إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ثورة الإمام الحسين (ع) من منظور السنن التاريخية في القرآن الكريم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثورة الإمام الحسين (ع) من منظور السنن التاريخية في القرآن الكريم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ثورة الإمام الحسين (ع) من منظور السنن التاريخية في القرآن الكريم

    الشيخ محسن الاراكي

    تحتل السنن التاريخية موقعاً متميزاً ومساحة واسعة في القرآن الكريم ، واختصت القوانين الاجتماعية التي تحكم تطور المجتمع البشري بحصة كبيرة من آيات الذكر الحكيم .
    ونود ان نتجنب التعبير عن هذه الحقائق القرآنية بالنظرية فمصطلح النظرية يفهم منه أحياناً الحالة الفكرية والاجتماعية التي تعبر عن رأي انساني يصيب ويخطيء ، وليس الامر في حقائق القرآن العظيم من هذا القبيل ، إلا ان للقرآن الكريم نظرته الشمولية للنظام الاجتماعي . فهناك تفسير قرآني للمجتمع ولتطور التاريخ والاحداث الاجتماعية وبنسق وتكامل فريدين حقاً اذ يمكن تفسير كل حدث تاريخي على ضوء الموازين والمعايير التي يقدمها القرآن الكريم .

  • #2
    سُنَّتان تاريخيتان :

    من السنن التاريخية التي يؤكد القرآن الكريم عليها في مواضع عديدة من آياته الشريفة سنتان تاريخيتان هما : سُنّة الاستخلاف ، وسُنّة الاستبدال. ونريد في هذه العجالة تسليط الضوء على ثورة الامام الحسين(ع) من خلال هاتين السُنّتين .

    سُنّة الاستخلاف

    ذكرت آيات القرآن الكريم ان الله (سبحانه وتعالى) جعل آدم خليفة على الأرض ، قال تعالى{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ، وهنا سؤال لابد منه وهو ان آدم(ع) اذا استحق هذه الخلافة هل استحقها لكونه بشراً أم لكونه انساناً صالحاً عادلاً مطيعاً لله سبحانه وتعالى؟!
    وهذه نقطة جوهرية بالغة الاهمية في تفسير هذه الآية الكريمة ، فهل ان الخلافة الالهية اعطيت لآدم لكونه فرداً من البشر ، أم انها أعطيت له لكونه انساناً يحمل مواصفات متميزة أهمها الصلاح والطاعة لله سبحانه . ومن خلال استعراض الآيات القرآنية نفهم ان الخلافه أعطيت لآدم بوصفه انساناً صالحاً عاملاً بأمر الله ونهيه . يقول عز اسمه : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} ، ومن هنا نعرف ان سُنّة الاستخلاف تقتضي ان ينتهي الأمر الى وراثه الصالحين .
    وسُنّة الاستخلاف تعني انه (جل وعلا) جعل لنفسه خلفاء يخلفونه على الأرض ، يطبقون أوامره ويجتنبون نواهيه ، وهذه بالذات هي فلسفة الخلافة ، فحينما يقال ان فلاناً يخلف فلاناً في أهله ، فالخلافة هنا تعني تنفيذ مقاصده فيما يخص الأهل ، ومعنى ان يخلف الله سبحانه وتعالى أحداً في أرضه ، يعني تنفيذ المقاصد الألهية وتطبيق أوامره سبحانه وتعالى في الارض .
    وليس معنى الخلافة الالهية على الارض مجرد وجود انسان عاقل مريد ومختار يريد ويفعل . وبالتأكيد ليست هذه الميزة هي التي جعلت من الانسان خليفة لله سبحانه وتعالى .
    ان الميزة التي جعلت من الانسان خليفة لله سبحانه وتعالى مضافاً إلى كونه انساناً مختاراً يريد فيفعل انه يريد ما يريده الله سبحانه وتعالى ، تلك الميزة التي أهّلت آدم وجعلته خليفة لله على الارض .
    ومن هنا نفهم ان الخلافة الالهية تتضمن ادارة الارض والمجتمع على وفق ما يريده الله سبحانه ، وهذا معناه السلطة والحكم والقيادة السياسية . فخليفة الله (سبحانه وتعالى) على الارض مَن تُعطى له السلطة ، لان السلطة لله تعالى وحده وليست لغيرة أبداً ، فيعطيها لمن ينفذ ارادته في الارض هذه هي الخلافة كما نفهمها من القرآن الكريم .
    والخلافة ـ كما نجد في القرآن الكريم ـ نوعان : خلافة فردية ، وأخرى جماعية . وهي تبدأ بالفرد الاصلح ، وتنتهي بالمجتمع الصالح ، أو المجموعة الصالحة ، لتصبح المجموعة التي استخلفها الله سبحانه وتعالى على وجه الارض . فالقائد المزكّى المنصوب من قبل الله والذي يقيم حكم الله سبحانه يربّي أُمّة ، فاذا وجد المجتمع الذي تربى على يد القائد الأصلح وجد المجتمع الخليفة . والذي يكون خليفة لله تعالى أي المجتمع الذي يطبق أوامر الله ونواهيه يقول الحق تعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

