علي حسين الخباز : كتابات في الميزان / ملف عاشوراء ( ثورة المظلوم على الظالم )
(1)
سألوا الشيخ عبد الزهرة الكعبي رحمه الله عن المصادر والمرجعيات التي استقى منها معلومات المقتل الحسيني فاجاب ( نحن ورثنا الواقعة ابا عن جد ) وبهذا المعنى نستطيع ان نقول انه اشتغل على نص ( ابي مخنف ) بتصرف كامل لأغناء النص بتلك المعلومات المكتسبة وراثة حسب قوله لايعني مثل هذا القول ان يكون النص عامل أخصاب المخيلة بل ثمة عوامل ايمانية تدعو للاحتفاظ بقيم الواقعة وبها ابعد الرؤية التقليدية لحرفنة الكتابة ويعني من باب آخر ان للواقعة ذاكرة منورة في عقول وضمائر الناس وكل ذات من ذوات الطفوف تشكل موضوعا بحد ذاته ينبض بالحياة وهذه الواقعة لاتعتبر حدثا مستقلا عن باقي احداث التأريخ بل هي وحدات التأريخ فيها يتبلور الصراع الحقيقي وفيها تكمن قيمة الرؤية الانسانية ونقدر ان نؤكد باننا فعلا لسنا بحاجة الى مصادر تروي لا جرح التأريخ كما نعتقد ان أي مصدر كتب عن واقعة الطف لابد ان نكون نحن مصدره ومثل هكذا نص يحمل الكثير من الرؤى الروائية وسماتها فكل رمز منهم يحمل رؤى قد تختلف من حيث المعطى لكنها تتوحد في قناتين يشكلان يؤرة الصراع ـ / الخير ـ الشر / وكل قناة لها مكوناتها واسسها .. ولها صوتها وحواراتها وانعكاسات مدلولاتها والمهم ان جميع وجهات النظر تبلورت عبر الزمن الفعلي وأنعكست عبر موجات بشرية متعاقبة من جيل الى جيل كونت قناعة ايمانية ومعرفة بالمروي لكن الامر يختلف عن الأعمال الروائية بسبب امتداد الفعل الناشط عبر الأحداث حتى كونت لنا الواقعة حدثا حاضرا رغم وقوع الاحداث في الزمن الماضي ـ لوجود ابعاد حقيقية لتلك الرموز ما زالت تعيش يسننا صراعها التأريخي وهذه هي النقطة الاساسية التي جعلت رواية المقتل على درجة عالية من الأهمية ـ وقد نجد ان النقد الحديث3 وضع استغربه الشديد امام أي منجز يقدم وصفا كاملا للتجربة البشرية لكون مثل هذا المسعى سيأخذ الواقعية الكاملة وشكك النقد بوجود مثل هذه الواقعية الا بحدود ( الثورة ضد الظلم ) ومقاومة الظلم رغم ضعف الامكانيات والتضحية حد الاستشهاد دون المبدأ ..
