مركز غلوبال ريسيرج الكندي للأبحاث: هل تستعد الولايات المتحدة لتغير النظام في البحرين؟ مركز غلوبال ريسيرج الكندي للأبحاث: هل تستعد الولايات المتحدة لتغير النظام في البحرين؟

المقال بقلم الأيرلندي فينيان كنينغهام مراسل مركز غلوبال ريسيرج للأبحاث في بيلفاست، أيرلندا. كان قد طُرِدَ من البحرين في الثامن عشر من يونيو من هذا العام بسبب انتقاداته الصحفية !!!
الإصرار الذي تبديه الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في البحرين في مواجهة القمع الوحشي قد يجعل واشنطن تعيد النظر حول دعمها الثابت للنظام الملكي في المملكة التي تتمتع بأهمية استراتيجية والواقعة في الخليج الفارسي. هل نحن على وشك أن نشهد تغييراً شكلياً في النظام؛ ليس من أجل الحقوق الديمقراطية في البحرين ولكن للحفاظ على مصالح واشنطن الحيوية في المنطقة؟
البحرين الجزيرة الصغيرة جداً والواقعة بيكن المملكة العربية السعودية وقطر هي قاعدة للأسطول البحري الأمريكي الخامس والذي يضم 16 ألف موظف و30 سفينة، والذي يعد نقطة انطلاق عسكرية للولايات المتحدة في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كما يراقب الأسطول الممرات البحرية الموجودة في الخليج الفارسي والتي يمر منها كل يوم حوالي 30% من إجمالي النفط المُباع عالمياً.
ومنذ أن خرج البحرينيون الشيعة في معظمهم إلى الشوارع في الرابع عشر من شهر فبراير احتجاجاً على النظام الملكي السني غير المنتخب لسلالة آل خليفة؛ قدَّمت واشنطن دعماً شديداً للنظام واصفةً البحرين على الدوام بـ "الحليف الهام".
وبجانب الأسطول الأمريكي الخامس؛ تمتلك الولايات المتحدة اتفاقية تجارة حرة مع البحرين حيث تبيع أسلحة بقيمة 20 مليون دولار في كل عام إلى المملكة، كما تعد البحرين مركزاً مالياً لرأس المال الأمريكي والعالمي.
البحرين قامت برد الجميل لكل هذه الخدمات بإعطاء واشنطن وحلفائها في حلف الناتو الغطاء الدبلوماسي للتدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي. البحرين بجانب الأنظمة الملكية الخليجية الأخرى في السعودية وقطر والإمارات اصطفَّت بإخلاص وراء تدخل الولايات المتحدة والناتو لإعطاء هذا التدخل مظهراً خادعاً بأن العرب موافقون عليه، وبالتالي صد الاتهامات القائلة بأن القصف الجوي لليبيا هو حرب إمربيالية غربية عدوانية. كما أدت الأنظمة الملكية الدور نفسه في توفير الغطاء الدبلوماسي لعقوبات الولايات المتحدة وحلف الناتو على سوريا وتهديداتهما بالتدخل هناك.
النظام البحريني والأنظمة الدكتاتورية الخليجية الأخرى (على الرغم من السخرية المنبعثة من هذا) لعبت دوراً مهماً في مجال البروباغاندا؛ حيث ساعدت هذه الأنظمة في دعم الحجة القائلة بأن تدخل الولايات المتحدة والناتو في ليبيا وسوريا هو من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية.
ولكن هنا الآن تكمن المشكلة؛ إذ تبرز البحرين باعتبارها تناقضاً صارخاً في ادعاءات الحكومة الأمريكية المعلنة فيما يخص تدخلاتها في ليبيا وسوريا.
حقيقة بأن حوالي 40 شخص قُتِلوا في البحرين بسبب المطالبة السلمية بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية هي إدانة تامة لنظام آل خليفة المدعوم من قبل الولايات المتحدة. آلاف الأشخاص أصيبوا -وتعرَّض العديد منهم للتشويه- بواسطة قوات الأمن التابعة للنظام والتي أطلقت النار على المتظاهرين السلميين العُزَّل.
