إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كيف نرى الحسين (ع) في عمق التأريخ؟..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف نرى الحسين (ع) في عمق التأريخ؟..


    هناك ثلاث محطات في السنة، هذه المحطات إذا اتقنا الاستفادة منها؛ خرجنا بفائدة كبيرة.. ومن أهم الفوائد في هذه المواسم العبادية: تغيير الذات والجوهر.. حيث أن علماء الأخلاق يفرقون بين الحال والمقام: أي أن الإنسان من الممكن أن تنتابه حالات قدسية ملكوتية رحمانية: في طواف البيت، وفي زيارة قبر النبي، وفي مشاهد المعصومين؛ ولكنها حالات لا تسمن ولا تغني من جوع.. فهي بمثابة الماء القليل، الذي يصب على أرض كالجمر، إذ سرعان ما يتبخر هذا الماء؛ ليعود الإنسان إلى قاحل أرضه.. إذن، هناك مقام، وهناك حال.. علينا أن نرقي الحال إلى أن نصل إلى مرتبة المقام.. والمقام هو مرتبة أشبه بالملكة، فالإنسان كلما شاء أن يوجب لنفسه حالاً، ملك ذلك الحال.. بجلسة استرخاء وتدبر وتأمل، أو بركعتي صلاة، أو بذكر مصائب أهل البيت، أو بمناجاة قصيرة بين يدي الله -عز وجل- وإذا بالحال قد رجع إليه.. متى ما وصل الإنسان إلى درجة، أصبح الحال عنده اختيارياً؛ يكون قد وصل إلى مرحلة المقام.
    إن هناك ارتباطا وتجانسا بين عشرات ثلاث: العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، والعشر الأوائل من محرم الحرام، وهي بمجموعها تمثل شهرا كاملا في كل عام.. علينا أن نتخذ من مجموع هذه العشرات المباركات والموزعة على مدار السنة: محطات لإعادة الصلة بالله -تعالى- الذي نبتعد عنه خطوة بعد كل معصية، لنعوض بذلك أميال البعد عنه، بخطوة جريئة إليه في كل موسم مصالحة!.. ولإعادة الصلة بمنهج أهل البيت (ع)، فلو كان لجدهم المصطفى (ص) مدينة علم، فهم الأبواب لتلك المدينة دون غيرهم!.. وإن كان لله -تعالى- بيوت أذن الله -تعالى- أن يرفع فيها اسمه، فهم البيوت دون غيرهم!.. فالذي يعيش هذه الحالة من السياحة الروحية والفكرية في السنة شهراً كاملاً؛ هل يبقى من درنه شيء؟!..

    إن هذه الأيام أيام مهمة وحساسة.. لكل مرض ولكل عارض صحي؛ علامات قياس.. مثلا: الإنسان الذي يدعي أن عليه حرارة، يقيسون حرارته بجهاز قياس درجة الحرارة؛ وعندئذ يحكمون بكذبه أو بصدقه.. إذا أراد الإنسان أن يختبر حرارة قلبه، تلك الحرارة التي أخبر عنها النبي (ص)؛ فهناك ثلاث آلات لاختبار هذه الحرارة الباطنية، كي يعرف الإنسان نفسه صادقاً فيما يقول أم غير صادق:

    المقياس الأول: تفاعله مع ذكر الله -عز وجل- أثناء المناجاة، في الخلوات في جوف الليل، أو في الصلاة بين يدي الله عز وجل.. فالخشوع مع رب العالمين، درجة من درجات حياة القلب.
    المقياس الثاني:
    تفاعله مع ذكر ولي الأمر، إذا كان يعتقد: بقيادته، وبأنه حي، وبأنه يراقب أعماله، ويراقب حركة الأمة، ويحمل آمال وآلام الأمة.. عندئذ من الطبيعي أن يتأثر بذكره.
    المقياس الثالث:
    قضية الحسين (ع)، التي مهما تكلمنا عنها؛ لن نصل إلى جوهرها.. فالقضية عريقة في عمق التاريخ: (روي أنّ إبراهيم (ع) مرّ في أرض كربلاء -وهو راكب فرسا- فعثرت به، وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار، وقال: إلهي!.. أي شيء حدث منّي؟.. فنزل جبرئيل وقال: يا إبراهيم!.. ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء.... الخبر).. وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}؛ يعني الحسين (عليه السلام).. وهو لم يفد إسماعيل الذبيح (سلام الله عليه) كما هو ظاهر السياق، بل وقع السياق في سبيل الله وفي طريق توحيد الله وطاعته.. وهو نفس الطريق الذي ذبح من أجله إسماعيل -عليه السلام- وبعث فيه الأنبياء، وأرسلت الكتب السماوية وحصل ما حصل.. وكذلك في قضية موسى، وفي قضية آدم -صلوات الله وسلامه عليه.