    سُنّة الاستبدال

    والى جانب الاستخلاف في القرآن الكريم تعرض الآيات القرآنية الكريمة مفهوماً قرآنياً آخر وهو مفهوم سُنّة الاستبدال .
    ان لله تعالى مع عباده مواثيق عديدة ، منها ميثاق النصرة وهو ميثاق الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين وهم من يمكن التعبير عنهم بالامة الخليفة ، فلقد أخذ الله سبحانه وتعالى من الأمة الخليفة الميثاق والعهد على النصرة يقول عز من قائل : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} الى قوله تعالى : {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ} . وقوله تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} .
    وميثاق النصرة هو ميثاق الله مع المؤمنين ، ان يبذلوا أموالهم وأنفسهم لنصرة دين الله ، انه ميثاق وعهد بين الله سبحانه وتعالى وبين من يؤمن . ان يبذل المؤمن في سبيل الله كل ما يملك بازاء ان يمكنه الله في الدنيا وان يعطيه جنته ورضاه في الآخرة . ان ينصر المؤمن دين الله بماله ونفسه وبكل ما أوتي وان ينصره الله ويعطيه جنته ورضاه ، هذا هو ميثاق نصرة الجماعة المؤمنة ، او الأمة الخليفة ، الأمة التي وكّل لها تطبيق حكم الله على الارض ، فلو وفت الأمة الخليفة بميثاقها مع الله فنصرت دين الله وفَّى الله لهم بوعده ، يقول تعالى : {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} ومكنهم الله في الارض قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} .
    ويجعلهم قادة وملوكاً وأعزة بعز الله سبحانه وهو الذي جرى مع الامم السابقة كبني اسرائيل حسبما يقص لنا القرآن الكريم من تاريخهم وأحوالهم ، فقد نصرهم الله اذ نصروه وأهلك عدوهم وجعلهم ملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين .
    ثم يبين الله تعالى في قرآنه الكريم كيف ان الامة الخليفة اذا نقضت ميثاق النصرة وخانت بعهدها مع الله سبحانه ينفذ بحقها قانون آخر ، وهو سُنّة الاستبدال قال تعالى : {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} .
    و سُنّة الاستبدال انما تجري حينما تنقض الامة (الخليفة) ميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى ، وقد حكى لنا القرآن الكريم مصير الأمة التي نقضت عهدها مع الله كيف استبدل الله عنها بقوم آخرين ، وكيف سلبها عزها وسلطانها ، وكيف تحولت الى أمة ذليلة مستكينة . قال سبحانه وتعالى حكاية لاحوال بني اسرائيل بعد نقضهم للميثاق : {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} .
    وقال سبحانه وتعالى : {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} .
    ثم أن الامة المصابة بسُنّة الاستبدال لها مواصفات يحكيها القرآن الكريم منها :
    قسوة القلب {جَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} .
    تحريف الحقائق الالهية{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} .
    3ـ الذل {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} .
    تكذيب الانبياء والسفراء الالهيين{أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} .
    قتل الأنبياء والصالحين {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ} .
    أكل المال الحرام {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} وغير ذلك من مواصفات الامة المصابة بقانون الاستبدال . ويبدو أنّ من أهم هذه المواصفات وأشدها وضوحاً في أحوال الامم المصابة بالاستبدال صفتان : صفة قتل الانبياء والصالحين ، وصفة الذل والمسكنة والهوان .

