البيان الختامي للمؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية - لندن
(البيان الختامي)
المؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية – لندن
(الصحوة الاسلامية العالمية ومشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية)
يوم السبت 1/10/2011م المصادف 3 ذي القعدة 1432هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(البيان الختامي)
المؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية – لندن
(الصحوة الاسلامية العالمية ومشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية)
يوم السبت 1/10/2011م المصادف 3 ذي القعدة 1432هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(سورة آل عمران: 103).
إنّ الصحوة الاسلامية التي نعيشها نحن المسلمين في أغلب بقاع العالم الاسلامي هي من أيام الله، فبعد عقود الألم والمعاناة تترسم اليوم في آفاق العالم الاسلامي بشائر مستقبل واعد يحمّلنا مسؤولية أكبر من أجل تمكين العدل والحرية ونشر قيم الاسلام السمحاء بين المسلمين بل بين الانسانية جمعاء. لقد أريد لهذه الأمة ان تختلف وتتنازع وتأكل الفتن وجودها، لكن الأمر لم يفت على العلماء الواعين ومفكري الأمة حرّاسها الأمناء، ولم تتحقق أحلام الاعداء المريضة باستئصال وجود الأمة الحضاري الاسلامي والانساني.
لقد بات ضرورياً العمل بجد لتحقيق التقارب بين المسلمين سعياً لتعزيز مقومات الوحدة الإسلامية في ظل التداعيات السريعة والمؤثرة للتحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية في الدخل والخارج، ولعلّ الفتن التي تعصف بهذه الأمة من خارجها تقتضي الوقوف أمامها طويلاً لمعالجة أسبابها وتمكين الأمة من مواجهتها لصدّ هذه الافتراءات وفضـح الأساليب المضلّلة.
إنّ هذه التحديات والاخطار تُلزمنا التسريع في تفعيل الأساليب العملية لتحقيق التقارب بين المسلمين ونسيان نقاط التدابر والاختلاف وتجاوزها.
ولعل الأصوات المنادية بوحدة المسلمين وتقاربهم والجهود المبذولة من أجل درء الاخطار والتئام شمل الأمة الى جانب عوامل أخرى، هي وراء هذا الظهور لبشائر الصحوة الاسلامية في عالمنا الاسلامي، بل خارجه أيضاً.
وحين يتجلى الأمر بهذه الصورة نجد أنفسنا جميعنا نحن المسلمين أمام مسؤولية مشروع الوحدة والتقريب لنواجه هذه التحديات بفكر منفتح ومواقف صلبة وقيم توحيدية من أجل سعادة الانسان في كل مكان ومن خلال سيادة قيم التقريب وتجاوز الأطر والقيود التي أثقلت كاهل هذه الأمة دهوراً وهي ليست بحاجتها، فاليوم تتطلع هذه الصحوة الاسلامية العالمية لمواقف الانفتاح والتلاقي وعدم إقصاء الآخر، ولترسم قاعدة عامة بيننا اننا نختلف لنتكامل لا لنتخاصم.
إنّ المؤتمرات الأربعة للتقريب بين المذاهب الإسلامية والتي انعقدت في لندن بدعوة من المركز الاسلامي في انجلترا على مدى السنوات الأربع الماضية كانت قد عالجت مسائل هامة وضرورية متعلقة في أصل التقريب وضرورته ونصرة القرآن الكريم والنبي الاكرم (ص) وكون التقريب تكريماً للانسان وتعزيزاً للوحدة الإسلامية وكذلك دوره في نهضة الأمة وبناء مستقبلها.
