[c] بسم الله الرحمن الرحيم [/c]
افتراء الجنيد على الشيعة وزعمه أنهم ينسبون الجهل إلى الله في قولهم بالبداء
قال الجنيد في كتابه حوار هادئ صفحة 107 :
( عقيدة البداء عند الشيعة )
وقال في هامش الصفحة المذكورة :
( البداء كلمة تعني أن الله بدا – أي ظهر له – علم جديد لم يكن قد خطر له من قبل ، بمعنى حصل له علم جديد لم يكن يعلمه من قبل ، وقد اعتقده اليهود في الله عزّ وجل وهي فكرة خبيثة تنفي عن الله علمه السابق لكل شيء ) .
أقول : إنّ القول بأنّ الشيعة ينسون الجهل إلى الله عزّ وجل في قولهم بالبداء فرية على الشيعة افتراها عليهم أعداؤهم قديماً وحديثاً ، وممن يروّج لهذه الفرية في وقتنا الحاضر أشباه المتعلمين ممن ينتسبون إلى الفرقة الوهابية أو من يسمون أنفسهم بالسلفية ! وعبد الله بن سعيد الجنيد هذا هو واحد من هؤلاء ، حيث كرر كالببغاء ما قاله أسلافه ضد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام دون أن يرجع إلى كتب علماء الشيعة لمعرفة معنى البداء الذي يقولون به .
[c]معنى البداء عند الشيعة الإمامية[/c]
إن معنى البداء عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ليس بالمعنى الذي يقول به مناؤوهم من أنه بمعنى (الظهور بعد الخفاء) أو بمعنى ( نشأة رأي جديد ) بل هو نسخ في التكوين لضرب من المصلحة تقتضيها حكمة الله عز وجل كالنسخ في التشريع يدل عليه قوله تعالى : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ } ( الرعد : 39 ) .
وسيتضح معناه أكثر - إن شاء الله تعالى - عند سردنا لبعض أقوال علماء الشيعة حول معنى البداء .
نعم كيف يقول الشيعة بالبداء بالمعنى الذي يحاول أن يلصقه به خصومهم وهم يروون عن إمامهم الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قوله :
( من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (شرح أصول الكافي للمازندراني 6/89 ، بحار الأنوار 4/125 )
وقوله عليه السلام : ( من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فأبرؤوا منه ) ( كمال الدين وتمام النعمة 69 ، موسوعة الإمام الصادق 4/351 ، بحار الأنوار 4/111 ) .
وقوله عليه السلام : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدوا له ) (الكافي 1/148 ) .
وقوله عليه السلام : ( لكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، وليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل ) (موسوعة الإمام الصادق 4/347 ، تفسير العياشي 2/218 ، البحار 4/121 ) .
[c]أقوال علماء الشيعة في معنى البداء [/c]
قال الشيخ الصدوق رحمه الله : ( ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء ، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم ، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويأمر بما يشاء كيف شاء فقد أقر بالبداء .
وما عظم الله عز وجل بشيء أفضل من الإقرار بأنه له الخلق والأمر ، والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان .
والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا : إن الله قد فرغ من الأمر ، فقلنا : إن الله كل يوم في شأن ، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس بداء ندامة ، وهو إنما هو ظهور أمر يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، قال الله عز وجل : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } ( الزمر : 47 ) أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد الله في عمره ، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره ) ( التوحيد 335 – 336 ) .
وقال الشيخ الطوسي عليه الرحمة : ( البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : بدا لنا سور المدينة ، وبدا لنا وجه الرأي ، وقال الله تعالى :{ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلوا } ( الجاثية : 33 ) ويراد بذلك كله ظهر .
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن ، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم ، أطلق على ذلك لفظ البداء ) (عن تعليقة البحار 4/125 ناقلاً عن كتاب العدة ) .
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة .((قول الإمامية في البداء طريقة السمع دون العقل ، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام ، والأصل في البداء هو الظهور . قال تعالى : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } يعني به ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم . وقال : { وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبوا وَحاقَ بِهِمْ } يعني ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك ، وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبان له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام قائمة مقامه ، فالمعنى في قول الإمامية : بدا لله في كذا ، أي ظهر فيه ، ومعنى ظهر فيه أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه ، وجميع أفعاله تعالى الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن فهي معلومة فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء ...