التناقض الظاهر والصريح بين السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البحرين وبين مخاوفها المُتبنَّاة تجاه شعبي ليبيا وسوريا يجعلان من البحرين في ظل حكم نظام آل خليفة مسؤولية خطيرة ملقاة على عاتق مصداقية واشنطن "الإنسانية".
نظراً للاضطهاد المسستمر للعمال الشيعة (أكثر من 3500 مطرود من العمل)، وللاستخدام غير المعقول للمحاكمات العسكرية الصورية لمحاكمة العشرات من الأطباء والممرضين والمعلمين والمحامين والرياضيين، وللإدانة واسعة النطاق من قبل جماعات حقوق الإنسان تجاه الاحتجاز الجماعي غير القانوني والتعذيب، ولاستهداف الصحفيين المستقلين والمدونين ولطرد المئات من الطلاب والأكاديميين؛ فإن مسؤولية مصداقية السياسة الخارجية الأمريكية عن نظام آل خليفة في تنمو بشكل أكبر بكثير يوماً بعد يوم.
ويُضاف إلى هذه الأفعال الوحشية التي تُمَارَس ضد المدنيين السلميين هو الاستخدام الهائل للغاز المسيل الدموع في الأونة الأخيرة في القرى الشيعية التي تُعتَبر مساندة للحركة المطالبة بالديمقراطية. في كل ليلة تختنق القرى بالغاز المسيل للدموع حيث تقوم قوات النظام بإطلاق الآلاف من العبوات في الشوارع والبيوت. السكان المحليون وصفوا هذا الاستخدام على أنه سياسة متعمدة لـ "الإرهاب السام" و "العقاب الجماعي".
ثمانية أشخاص على الأقل قد ماتوا اختناقاً بعد أن أطلقت قوات النظام الغاز المسيل للدموع على منازلهم. آخر ضحية كانت جواد أحمد البالغ من العمر 36 عاماً، والذي توفي في الرابع عشر من شهر سبتمبر بعد أن استسلم للغاز المسيل للدموع الذي أطلق داخل منزله في قرية سترة. لم يكن أقرباء القتيل راغبين في أخذه إلى المستشفى خوفاً من أن يتم القبض عليه من قبل قوات النظام، والذي يعد أمراً شائعاً في البحرين حيث تقبع المستشفيات في ظل قيادة عسكرية منذ الغزو الذي قادته السعودية لقمع المحتجين في شهر مارس. وقبل أيام قليلة من وفاة جواد أحمد، كان علي جواد وهو فتى يبلغ من العمر 14 عاماً قد قُتِلَ بعد أن أُطلِقَت عبوة غاز مسيل للدموع على رأسه من مسافة قريبة [1].
المعضلة التي لا يمكن حلها بالنسبة للنظام هي أن القمع العنيف قد فشل فشلاً ذريعاً في سحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. بعد مضي قرابة ستة أشهر من ممارسة إرهاب الدولة أصبحت الاحتجاجات البحرينية ضد النظام أكثر تصميماً، حيث يشارك 200 إلى 300 ألف من أصل 600 ألف مواطن في المظاهرات في كل أسبوع.
في شهر يونيو الماضي وعد ملك البحرين حمد آل خليفة بعودة الوضع إلى "طبيعته" بالقيام بمجموعة من المبادرات التي رُحِّب بها من قبل واشنطن ومن المحتمل أنها أُعِدَّت من قبلها أيضاً باعتبارها خطوةً إيجابيةً نحو الإصلاح. هذه الخطوات تشمل الرفع الرسمي لحالة الطوارئ وإطلاق عملية "الحوار الوطني" وإجراء تحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان ونقل جميع المحاكمات من المحاكم العسكرية إلى المحاكمة المدنية.
ولسوء حظ النظام الملكي المدعوم من قبل الولايات المتحدة؛ لم ترشِ هذه المبادرات المعارضة التي لا تزال تواصل الخروج للشوارع داعيةً لإسقاط النظام، ولهذا السبب قام النظام بالتراجع عن مبادراته ولجأ بشكل كامل إلى للقمع والذي بدوره شجَّع استمرار الحركة المطالبة بالديمقراطية بدرجة أكبر.
