لهذه المهمّة، عسى أن نتفاداها في الطبعة الجديدة إن شاء الله تعالى.

      12. يرى بعض القرّاء أن هاجساً كان يسكن الباحث أبو زيد حين البحث أو لا أقل حين إعداد المقدمة، يظهر هذا في المقدمة عند ذكر بعض الحوادث التي وقعت بين بعض علماء الدين، ما تعليقك على هذا؟


      هذا الهاجس كان واضحاً، بل حتّى لم أهدف إلى إخفائه، باعتبار أنّه ـ وكما ذكرت في جواب سابق ـ هناك اتّجاهان في التعامل مع صحّة أو شرعيّة التأريخ الشفاف، وذكرت أيضاً أنّنا نتّجه مع خطّ الإمام الخميني، ولا أريد هنا إعادة الحديث عن الموضوع، ولكنّني أريد التأكيد على أنّ سوق تلك الشواهد في المقدّمة كان يستهدف تهيئة الأرضيّة النفسيّة لدى القارئ البعيد عن أجواء الحوزة وتاريخها، حيث كان من شأن تلك الشواهد أن تحرّك القارئ نحو تقبّل فكرة أنّ حالة الشهيد الصدر ـ الذي عاش غريباً ومات غريباً ـ جاءت ضمن سياق له امتداداه في الحوزة، ولم تكن اسثناءً أو أمراً نادراً، حتّى يدفعنا هذا الاستثناء أو هذه الندرة إلى رفض هذه الأحداث المدّعمة بالوثائق والشواهد.

      طالعوا فقط الوثائق الموجودة بخطّ الشهيد الصدر، والواردة في المجلّد الثالث، وذروا المنقولات والنصوص الأخرى، هي تكفي في حدّ نفسها لإثبات مدى المظلوميّة التي عاشها الشهيد الصدر، وبالتالي ستصبح المنقولات مفردات تتماشى مع هذا السياق الذي تثبته الوثائق التي لا مجال للنقاش في صحّتها.


      وهنا أحب الإشارة إلى نصٍّ للشهيد الصدر ذكره في محاضرات أئمّة أهل البيت (ع) يقول فيه: (والشكّ في القائد هو أقسى ما يمنى به هذا القائد المخلص ، والشكّ في القائد هو أخطر ما تمنى به الاُمّة التي تتحمّل عناء هذا القائد)، وأحسب أنّه كان يقصد به نفسه ضمنيّاً، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم.

      13. رأينا إعلانات عن إنشاء موقع رسمي للشهيد الصدر، حدّثنا عنه ما هي محتوياته؟

      الموقع هو دائرة الشهيد الصدر، أي إنّه الموقع الذي أرغب أن أرفع عليه كلّ ما جمعته عن الشهيد الصدر طيلة عشرة أعوام، أي من سنة 2000م إلى اليوم، وهو مزيج من أرشيف شخصي، إلى جانب أرشيف (مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر)، وهو أرشيف ضخم جدّاً، مؤلّفات الشهيد الصدر بطبعتها المحقّقة، تقريرات درسه، محاضراته، وثائقه، صوره، مخطوطاته، ما كتب عنه من شروحات لكتبه ودراسات في فكره (ولدينا هنا بالذات ما يزيد عن 500 دراسة)، الشروحات الصوتيّة لكتبه، الندوات العلميّة، إحياء المناسبات... مادةّ كبيرة لا تقدّر بثمن، لكنّها ـ كما قلت في جواب سابق ـ تحتاج إلى أرشفة بحسب الأصول الرقميّة، وتحتاج إلى طاقات متفرّغة لرفعها على الموقع، ونحن حالياً نقوم وكما نقول في لهجتنا بـ(سيسرة) الموقع، وإلاّ فلو كان لدينا فريق عمل متكامل لتمكنّا من رفع المواد بسرعة، بينما لا أتصوّر أنّنا نستطيع في حالتنا هذه أن نرفع المواد قبل ثلاث سنوات إذا بقينا أحياء.

      لقد سبق أن قلت إنّ هذا مظهر من مظاهر مظلوميّة الشهيد الصدر، كم جهة تنطق باسمه، وكم شخصاً يدّعي إرثه، هؤلاء الورثة الذين شكّل بعضهم العامل الأبرز في تحديد مدرسة الشهيد الصدر، أو بتر حركتها والقضاء على الأمل في استمرارها، وكم.. وكم... ومع ذلك تجد عجزاً كبيراً في طباعة كتبه أو ترجمتها أو حتّى أرشفة تراثه الكبير، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم.

      14. ماذا يُعدُّ لنا الشيخ أبو زيد بعد شخصية محمد باقر الصدر؟

      عام 2007م كنت أقول للإخوان بأنّني سأطلّق الشهيد الصدر بعد صدور الكتاب، ولكنّني لم أتمكّن من ذلك.

      نظرتُ إلى صورته مرّةً فلمحت في بارقَي عينيه عتاباً لم أطِقه، فلمتُ نفسي، كيف يُمكنني أن أتركه وأترك المشاريع الأخرى العالقة في مهبّ الريح، من قبيل إكمال تحقيق تراثه وغير ذلك، فرجعت عن قراري إلى حين إنجاز ما بقي على عاتقي.

      طبعاً ـ وكما ذكرت آنفاً ـ فأنا أقوم بذلك في عرض الانشغالات العلميّة الأخرى، ولذلك تُنجز ببطء.

      ومنذ أيّام قليلة، اتّفقنا مع إحدى دور النشر في بيروت على نشر (موسوعة دراسات في رحال الشهيد الصدر)، وهي موسوعة الدراسات التي كتبت حول الشهيد الصدر، كنت منذ تسع سنوات قد جمعتها وصنّفتها، وهي في ما يقرب من 10 مجلّدات، يُمكن أن تقدّم خدمةً للباحثين الذين يصعب عليهم تجميع ما كتب حول الشهيد الصدر، عسى أن تُنجز قريباً.

      وإلى جانب ذلك، أعددت مؤخّراً دراسة مفصّلة حول التفسير الموضوعي عند الشهيد الصدر، وستصدر قريباً بإذن الله تعالى في بيروت ضمن سلسلة (مركز الحضارة للدراسات).

      وأنا مشغول الآن بتأليف دراسة حول (نظريّة السند عند الشهيد الصدر)، حيث أقوم بدراسة كلّ ما يتعلّق بسند الحديث في تراث الشهيد الصدر، وهي رسالة الماجستير في جامعة طهران.

      وهناك مشروع آخر كنت قد عملت عليه لفترة وجيزة في صيف 2006م وحال اعتداء تمّوز الغاشم دون إكماله، وهو تحقيق كتاب (دروس في علم الأصول) المعروف بـ(الحلقات)، وذلك بمقابلة النسخ، ومنها نسخة خطيّة بخطّ الشيخ النعماني وعليها تصحيحات الشهيد الصدر، مع الأخذ بعين الاعتبار كلّ ما يتعلّق بالمتن من تعليقات ورد في شروحات الشارحين، إضافةً إلى تخريج المصادر وتوثيق الأفكار، وهي طبعة لطيفة، أنجزت أكثر مراحلها، وبقي تصحيح المتن وتخريج المصادر، عسى أن أوفّق لإكمال هذا العمل، فهو من الأعمال المحبّبة على قلبي.

      15. نداء توجه من خلال هذا اللقاء؟

      في الختام أثمّن لكم اهتمامكم بالشهيد الصدر وحرصكم على نشر أفكاره وما يرتبط به، وأدعو لكم بالتوفيق في موقعكم المميّز الذي عوّدنا منذ مدة على تخصيص دوحة خاصّة من دوحاته للشهيد الصدر، دمتم موفّقين.