    تعليق


    • #3
      مفهوما السلطة والحكم

      يكشف القرآن الكريم حتمية التلازم بين مفهومي الاستخلاف والاستبدال واختصاصهما بالسلطة والحكم . وهنا لابد من التوقف عند مفهومي السلطة والحكم ، فماذا تعني السلطة وماذا يعني الحكم ، سواء أكان هذا الحكم اسلامياً أم ديمقراطياً او ديكتاتورياً ، أو أي لون آخر من ألوان الحكم؟؟ .
      حقيقة الحكم هي خضوع ارادة الناس لارادة عُليا ، فهناك إرادة عليا تخضع لها ارادة الآخرين ، والارادة العليا هذه هي التي تحدد ارادة الآخرين ، وتحد من حرياتهم وتوجه إراداتهم . والارادة العليا هذه تأمرهم وتنهاهم وتلزم عليهم أموراً وتمنعهم من أمور أخرى .
      وهذا هو معنى السلطة .
      وتأسيساً على التعريف السابق فصاحب السلطة هو الذي يكون له الحق في الأمر والنهي وتوجيه إرادة الآخرين .
      خلق الله سبحانه وتعالى بني الانسان كلهم سواسية في أنهم بشر ، وهم موجودات لهم ارادة واختيار ، فكما ليس لأحد أن يأمرنا وينهانا ليس لنا ان نأمر أو ننهى أحداً ، فبنو الانسان كلهم سواء ليس لأحد على آخر أية ميزة . انما الذي له مطلق الحق في الأمر والنهي هو الله سبحانه وتعالى وليس غيره إلا من كان طريقاً الى أمر الله ونهيه وهو من نصبه الله للحكم ممن توفرت فيه شروط الطاعة المطلقة لله والخضوع لامر الله ونهيه ، وهذا مفهوم عقيدي جوهري يتجلى في القرآن الكريم بأجلى بيان ، وابلغ تعبير يقول عز من قائل : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
      والحكم في القرآن الكريم يعني السلطة ، حتى الامر والنهي كما هو معناه في اللغة دون حاجة إلى التوجيه والتأويل .
      ومعنى السلطة هذا نجده في القرآن الكريم ، وهو يحكي لنا دعاء ابراهيم(ع) اذ قال : {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . كما يحكي لنا القرآن الكريم استجابة الحق جل وعلا لرسوله ابراهيم قائلاً : {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} .
      والحكم هنا ليس النبوة ، فقد تكون هناك نبوة ولا حكم معها ، اما اذا كانت نبوة ومعها حكم فسنرى المصطلح القرآني يعبر عن هذه النبوة بالرسالة ، وبذا يختلف تعبير النبوة عن تعبير الرسالة . قال الله تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} .
      لقد بعث الله الرسل لاقامة حكم الله في الارض ، وليس لتبليغ حكم الله فقط ، بل لاقامة الحكم الالهي ، لتبليغ حكم الله وتنفيذه ، وحيث ان السلطة المطلقة هي لله سبحانه وليست لغيره فهو (عز شأنه) الذي يعين في الارض من يمثل سلطته وينفذها ، كما انه ليس لأي انسان ان يطيع انساناً في أمر أو نهي إلا اذا كان هذا الأمر والنهي متصلاً بالله سبحانه وتعالى . عبر انسان مأذون منه جل وعلا لتكون الطاعة لله سبحانه وتعالى وهذا مفهوم أساسي وجوهري في القرآن ، وهذه هي نظرية الاسلام في الامامة .
      فالسلطة تحتاج الى إذن من الحق (عز إسمه) ، وليس لأحد على أحد أية سلطة إلا اذا كانت هذه السلطة مشتقة من سلطة الله سبحانه وتعالى مخولة من قبله وهذا ما يحكيه القرآن نصاً اذ يقول عز من قائل : {وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
      وهذا هو المعنى اللغوي الدقيق للمُلك الذي تفسره لنا الآية الاخرى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} .
      فالملك يعني السلطة ، والله هو مالك الملك وهو الذي يؤتيه من يشاء وهو تعالى ينزعه ممن يشاء .
      والخليفة الالهي هو ذلك الانسان الصالح الذي يؤتي الملك من قبل الله سبحانه وتعالى . فالله سبحانه استخلف آدم
      (ع) ـ الذي هو أول من خلق على وجه الأرض ليكون حاكماً على خلقه ، ومنحه حق التصرف في هذا الكون تصرف الحاكم والمالك ليكون صاحب سلطة على هذه الارض . لذلك فالذي يفهم من القرآن الكريم ان الحكومة والسياسة ولدتا بولادة الانسان على هذه الارض . يقول الحق تعالى مشيراً الى هذه النقطة الجوهرية : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
      يتبع..