    إن هذا الحديث يعكس اهتمام النبي الأعظم (ص) بما جرى على ولده الشهيد: (روي أنّ رسول الله كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطريق، وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق.. فجلس النبي (ص) عند صبيٍّ منهم، وجعل يقبّل ما بين عينيه ويلاطفه، ثم أقعده على حجره وكان يُكثر تقبيله.. فسُئل عن علّة ذلك، فقال (ص): إني رأيت هذا الصبي يوماً يلعب مع الحسين، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه، ويمسح به وجهه وعينيه.. فأنا أحبه لحبه لولدي الحسين، ولقد أخبرني جبرائيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء).. صبي يلاطف الحسين في صغره، وإذا بالنبي يلاطفه.. وقد أكرم الله -عز وجل- هذا الصبي، بأن يكون من أنصار الحسين في واقعة كربلاء، وخُتمت له بالسعادة!..

    قال الصادق (ع): (رحم الله من أحيا أمرنا)!.. وإحياء ذكر أهل البيت (ع) لا ينحصر في القوالب اللفظية من: إنشاد الشعر، وذكر الفضائل، وإقامة العزاء وغير ذلك، وان كانت كلها درجة من درجات إحياء الذكر.. إنما الإحياء الأكمل يتمثل في ترجمة سيرتهم العملية في حياتنا الفردية والاجتماعية.. فإن الناس لو اطلعوا على محاسن أقوالهم وتطبيقاتها في الحياة المعاصرة، لما وسعهم إلا الإتباع العملي، والولاء الفكري، والتعلق العاطفي.. علينا أن ننظر إلى خط الإمامة كمنهج متكامل في شتى الأبعاد: فها هو الحسين (ع) -الذي يمثل حلقة من حلقات هذه السلسلة المباركة- نراه تارة في أعلى صور العبودية، والتذلل لرب العالمين في مناجاة يوم عرفة، التي قل نظيرها في مناجاة بشر مع ربه.. روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: (كنّا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشيّة عرفة، فخرج (عليه السلام) من فُسطاطه متذلّلاً خاشاً.. فجعل يمشي هوناً هوناً، حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين).. ونراه تارة في حالة تثبيت حاكمية الله -تعالى- على الأرض من خلال خطبه السياسية عند خروجه من المدينة.. ونراه تارة داعيا من حوله من أصحابه إلى التعلق الروحي بالمبدأ الأعلى، من خلال وصاياه في ليلة عاشوراء.. فكان لهم دوى كدوي النحل ليلا، وصرخات كزئير الأسود نهارا!.. الحسين في يوم عاشوراء، هو الحسين في يوم عرفة.. كيف يتحمل رب العالمين أن يرى هذا الولي، وسبط النبي، والمحامي عن شريعته، والبكّاء في محراب عبادته؛ في كربلاء بالحالة التي كان عليها؟.. كيف يتحمل رب العالمين أن يرى هذا الفم الذي لهج بذكر الله عز وجل، هذا الفم الذي دعا الناس إلى الله عز وجل، وإذا بالخيزرانة تهوي على ذلك الفم المبارك؟.. نعم، عز على رب العالمين أن يرى الحسين كذلك.

    عندما نراجع سيرة الأئمة (ع) نرى لهم حالات غريبة في تعاملهم مع الحسين (ع).. الرضا (ع) وقد جاء بعد سنوات من استشهاده، إذا دخل محرم يتغير حاله، ويقول (ع): (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا...)؛ أهل الوأد والزنا والقتل والغارات، يحترمون هذا الشهر.. وإذا بأمة الإسلام، المتظاهرين بالإسلام، يقومون بذلك العمل؟!..