      تعليق


      • #4
        أيّها القارئ الكريم‏

        السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 7 ـ 8

        أيّها القارئ الكريم‏

        هذا إنتاجٌ اغتنمت له ثلاث عطل دراسيّة في حوزتنا الدينيّة قم المشرّفة على مدى ثلاثة أعوام متتالية (2003ـ 2005 م)، جفوتُ خلالها الأتراب والأحباب، حيث جلست نبذة، وقعدت جنبة، وتوفّرتُ على تدوين ما تجمّع لديّ من معلومات حول سيرة المعلّم الشهيد، الإمام السيّد محمّد باقر الصدر (ره)، والظرف التاريخي الذي عاش فيه، متعرّضاً في ذلك بإيجاز إلى تاريخ الحركة الإسلاميّة في العراق، وما رافق ذلك من أمّهات الأحداث التي عصفت بالحوزة العلميّة في النجف الأشرف، مروراً بانتصار الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران على يد رائدها الإمام السيّد روح الله الخميني (ره)، وانتهاءً باستشهاد السيّد الصدر في ظلّ الظرف العصيب الذي ألمّ به.
        وأصلُ هذا المشروع أنّه كانت تتجمّع في ذهني معلوماتٌ وخواطر، كنتُ قد وقعتُ على كثيرٍ منها في ما جادت به يراع السابقين، وكنتُ أسجّلها في ملفّات متفرّقة، أو أودعها صفحةً من صفحات الذاكرة ..
        ولمّا حانت الفرصة، وبانت النُهزة، أرهفت للأمر غرار العزم، وركبت مطيّة العمل، فلم يجفّ لِبدُها حتّى تلمّظتُ ما فاتهم من صدور الصحب وقلوب الآل، وقيّدتُ ما أبد من حقائق مغمورة ووثائق مطمورة .. حتّى إذا اختمرت الصورة التاريخيّة، ووجدتُ فيها ما يصلح عرضاً مقبولًا لتاريخ هذه الشخصيّة بشكل خاص، والحقبة المنصرمة بشكل عام، جمعتها وهذّبتها ورتّبتها على فصول، اجتمع منها كتابٌ كبير.
        والحقيقة أنّي لا زلتُ غير مقتنعٍ بنشر الكتاب بصورته الحاليّة؛ لحاجته إلى مزيدٍ من النظر في أثنائه وأحنائه، إلّا أنّ الضغط النفسيَّ الذي ولّده إلحاح الأصدقاء والمعنيّين ملك عليّ مذاهبي، وحال دون مسربي، فحملتُ نفسي على مكروهها، وأغمضتُ النظر عمّا فيه من نقص وعيب، ونشرته على النحو الذي هو عليه.
        وأرجو من القارئ العزيز أن يقرأ بعض فقرات الكتاب على الأقلّ قراءةً موضوعيّة بإمعانٍ وتدبّر، وله أن يطرح زبده الذي يذهب جفاءً من معلومات جزئيّة غير مرتبطة بالبعد الرسالي، والتي تجمّعت بطريقة عفويّة استطراديّة، ودُوّنت لرغبة صنف معيّن من القرّاء في الاطّلاع عليها .. وأمّا كثيرٌ ممّا ينفع الناس ويمكث في الأرض، فلا أحبُّ له أن يطالعه كما يطالع قصّةً روائيّة أو نصّاً أدبيّاً، إذ ليس الكتاب في جوهره روايةً ولا أدباً، وإنّما هو تعبيرٌ حيٌّ بلسان الماضي عن بعض ما نعايشه، وسيجد فيه القارئ ومضات لرؤى فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة خلت منها كتابات السيّد الصدر (ره).
        ومهما يكن من أمر، فإذا استطاع هذا الكتاب المساهمة في تشخيص بعض مشكلاتنا وإعدادِ الأرضيّة المناسبة لعلاجها، فقد حقّق شطراً من رسالته، وحسبُه ذلك.

        وأحبّ للقارئ الكريم أن لا يقف عند حدود شخص بحالٍ من الأحوال؛ لأنّ الرسالة أكبر من الجميع، وعلى من يطالب بالحبوة أن يقضي ما على الميت من واجبات. وأحبُّ له أن ينظر إلى المعلّم الصدر في آماله وآلامه، فيفكّر في تشييد ما أسّس، أو إصلاح ما قدّم، متحرّراً من أيّ شعورٍ نفسيٍّ قد يلجئه إلى التقيّد بقناعاته في مجالٍ من المجالات، لكي لا يُساهم في جعل عطاءاته أحكاماً ثابتة، مكرّساً بذلك الروح (الاستصحابيّة) التي دفع السيّد الصدر استقراره فحياته ثمناً لإزهاقها، فإنّ
        تعظيم الكبراء وتقليد الأسلاف والأنس بما لا يعرف الإنسان غيره يحتاج إلى علاج شديد، وقد قال الخليل بن أحمد العروضي (ره) :
        (الإنسان لا يعرف خطأ معلّمه حتّى يجالس غيرهفالعاقل يكون غرضه الوصول إلى الحق من طريقه، والظفر به من وجهه وتحقيقه، ولا يكون غرضه نصرة الرجال؛ فإنّ الذين ينحون هذا النحو قد خسروا ما ربحه المقلّد من الراحة والدعة، ولم يسلموا من هجنة التقليد وفقد الثقة بهم، فهم لذلك أسوء حالًا من المصرّح بالتقليد. وبئست الحال حال من أهمل دينه وشغل معظم دهره في نصرة غيره لا في طلب الحق ومعرفته. ولا ينبغي لمن استدرك على من سلف وسبق إلى بعض الأشياء أن يرى لنفسه الفضل عليهم؛ لأنّهم إنّما زلّوا حيث زلّوا لأجل أنّهم كدّوا أفكارهم وشغلوا زمانهم في غيره، ثمّ صاروا إلى الشي‏ء الذي زلّوا فيه بقلوب قد كلّت، ونفوس قد سئمت، وأوقات ضيّقة، ومن يأت بعدهم فقد استفاد منهم ما استخرجوه ووقف على ما أظهروه من غير كدورة كلفة، وحصلت له بذلك رياضة واكتسب قوّة، فليس يعجب إذا صار إلى حيث زلّ فيه من تقدّم، وهو من موفور القوى [و] متّسع الزمان لم يلحقه ملل ولا خامره ضجر أن يلحظ ما لم يلحظوه، ويتأمّل ما لم يتأمّلوه، ولذلك زاد المتأخّرون على المتقدّمين، ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال واتصال الزمان وامتداد الآجال، فربّما لم يشبع القول في المسألة على ما أورده المتأخّر، وإن كان بحمد الله بهم يقتدي، وعلى أمثلتهم يحتذي» «1»
        وقبل أن أختم، أرى من الجفاء أن لا أشرك في الإهداء روح الإمام الخميني (ره) الذي له علينا فضلٌ لا يقدّر، فرحمة الله تعالى عليه من إمام لم توحشه وحدته.
        وفي الختام أسأل المولى تبارك وتعالى أن لا يحرمني وافر رحمته، وأن يتجاوز بها عن سيّئاتي، ويكتب لي أعمالي في ميزان الصلاح، ويمنّ عليّ بشفاعة سيّد الورى محمّد (ص) وأهل بيته الطيّبين الطاهرين (عليهم السلام).
        وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب، وهو عليمٌ بذات الصدور.
        الثالث من شعبان 1426 هـ (8 / 9 / 2005 م)
        ولادة سيّد الشهداء الإمام الحسين (ع)
        أحمد عبدالله ابو زيد العاملي

        __________________________________________________
        (1) ابن إدريس الحلّي (ت: 598 هـ) في: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى 3 : 651ـ 653.

        تعليق


        • #5
          السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 9


          ***
          «بسم الله الرحمن الرحيم‏

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
          قد سرّني بصورة خاصّة بحثكم القيّم عن تاريخ العراق الجهادي وموقف العلماء فيه، فلعمري إنّ من الضروري لنا اليوم إبراز هذه الجوانب التاريخيّة من حياتنا، التي تبرهن على المواقف الجبّارة التي لعبها الإسلام ضدّ الاستعمار والمستعمرين، متمثّلًا في علمائه وقادته الفكريّين ..»
          «إنّ هذا الشريط بكلّ سرّائه وضرّائه، بكلّ يسره وعسره، بكلّ آماله وآلامه، قصّة فريدة فيها كلّ ما يشرّف الإنسان من معانٍ وقِيَم ومُثُل.
          لا أدري كيف جرفني الماضي وأنا أريد أن أكتب عن الحاضر والمستقبل، بل أدري؛ لأنّ الماضي حاضرٌ دائماً وليس منفصلًا عن المستقبل بحال من الأحوال».
          «مخلصكم محمّد باقر الصدر» «1»

          ***

          __________________________________________________
          (1) المقطع الأوّل والسطر الأخير من رسالة للسيّد الصدر (رحمه الله) إلى السيّد هادي خسروشاهي، والمقطعان الثاني والثالث من رسالةٍ له إلى السيّد عبد الغني الأردبيلي (رحمه الله).
          السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 10


          ______________________________________
          ____________
          (1) المقطع الأوّل من مخطوطة كرّاس (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) ، والثاني من رسالة له رحمه الله إلى طلاّبه سنة 1399 هـ [1978].
          السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 11