واليوم انعقد المؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية في لندن بدعوة من المركز الاسلامي في انجلترا بتاريخ 3 ذي القعدة 1432هـ المصادف 1/10/2011 تحت عنوان: (الصحوة الاسلامية العالمية ومشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية)، وبحضور العلماء والمفكرين والنخب المؤمنة والمثقفة. ومن خلال الابحاث والاوراق والمداخلات التي أرسلت إلى المؤتمر تم تناول الموضوعات ذات العلاقة بهذا العنوان حيث أثاروا في احاديثهم ومداخلاتهم وملاحظاتهم الكثير من المسائل الضرورية في جدلية العلاقة بين الصحوة الاسلامية العالمية ومشروع التقريب والوحدة بين المسلمين ومختلف التداعيات، وقد ثبتوا عدداً من القرارات والتوصيات والمقترحات نذكرها كما يلي:
1- انّ مشروع الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية بعد كل هذه السنوات من العمل والتواصل والجهود المبذولة في هذا الطريق بات مشروعاً حيوياً قوياً في تحديد مستقبل العالم الاسلامي، والتقريب هو انتصار الروح الاسلامية وخروجها من التشتت والتناقضات التي لا تخدم الصالح العام. فمن غير المقبول ان تستمر الفرقة وحالة التيه بعد كل الذي أصاب المسلمين من ضعف واخفاقات، وليس بمقدور احد تجاوز هذا المشروع الذي أكّد عليه القرآن الكريم والسنة المشرفة ومنطق الحاجة في الدفاع عن قيم هذا الدين والأمة بعد أن أحاطت بنا التحديات من كل جهة و مكان. ولابد ان يسعى كل بمقدار جهده في تحقيق هذا المشروع والدفاع عنه.
انّ الوحدة الإسلامية كمشروع حضاري عبارة عن التعاون بين اتباع المذاهب الإسلامية على أساس المباديء الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة، واتخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأمة الإسلامية، والموقف الموحّد تجاه أعدائها مع احترام التزامات كل مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً.
2- للأمن الفكري دور مؤثر في تعزيز التقريب بين المذاهب الاسلامية وان البحث عن السلام والأمن الفكري غاية سامية لم يحتكرها فرد أو عصر بذاته، وللوصول اليها علينا السعي الجاد بتحرير تفكيرنا من سيطرة عواطفنا ونبذ التعصب الفكري الذي يغذي أهواءنا لا عقولنا. ولابد من ازالة كل المعوقات التي تحجم فكرنا كالجهل والتعصب والغلو والفقر وقداسة الذات والاستبداد بكل ألوانه، ولا نتخذ من الأشخاص أصناماً تعبد ولا من التوجهات والسياسات والايدلوجيات أدياناً تزهق في سبيلها أرواح الأبرياء لمجرد مخالفتهم لهؤلاء الأشخاص أو لتلك التوجهات والانتماءات.
3- تلعب السياسة الدولية دوراً كبيراً في تأجيج الأكاذيب ضد الاسلام وهناك جهات تمويل كبيرة لهذه الحملات الكاذبة ضد الاسلام والمسلمين ووصفهم بما ليس فيهم وابقاء الاسلام خاملاً لا يصل بأهله الى مراكز القوة والنفوذ في العالم وإبعاده عن الاقتراب من المراكز التي تتحكم في الاقتصاد الدولي، كما لا نعفي أثر أعمال بعض المسلمين في تكوين ظاهر الكراهية في الإسلام (إسلاموفوبيا)، ورغم هذا وذاك ينبغي تكثيف جهود الدول والمنظمات والجامعات الإسلامية لمقاومة هذه الظاهرة بكافة الوسائل، ومن خلال وسائل الاعلام المنفتح وتصحيح المناهج الدراسية وتنظيم حملات قوية تعبرّ عن روح الاسلام وتشرح حقائقه لكل الناس.
4- من أهم مسؤوليات علماء الاسلام في الوقت الراهن العمل على إثراء حركة الصحوة الاسلامية وعمقها الحضاري الاسلامي وتوعية جماهير الأمة بالمخاطر الحقيقية لمؤامرات ودسائس الاستكبار الغربي، وما دامت الأمة بحاجة إلى نهضة حقيقية ترتقي الى مدارج التقدم فهذا يقتضي منا تنمية وعي الأمة بمشروع التقريب وذلك بإمدادها بموارد تشريعية قادرة على التجديد والابداع تماشياً مع روح العصر وبأبداع أصيل يمكّن الأمة من أن تعيش بكرامة وسؤدد بما يضمن مصالح الدنيا والآخرة بتحقيق مقاصد الشريعة الاسلامية.
