إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الحج في ظلال القرآن الكريم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحج في ظلال القرآن الكريم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    يقول الله تعالى: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود * وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق * ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق * ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق * ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين" (سورة الحج: 26 – 34)
    من أجل توحيد الله تعالى، أقيم هذا البيت منذ أول لحظة. عرّف الله مكانه لإبراهيم ـ عليه السلام ـ وملكه أمره ليقيمه على هذا الأساس: "أن لا تشرك بي شيئاً"، وأن يكون مسجداً وموئلا للموحدين "وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود" فهؤلاء هم الذين أنشئ البيت لهم، لا لمن يشركون بالله، ويتوجهون بالعبادة إلى سواه.
    ثم أمر الله إبراهيم - عليه السلام ـ أن يؤذن في الناس بالحج؛ وأن يدعوهم إلى بيت الله الحرام ووعده أن يلبي الناس دعوته، فيتقاطرون على البيت من كل مكان، رجالا يسعون على أقدامهم، وركوباً "على كل ضامر" أجهده السير فضمر من الجهد والجوع.
    وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة العالمين تهوى إلى البيت الحرام؛ وترف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر، والفقير المعدم. ومئات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم ـ عليه السلام ـ منذ آلاف الأعوام.
    ثم يقف السياق القرآني عند بعض معالم الحج وغاياته:
    المنافع التي يشهدها الحجيج كثيرة. فالحج موسم ومؤتمر. الحج موسم تجارة وموسم عبادة. والحج مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون. وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.. أصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقاً رائجة، حيث تجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء.. من أطراف الأرض؛ ويقدم الحجيج من كل فج ومن كل قطر، ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم.. يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد. فهو موسم تجارة ومعرض نتاج؛ وسوق عالمية تقام في كل عام.
    وهو موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام. وهي ترف حول هذا البيت وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترف كالأطياف من قريب ومن بعيد.
    طيف إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ وهو يودع البيت فلذة كبده إسماعيل وزوجه هاجر – عليهما السلام-
    وطيف هاجر، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة المتلهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدها الجهد وأضناها الإشفاق على الطفل.
    ثم ترجع في الجولة السابعة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضيء. وإذا هي زمزم. ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب.
    وطيف إبراهيم ـ عليه السلام - وهو يرى الرؤيا، فلا يتردد في التضحية بفلذة كبده، ويمضي في الاستسلام لربه والخضوع عن رضا لمشيئته إلى ذلك الأفق البعيد، فتجيبه الطاعة الراضية في إسماعيل ـ عليه السلام "يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين"!! وإذا رحمة الله تتجلى في الفداء.
    وطيف إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع.
    وتظل هذه الأطياف وتلك الذكريات ترف وتتتابع، حتى يلوح طيف عبد المطلب، وهو ينذر دم ابنه العاشر إن رزقه الله عشرة أبناء. وإذا هو عبد الله. وإذا عبد المطلب حريصاً على الوفاء بالنذر. وإذا قومه من حوله يعرضون عليه فكرة الفداء وإذا هو يدير القداح حول الكعبة ويضاعف الفداء، والقدح يخرج في كل مرة على عبد الله، حتى يبلغ الفداء مائة ناقة بعد عشر هي الدية المعروفة. فيقبل منه الفداء، فينحر مائة وينجو عبد الله. ينجو ليودع رحم آمنة أطهر نطفة وأكرم خلق الله على الله ـ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثم يموت! فكأنما فداه الله من الذبح لهذا القصد الوحيد الكريم الكبير!
    ثم تتواكب الأطياف والذكريات. من محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يدرج في طفولته وصباه فوق هذا الثرى، حول هذا البيت.. وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفئ الفتنة التي كادت تنشب بين بيوت مكة.. وهو يصلي.. وهو يطوف.. وهو يخطب.. وهو يعتكف.. وإن خطواته ـ عليه الصلاة والسلام ـ لتنبض حية في الخاطر، وتتمثل شاخصة في الضمير، ويكاد الحاج هناك يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات.. وخطوات الحشد من صحابته الكرام وأطيافهم ترف وتدف فوق هذا الثرى، حول ذلك البيت، تكاد تسمعها الأذن وتكاد تراها الأبصار!
    * * * * *
    والحج بعد ذلك كله مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل:
    "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل"، ويجدون محورهم الذي يشدهم جميعاً إليه: هذه القبلة التي يتوجهون إليها جميعاً ويلتقون عليها جميعاً.. ويجدون رايتهم التي يفيئون إليها.. راية العقيدة الواحدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان.
    ويجدون قوتهم التي قد ينسونها حيناً. قوة التجمع والتوحد والترابط الذي يضم الملايين. الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدد.. راية العقيدة والتوحيد.

    وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب. وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرة في كل عام. في ظل الله. بالقرب من بيت الله. وفي ظلال الطاعات البعيدة والقريبة، والذكريات الغائبة والحاضرة. في أنسب مكان، وأنست جو، وأنسب زمان..
    فذلك إذ يقول الله سبحانه: "ليشهدوا منافع لهم"... كل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته.

    * * * * *
    ويمضي السياق يشير إلى بعض مناسك الحج وشعائره وأهدافها:
    "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام"
    والقرآن يقدم ذكر اسم الله المصاحب لنحر الذبائح، لأن الجو جو عبادة ولأن المقصود من النحر هو التقرب إلى الله. ومن ثم فإن أظهر ما يبرز في عملية النحر هو ذكر اسم الله على الذبيحة. وكأنما هو الهدف المقصود من النحر لا النحر ذاته..
    "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"

    والأمر بالأكل من الذبيحة يوم النحر هو أمر للإباحة أو الاستحباب. أما الأمر بإطعام البائس الفقير منها فهو أمر للوجوب.
    "حنفاء لله غير مشركين به. ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق"

    يرسم النص مشهداً عنيفاً يصور حال من تزل قدماه عن أفق التوحيد، الذي ما أقيم البيت الحرام إلا من أجل التذكير به... إنه مشهد هويّ المشرك من شاهق وفي مثل لمح البصر يتمزق فتخطفه الطير أو تقذف به الريح بعيداً بعيداً في هوة ليس لها قرار!
    وهي صورة صادقة لحال من يشرك بالله، فيهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء. إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها. قاعدة التوحيد. ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه؛ فتتخطفه الأهواء تخطف الجوارح، وتتفاذفه الأوهام تقاذف الرياح. وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة، التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه.

    ثم يعود السياق من تعظيم حرمات الله باتقائها والتحرج من المساس بها، إلى تعظيم شعائر الله ـ وهي ذبائح الحج ـ باستسمانها وغلاء أثمانها:

    "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. لكم فيها منافع إلى أجل مسمى، ثم محلها إلى البيت العتيق"

    ويربط بين الهدي الذي ينحره الحاج وتقوى القلوب؛ إذ أن التقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره. وهذه المناسك والشعائر إن هي إلا رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته. والقيمة الشعورية مقصودة "فإنها من تقوى القلوب".

    تلك الذبائح يذكّر القرآن الكريم أنها شعيرة معروفة في شتى الأمم؛ إنما يوجهها الإسلام وجهتها الصحيحة حين يتوجه بها إلى الله وحده دون سواه:
    "ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام. فإلـهكم إلـه واحد. فله أسلموا وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين على ما أصابهم، والمقيمي الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون"
    والإسلام يوحد المشاعر والاتجاهات، ويتوجه بها كلها إلى الله. ومن ثم يعنى بتوجيه الشعور والعمل، والنشاط والعبادة، والحركة والعادة؛ إلى تلك الوجهة الواحدة. وبذلك تصطبغ الحياة كلها بصبغة العقيدة.
    ويعقب بتقرير الوحدانية: "فإلهكم إله واحد" وبالأمر بالإسلام له وحده، وليس هو إسلام الإجبار والاضطرار، إنما هو إسلام التسليم والاطمئنان، "وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" فبمجرد ذكر اسم الله يحرك الوجل في ضمائرهم ومشاعرهم.
    وهكذا يربط بين العقيدة والشعائر. فهي منبثقة من العقيدة وقائمة عليها. والشعائر تعبير عن هذه العقيدة ورمز لها. والمهم أن تصطبغ الحياة كلها ويصطبغ نشاطها بتلك الصبغة، فتتوحد الطاقة ويتوحد الاتجاه، ولا تتمزق النفس الإنسانية في شتى الاتجاهات.
    ــــــــــــــــ
    * من تفسير في ظلال القرآن، للشهيد سيد قطب، بتصرف.


  • #2
    اللهم ارزقنا زيارة بيتك الكريم

    تعليق


    • #3
      للرفع

      تعليق


      • #4
        موضوع قيم

        اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام

        تعليق


        • #5
          آمين يارب

          شكرا للمرور العطر

          تعليق


          • #6
            ما لكيت اله قطب تنقل منه؟

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X