      تعليق


      • #4
        خلافة الأمة
        إن المسيرة التكاملية للخلافة ـ كما تفهم من القرآن الكريم ـ تبدأ بالفرد الاصلح لتنتهي بالمجتمع الصالح ، أي المجتمع الذي استخلفه الله سبحانه وتعالى على الأرض وهي الأمة التي تطبق حكم الله في الأرض ، انها الامة الخليفة ، المجتمع الخليفة قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} . وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} . وقال تعالى : {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} .
        والخطاب القرآني هنا موجه الى الأمة الخليفة ، الى المجتمع الخليفة الذي تربى على يد القائد المنصوب من قبل الله تعالى ، الى المسلمين الخاضعين لقيادة الرسول(ص) المطبقين لأمر الله جل وعلا ، جعلهم الحق تعالى شهداء على الناس وخلائف الأرض ، أي خلفاء لله سبحانه في الارض . والمجتمع الخليفة ، هو ذات المجتمع الصالح التابع لخليفة الله (الامام الصالح) .

        الخلافة والشهادة
        يقول الحق جل وعلا : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .
        ترى ماهي العلاقة بين مفهوم الخلافة ومفهوم الشهادة؟
        ان العلاقة بين الخلافة والشهادة علاقة تلازمية . فالخلافة تلازم الشهادة على طول الخط ، ولكن الخلافة تنسب الى الله جل وعلا بمعنى الخلافة عن الله ، إلا أن الشهادة تكون على الآخرين ، على الناس . فالخليفة الصالح هو الامام ، والامام شاهد على أمته وخليفة عن ربه والأمة التي يربيها هذا الامام الصالح (أي الأمة التابعة للامام) ، هذه الامة خليفة عنه سبحانه وتعالى ، وشاهدة على سائر الامم . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .
        وقال عزمن قائل : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} .
        لقد بين الله سبحانه وتعالى في قرآنه العظيم انه نفذ سُنّة الاستخلاف على وجه الأرض على أمم عديدة ، منها : بنو اسرائيل الذين رشحهم الحق تعالى لخلافته في الارض ، وبتعبير آخر رشح الله تعالى بني إسرائيل ليكونوا الأمة الصالحة التي تطبق حكم الله أمراً ونهياً باتباع القائد الالهي الذي نصبه لهم وهو موسى على نبينا وآله وعليه السلام . لقد كان موسى القائد الالهي الاصلح الذي نصب من قبل الله سبحانه وتعالى فيما كانت أمة موسى(ع) بنو إسرائيل هي الأمة التي رشحت لتطيع القائد وتطبق حكم الله في الارض . قال تعالى : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} .
        وهذا التفضيل الذي يشير إليه القرآن الكريم انما هو تفضيل بالسلطة فالقرآن الكريم في آية شريفة أخرى يحكي كلام موسى(ع) لقومه بني اسرائيل قائلاً لهم : {يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ} .
        أي جعلهم ملوكاً إلهيين ، منحوا السلطة الالهية ، فأصبحت القيادة والامامة الالهية في بني اسرائيل استحبابة لدعاء ابراهيم(ع) قال تعالى : {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
        فاستجاب الله تعالى لدعاء ابراهيم اذ قال : {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} .
        فالخلافة (والامامة الالهية) أعطيت لبني ابراهيم ، ومنهم بنو اسرائيل أي بنو يعقوب ولكن شريطة ان لا يكونوا ظالمين .
        والخلافة خلافتان ، خلافة الأمة ، وخلافة الامام ، وهذه هي سُنّة الاستخلاف (التي أشير إليها بايجاز) ، لقد شاءت إرادة الحق جل وعلا أن تنصب خليفة في الأرض أي اماماً قائداً يحكم ، وان يربي هذا الامام القائد الحاكم أمة قائدة لغيرها من الأمم حيث تطبق أمر الله تعالى ونهيه ، وهذه هي الأمة الخليفة . ثم إنه جل وعلا رشح وعلى مدى التاريخ أمماً لهذه المسؤولية الكبرى ، منهم أمة بني اسرائيل فمكنهم من تطبيق الحكم الالهي تحت لواء القيادة الالهية الكفوءة المتمثلة في موسى على نبينا وآله وعليه السلام ، وأخذ من بني اسرائيل العهد والميثاق على ان يطيعوه وينصروه ولا يخذلوه ، وهذا هو ميثاق النصرة الذي يبرمه المؤمنون مع الله سبحانه وتعالى بأيمانهم حيث يقول تعالى : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} الى قوله تعالى : {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ} .
        ويقول تعالى : {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} .