          «أي بنيّ! ... إنّما قلبُ الحَدَث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شي‏ءٍ قبلَته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسوَ قلبُك ويشتغلَ لبُّك، لتستقبلَ بجدِّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهلُ التّجارب بغيتَه وتجربتَه، فتكون قد كفيتَ مؤونةَ الطّلب، وعوفيتَ من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه.
          أي بنيّ! إنّي وإن لم أكن عُمّرتُ عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم وفكّرت في أخبارهم وسرت في آثارهم، حتّى عدت كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عُمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفتُ صفوَ ذلك من كدره، ونفعَه من ضرَرِه، فاستخلصتُ لك من كلّ أمرٍ جليلَه، وتوخّيتُ لك جميله، وصرفتُ عنك مجهولَه» «1».
          الإمام علي عليه السلام
          ***

          «إنّي لمّا تصفّحت أخبار الأمم وسِيَرَ الملوك وقرأت أخبار البلدان وكتب التواريخ، وجدتُ فيها ما تستفاد منه تجربةٌ في أمور لا تزال يتكرّر مثلها ويُنتظر حدوث شبهها وشكلها ... ورأيتُ هذا الضرب من الأحداث إذا عرف له مثالٌ ممّا تقدّم وتجربةٌ لمن سلف، فاتّخذ إماماً يقتدى به، حذر ممّا ابتلى به قومٌ، وتمسّك بما سعد به قومٌ؛ فإنّ أمور الدنيا متشابهة، وأحوالها متناسبة، وصار جميع ما يحفظه الإنسان من هذا الضرب كأنّه تجارب له، وقد دفع إليها واحتنك بها، وكأنّه قد عاش ذلك الزمان كلّه، وباشر تلك الأحوال بنفسه، واستقبل أموره استقبال الخَبِر، وعرفها قبل وقوعها، فجعلها نصب عينه وقبالة لَحظِه، فأعدّ لها أقرانها وقابلها بأشكالها. وشتّان بين من كان بهذه الصورة وبين من كان غِرّاً غُمْراً لا يتبيّن الأمر إلّا بعد وقوعه، ولا يلاحظه إلّا بعين الغريب منه، يحيّره كلُّ خطبٍ يستقبله، ويدهشه كلّ أمر يتجدّد له» «2».
          أبو علي مسكويه الرازي (ت: 421 هـ)

          ***

          __________________________________________________
          (1) تحف العقول: 70؛ بحار الأنوار 218: 77- 219
          (2) تجارب الأمم 1: 1- 2.
          السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 12

          «عليكم أن تحملوا أنفسكم وتعوّدوها على وضع الحبّ والبغض جانباً لدى كتابة التاريخ. وعليكم أن تكتبوا الحقائق، وإن لزم من ذلك تضرّركم أو تضرّر من تربطكم بهم علاقة.
          أنا أيضاً من الممكن أن أقع في الخطأ، ولا ينبغي أن تمرّوا من جانب أخطائي أو ما تعتقدونه كذلك من دون أن تحرّكوا ساكناً، ولا ينبغي أن تحاولوا إخفاء ذلك، فهذا لا ينسجم مع المهمّة التي أخذتموها على عاتقكم، والمؤرّخ الذي يمتشق قلمه لله لا يلغو ولا يكتم الحقائق.
          إذا أردتم أن يكون التاريخ الذي تكتبونه مفيداً للإسلام والمسلمين، فعليكم أن تكتبوه بعيداً عن أيّة أغراض، حاولوا أن تكونوا مؤرّخين بهذا النحو. وعليكم أن تبيّنوا المسائل والحوادث كما وقعت، ولا يكونّن في ما تكتبونه مبالغة أو سترٌ للأمور ..» «1».
          الإمام الخميني (ره)

          ***

          «إنّ عدم الاعتراف بالنقص يعني عدم إمكانيّة معالجته، إنّ هذه المهمّة مناطة بكم، لا سيما الفضلاء الشباب: اطرحوا هذا الموضوع وكرّروا طرحه، اكتبوا واستدلّوا عليه، ناقشوا الذين يعارضون هذا المنحى، جادلوهم بالحق، وأثبتوا لهم أنّ هذا المريض مريضٌ حقّاً، وأنّ هذا الجسم الحي يعاني الألم، وما لم يفهموا ألمه، سيبقى مريضاً دائماً» «2».
          الإمام الخامنئي‏

          ***

          __________________________________________________
          (1) نهضت امام خمينى (فارسي)، ط 15، 1 : 11ـ 12.
          (2) الحوزة العلميّة في فكر الإمام الخامنئي: 166.
          الملفات المرفقة

          تعليق


          • #6


            شكرا لكم وفي ميزان حسناتكم
            وفقكم الله

            تعليق


            • #7
              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 13 ـ 14

              * لا بدّ لكلّ عمليّة إصلاح أن تتبنّى مفاهيم عامّة وتصوّرات عامّة- تتحدّد بالتدريج- عن وضع الحوزة في الأمّة، وماذا يُراد من الحوزة للأمّة، وما هو الدور الذي يجب أن تؤدّيه للأمّة. يجب أن نبدأ من مفهوم يشخّص رسالة الحوزة في الأمّة، ثمّ على ضوء هذا المفهوم نضع نظامها الإداري وسياستها الماليّة، ونضع مناهجها الدراسيّة. على أساس هذا المفهوم نبني هذه الحوزة، لا أنّه نبني الحوزة وبعد هذا نفكّر في جانبها الوظيفي.
              * قد يكون الإنسان عادلًا بالنسبة إلى سلوكه الذاتي الشخصي، ولكنّه لا يكون عادلًا بالنسبة إلى سلوكه الوظيفي بتلك الدرجة، ولذلك يحتاج إلى درجة من التوعية وتنمية هذا الجانب الوظيفي، ولذلك لو لم يوعِّ ويثقِّف ويمرِّن هذا الوجود الوظيفي، فسوف يحصل اختلال في مستوى التديّن.
              * هل تصدّقون أنّه في النجف الأشرف نفسه، في مركز الحوزة العلميّة في النجف، الذي من المفروض أن يموّن بإشعاعه الفكري والعلمي والروحي والديني كلّ العالم، أو على الأقلّ كلّ العالم الإسلامي، أو على الأقلّ كلّ العالم الشيعي، يوجد آلافٌ من الناس لا يعرفون أحكام رسالتهم، غير منفتحين على رسالة مكّة ولا على مبادئ مكّة، منجرفون مع تيّارات أخرى أو جاهلون أو مقصّرون .. من الذي يسأل عن هؤلاء أمام الله؟ نحن نسأل أمام الله عن منحرف انحرف عن دينه، وعن منحرف انحرف في آخر نقاط العالم الإسلامي في وجود إمكانيّات، فكيف لا نسأل عن منحرف انحرف في أوطاننا، في أهلنا، في بلدنا؟! كيف ندّعي أنّنا من الدعاة إلى الله ويوجد في بلدنا من لا يعرف من الإسلام شيئاً ونحن لا نفكّر فيه؟
              * لماذا تعيش الحوزة في هذا البلد مئات السنين، ثمَّ بعد هذا يظهر إفلاسها في نفس هذا البلد الذي تعيش فيه؟! .. وإذا بأبناء هذا البلد أو ببعض أبناء هذا البلد، يظهرون بمظهر الأعداء والحاقدين والحاسدين والمتربّصين بهذه الحوزة .. ألا تفكّرون في أنَّ هذه جريمتنا قبل أن تكون جريمتهم؟ في أنّ هذه هي مسؤوليّتنا قبل أن تكون مسؤوليّتهم؟ لأنّنا لم نتعامل معهم، نحن تعاملنا مع أجدادهم ولم نتعامل معهم!
              هذه الأجيال التي تحقد علينا، التي تتربّص بنا اليوم، تشعر بأنّنا نتعامل مع الموتى، لا نتعامل مع الأحياء، ولهذا يحقدون علينا، ولهذا يتربّصون بنا؛ لأنّنا لم نقدّم لهم شيئاً، لأنّنا لم نتفاعل معهم.
              * اليوم أمام كلّ واحد منّا صار واضحاً أنّ أيّ انحراف عن خطّ الإسلام في سلوكنا، في وضعنا، في أخلاقنا، في عواطفنا، هذا الانحراف، هذا التكاسل، هذه النزعة التحطيميّة التحريميّة لأيّ نوع من العمل الصالح في الحوزة، هذا الذي يؤدّي بنا إلى ما أدّى، وسوف يؤدّي إلى الدمار حتماً إذا لم يتغيّر الوضع الداخلي في الحوزة. لا يكفي أن يتغيّر الوضع الخارجي، يحتاج الوضع الداخلي إلى التغيير، تحتاج ضمائرنا إلى تطهير، تحتاج نفوسنا إلى تطهير، نحتاج أن نشعر بمسؤوليّتنا اليوم ..
              * إنّ الإسلام الذي قام بإعالتك، قام بالإنفاق عليك أو عليّ، قام بإعالتنا والإنفاق علينا .. هذا الإسلام نحن مدينون له بوجودنا، مدينون له بأموالنا، مدينون له بكرامتنا، بعزّتنا، بكلّ ما نملك من اعتبار، هذا الإسلام إذا كلّفنا أن نقيم على الضيم أسبوعاً، أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، أن نتحمّل الأذى في سبيل الله، أن نصمد، أن نصبر في سبيل أن لا يتفتّت، في سبيل أن يواصل وجوده حتّى تنكشف هذه الأزمة عن الإسلام والمسلمين .. إذا كلّفنا ذلك فليس هذا التكليف بالنسبة إلينا تكليفاً غير طبيعي؛ لأنّه هو المحسن الذي كان دائماً يقدّم ونحن نأخذ، الذي كان دائماً يتفضّل ونحن نستفيد، الذي كان دائماً يسدّد ونحن نتمتّع بكلِّ ما يقدّم لنا من خيرات ومكاسب وجاه عريض .. ما هو جاهنا؟! ما هو اعتبارنا لولا الإسلام؟! (1)
              * إذن لا بدّ من حسين جديد لهذه الحركة ولا بدّ من زينب، ولا بدّ من رجال كأصحاب الحسين (ع)، وهذا أمر مستحيل، فلا يمكن لأيّ إنسان أن يمتلك كلّ هذه المواصفات التي يمتلكها الحسين (ع)، ولا مقوّمات ثورته بالكامل. وإذا كان الأمر مستحيلًا، فلا بدّ من قطارٍ من الدماء ورتلٍ ضخمٍ من التضحيات تشكّل بمجموعها جزءاً من مقوّمات مأساة الطف، لتحرّك ضمير هذه الأمّة الميتة وتوقظ مشاعرها وأحاسيسها، وعلى المسلمين أن يكونوا دائماً على أهبّة الاستعداد لتلبية نداء الإسلام متى استصرخهم لنصرته، لعلّ في قطار الدم عودةً إلى الواقع الرسالي الكريم (2)
              * [و] أنتم معي على الرغم من الزّمان، وعلى الرغم من المكان، ولتكن هذه المعيّة في اللّه، ومن أجل اللّه، تعبيراً حيّاً عن لقائنا باستمرار، إلى أن يجتمع الشمل وتعود الأغصان إلى الشجرة الأمّ.
              والسّلام عليكم من قلب لا يملّ الحديث معكم ورحمة اللّه وبركاته (3)