    إن الأشجار تعرف من ثمارها.. ومن المعلوم أن واقعة الطف هي الثمرة المرة للشجرة الخبيثة، التي جاء وصفها في القرآن الكريم.. فمخالفة النبي (ص) في يوم الغدير؛ ثمرتها يوم عاشوراء!.. والذي جرى في كربلاء، وما بعد كربلاء في الشام، ليس بالأمر الذي يمكن أن يوصف.. ولهذا صاحب الأمر أعرف الناس بما جرى على جده الحسين (ع)، يقول في زيارة الناحية يخاطب جده قائلا: (السلام عليك يا جداه، لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور.. ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة ناصباً.. لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً).. والإمام لا يقول ذلك مجازاً ومبالغة، وإنما يقول عين الحقيقة.

    إلى أن يقول الإمام الرضا (ع): (وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله (ص) حرمة في أمرنا.. إن يوم الحسين (ع) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. ما دام الحسين قتل في سبيل رب العالمين، في سبيل إحياء شريعة رب العالمين، وشريعة سيد المرسلين؛ هل يعز على الله -عز وجل- أن يهمل الباكي على سيد الشهداء؟.. وهو الذي يبكي وشعاره:
    تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنما عيني لأجلك باكيـــة
    تبتـل منكم كربلاء بـدم *** ولا تبتل مني بالدموع الجارية

    ثم قال (ع): (كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام.. فإذا كان يوم العاشر، كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع)).. كذلك الرضا، وهو وارث الحسين، يجلس مع شبيب ويقول:

    (يا بن شبيب!.. إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع)؛ فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه ثمانية عشر رجلا من أهل بيته، ما لهم في الأرض شبيهون.. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (ع) فيكونون من أنصاره، وشعارهم: "يا لثارات الحسين").. خلاصة الخلقة اجتمعت في أرض كربلاء، خلاصة أمة الرسول، خيرة الباقين اجتمعوا في يوم عاشوراء.

    ثم يقول: (يا بن شبيب!.. إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك؛ غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا).. (يا بن شبيب!.. إن سرك أن تلقى الله -عز وجل- ولا ذنب عليك؛ فزر الحسين (ع)).. (يا بن شبيب!.. إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص) فالعن قتلة الحسين (ع)).. (يا بن شبيب!.. إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (ع) فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم؛ فأفوز فوزا عظيما).. (يا بن شبيب!.. إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان: فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا.. فلو أن رجلا تولى حجرا؛ لحشره الله -تعالى- معه يوم القيامة).

    إن الإنسان الذي يرق قلبه لذكر أبي عبد الله الحسين (ع) فقد حصل من حيث يدري، أو من حيث لا يدري على وسام من المصطفى (ص).. حيث روي عنه أنه قال: (إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين؛ لا تبرد أبداً).. القلب الذي يتحسس هذه الحرارة، وهذه المصيبة؛ ذلك القلب قلب حي، لا يمكن أن يموت أبدا.

    إن البكاء -وإن كان في ظاهره يتمثل في جريان الدمع من العين- إلا أنه في الواقع عملية معقدة لها جذورها في الفكر والقلب، ولها آثارها على الجوارح.. إذ أن البكاء حصيلة تفاعلات باطنية متمثلة في: الاعتقاد النظري بقدسية الجهة التي نبكي على مصائبها، من جهة انتسابها لمصدر القدسية العظمى في الوجود، المتمثلة بقدسية الرب المتعال.. كما أنها حصيلة تفاعلات قلبية مرتبطة بذلك الاعتقاد.. فإن ما جرى على وليه الحسين (ع) يوم عاشوراء، كان هتكا للرسالة التي ثار الحسين (ع) من أجلها.. وهتكا للنبوة، إذ كان الحسين (ع) طالبا للإصلاح في أمتها.. وهتكا للإمامة، إذ جرى عليه من المآسي وعلى عياله، ما لم يذكر نظيره في تاريخ البشرية!.. فالبكاء في منطق الفرد والأمة: موقف يتخذه الإنسان إلى جانب اليد واللسان، للتعبير عن رأيه في مفردات الحياة.. وعليه، فإن البكاء على سيد الشهداء (ع) هو نوع من إبداء الاستياء من كل صور الظلم التي وقعت على الأمة، بعد غياب المنهج السماوي الذي رسمه الله -تعالى- لها، والمتمثل بميراث الكتاب (الحبل الممدود بين السماء والأرض) وميراث العترة (الحبل الممدود بين النبي والأمة).