ولهذا فإن النظام البحريني غير القابل للإصلاح يقدِّم لواشنطن مشكلة شائكة، ليس فقط لأن الحكومة الأمريكية تظهر أنها واقفة إلى جانب الطغاة في البحرين ولكن لأن دعمها لمثل هذه الأنظمة يوسِّع الهوة بين خطابات واشنطن حول حقوق الإنسان في ليبيا وسوريا وبين خطاباتها في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. قد تكون البحرين أرضاً صغيرةً جداً؛ ولكن واقع القمع وإرهاب الدولة الموجهان ضد المدنيين العُزَّل يُفجِّر فجوةً ضخمةً في المظهر الأمريكي الكاذب المدعي لحماية حقوق الإنسان والحرية الديمقراطية.
بهذه الطريقة؛ هل يعيش نظام آل خليفة في البحرين في خطر السقوط حيث لا تستطيع الحكومة الأمريكية أن تتسامح مع ما يحدث بسبب مسؤوليتها في مجال العلاقات العامة؟ نحن نتذكَّر كيف دعمت واشنطن حتى الساعات الأخيرة النظامين الدكتاتوريين لحسني مبارك في مصر وبن علي في تونس، ولكن عندما أصبح لغز العلاقات العامة حول قضية دعم هذين الطاغيتين لا يُطاق تم الاستغناء عنهما على حسب الأصول. هل من الممكن أن نكون على وشك أن نرى نفس التخلِّي الباعث للسخرية لواشنطن عن الطغاة في البحرين؟
أولى الإشارات الدالة على هذا التغيير من الممكن أن تُستَقَى من التغطية الناقدة بشكل ملحوظ للنظام البحريني في صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكيتيين، فبالنظر إلى أن هذه الصحف جنباً إلى جنب مع الوسائل الإعلامية البارزة الأخرى قد قدَّمت إلى حد الآن تغطية ضئيلة للانتهاكات في البحرين؛ من الجدير بالذكر أن هذه الصحف الناطقة بلسان تفكير الحكومة الأمريكية قد أطلقت وصفاً صريحاً على القمع الذي يحدث في "الحليف الهام". في الخامس عشر من شهر سبتمبر نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً (اقرأه هنا) في صفحتها الأولى بعنوان: البحرين تغلي تحت غطاء القمع، وتقول فيه: "رغبة الولايات المتحدة في النظر للاتجاه الآخر جعلها تبدو بمظهر النفاق"، إذ تشتكي الصحيفة من هذا الموقف بينما تقوم بسرد قائمة من انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، كما تقول الصحيفة: "الملك حمد بن عيسى آل خليفة المدعوم بواسطة التدخل العسكري السعودي قد أعلن في شهر مارس حالة الأحكام العرفية، ومع أنه أوقف العمل بالأحكام العرفية في الأول من شهر يونيو إلا أن أصداء القمع ما زالت تتردد في أنحاء الجزيرة".
وفي افتتاحيتها في العاشر من شهر سبتمبر (اقرأها هنا)؛ ذهبت صحيفة واشنطن بوست لما هو أبعد من ذلك ولمَّحت إلى المخاوف الاستراتيجية الأمريكية الرسمية حول البحرين، إذ تقول: "النظام (البحريني) على أية حال لم يقم بتنفيذ الإصلاحات السياسية، وهو الآن يجازف بانفجار الاضطرابات من جديد مما يمكن أن يزعزع ليس فقط استقرار البحرين وإنما استقرار المنطقة من حولها .. إذا انفجر الوضع في البحرين فإن المصالح الأمريكية الحيوية ستكون في خطر. يجب على إدارة أوباما أن تستخدم تأثيرها حالاً".