وقد يكون الشيء مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : { ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ } فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { )وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ في كِتاب} ( فاطر : 11 ) وقوله سبحانه وتعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ } ( الأعراف : 96 ) فبين أن آجالهم كانت مشروطة في الامتداد بالبر ، والانقطاع بالفسوق ، وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه : { اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً } إلى آخر الآيات ( نوح : 10 – 11 ) .
فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم ، الاستغفار ، فلما لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمارهم ، واستأصلهم بالعذاب .
فالبداء من الله يختص ما كان مشتركا في التقدير ، وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا تعقب الرأي تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا ) (عن تعليقة البحار 4/126 ناقلاً عن كتاب تصحيح الاعتقاد ).
وقال العلامة المجلسي عليه الرحمة :
(ثم اعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات ، أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلا ، وهو مطابق لعلمه تعالى ، والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه ولحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب ، مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أن مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنه يصل عمره ستون ، كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن عمره بحسب المزاج ستين سنة ، فإذا شرب سما ومات ، أو قتله إنسان فنقص ذلك من عمره أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء ) (بحار الأنوار 4/130 ) .
وقال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء :
(( وأما البداء الذي تقول به الشيعة ... فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمرا يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي والنبي يخبر به أمته ، لم يقع بعد ذلك لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره ، وكل ذلك جلت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ممتحن ، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه في القرآن الكريم بـ ( أم الكتاب ) المشار إليه وإلى المقام الأول بقوله : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} ... ) (أصل الشيعة وأصولها 263 ) .
هذه نماذج من أقوال جمع من أساطين علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية في معنى البداء الذي تعتقد وتؤمن به الشيعة ، وليس في قول واحد منهم ما يظهر منه نسبة الجهل إلى الله عز وجل .
يتبع ... يتبع ... يتبع
افتراء الجنيد على الشيعة وزعمه أنهم ينسبون الجهل إلى الله في قولهم بالبداء
قال الجنيد في كتابه حوار هادئ صفحة 107 :
( عقيدة البداء عند الشيعة )
وقال في هامش الصفحة المذكورة :
( البداء كلمة تعني أن الله بدا – أي ظهر له – علم جديد لم يكن قد خطر له من قبل ، بمعنى حصل له علم جديد لم يكن يعلمه من قبل ، وقد اعتقده اليهود في الله عزّ وجل وهي فكرة خبيثة تنفي عن الله علمه السابق لكل شيء ) .
أقول : إنّ القول بأنّ الشيعة ينسون الجهل إلى الله عزّ وجل في قولهم بالبداء فرية على الشيعة افتراها عليهم أعداؤهم قديماً وحديثاً ، وممن يروّج لهذه الفرية في وقتنا الحاضر أشباه المتعلمين ممن ينتسبون إلى الفرقة الوهابية أو من يسمون أنفسهم بالسلفية ! وعبد الله بن سعيد الجنيد هذا هو واحد من هؤلاء ، حيث كرر كالببغاء ما قاله أسلافه ضد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام دون أن يرجع إلى كتب علماء الشيعة لمعرفة معنى البداء الذي يقولون به .
[c]معنى البداء عند الشيعة الإمامية[/c]
إن معنى البداء عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ليس بالمعنى الذي يقول به مناؤوهم من أنه بمعنى (الظهور بعد الخفاء) أو بمعنى ( نشأة رأي جديد ) بل هو نسخ في التكوين لضرب من المصلحة تقتضيها حكمة الله عز وجل كالنسخ في التشريع يدل عليه قوله تعالى : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ } ( الرعد : 39 ) .
وسيتضح معناه أكثر - إن شاء الله تعالى - عند سردنا لبعض أقوال علماء الشيعة حول معنى البداء .
