كان مسلم بنعقيل ( عليه السلام ) من أجِلَّة بني هاشم ، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكانالإمام الحسين ( عليه السلام ) يلقبه بثـقتي ، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهلالكوفة .
ولشجاعتهإختاره عمُّهُ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب ( صفين ) ، ووضعه على ميمنةالعسكر .
وفي أماليالصدوق : قال علي ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا رسولالله إنك لتحب عقيلاً ) ؟ قال : ( أي والله إني لأحبه حُبَّين ، حباً له وحباً لحبأبي طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيونالمؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون ) .
ثم بكى رسولالله ( صلى الله عليه وآله ) حتى جرت دموعه على صدره ، ثم قال : ( إلى الله أشكو ماتلقى عترتي من بعدي ) .
خروجه إلى الكوفه
ارتأى الإمامالحسين ( عليه السلام ) أن يُرسل مندوبا عنه إلى الكوفة يهيئ له الأجواء ، وينقل لهواقع الأحداث ، ليستطيع أن يقرر الموقف المناسب ، ولابد لهذا السفير من صفات تؤهلهلهذه السفارة ، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، لما كان يتصف بهمن الحكمة والشجاعة والإخلاص .
انطلق مسلم بنعقيل ( عليه السلام ) من مكة متوجهاً إلى العراق في الخامس عشر من شهر رمضان 60 هـ، ويصحبه دليلان يدلانه الطريق كان الوقت صيفاً ورمال الصحراء ترمي بشررها وظمئهاالركب الزاحف نحو الكوفة .
مرت بالركبأهوال ومخاطر ومتاهات كان أشدها على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) هو أن الدليليناللذين كانا معه ضلا طريقهما ، فنفذ الماء وماتا من العطش .
تعذر على مسلم ( عليه السلام ) حمل الدليلين فتركهما وسار حتى اكتشف الطريق ، ولاحت له منابعالماء فحط رحاله وهو منهك من التعب .
ثم واصل السيرنحو الكوفة حتى دخلها في الخامس من شهر شوال من نفس السنة ، فنزل دار المختار بنأبي عبيدة الثقفي ، واتخذها مقراً لعمله السياسي في الكوفة .
ومنذ وصولمسلم بن عقيل ( عليه السلام ) إلى الكوفة ، أخذ يعبئ أهلها ضد حكم يزيد ويجمعالأنصار ، ويأخذ البيعة للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، حتى تكامل لديه عدد ضخم منالجند والأعوان ، فبلغ عدد مَن بايعه واستعد لنصرته ثمانية عشر الفاً ، كما ورد فيكتاب ( مروج الذهب ) .
لم تكن مثلهذه الأحداث لتخفى على يزيد وأعوانه ، إذ كتب عملاء الحكم الأموي رسائل كثيرة إلىالسلطة المركزية ، نقتطف لكم ما جاء في أحد تلك الرسائل : ( أما بعد فإن مسلم بنعقيل قد قدِم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك فيالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإنالنعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف ) .
وتسلم يزيدتلك الرسالة ، وراح يناقش الأمر ، ويبحث عن أكثر الناس قسوة وقدرة على التوغل فيالإرهاب والجريمة ، وأخيراً وقع الاختيار على عبيد الله بن زياد ، ومنذ وصوله إلىقصر الإمارة ، أخذ يتهدد ويتوعد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد .
وننقل هنا هذهالجملة من أقواله : ( سوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ) .
وهكذا بدأالانعطاف ، وبدأت مسيرة الجماهير الصاخبة تتخذ مجرى آخر ، إذ لاحت بوادر النكوصوالإحباط تظهر على جماهير الكوفة وبعض رجالاتها .
وراحت سلطةعبيد الله بن زياد تقوّي مركزها ، وتمسك بالعصا الغليظة ، وبوسائل القوة والسيطرةالمألوفة لديها ، من المال والرشوة والإرهاب وتسخير الجواسيس لجمع المعلومات وبثالأراجيف .
أما موقع مسلمبن عقيل ( عليه السلام ) ، فبدأ يضعف ويهتز ، واضطر إلى تغيير أسلوب عمله وموقعه .
فانتقل من دارالمختار بن عبيدة إلى دار هاني بن عروة متخفياً بعيداً عن أعين السلطات ، إلى أنكشفته عناصر الاستخبارات ، وأخبرت عبيد الله بن زياد بمكانه ، فاستدعى ابن زيادهاني بن عروة - المدافع عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) - بشكل سري وغير مثير ،بحجة أن الوالي بعث إليه ليزوره حتى تزول الجفوة بينهما .
وما أن دخلهاني القصر حتى وجد نفسه أمام محكمة ، والتهم موجهة إليه والجواسيس شاهدة عليه فيأنه يوالي الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
حاول هانيالإنكار إلا أنه فوجئ بالهجوم عليه من قبل ابن زياد بقضيب كان بيده وراح يهشم بهوجهه ، وكان هاني يدافع عن نفسه بقوة فلم يستطع ، وأخيراً أصدر ابن زياد أوامرهبحبس هاني في إحدى غرف القصر .