حبيب بنمظاهر الأسدي (رضوان الله عليه)
اسمه وكنيته:
هو حبيب بن مُظهر،أو مظاهر بن رئاب الأسديّ الكنديّ، ثمّ الفقعسيّ.
و يكنّى أبا القاسم، و يقال له سيّد القرّاء.
و كان ذو جمال و كمال، وفي وقعة كربلاء كان عمره (75) سنة، و كان يحفظ القرآن الكريم كلّه، و كان يختمه فيكلّ ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
صحبته:
روى صاحب كتاب (مجالس المؤمنين):
إنّه تشرّف بخدمة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، و سمع منه أحاديث،وكان معزّزاً مكرّماً بملازمة الإمام عليّ بن أبي طالب.
وقال صاحب (مجالسالمؤمنين): حبيب بن مظاهر الأسدي محسوب من أكابر التابعين.
نزل حبيب (رض) الكوفة وصحبعلياً صلوات الله وسلامه عليه في جميع حروبه، فكان من خاصّته ومن أصفياء أصحابهوحملة علومه.
وجاء فيالمعين على معجم رجال الحديث: وزاد البرقيّ: ومن شرطة خميسه. (أقول إنّ أقلّ درجاتهأنه من شرطة الخميس، وهي وحدها تكفي لإثبات جلالته و وثاقته) .
فثبت أنه (رض) من أصحابالأئمة عليّ والحسنين عليهم صلوات الله وسلامه، و روى عنهم، وهو من الرجال السبعينالذين نصروا الحسين. ولقوا آلافالرجال بأنوفهم الحميّة، و استقبلوا الرماح بصدورهم المفعمة بالإيمان، وجابهواالسيوف بوجوههم المشرقة؛ إذ تُعرض عليهم الأموال و الأمان فيأبون، و يقولون: لا عذرلنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ إنْ قتل الحسين و منّا عين تطرف،حتّى قتلوا جميعاً بين يديه، يذبّون عنه بكربلاء التضحية والفداء، في اليوم العاشرمن المحرّم الحرام سنة 61 هـ.
بين حبيب و ميثم و رشيد (رضوان الله تعالى عليهم):
قال الكشّي في حبيب بن مظاهر: جبرئيل بنأحمد [يرفع الحديث إلى فُضيل بن الزبير]: مرّ ميثم التمّار على فرس له، فاستقبلحبيب بن مظاهر الأسديّ عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلفت أعناق فرسيهما، ثمّقال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب فيحبّ أهل بيت نبيّه عليهم السلام، يُبقر بطنه على الخشبة! فقال ميثم: و إنّي لأعرفرجلاً أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه، فيُقتل و يُجال برأسه بالكوفة،ثمّ افترقا. فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذب من هذين!
قال: فلم يفترق أهل المجلسحتّى أقبل رشيد الهجريّ فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا: افترقا وسمعناهمايقولان كذا وكذا. فقال رشيد الهجريّ: رحم الله ميثماً، ونسي (و يُزاد في عطاء الذييجيء بالرأس مئة درهم)، ثمّ أدبر. فقال القوم: هذا والله أكذبهم. فقال القوم: واللهما ذهبت الأيّام والليالي، حتى رأينا ميثماً مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، و جيءبرأس حبيب بن مظاهر، قد قُتل مع الحسين (ع)، و رأينا كلّ ما قالوا.
من مواقفه المشرّفة (رض):
قال أهل السير: جعلحبيب و مسلم ابن عوسجة يأخذان البيعة للحسين (ع) في الكوفة، حتّى إذا دخلهاعبيدالله بن زياد وخذّل أهلها عن مسلم بن عقيل، و تفرّق أنصاره؛ حبسهما عشائرهماوأخفياهما، فلمّا ورد الحسين (ع) كربلاء خرجا إليه مختفيين يسيران الليل و يكمنانالنهار حتّى وصلا إليه.