5- انسجاماً مع الفقرة السابقة التي تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا في دعم هذه الصحوة الاسلامية العالمية فأن المؤتمرين يحيّون بافتخار هذه الصحوات المباركة والتحركات الشبابية المخلصة ومطالبتها باظهار الصورة الحضارية للدين الاسلامي بعيداً عن الخلافات التي تضعف صفوفهم، ويباركون للأمة هذا الوعي التغييري، وإن المطالبة بالحقوق حق تكفله الشريعة والقانون والاعراف الانسانية، ومن أجل ان تحقق الصحوة الاسلامية أهدافها لابد من الالتزام بسلمية هذه الاحتجاجات والوقوف بحزم أمام من يسعى لجرّها إلى العنف أو الاستقواء بالخارج الذي سوف لا يأتي إلا بالمآسي والآلام والاحتلال الغاشم هو احتلال للعقل قبل الارض والثروة. كما يدين المؤتمر كل أشكال العنف والقتل من أية جهة صدرت. ان عصر الصحوة كفيل بأن تتغير أحوال هذه الأمة باتجاه استقلالها وحفظ سيادتها وإرادتها، ولابد من اخراج الاحتلاليين لهذه البلدان الاسلامية ومنعهم من الخوض في دمائنا وتفرقتنا وتشتيت صفوفنا.
6- ان وحدة الكلمة والمواقف كفيلة بإخراج الأمة من نفقها المظلم الذي تعيشه الآن بفعل سياسات الهيمنة والتسلط، وان مشروع الوحدة والتقريب يسهم الى حد كبير في بناء الأسس السليمة للقاء والعمل المشترك للنهوض بهذه الأمة والارتفاع بها وخلاصها من أعدائها. وبدون ذلك فإن التهديدات والاطماع بثروات هذه الأمة ستبقى خنجراً في الخاصرة لا تنتزعها إلا وحدة الكلمة والتراص والتقارب ومن هنا يكتسب مشروع التقريب والوحدة الاسلامية قوته ليحمل مبررات وجوده دليلاً ومرشداً ومنبهاً لأيّ اختلاف تنشغل به الأمة عن تحقيق أهدافها الكبرى.
7- يؤكد المؤتمرون على ضرورة متابعة قرارات هذا المؤتمر والمؤتمرات الأربعة السابقة لما تضمنت من مشاريع عمل حقيقية وخطاب تقريبي وحدوي مؤثر وهادئ ومن هنا يمكن ان تقترح لجنة متابعة دائمة لهذه القرارات يتولى المركز الاسلامي في انجلترا متابعة اعدادها بمشاركة من يرغب عن طريق وضع ورقة وآليات لعمل هذه اللجنة الدائمة لمتابعة قرارات المؤتمر وتنظيم المؤتمر القادم.
8- يشيد المؤتمرون بالخطوة العملية التي أطلقها مؤتمر الصحوة الاسلامية الذي عقد مؤخراً في طهران بالتوعية لمواجهة مخططات التقسيم وتجزئة العالم الاسلامي وهدر ثرواته وإنشاء مجمع عالمي للصحوة ويؤكدون على ضرورة متابعتها وتفعيلها لما يحيط بالأمة من تحديات جسام وفرض ارادة وهيمنة وتفريق لصفوف المسلمين والتدخل الخارجي في بلدان العالم الاسلامي، وصولاً الى شرق أوسطي جديد مهيمن عليه مسلوب الارادة والثروات، فالمسؤولية عامة لا تعدو أحداً بعد ان اختار الاعداء غزو عقول الأمة وتفريق صفوفها واختراقها من الداخل مما يتسبب بالفتن الكثيرة والخطيرة على مستقبل هذه الأمة.