المصالح الأمريكية الحيوية المهددة بالضياع في ظل نظام آل خليفة الذي ارتفعت درجة عدم إمكانية الاعتماد عليه هي مصالح كبيرة، وهي تشمل السيطرة البحرية الأمريكية على تجارة النفط في الخليج الفارسي، وامتداد الاضطرابات الشيعية في البحرين لأعلى الدول المنتجة للنفط وهي السعودية والدفع بأن هذا الوضع سوف يكرِّس نفوذ إيران في المنطقة.
ولكن الضرر المستمر الذي يوقعه نظام آل خليفة بادعاءات واشنطن المبتكرة ببراعة وعناية حول دعمها لحقوق الإنسان والديمقراطية في كافة أرجاء المنطقة، وبشكل خاص في ليبيا وسوريا؛ يمتلك أهميةً بالقدر الذي يمتلكه إثبات البحرين للكذب في خطابات واشنطن وقيامها بعرقلة عجلات السياسة الخارجية الأمريكية.
لهذا يجب علينا ألا نكون متفاجئين إذا قام سلاح الجو الأمريكي بتحميل سبائك الذهب من أجل القيام بمغادرة مستعجلة للملك حمد إلى المملكة العربية السعودية.
ويشير رالف سكوينمان وهو كاتب في مجال تاريخ الصهيونية المخفي: "نظام آل خليفة الإقطاعي السارق في البحرين يثير رائحة قذرة في أنوف جميع المنصفين. أسلوبه الهمجي في الحكم وصل إلى النقطة التي يقوم بها أسياد الإمبريالية بالتسوق خلسةً من أجل الحصول على بديل برجوازي لتهدئة العاصفة قبل أن يتحول الكفاح الجماهيري إلى حركة ثورية مسلَّحة".
ويضيف الكاتب: "ومع ذلك كل محاولة ضعيفة يقوم بها الحكام الأمريكيون لوضع أشخاص أقل فساداً وكرهاً بشرط أن يكونوا طيِّعين لتمديد حياة الهيمنة الإمبريالية الهشة لن تؤدي إلا لتعجيل الانتفاضات الجماهيرية التي أُعدَّت هذه المناورة الكلاسكية لإحباطها".
رابط المقال: اضغط هنا
http://feb14translator.blogspot.com/...g-post_21.html

المقال بقلم الأيرلندي فينيان كنينغهام مراسل مركز غلوبال ريسيرج للأبحاث في بيلفاست، أيرلندا. كان قد طُرِدَ من البحرين في الثامن عشر من يونيو من هذا العام بسبب انتقاداته الصحفية !!!
الإصرار الذي تبديه الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في البحرين في مواجهة القمع الوحشي قد يجعل واشنطن تعيد النظر حول دعمها الثابت للنظام الملكي في المملكة التي تتمتع بأهمية استراتيجية والواقعة في الخليج الفارسي. هل نحن على وشك أن نشهد تغييراً شكلياً في النظام؛ ليس من أجل الحقوق الديمقراطية في البحرين ولكن للحفاظ على مصالح واشنطن الحيوية في المنطقة؟
البحرين الجزيرة الصغيرة جداً والواقعة بيكن المملكة العربية السعودية وقطر هي قاعدة للأسطول البحري الأمريكي الخامس والذي يضم 16 ألف موظف و30 سفينة، والذي يعد نقطة انطلاق عسكرية للولايات المتحدة في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كما يراقب الأسطول الممرات البحرية الموجودة في الخليج الفارسي والتي يمر منها كل يوم حوالي 30% من إجمالي النفط المُباع عالمياً.
ومنذ أن خرج البحرينيون الشيعة في معظمهم إلى الشوارع في الرابع عشر من شهر فبراير احتجاجاً على النظام الملكي السني غير المنتخب لسلالة آل خليفة؛ قدَّمت واشنطن دعماً شديداً للنظام واصفةً البحرين على الدوام بـ "الحليف الهام".
وبجانب الأسطول الأمريكي الخامس؛ تمتلك الولايات المتحدة اتفاقية تجارة حرة مع البحرين حيث تبيع أسلحة بقيمة 20 مليون دولار في كل عام إلى المملكة، كما تعد البحرين مركزاً مالياً لرأس المال الأمريكي والعالمي.
