إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من روائع سيد قطب في تفسيره لسورة البقرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من روائع سيد قطب في تفسيره لسورة البقرة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    مع رائعة اخرى من روائع شهيد الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسيره لاية من سورة البقرة يذكر ان الشهيد فسر القران في زنزانة انفرادية في سجن طرة

    ولتدع سبد يتكلم .....>

    يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة , ولا تتبعوا خطوات الشيطان , إنه لكم عدو مبين . فإن زللتم , من بعد ما جاءتكم البينات , فاعلموا أن الله عزيز حكيم). .

    إنها دعوة للمؤمنين باسم الإيمان . بهذا الوصف المحبب إليهم , والذي يميزهم ويفردهم , ويصلهم بالله الذي يدعوهم . . دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة . .

    وأول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله , في ذوات أنفسهم , وفي الصغير والكبير من أمرهم . أن يستسلموا الاستسلام الذي لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصور أو شعور , ومن نية أو عمل , ومن رغبة أو رهبة , لا تخضع لله ولا ترضى بحكمه وقضاه . استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة الراضية . الاستسلاملليد التي تقود خطاهم وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد ; وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير , في الدنيا والآخرة سواء .

    وتوجيه هذه الدعوة إلى الذين آمنوا إذ ذاك تشي بأنه كانت هنالك نفوس ما تزال يثور فيها بعض التردد في الطاعة المطلقة في السر والعلن . وهو أمر طبيعي أن يوجد في الجماعة إلى جانب النفوس المطمئنة الواثقة الراضية . . وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا ; ليخلصوا ويتجردوا ; وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم , وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم , في غير ما تلجلج ولا تردد ولا تلفت .

    والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلم وكله سلام . عالم كله ثقة واطمئنان , وكله رضى واستقرار . لا حيرة ولا قلق , ولا شرود ولا ضلال . سلام مع النفس والضمير . سلام مع العقل والمنطق . سلام مع الناس والأحياء . سلام مع الوجود كله ومع كل موجود . سلام يرف في حنايا السريرة . وسلام يظلل الحياة والمجتمع . سلام في الأرض وسلام في السماء .

    وأول ما يفيض هذا السلام على القلب يفيض من صحة تصوره لله ربه , ونصاعة هذا التصور وبساطته . . إنه إله واحد . يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه ; فلا تتفرق به السبل , ولا تتعدد به القبل ; ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك - كما كان في الوثنية والجاهلية - إنما هو إله واحد يتجه إليه في ثقة وفي طمأنينة وفي نصاعة وفي وضوح .

    وهو إله قوي قادر عزيز قاهر . . فإذا اتجه إليه المسلم فقد اتجه إلى القوة الحقة الوحيدة في هذا الوجود . وقد أمن كل قوة زائفة واطمأن واستراح . ولم يعد يخاف أحدا أو يخاف شيئا , وهو يعبد الله القوي القادر العزيز القاهر . ولم يعد يخشى فوت شيء . ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء .

    وهو إله عادل حكيم , فقوته وقدرته ضمان من الظلم , وضمان من الهوى , وضمان من البخس . وليس كآلهة الوثنية والجاهلية ذوات النزوات والشهوات . ومن ثم يأوي المسلم من إلهه إلى ركن شديد , ينال فيه العدل والرعاية والأمان .

    وهو رب رحيم ودود . منعم وهاب . غافر الذنب وقابل التوب . يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء . فالمسلم في كنفه آمن آنس , سالم غانم , مرحوم إذا ضعف , مغفور له متى تاب . .

    وهكذا يمضي المسلم مع صفات ربه التي يعرفه بها الإسلام ; فيجد في كل صفة ما يؤنس قلبه , وما يطمئن روحه , وما يضمن معه الحماية والوقاية والعطف والرحمة والعزة والمنعة والاستقرار والسلام . .

    كذلك يفيض السلام على قلب المسلم من صحة تصور العلاقة بين العبد والرب . وبين الخالق والكون . وبين الكون والإنسان . . فالله خلق هذا الكون بالحق ; وخلق كل شيء فيه بقدر وحكمة . وهذا الإنسان مخلوق قصدا , وغير متروك سدى , ومهيأ له كل الظروف الكونية المناسبة لوجوده , ومسخر له ما في الأرض جميعا . وهو كريم على الله , وهو خليفته في أرضه . والله معينه على هذه الخلافة . والكون من حوله صديق مأنوس , تتجاوب روحه مع روحه , حين يتجه كلاهما إلى الله ربه . وهو مدعو إلى هذا المهرجان الإلهي المقام في السماوات والأرض ليتملاه ويأنس به . وهو مدعو للتعاطف مع كل شيء ومع كل حي في هذا الوجودالكبير , الذي يعج بالأصدقاء المدعوين مثله إلى ذلك المهرجان ! والذي يؤلفون كلهم هذا المهرجان !