              __________________________________________________
              (1) مقاطع من محاضرات للسيّد الصدر (رحمه الله) خلال السنوات 1385، 1387 و 1389 هـ، تراجع في محلّها من الكتاب‏
              (2) المجموعة الكاملة لمؤلّفات السيّد محمّد باقر الصدر 13: 95، محاضرة حول ثورة الإمام الحسين‏
              (3) من رسالة صوتيّة مسجّلة للسيّد الصدر (رحمه الله)، تجد نصّها كاملًا ضمن أحداث سنة 1394 هـ.
              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 15

              - 1-

              «العلاقات في داخل كلّ أمّة قد تكون غير قائمة على أساسٍ حق، قد يكون الإنسان المستضعف فيها جديراً بأن يكون في أعلى الأمّة ..
              هذه الأمّة، تعاد فيها العلاقات إلى نصابها الحق. هذا هو الشي‏ء الذي سمّاه القرآن الكريم بيوم التغابن. يحصل التغابن عن طريق اجتماع المجموعة، ثمّ كلّ إنسان كان مغبوناً في موقعه في الأمّة، في وجوده في الأمّة، بقدر ما كان مغبوناً في موقعه في الأمّة يأخذ حقّه، يأخذ حقّه، يوم لا كلمة إلّا للحق».
              محمّد باقر الصدر
              2 / 5 / 1979 م‏
              - 2-

              «... السيّد محمّد باقر الصدر الذي كان عقلًا إسلاميّاً مفكّراً، وكان مرجوّاً أن ينتفع منه الإسلام بشكل أوسع، وأنا أرجو أن يُقبِلَ المسلمون على مطالعة كتب هذا الرجل العظيم، حشره الله تعالى مع أجداده العظام، وحشر أخته المظلومة مع جدّتها» «1».
              روح الله الموسوي الخميني‏

              - 3-

              السيّد الصدر مظلومٌ لأنّه ولد في الشرق، ولو كان مولوداً في الغرب لعلمتم ماذا يقول الغرب فيه ... هذا الرجل فلتة، هذا الرجل عجيبٌ في ما يتوصّل إليه وفي ما يطرحه من نظريّات وأفكار «2».
              أبو القاسم الموسوي الخوئي‏

              - 4-

              على الزعيم السياسي أن يرى لليوم وللغد ولما بعد الغد، وهذا متوفّرٌ في السيّد محمّد باقر الصدر، وحسبه أنّه استطاع أن يضع حلولًا لأمور بقيت عالقة مائةً وخمسين عاماً تهيّب الفقهاء من الدنوّ منها «3».
              موسى الصدر

              - 5-

              هذا الرجل أخرج النجف من الكتب الصفراء إلى الكتب البيضاء، هذا الرجل عرّف العالم على النجف الأشرف بعد أن كانت مطمورة .. «4»
              محمّد جواد مغنيّة

              __________________________________________________
              (1) صحيفه نور (فارسي) 14 : 280 .
              (2) قولان للسيّد الخوئي (رحمه الله) (انظر أحداث سنة 1369 هـ) [في الكتاب].
              (3) الإمام السيّد موسى الصدر .. محطّات تاريخيّة [السيد حسين شرف الدين ، دار الارقم ، بيروت، 1996] : 49
              (4) انظر أحداث سنة 1395 هـ.
              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 16

              - 6-

              «يحقّ لكلّ مجمع علمي أن يرفع رأسه فخوراً بما قدّمه إنسانٌ كبيرٌ كهذا العالم الجليل. كان دونما ترديد نابغةً وكوكباً ساطعاً؛ فهو من الناحية العلميّة جمع في رجل واحد الشمول والعمق والإبداع والشجاعة العلميّة، ويعدُّ مؤسّساً وصاحب مدرسة في علم أصول الفقه، وفي الفقه والفلسفة، وما يرتبط بهذه العلوم.
              ما كان يمتلكه من كفاءة غير عاديّة، ودأب قلّ له نظير، جعل منه عالماً متعمّقاً في ألوان الفنون، ولم ينحصر ذهنه البحّاث ورؤيته الثاقبة في آفاق علوم الحوزة المتداولة، بل أحاط بالبحث والتحقيق كلّ موضوع يليق بمرجع ديني كبير في عالمنا المتنوّع المعاش، خالقاً من ذلك الموضوع خطاباً جديداً، وفكراً بكراً، وأثراً خالداً.
              درّة علم وبحث، وكنزٌ إنسانيٌّ لا نفاذ له، لو بقي ولم تتطاول إليه اليد المجرمة لتخطفه من الحوزة العلميّة، لشهد المجتمع الشيعي خاصّة، والإسلامي عامّة، في المستقبل القريب، تحليقاً آخر في سماء المرجعيّة والزعامة العلميّة والدينيّة.
              الشهيد آية الله الصدر هو دونما شكّ أسوة وقدوة للطلّاب والفضلاء الشباب؛ دروسه في بناء الإنسان لم تنته بشهادته المفجعة، ومنهجه في البحث ماثل أمام الفضلاء الشباب في الحوزة العلميّة، وإشارة إصبعه توجّههم إلى طريق العظمة والمجد العلمي، مقروناً بالتفتّح والرؤية العلميّة.
              الحوزات العلميّة اليوم بحاجة أيضاً إلى الشهيد الصدر، وإلى كلّ عنصر فيه من الهمّة والطاقة، ما يساعدهم على متابعة طريقه العلمي، ورؤيته الإسلاميّة، ونظرته العالميّة.
              صلاةً وتحيّةً من الأعماق أبعثها إلى تلك الروح الطاهرة، وإلى أخته الشهيدة المظلومة بنت الهدى، سائلًا الله سبحانه وتعالى الرحمة وعلوّ المنزلة لهما، وتوفيق نموّ الفضلاء الشباب في الحوزات وتربيتهم على هذا النحو.
              السيّد علي الخامنئي‏
              21 شوّال 1421 هـ» «1».