البحرين قامت برد الجميل لكل هذه الخدمات بإعطاء واشنطن وحلفائها في حلف الناتو الغطاء الدبلوماسي للتدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي. البحرين بجانب الأنظمة الملكية الخليجية الأخرى في السعودية وقطر والإمارات اصطفَّت بإخلاص وراء تدخل الولايات المتحدة والناتو لإعطاء هذا التدخل مظهراً خادعاً بأن العرب موافقون عليه، وبالتالي صد الاتهامات القائلة بأن القصف الجوي لليبيا هو حرب إمربيالية غربية عدوانية. كما أدت الأنظمة الملكية الدور نفسه في توفير الغطاء الدبلوماسي لعقوبات الولايات المتحدة وحلف الناتو على سوريا وتهديداتهما بالتدخل هناك.
النظام البحريني والأنظمة الدكتاتورية الخليجية الأخرى (على الرغم من السخرية المنبعثة من هذا) لعبت دوراً مهماً في مجال البروباغاندا؛ حيث ساعدت هذه الأنظمة في دعم الحجة القائلة بأن تدخل الولايات المتحدة والناتو في ليبيا وسوريا هو من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية.
ولكن هنا الآن تكمن المشكلة؛ إذ تبرز البحرين باعتبارها تناقضاً صارخاً في ادعاءات الحكومة الأمريكية المعلنة فيما يخص تدخلاتها في ليبيا وسوريا.
حقيقة بأن حوالي 40 شخص قُتِلوا في البحرين بسبب المطالبة السلمية بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية هي إدانة تامة لنظام آل خليفة المدعوم من قبل الولايات المتحدة. آلاف الأشخاص أصيبوا -وتعرَّض العديد منهم للتشويه- بواسطة قوات الأمن التابعة للنظام والتي أطلقت النار على المتظاهرين السلميين العُزَّل.
التناقض الظاهر والصريح بين السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البحرين وبين مخاوفها المُتبنَّاة تجاه شعبي ليبيا وسوريا يجعلان من البحرين في ظل حكم نظام آل خليفة مسؤولية خطيرة ملقاة على عاتق مصداقية واشنطن "الإنسانية".
نظراً للاضطهاد المسستمر للعمال الشيعة (أكثر من 3500 مطرود من العمل)، وللاستخدام غير المعقول للمحاكمات العسكرية الصورية لمحاكمة العشرات من الأطباء والممرضين والمعلمين والمحامين والرياضيين، وللإدانة واسعة النطاق من قبل جماعات حقوق الإنسان تجاه الاحتجاز الجماعي غير القانوني والتعذيب، ولاستهداف الصحفيين المستقلين والمدونين ولطرد المئات من الطلاب والأكاديميين؛ فإن مسؤولية مصداقية السياسة الخارجية الأمريكية عن نظام آل خليفة في تنمو بشكل أكبر بكثير يوماً بعد يوم.
ويُضاف إلى هذه الأفعال الوحشية التي تُمَارَس ضد المدنيين السلميين هو الاستخدام الهائل للغاز المسيل الدموع في الأونة الأخيرة في القرى الشيعية التي تُعتَبر مساندة للحركة المطالبة بالديمقراطية. في كل ليلة تختنق القرى بالغاز المسيل للدموع حيث تقوم قوات النظام بإطلاق الآلاف من العبوات في الشوارع والبيوت. السكان المحليون وصفوا هذا الاستخدام على أنه سياسة متعمدة لـ "الإرهاب السام" و "العقاب الجماعي".
