الاعلام الاسلامي ومخاطر"امركة" الصحوة و"علمنة" الاسلام

ما هو اخطر اليوم هو ان ثمة قوى محلية طامحة وطامعة قررت ان تساند هذا الغرب الموهوم بالنصر المزيف على امل تقاسم النفوذ معه وفي ذهنها مشروع خطير عنوانه " امركة الصحوة العربية وعلمنة الاسلام " في محاولة لدغدغة مشاعر بعض تيارات الحراك الشعبي العربي وركوب بعض احصنة رجالات "ديمقراطية البرشوت" .
كما لا يمكن ان يختلف اثنان بان هذه المطالب انما هي مطالب مشروعة وعادلة ومحقة ولا يمكن لاي حاكم كان ان يستمر في البقاء ما لم يقر بشرعيتها ويذعن لها.
وان السبب الاساسي لهذه الصحوة هو الادراك المكثف من قبل جمهور هذه الامة لعملية تراكم التمييز العنصري الخارجي الذي مارسه ما يسمى بالمجتمع الدولي ضدنا حتى سرق منا فلسطين والقهر الداخلي الذي مارسته سلطات غبية حمقاء تابعة للاجنبي وصلت الى السلطة بفعل توازنات المعادلة الخارجية اكثر مما هي انبثاق لصيرورة داخلية محلية ما جعلها في قلق دائم بحثا عن مشروعية جماهيرية مشكوك فيها على الدوام.
ايا تكن الصورة المتبلورة لدينا كاعلاميين عما يجري من حراك لا يهدأ في بلادنا الا ان القدر المتيقن منه بان الناس خرجت من القمقم ولن تعود اليه وان العصر بات عصر الشعوب بعد ان لقن الناس انفسهم انهم قادرون ان يفعلوا شيئا وفعلوه بالفعل بعدما كسروا حاجز الخوف وتيقنوا ان باستطاعتهم فعل المزيد.
لكن المتفقين اعلاه من محللين واعلاميين وباحثين سرعان ما يختلفون وقد اختلفوا بالفعل نظريا وميدانيا على كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة الصحية المستجدة في بلادنا واول ما اختلفوا عليه ربما كانت التسمية فمنهم من سماها بالربيع العربي ومنهم من سماها بالثورة العربية الكبرى ومنهم من سماها بالصحوة الاسلامية .
وقد ترتب على هذا الاختلاف فيما ترتب ظهور ما سمي بثورة الفيس بوك واهميتها في ادارة الصراع حتى تحقيق وانجاز مهمات الثورة مقابل ما نسميه نحن مجازا بثورة الناس بوك التي تحاول التمييز بين الاستفادة من وسائل وادوات العصر المتطورة وبين التمسك بحركة الناس على الارض وقطعها مع كل وسائل الاستقواء بالاجنبي مهما بدت ملحة او جذابة في الظاهر .
لكن الاختلاف الثاني الاهم الذي ظهر هو كيفية الجمع ان امكن وعدم التضاد ما امكن بين مطالب الناس المشروعة و دفع قوة فعل العامل الخارجي المفروضة علينا كعرب ومسلمين بفعل معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية واختلال موازين القوى والتي افرزت فيما افرزت الكيان الصهيوني الغاصب .
ومن يومها ثمة من يقول بان لا تحرير لفلسطين من دون اسقاط الانظمة الرجعية التابعة للاجنبي اولا وقد جاءت الصحوة الاخيرة بنظره لتؤكد مقولته هذه .
وثمة من يقول بان التحرر من سلطة الاستبداد والقمع الداخليين لا يتم الا بعد تحرير فلسطين و قد جاءت عثرات الصحوة برأيه لتؤكد مقولته هذه.
لكن ثمة رأي ثالث كان ولا يزال يقول بان التحرر الناجز من سلطات القمع المحلية لن يتحقق ما لم يربط باحكام بمسيرة تحرير فلسطين , وان مسيرة تحرير فلسطين هي الاخرى لا يمكن ان تزداد قوة وثباتا الا مع مزيد من النضال ضد القمع والقهر والتمييز المحلي .
والبرهان على صحة الرأي الثالث بسيط جدا , اذ يكفي ان تنظروا الى مسارات كل حراك شعبي محلي في كل قطر على حدة , فكلما كانت حركة الجماهير متوازية بين رفض الاستبداد ومقاومة التدخل الاجنبي كلما حقق ذلك الحراك انجازات اكبر وكانت خسائر الجماهير اقل .
وكلما وضعت المهمتان بشكل متضاد كلما كان الحراك يتجه نحو حرب استنزاف مدمرة او تعثر كبير يعيد عقارب ساعة الصحوة الى الوراء اي ادخال فلول النظام المتهاوية واسيادها من الشباك بعد ان اخرجت من الباب .