              - 7-

              «كان أحد أصدقائنا يقول: ... عندما كنتُ صغيراً .. كنتُ أرى الأطفال يتجمّعون حول القطار عندما يتوقّف، وكانوا ينظرون إليه ولسانُ حالهم يقول: ما هذا المخلوق العجيب؟! وكان واضحاً أنّه يحتلُّ في قلوبهم مكانةً ومنزلة، وما دام متوقّفاً فقد كانوا ينظرون إليه بعين التعظيم والتكريم والاحترام والإعجاب. ولكن عندما تحين ساعة الانطلاق، يأخذون بالهرولة إلى جانبه ليرشقوه بالحجارة. وكنتُ أعجب لهذا الأمر وأتساءل: إذا كان لا بدّ من رميه بالحجارة، فلماذا لا يُرمى وهو ساكن؟! وإذا كان جديراً بالاحترام، فلماذا لا يكون له ذلك وهو يتحرّك؟!
              لقد بقي هذا الأمر بمثابة اللغز بالنسبة لي، إلى أن كبرت ودخلت المجتمع، حيث وجدت أنّ حياتنا [ ] تخضع لهذا القانون المطّرد؛ فإنّ أيّ شخص وأيّ شي‏ء، طالما هو ساكن فهو محترم، طالما هو صامت فهو معظّم ومبجّل، ولكن بمجرّد أن يتحرّك يصبح بلا مُعين، بل يصبح مرمىً للحجارة ..» «2».
              مرتضى المطهّري.

              ***

              __________________________________________________
              (1) من نداء الإمام الخامنئي إلى (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره))
              (2) احياى تفكّر اسلامى (فارسي) : 22- 23، وما بين [ ] : «نحن الإيرانيّين».

              تعليق


              • #8
                مشكور اخي اليتيم على المعلومات...

                تعليق


                • #9
                  السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 17 - 18

                  كلمة شكر


                  لأشكرنّك إنّ الشكر من أممٍ حقٌّ على حامل المعروف مفروضُ «1»
                  البحتري‏

                  أيّ شكرٍ به أقوم لقومٍ حمّلوني من الجميل جبالا «2»
                  ناصيف اليازجي‏

                  __________________________________________________
                  (1) ديوان البحتري‏
                  (2) ديوان ناصيف اليازجي.
                  السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ج‏1، ص: 19

                  إنّ أخلاقيّة البحث العلمي تستدعي الإشارة إلى أنّ الكتاب لم يكن ليصدر بصيغته الحاليّة لولا مساعدة العديد من الأشخاص وتواتر خدماتهم. وقبل سرد أسمائهم، أرغبُ في التوجّه بالشكر الخاص إلى من كان له ارتباطٌ خاصٌّ بهذا المشروع، وأتقدّم بالشكر أوّلًا إلى:


                  ممثَّلًا بمديره العام السيّد نور الدين الإشكوري الذي بسط لي يد جوده، وأطلق عنان عونه، ومنحني وافر ثقته، واضعاً تحت تصرّفي الكامل أرشيفاً معلوماتيّاً ضخماً.
                  * وأشكر إلى جانبه السيّد حامد علي الحسيني الذي بذل على مدى سنين متمادية جهوداً جبّارة في سبيل جمع هذا الأرشيف، فيسّر لي بذلك الاطّلاع على ما أفادني في الكتاب أيّما إفادة.
                  * كما أتوجّه بالشكر الخاص إلى أسرة الشهيد الصدر على حسن استقبالها وعظيم لطفها، وبذلها ما أمكن من مساعدةٍ وإرشاد: زوجته السيّدة أم جعفر الصدر، ونجله السيّد محمّد جعفر، وكريمتيه أم أحمد وأم علي، وقد تفضّلت السيّدات بقسطٍ من وقتهنّ صرفنه في مطالعة الكتاب في مسودّته قبل الأخيرة، متفضّلات بالإضافة والتصحيح بالقدر الذي سمح به الوقت.
                  * ولا يفوتني استنزال الرحمة على روح السيّد عبد الغني الأردبيلي (ره)، الذي أثمرت مثابرته وجهوده مجموعة نفيسة من الوثائق والمعلومات والمحاضرات والتقريرات، والتي كان لها دور بارز في إثراء مواد الكتاب.
                  * وإلى جانب من ذكرت، أتقدّم بالشكر الخاص إلى كلّ من كانت له علاقة خاصّة بهذا المشروع بالذات، دون الأعمال الأخرى المرتبطة بالسيّد الصدر، وأذكر منهم «1»:
                  الدكتور جودت القزويني.
                  السيّد حسين شرف الدين.
                  الشيخ عبد الحليم الزهيري.
                  السيّد علي أكبر الحائري.
                  الشيخ محمّد رضا النعماني.
                  السيّد محمّد الغروي.
                  السيّد محمود الخطيب.
                  وذلك على تفاعلهم الخاص مع المشروع وبذلهم ما أمكنهم في سبيل تطويره وإنجاحه.
                  * ثمّ أتوجّه بالشكر إلى كلّ من أفادني ممّن عاصر الشهيد الصدر (ره) وعايشه، وجاد عليّ بما لديه أو بشي‏ءٍ منه، إضافةً إلى كلّ من أفادني في هذا العمل بنحو أو بآخر، بإعارة كتابٍ أو نقل معلومةٍ أو الإجابة عن استفسار أو تقديم خدمة، أو غير ذلك ممّا ساعد في اكتمال هذا العمل ..

                  __________________________________________________
                  (1) سأعمد إلى سرد أسماء الأشخاص بحسب التسلسل الأبجدي.






                  الملفات المرفقة

                  تعليق


                  • #10
                    اللهم صل على محمد وآل محمد

                    قمت بتقسيم الكتاب الى عدة اقسام يسهل تحميلها

                    وها هو القسم الاول

                    من الجزء الاول / القسم الاول

                    http://www.hajr-up.info/download.php?id=8699


                    الصفحات من 1 ـ 24

                    ويحتوى على المواضيع التالية

                    الاهداء
                    ايها القاري الكريم
                    كلمة شكر


                    مع وجود الملف بصيغة وورد في المرفقات

                    نسألكم الدعاء
                    الملفات المرفقة

                    تعليق


                    • #11
                      بيض الله وجهك ، وشكر سعيك ..

                      واصل فنحن بانتظار بقية الكتاب ، لا عدمنـــاك

                      تعليق


                      • #12

                        اللهم صل على محمد وآل محمد

                        المصادر والمراجع

                        هناك مصادر الكتاب يجب وضعها قبل التسلسل في عرض نص الكتاب
                        لأن المؤلف يرجع إليها كثيرا في الهامش
                        دون ذكر اسم المؤلف أحيانا أو ذكر الطبعة والمطبعة وتاريخ الطباعة
                        ولذلك يتوجب الرجوع إليها للتوثيق
                        وقد ذكرها في الجزء الرابع من الكتاب


                        http://www.hajr-up.info/download.php?id=8799

                        وكذلك هناك ملحقات تصب في نفس الغاية

                        الملحقات

                        آثار السيد الشهيد الصدر قدس سره
                        ابرز طبعات كتبه
                        موسوعة تراث الشهيد الصدر
                        ما كتب عن السيد الصدر
                        تواريخ دروسه الاصولية
                        تلامذة السيد الصدر قدس سره


                        http://www.hajr-up.info/download.php?id=8800

                        ملحق الصور

                        وهناك ملحق الصور
                        منها صور ملونة للسيد الشهيد
                        وصور اخرى للعلماء رحمهم الله تعالى
                        جاءت في الجزء الخامس من الكتاب


                        http://www.hajr-up.info/download.php?id=8801

                        وفقكم الله تعالى ونسألكم الدعاء
                        وبانتظار الباقي ان شاء الله تعالى

                        تعليق


                        • #13
                          احسنت وموفق على مجهودك...