ثمانية أشخاص على الأقل قد ماتوا اختناقاً بعد أن أطلقت قوات النظام الغاز المسيل للدموع على منازلهم. آخر ضحية كانت جواد أحمد البالغ من العمر 36 عاماً، والذي توفي في الرابع عشر من شهر سبتمبر بعد أن استسلم للغاز المسيل للدموع الذي أطلق داخل منزله في قرية سترة. لم يكن أقرباء القتيل راغبين في أخذه إلى المستشفى خوفاً من أن يتم القبض عليه من قبل قوات النظام، والذي يعد أمراً شائعاً في البحرين حيث تقبع المستشفيات في ظل قيادة عسكرية منذ الغزو الذي قادته السعودية لقمع المحتجين في شهر مارس. وقبل أيام قليلة من وفاة جواد أحمد، كان علي جواد وهو فتى يبلغ من العمر 14 عاماً قد قُتِلَ بعد أن أُطلِقَت عبوة غاز مسيل للدموع على رأسه من مسافة قريبة [1].
المعضلة التي لا يمكن حلها بالنسبة للنظام هي أن القمع العنيف قد فشل فشلاً ذريعاً في سحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. بعد مضي قرابة ستة أشهر من ممارسة إرهاب الدولة أصبحت الاحتجاجات البحرينية ضد النظام أكثر تصميماً، حيث يشارك 200 إلى 300 ألف من أصل 600 ألف مواطن في المظاهرات في كل أسبوع.
في شهر يونيو الماضي وعد ملك البحرين حمد آل خليفة بعودة الوضع إلى "طبيعته" بالقيام بمجموعة من المبادرات التي رُحِّب بها من قبل واشنطن ومن المحتمل أنها أُعِدَّت من قبلها أيضاً باعتبارها خطوةً إيجابيةً نحو الإصلاح. هذه الخطوات تشمل الرفع الرسمي لحالة الطوارئ وإطلاق عملية "الحوار الوطني" وإجراء تحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان ونقل جميع المحاكمات من المحاكم العسكرية إلى المحاكمة المدنية.
ولسوء حظ النظام الملكي المدعوم من قبل الولايات المتحدة؛ لم ترشِ هذه المبادرات المعارضة التي لا تزال تواصل الخروج للشوارع داعيةً لإسقاط النظام، ولهذا السبب قام النظام بالتراجع عن مبادراته ولجأ بشكل كامل إلى للقمع والذي بدوره شجَّع استمرار الحركة المطالبة بالديمقراطية بدرجة أكبر.
ولهذا فإن النظام البحريني غير القابل للإصلاح يقدِّم لواشنطن مشكلة شائكة، ليس فقط لأن الحكومة الأمريكية تظهر أنها واقفة إلى جانب الطغاة في البحرين ولكن لأن دعمها لمثل هذه الأنظمة يوسِّع الهوة بين خطابات واشنطن حول حقوق الإنسان في ليبيا وسوريا وبين خطاباتها في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. قد تكون البحرين أرضاً صغيرةً جداً؛ ولكن واقع القمع وإرهاب الدولة الموجهان ضد المدنيين العُزَّل يُفجِّر فجوةً ضخمةً في المظهر الأمريكي الكاذب المدعي لحماية حقوق الإنسان والحرية الديمقراطية.
بهذه الطريقة؛ هل يعيش نظام آل خليفة في البحرين في خطر السقوط حيث لا تستطيع الحكومة الأمريكية أن تتسامح مع ما يحدث بسبب مسؤوليتها في مجال العلاقات العامة؟ نحن نتذكَّر كيف دعمت واشنطن حتى الساعات الأخيرة النظامين الدكتاتوريين لحسني مبارك في مصر وبن علي في تونس، ولكن عندما أصبح لغز العلاقات العامة حول قضية دعم هذين الطاغيتين لا يُطاق تم الاستغناء عنهما على حسب الأصول. هل من الممكن أن نكون على وشك أن نرى نفس التخلِّي الباعث للسخرية لواشنطن عن الطغاة في البحرين؟
أولى الإشارات الدالة على هذا التغيير من الممكن أن تُستَقَى من التغطية الناقدة بشكل ملحوظ للنظام البحريني في صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكيتيين، فبالنظر إلى أن هذه الصحف جنباً إلى جنب مع الوسائل الإعلامية البارزة الأخرى قد قدَّمت إلى حد الآن تغطية ضئيلة للانتهاكات في البحرين؛ من الجدير بالذكر أن هذه الصحف الناطقة بلسان تفكير الحكومة الأمريكية قد أطلقت وصفاً صريحاً على القمع الذي يحدث في "الحليف الهام". في الخامس عشر من شهر سبتمبر نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً (اقرأه هنا) في صفحتها الأولى بعنوان: البحرين تغلي تحت غطاء القمع، وتقول فيه: "رغبة الولايات المتحدة في النظر للاتجاه الآخر جعلها تبدو بمظهر النفاق"، إذ تشتكي الصحيفة من هذا الموقف بينما تقوم بسرد قائمة من انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، كما تقول الصحيفة: "الملك حمد بن عيسى آل خليفة المدعوم بواسطة التدخل العسكري السعودي قد أعلن في شهر مارس حالة الأحكام العرفية، ومع أنه أوقف العمل بالأحكام العرفية في الأول من شهر يونيو إلا أن أصداء القمع ما زالت تتردد في أنحاء الجزيرة".