    آداب حضور المجالس الحسينية:

    أولاً: الذهاب إليها بقصد الانتفاع والتأثر.. إن مجالس الحسين (ع) تعد بحق جامعة كبرى، لها فروعها في عواصم المدن الكبرى، إلى الأرياف الصغرى.. ومن هنا لا نرى أمة متفقهة في كليات الشريعة -فقها، وتاريخا، وسيرة- كأتباع مذهب أهل البيت (ع)، الذين يدخلون هذه الجامعة شهرين في كل عام، -حيث يتناوب على صعود منابرها خطباء متنوعون، مختلفون في مذاقهم وفي توجهاتهم.. والإنسان بمثابة النحلة: يأخذ من كل مجلس رحيقاً، وإذا به يخرج وقد امتلأ فهماً وثقافة في حياته الفردية والاجتماعية-.. سواء في ذلك الصغير الذي لم يبلغ الحلم، إلى الكبير الذي على مشارف نهاية عمره!.. أوَ ليس هؤلاء الخريجون مدينون لحركة الحسين (ع) المباركة؟!.. هذه الحركة التي لم تكن حركة في التاريخ، وإنما كانت حركة للتاريخ!.. هذه الثورة التي لم تحمل في طياتها طلبا للحكم الصوري، وإنما كانت تحمل رسالة لتغيير منهج الحياة، بقراءة صحيحة للإسلام، الذي كاد أن يصاب بداء الأمم السالفة!..

    ثانياً: استجلاب الرحمة الغامرة.. من مظان المغفرة حديث الرضا لابن شبيب، الذين انتابتهم حالات اليأس، وارتكبوا الكبائر من الذنوب، ويخافون من غضب الله -عز وجل-؛ لينتظروا هذا الموسم.. نعم في مجالس عزاء أبي عبد الله (ع) الرحمة غامرة!.. هب أنك لا تستحق الرحمة، ولكن في المجلس فتية دون سن البلوغ، عندما يذكر الخطيب مصيبة الرضيع -مثلاً- وهم أطفال صغار، وإذا بهم يلطمون على رؤوسهم.. بعض الأطفال وهم في الأحضان، وهم على صدور الأمهات، سمعوا هذه الأصوات.. يقول العلماء: بأن الطفل يتذكر دقات قلب الأم، وهو في بطن أمه؛ فكيف لا يتأثر بأصوات البكاء والنحيب في مجالس الحسين (ع)؟..

    ثالثاً: استغلال الفرص.. دعوة لكل مؤمن: هذه الدقائق بعد انتهاء المجالس؛ دقائق ذهبية نبيعها بأسعار زهيدة جداً.. حاول أن تعيش جو البكاء، والتوجه، والتوسل، أطل الدعاء!.. بهذه الدموع التي جرت والخطيب على المنبر، استغل هذه الفرصة، اذهب إلى زاوية، أطل المكوث في المجلس، ردد ما سمعته من الخطيب، لتعقد مجلساً بينك وبين الله عز وجل.. عندما يكون الإنسان حول الكعبة، وفي الحطيم، أو المستجار، أو تحت الميزاب.. ويتذكر مصائب الحسين (ع) فإنه يحول الكعبة -المسجد الحرام- إلى مأتم للحسين (ع)، ذلك الحسين الذي جاء ليزور البيت الحرام في تلك السنة، وإذا به يخرج طلباً لرضا الله عز وجل:
    وقد انجلى عن مكّة وهو ابنها *** وبه تشرّفت الحطيم وزمزم
    ما أجمل أن يتذكر الإنسان هذه الأبيات عند الحطيم!.. نعم استغل كل فرصة للتودد إلى الله -عز وجل- من خلال وليه الحسين (ع)!.. إذا كان الإنسان يشكو من ذريته، أو من أرحامه، أو من أصدقائه؛ فليصطحبهم هذه الأيام إلى المجالس، فالمواعظ التي يريد أن يقولها هو، يقولها الخطيب في جو مؤثر وبليغ.. من أراد أن يُبارك له في نفسه وفي ذريته، فليلتزم بذلك.. فهذه العشرة عشرة مكملة لبركات العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك.