                          تعليق


                          • #14
                            السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 25

                            مقدمة المؤلف‏

                            السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 26

                            «إنّي رأيت أن لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه إلّا قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أجمل، ولو ترك هذا لكان أفضل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص في جملة البشر».
                            العماد الإصفهاني‏
                            «لو كنت لأنتظر الكمال لما فرغت من كتابي إلى الأبد».
                            تاي تنج «1»
                            __________________________________________________
                            (1) قصّة الحضارة 1: ك.
                            السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 27

                            لا زلتُ أذكر جيّداً إحدى سهراتنا مطلع التسعينات في ليلة من ليالي صيف عاملة، حيث البحر يلوح نهاراً لمن أمعن النظر في الأفق، ومن خلفنا وعلى مقربة منّا الجبل الرفيع، الذي سقت تربتَه دماءُ الشهداء الذين قضوا فيه ذوداً عن حمى الدين.
                            كان المتسامرون يتجاذبون أطراف الحديث حول بعض الفتاوى الفقهيّة، والتي كانت بنظر بعضهم مطّاطيّة يحار فيها المكلّف. وكان كلُّ شي‏ءٍ طبيعيّاً قبل أن يختم والدي الحديث معزّزاً يأس المتسامرين بقوله: «لو كان السيّد محمّد باقر الصدر حيّاً لعالج المسألة بطريقة مختلفة».
                            ربّما لم أكن يومها أعرف شيئاً عن السيّد محمّد باقر الصدر سوى أنّ له في مكتبة والدي كتاباً فلسفيّاً كان قد أثار فضولي ضميرُ الجمع المتّصل (نا) المثبت في عنوانه، وقد حفّته في مخيّلتي أحاديث المهابة والتقدير التي كنتُ أسمعها من والدي حول وزن الكتاب العلمي، فكنتُ أكتفي بنقله من مكانٍ إلى آخر داخل المكتبة التي كنتُ ملتزماً بترتيبها كلّما سنحت لي الفرصة.
                            لقد تساءلتُ في تلك الليلة عن السبب الذي قد يجعل هذا السيّد يعالج المسألة بطريقة مختلفة، وما هو السبب الذي يجعله متميّزاً؟! ومع أنّي لم أحاول يومها التثبّت من إمكان المصادقة على هذه المقولة، ولم أحاول البحث عن جواب تساؤلي، إلّا أنّني أودعتُه صفحة من صفحات الذاكرة، علّي أجد له يوماً جواباً.
                            وبعد عدّة سنوات، تيسّر أمر سفري إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من أجل متابعة الدراسة، حيث رحت ألتقي بمحمّد باقر الصدر متألّقاً في منتديات العلم والمعرفة، فضلًا عن حضوره البارز نقطةَ حسمٍ وفاصلةَ نزاعٍ في أسطر الخطاب السياسي لمختلف شرائح المعارضة العراقيّة، حيث لعب بوضوح دور (ليلى) التي يسعى إلى وصلها الجميع. ولا ينبغي لي أن أُغفل عظيم الحفاوة التي يحظى بها عند طبقة الكسبة والمعوزين من العراقيّين المهاجرين، الذين لا يضنّون عليه بعبارات الترحّم والتحسّر، وقد أسكنته تلك المنزلةَ الرفيعة ترابيّتُه العجيبة التي عاش بها معهم ..
                            في هذه المنتديات عثرتُ على جواب تساؤلي القديم الذي سبقني إليه والدي بسنوات، فقد أدركتُ- وبوضوحٍ لا يساوره شكّ- أنّ الحديث عن الصدر حديثٌ عمّا هو (مختلف)، إلّا أنّ اختلافه هذا وخروجه عن كثيرٍ من مسلّمات بيئته لم يكن خروج المتهوّر، بل خروج الثمر اليانع عن جذع أمّه. وفي هذه المنتديات أيضاً، عرفت معنى (نا) التي رفعها الصدر شعاراً، بل وجدته هو بنفسه (نا) أخرى، إذ كان بحق- طيّب الله رمسه- ضميراً فاعلًا لرفع الجمع المتّصل ..
                            لقد شكّلت محطّتي الجديدة هذه سبباً دعاني إلى محاولة التعرّف على شخص محمّد باقر الصدر بشكل أعمق، ثمّ على مواقفه في ميادين المعرفة وحقول العمل السياسي والاجتماعي، وقد شدّني إليه محاضرةٌ بصوته سمعت كلماتها مرّات عديدة، وقد أكّدت لي إخلاص الرجل وتمحضّه .. إلّا أنّ هذه المحاولة جرّتني- من حيث لا أدري- إلى التأريخ للحوزة العلميّة في‏

                            السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 28

                            النجف عموماً خلال نصف القرن- أو يقل- الذي عاشه محمّد باقر الصدر.
                            وبعد رحلة طويلة نسبيّاً مع الصدر- لا أجدني الآن مهيّئاً من الناحية النفسيّة للحديث عنها وعمّا اكتنف بعض محطّاتها- تأكّد لي أنّه شكّل مفصلًا ومنعطفاً رئيساً ومهمّاً في سير الفكر والمعرفة والتصوّرات السياسيّة والاجتماعيّة خلال نصف القرن الأخير في بيئتنا التي نعيش فيها، ورسم للحوزة العلميّة في النجف الأشرف خطّاً أوشك أن يكون في كثيرٍ من معالمه غريباً عليها. وهذه القفزة التي جاد بها الصدر امتازت- أفقيّاً وعموديّاً- عن قفزات كثيرة مشكورة اتّجهت في الخط نفسه، فاستحقّت شيئاً من الوقوف عندها للتأمّل والاستزادة، الأمر الذي جعل من المفيد- إن لم نقل من الضروري- للمتحرّكين والنامين مراجعة سيرته الذاتيّة والفكريّة، من أجل إكمالها أو تصحيح ثغراتها ..
                            ومن هنا، فقد حاولت- وبالقدر الذي سمحت به أوقات الفراغ والعطل المتقطّعة- أن أفي السيّد الصدر (ره) بعض حقّه على هذه الأمّة وعليّ شخصيّاً، فإنّي وإن لم ألتقِ به ولم أعاصره- إذ كنتُ يوم شهادته أحرق شهري الحادي والعشرين- إلّا أنّي أعتبره المعلّم والمربّي والأستاذ، وأنا في الواقع إنما أفي رسالته بعض حقّها. ومن هذا المنطلق سعيتُ إلى إنجاز بضعة خطوات تمثّلت في الأمور التالية:
                            1- توثيق سيرته ومسيرة الحركة الإسلاميّة في النجف بالنحو الموجود في الكتاب، والذي كنتُ أفكّر في تقديمه أطروحةً جامعيّة، إلّا أنّي وجدتُ أنّ الفائدة التي تُرجى منه أكبر من أن تعلّق على حاجة شخصيّة، فصرفتُ النظر عمّا جال في البال، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً. وقد شكّل هذا الكتاب نواة الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة (المنار) بعنوان (شهيد العراق .. الصدر الأوّل)، وذلك بعد أن ضمّت إليه الجهود المشكورة التي بذلها الأخ أيمن زغيب في فترة زمنيّة قياسيّة، حيث أخرج الفيلم خلال أيّامٍ معدودات.
                            2- إكمال ما بدأه السيّد حامد علي الحسيني، الذي كان قد جمع مختلف المقالات التي نشرت سابقاً باسم السيّد الصدر (ره) وبغير اسمه، إضافةً إلى مجموعة من المحاضرات غير المنشورة التي كان قد دوّنها دون تصرّف السيّد عبد الغني الأردبيلي (ره) .. فأضفت إليها كثيراً ممّا تحصّل لديّ أثناء البحث، ثمّ قمتُ بتصحيح المجموع وتوثيق مصادره لـ (مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر (قدس سره)) المنبثق عن (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)) الذي اختار لها عنوان (ومضات). ويفترض بهذا المجلّد أن يصدر قبل صدور هذا الكتاب.
                            3- التوسّط لنشر مجموعة من الدروس المتفرّقة التي كان السيّد الصدر (ره) قد ألقاها في سالف السنين، وذلك في مجلّات مختلفة، وكانت هذه الدروس قد بقيت- لأسباب عديدة- حبيسة الرفوف، وتبدأ بالظهور تباعاً بإذن الله تعالى.
                            4- جمع عدّة مئات من الدراسات العلميّة التي كتبت حول السيّد الصدر (ره) لنشرها في عشرة