نعم كيف يقول الشيعة بالبداء بالمعنى الذي يحاول أن يلصقه به خصومهم وهم يروون عن إمامهم الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قوله :
( من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (شرح أصول الكافي للمازندراني 6/89 ، بحار الأنوار 4/125 )
وقوله عليه السلام : ( من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فأبرؤوا منه ) ( كمال الدين وتمام النعمة 69 ، موسوعة الإمام الصادق 4/351 ، بحار الأنوار 4/111 ) .
وقوله عليه السلام : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدوا له ) (الكافي 1/148 ) .
وقوله عليه السلام : ( لكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، وليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل ) (موسوعة الإمام الصادق 4/347 ، تفسير العياشي 2/218 ، البحار 4/121 ) .
[c]أقوال علماء الشيعة في معنى البداء [/c]
قال الشيخ الصدوق رحمه الله : ( ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء ، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم ، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويأمر بما يشاء كيف شاء فقد أقر بالبداء .
وما عظم الله عز وجل بشيء أفضل من الإقرار بأنه له الخلق والأمر ، والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان .
والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا : إن الله قد فرغ من الأمر ، فقلنا : إن الله كل يوم في شأن ، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس بداء ندامة ، وهو إنما هو ظهور أمر يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، قال الله عز وجل : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } ( الزمر : 47 ) أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد الله في عمره ، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره ) ( التوحيد 335 – 336 ) .
وقال الشيخ الطوسي عليه الرحمة : ( البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : بدا لنا سور المدينة ، وبدا لنا وجه الرأي ، وقال الله تعالى :{ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلوا } ( الجاثية : 33 ) ويراد بذلك كله ظهر .
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن ، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم ، أطلق على ذلك لفظ البداء ) (عن تعليقة البحار 4/125 ناقلاً عن كتاب العدة ) .
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة .((قول الإمامية في البداء طريقة السمع دون العقل ، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام ، والأصل في البداء هو الظهور . قال تعالى : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } يعني به ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم . وقال : { وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبوا وَحاقَ بِهِمْ } يعني ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك ، وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبان له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام قائمة مقامه ، فالمعنى في قول الإمامية : بدا لله في كذا ، أي ظهر فيه ، ومعنى ظهر فيه أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه ، وجميع أفعاله تعالى الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن فهي معلومة فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء ...
وقد يكون الشيء مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : { ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ } فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { )وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ في كِتاب} ( فاطر : 11 ) وقوله سبحانه وتعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ } ( الأعراف : 96 ) فبين أن آجالهم كانت مشروطة في الامتداد بالبر ، والانقطاع بالفسوق ، وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه : { اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً } إلى آخر الآيات ( نوح : 10 – 11 ) .
فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم ، الاستغفار ، فلما لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمارهم ، واستأصلهم بالعذاب .
فالبداء من الله يختص ما كان مشتركا في التقدير ، وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا تعقب الرأي تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا ) (عن تعليقة البحار 4/126 ناقلاً عن كتاب تصحيح الاعتقاد ).
وقال العلامة المجلسي عليه الرحمة :
(ثم اعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات ، أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلا ، وهو مطابق لعلمه تعالى ، والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه ولحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب ، مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أن مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنه يصل عمره ستون ، كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن عمره بحسب المزاج ستين سنة ، فإذا شرب سما ومات ، أو قتله إنسان فنقص ذلك من عمره أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء ) (بحار الأنوار 4/130 ) .
وقال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء :
(( وأما البداء الذي تقول به الشيعة ... فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمرا يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي والنبي يخبر به أمته ، لم يقع بعد ذلك لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره ، وكل ذلك جلت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ممتحن ، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه في القرآن الكريم بـ ( أم الكتاب ) المشار إليه وإلى المقام الأول بقوله : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} ... ) (أصل الشيعة وأصولها 263 ) .
هذه نماذج من أقوال جمع من أساطين علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية في معنى البداء الذي تعتقد وتؤمن به الشيعة ، وليس في قول واحد منهم ما يظهر منه نسبة الجهل إلى الله عز وجل .
يتبع ... يتبع ... يتبع
تعليق