ولاشك ان واقعة الطف تضم كل هذه الحقائق التي اسماها التقد حدودا ونرى من حيث صيغة الطرح النقدي بانهم يعتقدون بان مثل هذه الصفات والسمات هي من قبيل الخوارق ولذلك مثل مقتل سيد الشهداء الحسين عليه السلام منعطفا تأريخيا مهما في حياة الشعوب كافة ولا تقتصر انعكاسات سماته عند حدود معينة فلهذا ما زلنا نسمع عن شخصيات دنيوية مرموقة تأثرت بموقفه المبارك رغم اختلاف اديانها ، ومثل هذه المواقف الثورية تظهر لنا خصائص الواقعة ـ وانعكاسات قيمها لأيجابيتها والتزامها ومسؤولياتها ـ والتي انعكست على المستوى النفسي العام للحاضر المعاش وما يسهل عمل الروائي ان ابطاله ليسوا بحاجة الى تضخيم وصف والى زورقة عباراتية بل كان موقفهم وصمودهم وتضحياتهم يشكل مستوى فكري خارق لنصل الى نتيجة مفادها ان مقتل الحسين (ع)يمثل قيمة غنية تعبر عن تجربة بشرية مهمة ، ولابدلنا من التذكير بان النقاد كانوا في التفصيل الكامل مشروع غير عملي ونحن نرى ان تفصيل الحدث في مقتل الكعبي اثبت فاعليته لقوة وفاعلية الذات البطلة لقادة الحدث التاريخي والذين اكتسبوا الفعل الحقيقي لأنسانيتهم وثوريتهم ولنورد مثلا ولنقرأ عن شخصية الحسين عليه السلام .. قال بعض الرواة : والله ما رأيت مكسورا قك قد قتل ولده واهل بيته واصحابه .. أربط جاشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه ... والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وأن كانت الرجالة تشد عليه يشد عليهم بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى اذا اشتد فيها الذئب ... ولقد كان يحمل فيهم وقد اكتمل عددهم ثلاثين الفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع الى مركزه وهو يقول : لاحول ولا قوة الا بالله ... فنجد ان الشعور بانسانية الذات الفاعلة تتحدى كل قواعد اللعبة الكتابية المقننة لوجود حقيقة اكبر من حقيقة الكتابة نفسها الا وهي حقيقة الانسان ـ ايمانه ـ صبره ـ قدرته العظيمة امام المحن ، هذا هو البطل الحقيقي الذي يفتح ... اولا افاق فلسفية يستطيع من خلالها ان يبلور لنا أي كاتب الفة مثل هذا البطل في كل محاور الحياة وقيم الايمان وحقيقة الظلم .. وثانيا انه يبحث في حقيقة الوجود الانساني وليست المسألة متخيلة لكنها تفتح ابوابا واسعة للتأمل فيصبح البطل ذاتا وموضوعا والمسألة ربما اعمق بكثير مما نتصورها ، فلنحاول تغيير وجهة الحوار ونسأل :ـ كيف يتحول هذا الانكسار العسكري الى قوة ؟ سيكون الجواب هنا لايعتمد اطلاقا على المعطيات المادية للموقف ، بل على المعطيات الروحية ـ صلابة البطل هي صلابة الموقف الايماني وهذا الموقف يشكل لنا قيمة الظاهرة ولنعد الى النص ثانية ( قال هلال بن نافع :ـ اني لواقف مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر ايها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجد بنفسه فوالله ما رايت قتيلا متضمخا بدمه أحسن منه ولا انور وجها منه وقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في الحال ماءا،... فسمعت رجلا يقول والله لاتذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول :ـ انا أرد الحامية فاشرب من حميمها ؟