        ميثاق النصرة هذا ميثاق الله تعالى مع المؤمنين ، أي ان هناك تعاملاً وعهداً بين من يؤمن به ، حيث يستلزم ان يبذل المؤمن ماله ونفسه في سبيل الله ، أي لنصرة دين الله بماله ونفسه وبكل ما أوتي وبما يملك ، هذا هو ميثاق نصرة الجماعة المؤمنة ، أي الأمة الخليفة ، الأمة التي أوكل لها تطبيق حكم الله تعالى في الارض . يقول أمير المؤمنين(سلام الله عليه) :
        «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقارُّوا على كِظّة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» .
        فهو يشير(ع) هنا الى ميثاق النصرة من قبل الناس الذين أعلنوا نصرتهم (وقيام الحجة بوجود الناصر) فكان من الواجب عليه الاستجابة لهم وتلبية طلبهم لتقبل القيام بأعباء هذه المسؤولية الخطيرة وهي الامامة .
        ثم يصور لنا القرآن الكريم أروع تصوير تخاذل بني اسرائيل ، وتململهم في نصرة الحق ، واعراضهم عن الانقياد الى القائد السياسي المنصوب من قبل الله تعالى وهو موسى(ع) ، وكيف نقض بنو اسرائيل ميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى حاكياً قول موسى(ع) لهم : {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} .
        يطلق القرآن الكريم على مسلسل التداعي هذا ، والتخاذل من قبل بني اسرائيل وعصيانهمللقائد الالهي موسى(ع) مصطلح نقض الميثاق اذ يقول الحق : {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
        والقرآن الكريم في سننه التاريخية يبين لنا ان الامة الخليفة ، والامة القائدة متى ما نقضت ميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى ، نصرة القائد الاصلح المنصوب من قبل الله تعالى فانه ينفذ في حقها قانون آخر انه سُنّة الاستبدال ، هذه السُنّة التاريخية الهامة التي تحكيها آيات عديدة شريفة من القرآن العظيم ، منها قوله عز من قائل : {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} .
        وقوله عز من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} .
        لقد نقض بنو اسرائيل ميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى فحاقت بهم سُنّة الاستبدال ، وكان الذل والهوان من نصيبهم . فالذل من نتائج سُنّة الاستبدال . يقول الله جل وعلا حاكياً عن بني اسرائيل : {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} . وقال تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} .
        والعز والذل مفهومان أساسيان يمكن اعتبارهما من المفاهيم الاساسية التي يبنى عليها تفسير حركة التاريخ والتطور الاجتماعي في تاريخ الانسان ، فبمقدار ما يكون العز من أمارات سلامة الشخصية الاجتماعية واستقامتها يكون الذل دليلاً على فسادها وانحراف صحتها وخوائها . وقد اهتم القرآن الكريم بهذين المفهومين كثيراً فأكد على ان من مواصفات المؤمن هو العز ولا يمكن للمؤمن ان يكون ذليلاً قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .
        فالشخصية المؤمنة يستحيل ان تصاب بالمرض الذي يفرغها من محتواها ، ويبدلها الى خواء فارغ ، ولا تصاب الشخصية الانسانية فرداً او مجتمعاً بالذل إلا إذا أفرغت من ايمانها ، ومليء جوفها نفاقاً . وهذا ما تؤكده الآيات الكريمة في القرآن العظيم اذ يقول تعالى : {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} .
        وهكذا أكد القرآن الكريم على ان المنافقين فقدوا العز وأصيبوا بالذل فراحوا يبحثون عن مسند للعز يعتمدونه فلجأوا الى ولاية الكافرين ، وخضعوا لهم فلم يزدهم ذلك إلا ذلاً على ذلهم .
        أماالمؤمنون فأنهم أعزة لا يذلون {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أعلون لا يغلبون يقول تعالى : {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يغلبون ولا يغلبون ، قال تعالى : {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} لا يهنون ولا يستكينون ولا يجبنون ولا يضعفون ويصمدون في مواقع النزال مع الكفار ولا ينهزمون . قال تعالى : {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} . وقال تعالى : {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} .
        وهذا هو الذي كان يؤكد عليه أمير المؤمنين كثيراً حيث كان يقول : «موت في عز خير من حياة في ذل» وهو ما أكد عليه الحسين(صلوات الله عليه) في يوم عاشوراء اذ قال : «ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ونفوس أبيه من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» .

