السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
عليّ بن أبي طالب أقضى الأمَّة الإسلاميَّة جمعاء، فهو الذي أمضى النبيّ الأكرم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلّم قضاءه وأقرّ حكمه، الوحيد الذي احتيج إليه ولم يحتج إلى أحد، والمسؤول الذي لا يسأل أحداً قطّ، المرجع العامّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم لحلّ المشكلات، والملجأ الارحب لشرح غوامض المسائل ومشاكل القضيات، حتّى رجع إلى قوله معترفاً بصحّة قضائه وعدله ألدّ معاديّه، فضلاً عن أجلاء الصحابة وكبار مناصريه ومواليه، خصوصاً الخلفاء الثلاثة، فإنّهم كانوا كثيراً ما يشاورونه فيما ارتابوا فيه وأخذوا في القضاء بين الناس بقوله وبما كان يفتي به.
قال الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشَّافعي في المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة: ((قضاء علي (يقصد أمير المؤمنين الإمام علي المرتضى عليه السَّلام)، وعلمه، وشجاعته، من المتواترات، فليس في الصحابة من يفوقه في ذلك)).
روى الحافظ القاسم بن سلاّم الهروي البغدادي في فضائل القرآن: ((حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بن يسار البصري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: عَلِيٌّ أَقْضَى أُمَّتِي، وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُهُمْ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ آمَنُهُمْ، أَوْ قَالَ: أَمِينُهُمْ)).
أقول: إسناده صحيح عن الحسن بن يسار البصري.. والحديث قد يثبت عند البعض - كالمالكيَّة مثلاً - عن النبيّ الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم.. قال الحافظ علي بن حزم الأندلسي الظاهري في المحلى بالآثار شرح المجلى بالاختصار: ((إن المالكيين يقولون: المرسل والمسند سواء لا سيما مرسل الحسن فإنهم ادعوا أنه كان لا يرسل الحديث إلا إذا حدثه به أربعة من الصحابة فصاعدا)). قال أبو الحسن علي بنُ عبدِاللهِ السعدي المعروف بابن المديني: ((مرسلات الحسن التي رواها عنه الثقات صحاح، ما أقل ما يسقط منها))..، إلى غير ذلك من الأقوال المؤيِّدة.
روى الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني في المسند: ((حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (هو إسرائيل بن يونس السبيعي)، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (هو عمرو بن عبد الله السبيعي)، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ (هو حارثة بن مضرب العبدي)، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَبْعَثُنِي إِلَى قَوْمٍ وَهُمْ أَسَنُّ مِنِّي لِأَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ)).
أقول: الرواية صحيحة الإسناد
روى الحافظ النسائي في السنن الكبرى: ((أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ (هو عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الفلاس البصري)، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (هو يحيى بن سعيد القطان البصري)، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ (هو سليمان بن مهران الأعمش الكوفي)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ (هو عمرو بن مرة المرادي الكوفي)، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ (هو سعيد بن فيروز الكوفي)، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ بَعَثَتْنِي إِلَى قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَحْدَاثٌ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ. فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ)).
أقول: هو حديث حسن إلا أنه مرسل، فسعيد بن فيروز الكوفي لم يدرك عليا عليه السَّلام ـ طبقًا لمباني قسمٍ من علماء أهل السنَّة (هو من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب عليه السَّلام، من اليمن، ذكره الشيخ أحمد بن محمد البرقي في رجاله والشيخ محمَّد بن الحسن الطوسي في رجاله ـ وغيرهما)
لقد اعترف الصحابة ـ بما فيهم عمر بن الخطَّاب ـ بأنَّ عليًّا عليه السَّلام هو أعلمهم بالقضاء
روى الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني في المسند: ((حدثنا وكيع (هو وكيع بن الجراح الكوفي)، حدثنا سفيان (هو سفيان بن سعيد الثوري الكوفي)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال عمر: علي أقضانا وأبي أقرؤنا)) إلخ
أقول: الرواية صحيحة الإسناد
الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود رضوان الله تعالى عليه أقرّ بهذه الحقيقة أيضًا
روى الحافظ محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: ((أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِهَمْدَانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (هو عمرو بن عبدالله السبيعي)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ (هو علقمة بن قيس الكوفي)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (هو الصَّحابي الجليل عبد الله بن مسعود الهذلي رضوان الله تعالى عليه)، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنْ أَقْضَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)).
أقول: الرواية صحيحة الإسناد
روى الحافظ محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجهْ في سننه: ((حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ (هو خالد بن مهران البصري)، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ (هو عبد الله بن زيد الجرمي)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)).
أقول: متنه منكر، صحّحه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح ابن ماجهْ
روى الحافظ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ الضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ المُلَقَّب بِـوَكِيع في أخبار القضاة: ((أخبرني محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي؛ قال: حدثنا محمد بن يحيى ابن فياض؛ قال: حدثنا محمد بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضى أمتي علي)).
أقول: إسناده ضعيف جدًا
روى الحافظ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ الضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ المُلَقَّب بِـوَكِيع في أخبار القضاة: ((حدثنا السري بن عاصم أبو سهل؛ قال: حدثنا بشر بن زاذان أبو أيوب؛ قال: حدثنا عمر بن الصبح، عن بريد بن عبد الله، عن مكحول، عن شداد بن أوس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضى أمتي علي)).
أقول: إسناده ضعيف جدًا
والحمد لله كما هو أهله
هدانا الله تعالى وإيَّاكم لما يحبّ ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه
وصلّى الله على مولانا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين
تعليق