لا والله بل أرد على جدي رسول الله (ص) واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن ... وأشكو اليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ، فغضبوا باجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب احد منهم من الرحمة شيئا فرفع الحسين طرفه نحو السماء الى ان قال :ـ ( اللهم متعالي المكان عظيم الجبروت شديد المحال غني عن الخلائق عريض الكبرياء قادر على ما تشاء قريب الرحمة صادق الوعد سابغ النعمة حسن البلاء قريب اذا دعيت محيط بما خلقت قابل التوبة لمن تاب اليك قادر على ما أردت تدرك ما طلبت مشكور اذا شكر ت ذكور اذا ذكرت أدعوك محتاجا وارغب اليك فقيرا وأفزع اليك خائفا وأبكي مكروبا واستعين بك ضعيفا واتوكل بك كافيا .. اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فانهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد ( ص) الذي اصطفيته للرسالة وائتمنته على الوحي فاجعل لنا من امرنا مخرجا يا ارحم الراحمين وصبرا على قضائك يارب .. لااله سواك ... ياغياث المستغيثين ) فنحن نجد ان تفويض الامر الى الله قوة والقوة هنا من حيث ان التفويض كان مستمرا منذ الخطوة الاولى واستمر الى نهاية الحدث فاين الانكسار اذن ؟ واين هو النصر الذي توهموه ؟ واعني ان مسألة التفويض بقت في جبروتها وبقى الرمز منتصرا بعناده الايماني الذي لم ينكسر ، وثمة مسألةمهمة لابد ان تذكر هي شعورنا بان مثل هذه الاحداث لها قدرة عالية على استدرار الدموع ، اي ان المسألة لها حيثيات عمومية .. لكوننا سنحزن اذا ماتعر ض امامنا اي انسان لمثل هذا الموقف فكيف به وهو الحسين ابن بنت رسول الله الكريم وابن علي أمير المؤمنين وفاطمة سيدة نساء العالمين وكل من هذه الاسماء قصة حزينة لوحدها في ذاكرة المتلقي ووجدانه وكأن الجوهر واحد في تلك الفاجعة ،
( 2 )
<h2>( انماط الزمن في المقتل)
نلاحظ ان الزمن بالنسبة لرواية الكعبي رحمه الله ينحصرظاهرا في ساعات المعركة تاركا لنا زمن ماقبل الحدث العاشورائي وما بعده الحدث الذي انحصر في الطف الكربلائي .. ولكنه انفتح خاضعا لمؤثثات الواقعة نفسها لكونها واقعة غير عادية ولها تفرعات زمانية مذهلة ومنها الزمن الاستباقي ، فالرواة قد تناقلوا بعض النبؤءات التي تخص الواقعة كمشكاة جبرائيل ـ تنبؤات الرسول ( ص) والأمام علي (ع) وبعض الصحابة مثل نبوءة الصحابي الجليل سلمان المحمدي والتي كانت سببا في وثبة الثائر البارز .. ( زهير بن القين ) في قصة معروفة اذ دعاه الى خيمته بعدما اخبروا الحسين بامتعاضه عن صحبة قافلته مع القافلة الحسينية وحينها ذكره بنبوءة سلمان الذي بكى يوم نصر في احدى المعارك وعند لحظة جمع الغنائم ، وهو يبكي وقف ليجيب سؤال زهير لم تبكي يوم نصرنا فاجابه ، اتمنى ان تكون فرحتنا بهذا الحجم يوم يدعونا الحسين عليه السلام لنصرته في كربلاء ، فهذه كربلاء يا زهير وحينها استجاب زهيربن القين لنداء النصرة الحسينية المباركة والذي تنبأ هو ايضا بخطبته الجليلة يوم الطف ( نحن وانتم امة واحدة مالم يقع السيف فان وقع كنتم امة وكنا امة ) ،، و نعثر على بعض تلك الانعكاسات الاستباقية في المقتل الحسيني مثلا لنقرأ هذا المقطع الحواري والذي يعتبر أحد نبوءات الحسين عليه السلام ( أيم والله لاتلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم الرحى وتقلق بكم قلة المحور عهد عهده الي أبي عن جدي فأجمعوا امر كم وشركاؤكم ثم لايكن امركم عليكم عتمة ) وحين استدعى الحسين عمربن سعد وكان عمر كارها لايحب ان يأتيه ... فقال له :ـ( ياعمر انت تقتلني وتزعم ان يوليك الدعي أبن الدعي بلاد الري وجرمان ، والله لاتنتهي بذلك ابدا ـ عهدا معهودا ـ فاصنع ما أنت صانع لاتفرح بعدي بدنيا ولا أخره وكأني برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماها الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم) فالزمن هنا يتكون من عدة انماط زمانية منها الزمن الاستباقي والذي تزامن في اغلب تفاصيله مع حيثيات ماضوية ومعلقة في ذاكرة التلقي بالنسبة للزمن الثالث الذي هو زمن القراءة ... واسلوبيات التدوين