    والعقيدة التي تقف صاحبها أمام النبتة الصغيرة , وهي توحي إليه أن له أجرا حين يرويها من عطش , وحين يعينها على النماء , وحين يزيل من طريقها العقبات . . هي عقيدة جميلة فوق أنها عقيدة كريمة . عقيدة تسكب في روحه السلام ; وتطلقه يعانق الوجود كله ويعانق كل موجود ; ويشيع من حوله الأمن والرفق , والحب والسلام .

    والاعتقاد بالآخرة يؤدي دوره الأساسي في إفاضة السلام على روح المؤمن وعالمه ; ونفي القلق والسخط والقنوط . . إن الحساب الختامي ليس في هذه الأرض ; والجزاء الأوفى ليس في هذه العاجلة . . إن الحساب الختامي هناك ; والعدالة المطلقة مضمونة في هذا الحساب . فلا ندم على الخير والجهاد في سبيله إذا لم يتحقق في الأرض أو لم يلق جزاءه . ولا قلق على الأجر إذا لم يوف في هذه العاجلة بمقاييس الناس , فسوف يوفاه بميزان الله . ولا قنوط من العدل إذا توزعت الحظوظ في الرحلة القصيرة على غير ما يريد , فالعدل لا بد واقع . وما الله يريد ظلما للعباد .

    والاعتقاد بالآخرة حاجز كذلك دون الصراع المجنون المحموم الذي تداس فيه القيم وتداس فيه الحرمات . بلا تحرج ولا حياء . فهناك الآخرة فيها عطاء , وفيها غناء , وفيها عوض عما يفوت . وهذا التصور من شأنه أن يفيض السلام على مجال السباق والمنافسة ; وأن يخلع التجمل على حركات المتسابقين ; وأن يخفف السعار الذي ينطلق من الشعور بأن الفرصة الوحيدة المتاحة هي فرصة هذا العمر القصير المحدود !

    ومعرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنساني هي العبادة , وأنه مخلوق ليعبد الله . . من شأنها - ولا شك - أن ترفعه إلى هذا الأفق الوضيء . ترفع شعوره وضميره , وترفع نشاطه وعمله , وتنظف وسائله وأدواته . فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله ; وهو يريد العبادة بكسبه وإنفاقه ; وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض وتحقيق منهج الله فيها . فأولى به ألا يغدر ولا يفجر ; وأولى به ألا يغش ولا يخدع ; وأولى به ألا يطغى ولا يتجبر ; وأولى به ألا يستخدم أداة مدنسة ولا وسيلة خسيسة . وأولى به كذلك ألا يستعجل المراحل , وألا يعتسف الطريق , وألا يركب الصعب من الأمور . فهو بالغ هدفه من العبادة بالنية الخالصة والعمل الدائب في حدود الطاقة . . ومن شأن هذا كله ألا تثور في نفسه المخاوف والمطامع , وألا يستبد به القلق في أية مرحلة من مراحل الطريق . فهو يعبد في كل خطوة ; وهو يحقق غاية وجوده في كل خطرة , وهو يرتقي صعدا إلى الله في كل نشاط وفي كل مجال .

    وشعور المؤمن بأنه يمضي مع قدر الله , في طاعة الله , لتحقيق إرادة الله . . وما يسكبه هذا الشعور في روحه من الطمأنينة والسلام والاستقرار ; والمضي في الطريق بلا حيرة ولا قلق ولا سخط على العقبات والمشاق ; وبلا قنوط من عون الله ومدده ; وبلا خوف من ضلال القصد أو ضياع الجزاء . . ومن ثم يحس بالسلام في روحه حتى وهو يقاتل أعداء الله وأعداءه . فهو إنما يقاتل لله , وفي سبيل الله , ولإعلاء كلمة الله ; ولا يقاتل لجاه أو مغنم أو نزوة أو عرض ما من أعراض هذه الحياة .

    كذلك شعوره بأنه يمضي على سنة الله مع هذا الكون كله . قانونه قانونه , ووجهته وجهته . فلا صدام ولا خصام , ولا تبديد للجهد ولا بعثرة للطاقة . وقوى الكون كله تتجمع إلى قوته , وتهتدي بالنور الذي يهتدي به , وتتجه إلى الله وهو معها يتجه إلى الله .

    والتكاليف التي يفرضها الإسلام على المسلم كلها من الفطرة ولتصحيح الفطرة . لا تتجاوز الطاقة ; ولاتتجاهل طبيعة الإنسان وتركيبه ; ولا تهمل طاقة واحدة من طاقاته لا تطلقها للعمل والبناء والنماء ; ولا تنسى حاجة واحدة من حاجات تكوينه الجثماني والروحي لا تلبيها في يسر وفي سماحة وفي رخاء . . ومن ثم لا يحار ولا يقلق في مواجهة تكاليفه . يحمل منها ما يطيق حمله , ويمضي في الطريق إلى الله في طمأنينة وروح وسلام .

    في ظلال القران

    صفحة 206طبعة دار الشروق


    التعديل الأخير تم بواسطة فتى من الشرق; الساعة 05-11-2011, 12:35 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
ردود 2
14 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
استجابة 1
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X