وفي افتتاحيتها في العاشر من شهر سبتمبر (اقرأها هنا)؛ ذهبت صحيفة واشنطن بوست لما هو أبعد من ذلك ولمَّحت إلى المخاوف الاستراتيجية الأمريكية الرسمية حول البحرين، إذ تقول: "النظام (البحريني) على أية حال لم يقم بتنفيذ الإصلاحات السياسية، وهو الآن يجازف بانفجار الاضطرابات من جديد مما يمكن أن يزعزع ليس فقط استقرار البحرين وإنما استقرار المنطقة من حولها .. إذا انفجر الوضع في البحرين فإن المصالح الأمريكية الحيوية ستكون في خطر. يجب على إدارة أوباما أن تستخدم تأثيرها حالاً".
المصالح الأمريكية الحيوية المهددة بالضياع في ظل نظام آل خليفة الذي ارتفعت درجة عدم إمكانية الاعتماد عليه هي مصالح كبيرة، وهي تشمل السيطرة البحرية الأمريكية على تجارة النفط في الخليج الفارسي، وامتداد الاضطرابات الشيعية في البحرين لأعلى الدول المنتجة للنفط وهي السعودية والدفع بأن هذا الوضع سوف يكرِّس نفوذ إيران في المنطقة.
ولكن الضرر المستمر الذي يوقعه نظام آل خليفة بادعاءات واشنطن المبتكرة ببراعة وعناية حول دعمها لحقوق الإنسان والديمقراطية في كافة أرجاء المنطقة، وبشكل خاص في ليبيا وسوريا؛ يمتلك أهميةً بالقدر الذي يمتلكه إثبات البحرين للكذب في خطابات واشنطن وقيامها بعرقلة عجلات السياسة الخارجية الأمريكية.
لهذا يجب علينا ألا نكون متفاجئين إذا قام سلاح الجو الأمريكي بتحميل سبائك الذهب من أجل القيام بمغادرة مستعجلة للملك حمد إلى المملكة العربية السعودية.
ويشير رالف سكوينمان وهو كاتب في مجال تاريخ الصهيونية المخفي: "نظام آل خليفة الإقطاعي السارق في البحرين يثير رائحة قذرة في أنوف جميع المنصفين. أسلوبه الهمجي في الحكم وصل إلى النقطة التي يقوم بها أسياد الإمبريالية بالتسوق خلسةً من أجل الحصول على بديل برجوازي لتهدئة العاصفة قبل أن يتحول الكفاح الجماهيري إلى حركة ثورية مسلَّحة".
ويضيف الكاتب: "ومع ذلك كل محاولة ضعيفة يقوم بها الحكام الأمريكيون لوضع أشخاص أقل فساداً وكرهاً بشرط أن يكونوا طيِّعين لتمديد حياة الهيمنة الإمبريالية الهشة لن تؤدي إلا لتعجيل الانتفاضات الجماهيرية التي أُعدَّت هذه المناورة الكلاسكية لإحباطها".
رابط المقال: اضغط هنا
http://feb14translator.blogspot.com/...g-post_21.html