الروائي الحديث التي انشأت ما يسمى بتيار الوعي والذي سعى لتقليل الزمن المروي وحصره بساعات قليلة طلبا للتركيزعلى الحدث وتسليط الضوء عليه لكننا نلاحظ رغم توافق حرفيات هذا التيار مع الاسلوب الذي كتب به المقتل من وجود تداعيات زمانية مكثفة تندمج في صلب الحاضر كشهادات بعض الجند عن وقائع فعلها الرموز في زمن سابق مثلا حفر الخندق المحيط بالمعسكر الحسيني الذي بدأ قبل الواقعة لكنه تجاوز امورا زمانية كثيرة كان لابد من الوقوف عليها وقد تركت احداثا عظيمة في واقع الواقعة الفكري والروحي ... مثلا تأجيل المعركة ليلة واحدة .. اسباب هذا التأجيل ولتوقعات المتزامنة لواقع التأجيل وردة الفعل السلبي والايجابي .خوف عمر بن سعد من الزمن الذي كان ملحوظا من خلال حواراته العجولة اهجموا ماهي الا اكلة واحدة .. فالزمن كان على مايبدو يمر بطيئا جدا على اعصاب ابن سعد كونه يخشى من انقلابة المعسكر عليه فكانت محاولاته انهاء الواقعة باسرع وقت . المهم ان الزمن يبقى مفتوحا عند المتلقي وكأنه ـ روحي له الفدى ـ لم يزل يقف بين طلول الطف ينادي الا من ناصر ينصرني
( 3 )
<h2>( مابين دفتي النص المرجعي )
يسألني البعض لأكون دقيقا في التدوين المرجعي .لكون هذا البعض قد شخص وجود تضادات كبيرة في المراجع التأريخية حسب دراستهم لتلك المراجع ، وانا لاانكر وجود مثل تلك الأختلافات لكني لم اجد تضادات جوهرية في اغلب ما قر أت من مصادر بل وجدت اختلافات في التفاصيل البسيطة التي لاتخل في توازنات الحدث ، ولا وجود لمثل هذه الاختلافات في الموروث الشعبي الشفاهي باستثناء مبالغات بعض المتأخرين والموضوعة لمتطلبات سوقية معروفة الغايات ولاتعتبر حتى من الكد الثقافي او الفكري الداعم للواقعة المباركة .. ونقصد بالاشتغال الجوهري فهم جوهر الواقعة الفكري والانساني كوننا غير مطالبين بالدقة التقريرية كادباء وشعراء ومثقفين ونجد ان الكعبي رحمه الله كان لايعتني بالدقة الرقمية في تناوله للحدث لكون هذه الدقة الرقمية غير مهمة لاستقرار الجوهري فنجده رحمه الله يكثر من استخدام كلمة ( قيل ) مثلا حين تحدث عن عدد جيش الحسين يقول ( كانوا سبعة وسبعين ما بين فارس وراجل وقيل اكثر من ذلك ) وفي موقع آخر يقول ( اقبل عمر بن سعد نحو الحسين على اقل الروايات في ثلاثين الفا) فالمهم والجوهري في القضية ان الفارق بين الجيشين كان كبيرا .. ثم نقرأ مثلا وصفا لمشهد الحر بن يزيد الرياحي ( ضرب فرسه قاصدا الى الحسين (ع) ويده على راسه وهو يقول اللهم اليك أنيب فنب ، فقد أرعبت قلوب أوليائك واولاد بنت نبيك وقال للحسين عليه السلام جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عند الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ويبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت انهم ينتهون بك الى ما ارى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأني قد جئتك تائبا مما كان مني الى ربي مواسيا لك بنفسي حتى اموت بين يديك فهل ترى لي من توبة .. فقال الحسين ( ع) نعم يتوب الله عليك فانزل ... قال انا لك فارسا خير من راجل .. اقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري .. فقال له الحسين فاصنع يرحمك الله ما بدا لك فأستقدم الامام الحسين (ع) .. قد نجد بعض الاختلافات في التفاصيل المروية التي وردت في بعض الروايات الاخرى ، لكن جميعها تتفق من حيث الجوهر .. وبما ان موضوعة المقاتل نفسها تعتمد على مقول موضوعي يستند على حقائق تأريخية عقائدية لكون هذه الرموز مقدسة فتكون قابلة للبرهنة كموضوع لرسالة تعالج مواضيع عامة ... ولذلك هي لاتحتاج الى سرد تفصيلي بقدر