    رابعاً: الإخلاص.. علينا بالإخلاص في العمل، (وأخلص العمل؛ فإن الناقد بصير)!.. لا يقبل إلا ما كان لوجهه الكريم.. الذي يقيم المجلس، أو الذي يشارك في المجلس: بكلمة، أو بمساعدة، أو بخطوة، أو بأية خدمة من الخدمات؛ الحسين (ع) ولي شكور.. الأئمة مظهر أسماء الله الحسنى: الله شكور، نبينا شكور أيضا، وكذلك الأولياء والأوصياء من عترته، يشكرون هذا الجميل من الإنسان.. فليعمل الإنسان بإخلاص؛ ليكون ذلك من موجبات الخلاص {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

    ورد في الحديث الشريف: (إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة.. وما ضُرب عبد بعقوبة؛ أعظم من قسوة القلب)!.. ومن المعلوم أنه (ما جفت الدموع؛ إلا لقسوة القلوب.. وما قست القلوب؛ إلا لكثرة الذنوب)!.. إن الابتلاء بقسوة القلب في هذه الأيام، علامة غير صحية، وكاشفة عن خلل في الجهاز الشعوري للإنسان، فعلى العبد أن يكتشف أسباب ذلك، وإلا فإن الخسارة فادحة.. وهنيئا لمن رأى على صدره وسام النبي (ص) المتمثل بالشهادة على الإيمان، حيث اعتبر لقتل الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين، لا تبرد أبدا!.. فهل تجد في قلبك هذه الحرارة الكاشفة عن حياة القلب؟!.. ومن يشتكي من قساوة قلبه -عندما يدخل شهر رمضان، أو يذهب إلى الحج، أو يأتي شهر محرم-؛ فليقول: يا رب!.. أخّر هذه العقوبة!.. يُقال: أن أحدهم حُكم عليه بالإعدام، فرُبط على سارية، وعندما أرادوا أن يقيموا عليه الحد أو القصاص، قال لهم: فكّوني من هذه السارية، واربطوني في سارية أخرى.. قيل له: ما الفرق هذه سارية وهذه سارية؟!.. قال: لعل الفرج يأتي بين الساريتين!.. وبالفعل جاء العفو من الأمير.. إذن الإنسان يقول: يا رب!.. الآن أيام محرم، تريد أن تعاقبني؛ أخر العقوبة إلى العشرة الثانية؛ لعل بين هذه السارية وتلك السارية يأتي الفرج!.. نعم وما أسرع هذا الفرج!..

    الخلاصة: أن الأسلوب الطبيعي لإصلاح الأمة، يتمثل في الحديث والموعظة التي يخاطب بها العقول والقلوب، وهو ما مارسه علي والحسن (عليهما السلام).. إلا أن الأمة وصلت إلى درجة من التخدير، وموت الإرادة، بحيث أصبحت تنظر إلى يزيد إماما لها، وهو الذي يصفه سيد الشهداء (ع) قائلا، بعدما كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة منه، وإلا ضرب عنقه: (أيها الأمير!.. إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله.. ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق؛ ومثلي لا يبايع مثله.. ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالبيعة والخلافة)!.. فلم يبق إلا أسلوب التضحية بالدم، لتستفيق الأمة على هول المصيبة التي ابتليت بها، بعد التراكمات التاريخية للانحراف التدريجي!.. وهذه الأيام -حسب الإحصائيات- أكثر الأديان انتشاراً في الأرض؛ دين الإسلام.. وخط أهل البيت (ع) من أكثر الخطوط انتشاراً!.. وسبب هذا الانتشار لأتباع هذا المذهب: هو ذكر الحسين، ومجالس الحسين، وعشرة الحسين، وكربلاء الحسين، وعاشوراء الحسين؛ من أهم الأمور التي عرفت الناس بهذا المذهب.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X