                            السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 29

                            مجلّدات. وكنتُ- قبل هذا الكتاب- قد انتهزت إحدى العطل الدراسيّة لإعداد وتحقيق مجلّدين ضمّا مجموعة من الدراسات المنطقيّة والفلسفيّة التي كتبت حول الفكر المنطقي والفلسفي للسيّد الصدر (ره)، وقد حالت بعض الظروف دون طباعتهما. وبقي الأمل في أن أوفّر بعض الوقت لإنجاز مجلّدين آخرين كنتُ قد أعددت خطّتهما ليضمّا خيرة الدراسات في حقل أصول الفقه.
                            وبهذه الأمور أكون قد شارفتُ على طي مرحلة من مراحل حياتي أفدتُ منها الكثير، على الرغم ممّا جرّته عليّ من إرهاق نفسي وجسدي ومادي، وما تخلّلته من لحظات الضعف الكامل والانهيار، حتّى عقدت العزم لمرّات عديدة على اعتزال العمل وإتلافه من رأس، بسبب النكسات التي كنتُ أمنى بها، ولكنّ السيّد الصدر (ره) كثيراً ما كان يتراءى لي ببسمته المعذّبة، مستمطراً ما تبقّى من عيون القلب، موشكاً أن يخاطبني بصمته الناطق معاتباً، فأمتثل وأمضي، داعياً المولى تبارك وتعالى أن يكتب لي في ما قمت به الخير، وأن يعزل عنه ما يشوبه من عيوب قد تلصق به ..
                            وقد شجّعني على القيام بهذه الأعمال- إضافةً إلى ما مرّ- الحاجة الماسّة التي عكسها لي العديد من الشخصيّات الثقافيّة العراقيّة حول حاجة الباحثين والدارسين في العراق إلى ما يعينهم في أطروحاتهم ودراساتهم، خاصّةً أنّ ذكر اسم محمّد باقر الصدر في العراق كان يكلّف الشخص حياته، إذ تمّ تغييبه وتغييب مدرسته في العراق تغييباً يكاد يكون مطبقاً «1»، في حين احتلّ في تونس- مثلًا- الدرجة الأولى لدى المثقّفين الإسلاميّين الذين يبحثون عن قيادة أيديولوجيّة، وقد جاء- من حيث الإقبال على قراءة كتبه- بعد القرآن الكريم «2».
                            وأنا في الوقت الذي أشعر فيه- بحمد الله تعالى- بالطمأنينة والغبطة لأدائي بعض الواجب، أشعر بشي‏ءٍ من الاستياء إزاء الآثار السلبيّة التي قد تخلّفها أعمال من هذا القبيل، من قبيل الانشداد- ولو الباطني- إلى الأشخاص بما هم أشخاص، مع أنّ الرسالة لا تتوقّف عند أحد. وإذا قدّر للواحد منّا اجتياز هذه العقبة، فإنّه لن ينجح في الحؤول دون اقترانه في أذهان الناس بهذا الشخص.

                            __________________________________________________
                            (1) حتّى أنّ السيّد الصدر وأخته بنت الهدى لم يرد لهما ذكرٌ في كتاب (المنتخب من أعلام الفكر والأدب) الذي دوّنه مؤلّفه في النجف الأشرف في ظلّ حكومة البعث، وهذا يعكس مدى القمع الإعلامي الذي مورس في سبيل تغييب هذا الرجل.
                            (2) الحركات الإسلاميّة المعاصرة في الوطن العربي، الإسلام الاحتجاجي في تونس: 257.

                            تعليق


                            • #15
                              - 1-
                              حول منهج الكتب‏

                              لم يكن في نيّتي عندما شرعت في تصنيف الكتاب أن أدوّن أكثر من مائة صفحة، فلم أضع خطّة عمل علميّة أستظلُّ بمعالمها، بل كانت مجموعة من الضوابط التي احتفظتُ بها في الذهن.
                              ولمّا أخذ العمل بالتوسّع شيئاً فشيئاً، وجدتني بحاجة إلى إرساء مجموعة من الضوابط التي ينبغي أن يسير تصنيف الكتاب على أساسها، فكنتُ أقتنص- من خلال أهم المفردات التي أواجهها


                              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 30

                              - مجموعةً من القواعد، ثمّ أحاول تطبيقها على موارد الكتاب الأخرى. ولكنّ هذه العمليّة تزامنت مع تصنيف الكتاب، ولم تسبقه ليكون التصنيف من رأس قائماً على أساسها، الأمر الذي ربّما أدّى إلى بروز بعض- أو كثيرٍ من- الاستثناءات، والتي لا يسمح لي الوقت فعلًا بتداركها.
                              ومن هنا، فإنّنا إذا تحدّثنا عن بعض الخصائص المتعلّقة بمنهج الكتاب، فإنّنا لا نتحدّث عن موجبات أو سالبات كليّة- بالاصطلاح المنطقي- خاصّةً أنّ هناك بعض الموارد التي تأبى طبيعتها أن تخضع للمنهج المذكور. وفي ما يلي بعض هذه المعالم:

                              اعتماد السرد الحولي غير الموضوعي‏

                              من المعلوم لدى متابعي نتاجات الشهيد الصدر (ره) أنّه نعى في أواخر حياته على التفسير التجزيئي للقرآن الكريم عدم وفائه بمتطلبّات الحياة، فدعا إلى اتّباع التفسير الموضوعي بوصفه خطوة متأخّرة زماناً ومتقدّمة درجةً على التفسير التجزيئي، منوّهاً في الوقت نفسه بأهميّة التفسير التجزيئي بوصفه خطوة ضروريّة لا يمكن من دونها الحديث عن تفسير موضوعي- خلافاً لما هو مرتسمٌ في ذهن الكثيرين- وهو الأمر نفسه الذي نواجهه لدى الحديث عن الدراسة التكامليّة لحياة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بوصفها دراسة متأخّرة زماناً عن الدراسة التجزيئيّة التفصيليّة.
                              لسنا هنا بصدد الحديث عن نظرة الشهيد الصدر (ره) إلى تفسير القرآن الكريم أو دراسة حياة الأئمّة (عليهم السلام)، بل بصدد الإشارة إلى أنّ الدراسات الموضوعيّة- الأعمّ من القرآنيّة وغيرها- تكون بطبيعتها متأخّرة زماناً عن الدراسات التجزيئيّة، هذا بعيداً عن معنى (الموضوعيّة) التي مارسها السيّد الصدر (ره) بالذات في تفسير القرآن الكريم.
                              وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يُصار إلى الكتابة عن سيرة الشهيد الصدر (ره) وتاريخ الحركة الإسلاميّة في زمانه بالطريقة التجزيئيّة، لتتاح الفرصة أمام الدارسين للكتابة موضوعيّاً؟!
                              ونحن لا نريد التعريض بالأسلوب الذي أطبق على اتّباعه من كتب حول سيرة الشهيد الصدر (ره)، والذي اتّبعناه نحن أيضاً في بعض ثنايا هذا الكتاب، وذلك لعلمنا بأنّ الدافع الذي أدّى بهم إلى الكتابة على النحو المذكور هو أنّهم افترضوا إلمام القرّاء مسبقاً بالكثير من تفاصيل حياته (ره) والظروف الذي عاش فيها، أو أنّ أوقاتهم وظروفهم لم تكن تسمح لهم بأكثر من هذا، إضافةً إلى أنّ كثيراً من الكتابات جاء تدويناً لمجموعة من الخواطر المختزنة، وأصحاب هذه المصنّفات مشكورون على أيّة حال.
                              وفي ما يلي نستعرض مؤاخذتين على الكتابة الموضوعيّة غير المسبوقة بكتابة تجزيئيّة:
                              الأولى: أنّ الاعتماد على خلفيّات القارئ في مدى اختزانه للمعلومات لا يصلح أن يكون مبرّراً كافياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ نسبة هذا الصنف من القرّاء نسبة ضئيلة جدّاً، خاصّةً وأنّ الحقبة التي أعقبت شهادته قد شهدت تعتيماً إعلاميّاً شرساً داخل العراق على وجه الخصوص.