ما تحتاج الى كشف معالم جوهر الحدث والموقف الخاص لكل رمز يتضح من خلال الموقف العام برمته على التفاصيل ان لاتنسينا الجوهر الفعلي .. ذاكرة التلقي تحتفظ بالفحوى المضمونية ،والالتزام هنا سيمنحنا معنى التزام القراءة ، فالكعبي رحمه الله في مقتله يتصرف وكأن الدقة التفصيلية لاتعنيه فهو ليس باحثا علميا ونجده مثلا حين يذكر عمر علي بن الحسين الاكبر عليه السلام .. يقول ( وكان عمره ثماني عشرة وقيل خمسة وعشرون سنة ) أو حين يذكر مقتله يقول ( فاعترضه مرة بن منقذ فضربه وقيل طعنه بالرمح وصرعه وفي مقتل جعفر بن علي .. يقول ( حمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقتله وقيل رماه خولي فاصاب شقيقته أو عينيه ) وفي مقتل العباس عليه السلام ( فهوى الى الارض وقال السلام عليك يا ابا عبد الله أدركني يا أخي ..) وحين يتحدث عن مقتل الرضيع عليه السلام يقول وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فأتى بابنه عبد الله فاخذه واجلسه في حجر ه واومىء اليه ليقبله فرماه حرملة ابن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره وذبحه وورد في رواية الكعبي انه اراد ان يودع الرضيع .. ولم يأخذه طلبا للاستسقاء كما يروي بعض الخطباء المتأخرين واما في مقتل الحسين عليه السلام يقول ( رماه ابو الحتوف بحجر وقيل بسهم ) ويقول نزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه فالمهم ان مثل هذه الامور البسيطة لاتفقد من الجوهر التاريخي شيئا ... ومثل هذه القراءة تركت لدينا بعض الانطباعات المهمة فمثلا اعترض ذات يوم معترض عن قول يرد في زيارة الحسين عليه السلام ( لعن االله امة قتلتك ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به ) في حين يعتقد زهير بن القين رحمه الله في خطبته يوم الطف والتي وردت في نص المقتل .. ان حرب الحسين ستفصم عصمة هذه الامة وتلك حقيقة ما زلنا نؤمن بها فربما الواقع ما قبل الطف كان يحمل سمة الخلاف اما بعد الواقعة تحقق مفهوم زهير بن القين ( نحن وانتم امة مالم يقع السيف فان وقع كنا امة ....وكنتم امة ) اي ان قتالهم للحسين عليه السلام اسقط عنهم الهوية الاسلامية وهذا رد شافي لمثل هكذا معترض ... كما نجد ان التكوين العام لنوعية المقاتلين مع الحسين عليهم السلام كان اغلبهم من العلماء وقراء القرآن ولذلك كانت اغلب العيوب التي يشخصونها عند اتباع الطرف السلبي هو عدم احتكامهم لآيات الكتاب الشريف .. ، نسمع زهير يقول للشمر ( والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم ) فهذه هي مفاهيم الانصار لمعنى الدين وتمسكهم بالكتاب هو الذي حفز الصحوة للنصرة ... والمكوث عند محور الحر بن يزيد الرياحي يعطينا اكثر من مدلول فمثلا يقول قرة بن قيس ( ظننت والله انه يريد ان ينتحي ) فبعدما انكشفت الامور تدهورت نفسية الجيش وكان المتوقع ان ينتحي الجيش بينما نسمع المهاجر بن آوس يقول للحر ( ان امرك لمريب والله ما رايت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من اشجع أهل الكوفة ما عدوتك ) فهذا الذي ظنه المهاجر جبنا وخوفا لم يكن الا مخاض ولادة لخيار انساني يمضي قدما في سبل الشهادة ، واما قول الحسين عليه السلام لعمر بن سعد ( اتريد ان يطلبك بنوهاشم باكثر من دم مسلم ) فلو لم يقتل الحسين واهل بيته لكان دم مسلم وحده كافيا ليورثنا الحزن والالم .. أي ان الحسين ( ع) دخل اجواء المعركة قبل عوالم الطف مرغما لكننا نجده عليه السلام لاير يد ان يبدأ القتال ولم يذكر شيئا بالتركيز على دم مسلم كي لايقال انه طالب ثأر وتحدد المسألة عند اهل الغرض التفسيري والتزييف باطارها الشخصي ..