        تعليق


        • #5
          الأمة المُستَخلَفَة
          لقد بشر الحق تعالى الامة (الخليفة) ، ووعدها بالعز والسؤود .
          فالامة المستخلفة التي وفت بعهدها مع الله سبحانه وتعالى في النصرة والطاعة للامام الالهي ستنال العز والغلبة ولا ترى الذل والهوان أبداً . وهذا ما حكاه لنا القرآن الكريم ، وأكدته الآيات الكثيرةكقوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . وقوله عز من قائل : {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} .
          ثم يؤكد الحق تعالى حقيقة الترابط بين الامامة الالهية ، والملك الالهي وبين العز في الآية الشريفة : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} . فالمجتمع الصالح الذي استخلفه الله تعالى على الأرض وهو المجتمع الممتثل لأمر الله سبحانه ونهيه موعود بالملك الإلهي المقرون بالعز .
          أما الذل فهو قرين الاستبدال ، وهو مصير الامة الناقضة لميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى ، والناكثة لعهد الطاعة مع الامام الالهي فان الله سبحانه ينزع عنها لباس الملك والسيادة والعز ويحيق بها الهوان والذل . وهاتان السنتان الالهيتان مستمرتان على مدى الزمن فقد استبدل الله تعالى ببني اسرائيل أمة أخرى وهي الأمة الاسلامية فقد حاق ببني اسرائيل الاستبدال حين نقضوا عهدهم مع الله تعالى ، يقول عز من قائل : {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} .
          واستبدل الله عنهم قوماً آخرين ، وهم المسلمون فكانت الامة الاسلامية «خير أمة أخرجت للناس» وأصبحت هي الامة المستخلفة بجهادها ، ووفاءها الاول لميثاق النصرة مع الله سبحانه ورسوله ، وإطاعتها للقائد الالهي الذي هو خليفة الله سبحانه ، وهو الرسول الاعظم(ص) .