وروى الطبري: …ثمّ دعا عمر بن سعد قرّة بن قيس الحنظليّ فقال له: ويحك يا قرّة، إلقِحسيناً فسله ما جاء به، وماذا يريد؟ قال: فأتاه قرّة بن قبس، فلمّا رآه الحسينمقبلاً، قال: «أتعرفون هذا»؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من بني حنظلة،تميميّ، و هو ابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما كنت أراه يشهد هذاالمشهد. قال: فجاء حتّى سلّم على الحسين (ع) و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقالالحسين (ع): «كتب إليّ أهل مصركم هذا، أن أقدم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم».
قال: ثمّ قال حبيب بنمظاهر: ويحك يا قرّة بن قيس! إنّما ترجع إلى القوم الظالمين، اُنصر هذا الرجل الذيبآبائه أيّدك الله بالكرامة و إيّانا معك. فقال له قرّة: أرجع إلى صاحبي بجوابرسالته و أرى رأيي.
شهادته في وقعة الطفّ الرهيبة:
خرج حبيب بن مظاهر الأسديّ (رض) يوم الطفّ وهو يضحك… فقالله برير بن حصين الهمدانيّ ـ و كان يقال له سيّد القرّاء ـ : يا أخي، ليس هذا ساعةضحك: فقال له حبيب: و أيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هذا إلاّ أن تميلعلينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين. قال الكشيّ: هذه الكلمة مستخرجة منكتاب (مفاخرة الكوفة و البصرة) .
و لمّا أصبح الإمام الحسينيوم العاشر منالمحرّم الحرام سنة 61 هـ ، فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة، و كان معه اثنان وثلاثونفارساً و أربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، و حبيب بن مظاهر فيميسرة أصحابه، و أعطى رايته العبّاس أخاه (ع).
و لمّا رمى عمر بن سعد بسهم نحو الحسين، ارتمى الناس وبدأالقتال، و حينما صُرع مسلم بن عوسجة الأسديّ، مشى إليه الحسين (ع) و حبيب بن مظاهرالأسديّ، فدنا منه حبيب فقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة. فقال له مسلمقولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير. فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، لاحقبك من ساعتي هذه؛ لأحببتُ أن توصيني بكلّ همّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك. قال: بل أناأوصيك بهذا رحمك الله ـ و أهوى بيده إلى الحسين ـ أن تموت دونه. قال: أفعل و ربّالكعبة.
و قاتل حبيبقتالاً شديداً، فحمل عليه بديل بن صريم العقفانيّ من بني عقفان من خزاعه، فضربهحبيب بالسيف فقتله. و حمل عليه آبر من بني تميم فطعنه فوقع (حبيب)، فذهب ليقومفضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع و نزل إليه التميميّ (آبر) فاحتزّ رأسه .
روى أبو مخنف: حدّثنيمحمد بن قيس قال: لمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً، وقال: «عند الله أحتسبنفسي و حماة أصحابي».
وفيبعض المقاتل: إنّه (ع) قال: «لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً، تختم القرآن فيليلة واحدة» .
هذا هو أحدالصناديد الذين نصروا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فضحّى من أجله، إذ الجور مدّباعه، و أسفر الظلم قناعه، و دعا الغيّ أتباعه؛ فاستقبل بوجهه النيّر ظلمات الدنيا،و صدّ بصدره الحديديّ و إيمانه الراسخ رماح الكفر و الجبروت، فرخصت أمامه الأموال والدنيا و حبّ الشهوات، و رأى الانتقال إلى ربّ العالمين خيراً من مجاورة الكافرين،فكافح الفاسقين بنفس لا تخيّم لدى الناس و بيد لاتلين عند المراس، فرحمك الله ياحبيب، و جعلك حبيباً للحسينو آل بيت رسولالله صلّى الله عليه و آله و سلّم، و من الفائزين بجنّة الخلد والرضوان…