ان الثورة يا اخوان لا تعيش في "حيز مختبري" تحت سيطرة الثائرين وكل عمل سياسي اصلا يمر بنفس الظروف , ولما كان العامل الاجنبي المساند لاجهزة القمع الحاكمة بالاساس والمعادي للثورات الشعبية من الاساس موجود في صلب معادلة صناعة حكام المنطقة , فانه سيظل اللاعب الاقوى في اي معادلة تغيير داخلية حتى لو بدأها الناس لوحدهم ما لم ينتبه الناس ويتيقظوا ويحذروا ويمارسوا فعل الصحوة مقابل مخططات الاجنبي الساعية للاختراق اولا ومن ثم الانحراف بها ثانيا واخيرا المصادرة للثورة او صناعة الشبيه لها والابحار بها بعيدا عن اهدافها الحقيقية .
اليس هذا هو ما يحاولونه ابتداء من تونس وانتهاء بسوريا ؟.
من هنا يتوجب علينا نحن الاعلاميين ان نسمي الاشياء باسمائها وان لا نتردد ولا نجامل في القول بان تونس ومصر فاجأت الغرب المستعمر لاسيما الامريكي منه ما اضطره الى تشكيل ادارات ازمة تتعثر يوما بعد يوم ثم دخل في حرب استنزاف في ليبيا واليمن ثم محاولة وأد وخنق في البحرين الى ان قرر هجومه المضاد على الثورة العربية كلها انطلاقا من خصوصية سوريا الشعب والدولة محاولا عسكرة الفضاءات العربية كلها في مقدمة لافشال مسار الصحوة باكملها .
لكن ما هو اخطر اليوم هو ان ثمة قوى محلية طامحة وطامعة قررت ان تساند هذا الغرب الموهوم بالنصر المزيف على امل تقاسم النفوذ معه وفي ذهنها مشروع خطير عنوانه " امركة الصحوة العربية وعلمنة الاسلام " في محاولة لدغدغة مشاعر بعض تيارات الحراك الشعبي العربي وركوب بعض احصنة رجالات "ديمقراطية البرشوت" .
الى مثل هؤلاء نقول : مخطئ اشد الخطأ ذلك الذي يظن هنا ان بامكانه انقاذ حليفه الغربي من حبل المشنقة الذي ينتظره من خلال التذاكي على الناس ذلك لان الصاحي على اذان الثورة باسم الله و الجمعة والجامع لا تسكره جرعة "اسلام امريكي" ملوثة بشرعنة كيان غاصب حتى لو خلطها بـ"مياه زمزمية ". وحتى نكون اكثر وعيا واكثر مسؤولية تجاه ما يحصل في اطار الهجوم العام المضاد الذي يقوده محور واشنطن - تل ابيب ضد صحوة الشعوب العربية المسلمة لابد من التوقف عند بعض المقولات التي يتم ترويجها بديلا عن الصحوة اليوم لتمرير المخطط المضاد :
اولا : الربيع العربي وهو اصطلاح استشراقي غربي المقصود منه بان ما يجري في البلاد العربية انما هو امتداد لما جرى في اوروبا الشرقية وبعض دول الاتحاد السوفياتي سابقا وهو آيل لثورة ملونة برعاية غربية وبالتالي فهو لا علاقة له بهوية هذه الامة وحضارتها ودينها وقيمها وتاليا فانه ينبغي منع تحوله الى صحوة اسلامية حقيقية باي ثمن كان .
ثانيا : ان ما يجري في البلاد العربية هو احتجاجات جماهيرية منظمة ضد انظمة رجعية متخلفة ربطت تاريخها بقضايا نمطية جامدة ويعود تاريخها لماض وصراع كان ينبغي ان ينتهي ويسدل الستار عليه مبكرا ويجب الآن ان ينتهي بتصفية قضية فلسطين عن طريق ما يسمى " بعملية الصلح والسلام بين العرب واسرائيل " حيث عندها ستستقر المنطقة وتتحقق اهداف الثورة الجماهيرية العربية التقدمية وتتفتح ورود الربيع العربي الواعد ..
ثالثا : ان هذه التحركات لا قيادة ولا مرجعية معينة لها - وهو امر وان كان صحيحا في الظاهر - لكن ما تريد قوى الثورة المضادة ان تجرنا اليه هو خطف وسرقة قطار الثورة وتسليم قيادته الى احجار من الشطرنج منها ما هو معد سلفا في الغرب بانتظار هذه اللحظة ومنه ما يتم الاعداد له على قدم وساق لتسليمه قيادة التحركات الاحتجاجية الحالية بما يؤول او يفضي الى الالتحاق بالمعادلة الدولية الظالمة التي اسمها زورا وبهتانا المجتمع الدولي فيما المقصود منه هو عصابة القرار الغربي الاستعماري بقيادة محور واشنطن - تل ابيب .
لذا وجب التنبه والحيطة والحذر وضرورة فضح هذه الاحابيل ومخطط الخداع والزيف هذا والتصدي له في وسائل اعلامنا العربية والاسلامية بكل ما اوتينا من وعي واصرار صلابة وحزم .
مقال بقلم الكاتب محمد صادق الحسيني