          الحسين(ع)الامامة المستخلفة
          لقد من الله سبحانه وتعالى على المسلمين وعلى المجتمع الاسلامي بالقيادة الالهية ، وهي قيادة الرسول العظيم محمد(ص) وكان من أمر الامة الاسلامية في عهد رسول الله(ص) أن وفت في بدء أمرها بالميثاق مع الله ورسوله ، وقد وفى الله لها بوعده فجعلها خير أمة أخرجت للناس فانتصرت على المشركين ، وكبت أعداء الاسلام من اليهود والمشركين الذين كانوا يكيدون الاسلام في أطراف المدينة وأرجاء الجزيرة العربية ، وأرسل رسول الله(ص) رسائل الى ملوك دول المنطقة وحكامها ، وبدأت القبائل العربية ترسل وفودها الى رسول الله(ص) معلنة إسلامها ، وأقيمت دولة الاسلام عزيزة غالبة .
          غير أن هذه الأمة افتُتِنت بعد رسول الله(ص) كما وعد الله سبحانه بذلك اذ قال : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} وقال تعالى : {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .
          وقد كانت الفتن مريرة وكثيرة نجا منها اناس قليلون ثبتوا على الحق ، ووفوا لله ورسوله بالعهد والميثاق ، وهم الدين ثبتوا على طاعة الامامة الالهية والوفاء لها في كل الظروف والاحوال ، وكان من ابرز مصاديق هذه القلة الوفية بالعهد اصحاب الامام الحسين(ع) فقد ثبتوا على العهد حتى النَفَس الاخير ، فقضوا نحبهم مضمخين بالدماء أعزاء قاهرين غير مقهورين . أما الاكثرية من الأمة فقد قعدت عن نصرة الله ورسوله ونقضت ميثاقها مع الله سبحانه ، ولم تستمر في وفائها بعهدها مع الله سبحانه وتعالى ورسوله .
          وقد تمثل أوج هذا النقض في قعودها عن نصرة الحسين(ع) عندما استنفر الامة بكل طاقاتها وامكاناتها لنصرة دين الله وتطبيق أحكام الله سبحانه وتعالى فتقاعست عن أداء واجبالنصرة والوفاء بهذا الميثاق العظيم . فكان أن حل بالأمة الإسلامية ما حل بها حتى استولى على امرها الظالمون فاستباحوا حريمها وأذاقوها من الذل والهوان ما قلَّ نظيره في تاريخ الانسان حتى بلغ الأمر بالامة التي كانت في يومها الاول عزيزة بطاعتها للقائد الالهي ان يستولى على أمرها الفاسقون والطغاة من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي وبني مروان ونظرائهم ، وآلَ بها الأمر ان أصبحت عُرضةً لنهب الناهبين ، وسطوة الظالمين وقتل الجبارين فهجمت عليها أقوام من الشرق تارة فاستباحت منها كل حرمة ، وهجمت عليها أقوام من الغرب فمزقتها كل تمزيق واستمر هذا الإذلال حتى يومنا هذا ، حتى أصبحنا ـ كمسلمين ـ من أذل أقوام الأرض وأهونهم على الله لا نملك لأنفسنا نفعاً ، ولا ندفع عنها ضراً .
          يحكمنا شرارنا ، ويبالغون في ظلمنا ، واستباحة اموالنا ، وهتك اعراضنا ، ولا نملك ان ندفع عن انفسنا بشيء ، ولا نقدر ان نجلب لانفسنا نفعاً بان نستثمر طاقاتنا وامكاناتنا واموالنا ونحن من أغنى الامم في الارض ثروة واكثرها عدداً .