9- ان الفتنة الطائفية المقيتة التي يدعم قواعدها جهال الأمة وقوى الاستكبار العالمي انما يؤسس لها الاعداء بالتشجيع على سياسة التكفير وإقصاء الآخر وبإشاعة التمييز بكل صوره بين ابناء البلد الواحد والمدينة الواحدة، والطعن في المقدسات واهانة الرموز باستخدام مختلف الوسائل المتاحة لديهم وما أكثرها وأعقدها، فإن المؤتمرين ينظرون الى هذه الفتنة بأنها سلاح خبيث يريد النيل من وحدتنا وإضعاف قوتنا وتعويق حركة الأمة للحيلولة دون بناء نفسها وتهيئة ابنائها وتعليمها وتطوير اقتصادها، وان الواجب الشرعي يقتضي الوقوف صفاً واحداً ضد هذه السياسة المقيتة ولابد من فضحها وإفشالها في خطابنا للأمة وفي مشاريعنا وبرامجنا.
10- الاعلام لم يعد كالسابق فهو الماكنة التي تسحق وتغيّر اتجاهات الرأي العام عند الناس وبإمكانه التضليل وتمرير المشاريع اللئيمة لما لهذا الاعلام من قدرات وامكانات هائلة، علينا ان نتوقف ونتدبر في كل ما يثيره هذا الاعلام الغربي والحليف له متدبرين قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(سورةالحجرات:6) وبدون ذلك فان تأثيرات هذا الاعلام اللئيم سوف لا تتوقف عند حد ولابد من إدانتها وفضحها.
11- خطابنا الاسلامي للأمة والجماهير والعالم لابد ان ينطلق من الثوابت التوحيدية والقيم الدينية العليا، وأن ينطلق من خلال رؤية اسلامية ثاقبة ليمتاز بالتحدي للمخططات المعادية وبالهدوء والرحمة والتسامح من اجل بناء صفوف هذه الأمة لمواجهة التحديات التي يطلقها اعداء هذه الأمة في كل وقت ومكان.
12- فلسطين القضية الكبرى للمسلمين بل لكل المستضعفين في كل العالم هي مثال المظلومية للانسان الذي يدافع عن حقه قبال سياسة الارهاب المنظم والمقنن لصالح الاستكبار والمحتلين ويهيب المؤتمرون بضرورة الوقوف الى جانب أصحاب هذه القضية العادلة والانتصار لها والدفاع عنها بل كل قضايا المسلمين العادلة في كل بقعة ومكان، ويحيي المؤتمرون المقاومة البطلة في لبنان وفلسطين.
13- يقترح المؤتمرون الدعوة إلى عقد مؤتمر ينظمه أصحاب المؤتمرات التقريبية في العالم، ويدعى اليه بعض قادة الدول الاسلامية وكبار المسؤولين وأصحاب الوسائل الاعلامية المؤثرة وقيادات الصحوة الإسلامية ويعرض فيه جميع التوصيات التي أقرتها مؤتمرات التقريب للانطلاق بمشروع عملي للوحدة الاسلامية. وذلك دعماً لطموحات هذه الجهود التوحيدية المنطلقة صوب جبهة عريضة من القيم السمحاء والمواقف التي من شأنها تنمية الطاقات التوحيدية والارتقاء بالأمة في مشاريع البناء والتكنولوجيا والتطوير والوحدة.
كما اقترح المؤتمرون ان تقام مناسبات واحتفالات وصلوات مشتركة بين آن وآخر، يشارك فيها المسلمون على اختلاف مذاهبهم. ومن دواعي التقريب أيضاً إقامة مجلس إسلامي أعلى من حكماء الطائفتين الكبريتين في الاسلام وظيفته فضّ أي نزاع أو اختلاف يمكن ان يقوم بين الطائفتين، أفرادهم وهيئاتهم وحكوماتهم، بحيث يكون له الكلمة الأخيرة في هذه النـزاعات.
14- واخيراً كلمة شكر ووفاء لكل القائمين على هذا المشروع التقريبي في كل مكان والذي يعدّ انجازاً في طريق صحوة هذه الأمة، كما يشكر المؤتمرون الإخوة الاعلاميين الذين يساهمون في تغطية هذه الأعمال ويناشدون فيهم رسالة الوعي الاعلامي الذي يخدم الأمة ويوقظها على التحديات ويصونها من الأخطار.
والله الموفٍّق والمستعان، والى لقاء قادم بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية-لندن
1/10/2011م الموافق 3 ذي القعدة 1432هـ
1/10/2011م الموافق 3 ذي القعدة 1432هـ
تعليق