                              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 31

                              ومن هنا رأينا أن نضيف إلى الحديث عن سيرة الشهيد الصدر (ره) الحديثَ عن المسيرة بشكل عام، لكن بالمقدار الذي يتيح للقارئ فهم واستيعاب الجوّ الاجتماعي والسياسي العام الذي تحرّك فيه، خاصّةً وأنّي على اعتقاد بأنّ قيمة ما أنجزه (ره) لا تظهر بشكل واضح إلّا إذا وضع ضمن معادلة متعدّدة الأطراف. ومن هنا فقد جاء الكتاب يحمل عنوان «1» :

                              محمد باقر الصدر السيرة و المسيرة في حقائق ووئائق‏

                              ولعلّنا استطردنا في سرد ما يتعلّق بتحرّكات السيّد محسن الحكيم (ره)، حتّى ربّما اشتمل الكتاب على تأريخ سيرته هو أيضاً، وقد كانت هذه النتيجة تراكميّة غير متعمّدة، وقد احتفظتُ بها لما فيها من فائدة في التأريخ لتلك المرحلة التي ربّما رغب الكثيرون في الاطّلاع عليها.
                              وقد عثرت على مواد نافعة تؤرّخ لتاريخ المرجعيّة بشكل عام، إلّا أنّ خروجها عن غرض الكتاب الرئيس أعفانا من إدراجها، وهي في العمدة موجودة في كتاب (اسناد انقلاب اسلامى)، أي (وثائق الثورة الإسلاميّة)، وغيره من الكتب.
                              الثانية: أنّ عدم الإلمام بالتفاصيل الجزئيّة يفضي إلى ارتسام صورة مشوّهة غير متكاملة في المرحلة الموضوعيّة، وهو بالضبط ما سيعاني منه التفسير الموضوعي للقرآن الكريم إذا لم تسبقه تجربة تجزيئيّة مشبعة.
                              وفي هذا الصدد تحلو لي الإشارة إلى ما منيت به شخصيّاً لدى اطّلاعي على مقطعٍ من الرسالة التي كان قد وجّهها السيّد أبو الحسن الإصفهاني (ره) إلى الملك فيصل الأوّل عام 1924 م، والتي جاء فيها: «.. قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياساته جلالتكم‏». وكنتُ قد قرأت هذا المقطع أوّل الأمر في صحيفة (الجهاد) «2»، وارتسمت في ذهني انطباعات معيّنة حول السيّد الإصفهاني (ره) وقناعاته، ولم أتساءل عن مكان وتاريخ ورود هذا المقطع، وعن نصّه الكامل، كما لم تكن لديّ معلومات كافية حول سيرة السيّد الإصفهاني (ره). وبعد ذلك قرأت في كتاب (المرجعيّة العاملة) أنّ السيّد الإصفهاني (ره) كان معارضاً لتنصيب فيصل ملكاً «3»، كما قرأت في الكتاب المذكور بعض ما يرتبط بظروف إبعاده إلى إيران، ثمّ حول ظروف عودته المشروطة بعدم التدخّل في السياسة. عندها احتملتُ أن يكون المقطع الذي كنتُ قد قرأته محكوماً لهذا الشرط، أعني شرط

                              __________________________________________________
                              (1) أمّا العنوان الفرعي: (عرض تفصيلي موثّق لسيرة الشهيد الصدر من الولادة حتّى الشهادة) ففيه بعض التسامح من جهة أنّ الكتاب يشتمل على ما يرتبط به قبل ولادته وبعد شهادته‏
                              (2) صحيفة الجهاد، العدد (363)، 24 / 10 / 1988 م، ولمّا لم يتسنَّ لي الرجوع إلى الصحيفة لدى تدوين هذا النص، نقلته عن (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141- 142)، نقلًا عن الصحيفة، وفيه (سياساته) بدل (سياسته)
                              (3) المرجعيّة العاملة: 50.
                              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 32

                              عدم التدخّل في السياسة، فبدأت انطباعاتي تتبدّل؛ لأنّ القائد قد يجد المصلحة في الصمت لفترة ريثما تصبح الفرصة مناسبة للعمل. ولم يطل تفكيري، لأنّي تأكّدت من صحّة هذا الاحتمال من خلال ما قرأته في كتاب (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد) «1»، وقد وجدتُ تفصيل الأمور في كتاب (حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل) الذي أورد مفصّلًا مواقف السيّد الإصفهاني (ره) من الانتخابات عام 1341 هـ، وإليك هذه المواقف الثلاثة:
                              «
                              بسم الله الرحمن الرحيم‏
                              نعم، قد صدر منّا تحريم الانتخابات في الوقت الحاضر، لما هو غير خفي على كلّ باد وحاضر. فمن دخل فيه أو ساعد عليه، فهو كمن حارب الله ورسوله وأولياءه صلوات الله عليهم أجمعين.
                              الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني
                              »
                              «2»
                              «
                              بسم الله الرحمن الرحيم‏
                              إلى إخواننا المسلمين! إنّ هذا الانتخاب يميت الأمّة الإسلاميّة، فمن انتخب بعد علمٍ بحرمة الانتخابات حرمت عليه زوجته وزيارته، ولا يجوز ردّ السلام عليه، ولا يدخل حمّام المسلمين. هذا ما أدّى إليه رأينا، والله العالم بالصواب.
                              الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني
                              »
                              «3»

                              «إنّنا قد حكمنا سابقاً بحرمة الدخول في الانتخابات، ولم يتغيّر الحكم ولم يتبدّل، والأمر كما كان.
                              الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني
                              »
                              «4»

                              وبعد نفي السيّد الإصفهاني والميرزا النائيني (ره) بتاريخ 8 / ذي القعدة / 1341 هـ إلى إيران، وغيرهما من العلماء، تمّ التوصّل إلى حلٍّ للمشكلة عبر التعهّد بعدم التدخّل في أمور السياسة، فحرّر السيّد الإصفهاني (ره) الرسالة التالية إلى الملك فيصل، قبل أن يرجع إلى العراق بتاريخ 18 / رمضان / 1342 هـ. وقد جاء في الرسالة- التي تشتمل على المقطع المذكور في أوّل الكلام- ما يلي:
                              «
                              بسم الله الرحمن الرحيم‏
                              حضرة جلالة ملك العراق أيّد الله ملكه وسلطانه.
                              بعد السلام عليكم والسؤال عن أحوالكم ورحمة الله وبركاته.
                              نعرض أنّ كتابكم المؤرّخ 26 رجب، المرسل مع حجّتي الإسلام جناب الشيخ جواد صاحب الجواهر وجناب ميرزا مهدي آية الله زاده دامت بركاتهما، أخذته بكمال الاحترام. وكما ذكرتموه فيه وأودعتموه في مطاويه، صار [معلوماً] لدينا، ولقد أفاد بما دار بينكم من الشؤون وبيان الأسباب الموجبة إلى تأخير حركتنا، وطلب جلالتكم المؤازرة، وكذلك المحروس السيّد باقر سركشيك قام بواجبه، وأبلغ خطاباته الشفاهيّة. هذا وإن كنّا قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة، والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياسته جلالتكم، ولكنّ المؤازرة للملوكيّة حسبما تقتضيه الديانة الإسلاميّة، ذلك من مبدئنا الإسلامي. وأمّا ما أمرتم من توحيد الكلمة وتوطيد عرى الصداقة بين إيران والعراق، فذلك من وظائفنا الدينيّة. وحينما دخلنا إيران [لم‏] نزل نبذل الجهد في ذلك، وسوف تظهر نتيجة أعمالنا المبرورة.
                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                              الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني‏
                              [الختم‏]
                              21 شعبان 1342»
                              __________________________________________________
                              (1) العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141
                              (2) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 123
                              (3) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 125
                              (4) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 128.
                              السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 33
                              «1»
                              ولكنّه عاد إلى ممارسة نشاطاته السياسيّة سنة 1360 هـ أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني كما سيأتي معك بإذن الله تعالى ضمن أحداث تلك السنة.
                              وهناك موارد كثيرة من هذا القبيل سيقف عليها القارئ الكريم في هذا الكتاب. فالكثير من الأحداث المتداولة والمعروفة، لا يُعلم (سبب نزولها)، من قبيل الرسالة التي حرّرها السيّد الصدر (ره) متحدّثاً عن حقيقة علاقته بأستاذه «2»، فإنّ وراء (نزولها) أسباباً ستجدها إن شاء الله تعالى موثّقة بخطّ السيّد الصدر (ره) «3»، إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتّسع المقام لسردها.

                              __________________________________________________
                              (1) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 135
                              (2) انظر: موسوعة الإمام الخوئي 1: 27 (المقدّمة)
                              (3) انظر أحداث سنة 1396 هـ.
                              ملاحظة: كل ما يقوله المؤلف المحترم (انظر أحداث سنة) فهو يقصد الاحداث التي جاءت في كتابه الذي تم ترتيبه على اساس سنوات عمر السيد الشهيد قدس الله روحه الطاهرة!فتنبه.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X