          تعليق


          • #6
            وفاء الامامة بالعهد
            كانت ثورة الحسين(ع) تعني فيما تعني ، ان الامامة قد وفت بعهدها مع الحق تعالى ، وأنها نزلت الى ساحة المواجهة بكل زخمها وثقلها وما آتاها الله من امكانات ، وبقي على الامة أن تفي بالتزاماتها تجاه الله سبحانه وتعالى .
            والامامة الالهية ممثلة في الامام الحسين(ع) ، إلا ان الامة تقاعست عن أداء واجبها وخذلت إمامها ونقضت العهد والميثاق مع الله سبحانه فخذلت قائدها الالهي وهو الحسين(ع) بل واصطفت الى جانب اعداء الله سبحانه واعانتهم على قتل الصالحين وعلى رأسهم سيدهم وسيد المؤمنين الحسين بن علي(ع) فاستشهد(ع) مع أهل بيته وثلة من اصحابه المخلصين الذين ثبتوا على العهد ولم ينقضوا ميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى .
            وبذلك حلت سُنّة الاستبدال بأمة الاسلام ، واقترن بها الذل والهوان والشقاق والنفاق حتى يومنا الذي نحن فيه . وما أصابنا نحن المسلمين ـ والحديث هنا عن الأمة ككل وليس الحديث عن الاقلية فان هناك اقلية وفيّة في كل زمن كما كان في عصر الحسين(ع) ـ انما هو نتيجة قانون الاستبدال الذي يلازمه الذل على مدى الزمن . واذا اردنا ان نعود الى ذلك العز لابد لنا ان نعود الى الوفاء بالميثاق لله سبحانه وتعالى : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
            ليس لناخيار آخر فلابد ان نعود الى ميثاق نصرة الامام ، ميثاق نصرة الاسلام ، علينا ان ننصر دين الله فاذا نصرناه أصبحنا حسينيين . ثم ان الشعائر التي نقيمها في عزاء الحسين لها دلالاتها المهمة ولكنها ليست كافية ، لماذا هذه الشعيرة؟
            لماذا نكرر «ياليتنا كنا معكم» أليس في عصرنا اليوم حسين ، امام مفترض الطاعة؟! انه صاحب الامر فلنكن معه . لنقف عند مسؤولية كلمتنا ، لقد تكرر (فرعون) في يزيد ، وتكرر في الحجاج ، وتكرر في كل ادوار الاسلام اليوم ، كما ورث محمد موسى ، وورث الحسين محمداً ، وورث صاحب الامر حسيناً ، لقد رشح الله أمة موسى لتكون الامة الخليفة ، ورشح الله أمة الاسلام لتكون الامة المستخلفة . فلو كان هذا الحماس الذي عندنا يصل الى درجة النصرة كان هو المطلوب ، فالحسين(ع) كان يحتاج الى ناصر ، ولهذا نجد الحسين(ع) ينادي في صحراء كربلاء (هل من ناصر ينصرنا) وهو يعلم انه ليس هنالك من مجيب ، انها الاشارة الى ميثاق النصرة . لقد اعلن الحسين(ع) انه يحتاج الى انصار وما زال يعلن : هل من ناصر ينصرنا ، هل من ذاب يذب عن حرم الله ، هل من مغيث يغيثنا؟!
            ان هذه هي مشكلة الأمة ، فمشكلة الأمة ان الامامة ليس لها ناصر يفي بميثاق النصرة مع الله سبحانه وتعالى . طالعوا الآيات القرآنية الكريمة التي تصف المؤمنين يقول تعالى : {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
            نصروه بميثاق النصرة . يجب أن لا ننسى هذا الميثاق .
            ان بيننا وبين امام زماننا وولي أمرنا(سلام الله عليه) الذي هو حسين العصر ميثاق النصرة ، فلو بلغنا الى الدرجة التي نفي بها فليس هناك ما يستوجب ان يبقى الامام سلام الله عليه غائباً ، فلم يخلق الله سبحانه الامام ولم ينصبه لكي يغيب عنها ، غيّبه نقضنا لميثاق النصرة ، فلو وفينا بميثاق النصرة لظهر . وهذه هي النقطة الاساس فيما علينا بالنسبة للثورة الحسينية ، وهو ان نفي للحسين ولرسول الله(ص) قبل الحسين(ع) ولأمير المؤمنين(ع) ولائمتنا سلام الله عليهم ، ان نفي لهم جميعاً بميثاق النصرة .
            جعلنا الله سبحانه وتعالى من أنصار أئمتنا ، ومن أنصار الحسين سلام الله عليه ، ومن أنصار ولي أمرنا وصاحب عصرنا انه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
            والحمد لله رب العالمين .

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
            استجابة 1
            11 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
            ردود 2
            13 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X