كما نجد مدلولا مهما في نص خطابه ( اعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لايؤمن بيوم الحساب ) يعني ان الذي يجري ماهو الا نوع من انواع التكبر والطغيان على الله ورسوله وأهل بيته .. ونجد ان تفكير الحسين عليه السلام طوال الواقعة دفاعيا وليس هجوميا ... كل مايريده الحسين عليه السلام هو الدفاع عن المبدأ ... والمتن الروائي للواقعة يعكس الكثير من هذه المفاهيم ويعكس ايضا المفاهيم الهجومية التي كانت تعشعش في عقلية جيش ابن سعد .. حيث لم يستقر لحال بعد ولم يبدأ أي فعل يعكس طبيعة الاشياء ( واقبلوا يجولون حول البيوت ) أي ان فعلهم الاول كان هجوميا .. كما نرى ان عدم سماح الحسين عليه السلام لحبيب بن مظاهر ولبرير بن خضير لمبارزة يسار مولى زياد وسالم مولى ابن زياد.. وفي نفس الوقت وافق لأستئذان عبد الله بن عمير الكلبي ...هذا الموقف يفسر عندنا لأحتمالين الاول .. ان شهرة الرجلين ووقارهما لايسمحان لمبارزة مولى غير جدير بان يكون قرينا لهما ولايريد للعبد ان يعود بهيئة منتصر .. اما الاحتمال الثاني انه اراد ان يضمن نصر هذه المبارزة وهذه النقطة بالتحديد هي التي اراد النص ان يقربها لنا من خلال صيغة الكلام .. وكان طويلا بعيد المنكبين فنظر الحسين (ع) اليه وقال ( أني احسبه للاقران قتالا ) ثم نجد قيمة النبوءة التي اطلقها الحسين (ع) في دعائه ( وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي واهل بيتي واشياعي منهم ) ولو تابعنا وتأملنا( الدربكة التي حصلت عند حز راس الحسين .. فنجد ان عمر بن سعد يقول لسنان بن انس .. أنزل ويحك الى الحسين فأرحه وسنان يقول لخولي بن يزيد أحتز راسه وخولي يضعف ويرعد ويقول له شمر ( فت الله في عضدك مالك ترعد ) ونزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه ثم احتز راسه الشريف من القفا الا يعني وجود خارقة اثر قبلة الرسول (ص) في العنق فلذلك صار الذبح من القفا .... ومن ثم نجد هناك ثيمات لابد ان نقف عندها متأملين فمثلا نجاة زين العابدين علي بن الحسين من القتل .. هذه نقطة متأملة لابد ان نقف عندها فمن لم يرحم طفلا رضيعا ويذبحه من الوريد ومن لم يرأف قلبه لحال طفلة اضرمتها النيران كيف يحن قلبه فجأة ويرحم فتى عليلا .. كيف . اليست في هذه المسألة الكثير من الغرائبية .. الا يعني ان هناك تدخلا ربانيا بانتقال قوة السر الاعظم الى زين العابدين عليه السلام وما نسميه بعصمة الامامة ...
http://kitabat.info/index.php
</h2>
</h2>
(1)
سألوا الشيخ عبد الزهرة الكعبي رحمه الله عن المصادر والمرجعيات التي استقى منها معلومات المقتل الحسيني فاجاب ( نحن ورثنا الواقعة ابا عن جد ) وبهذا المعنى نستطيع ان نقول انه اشتغل على نص ( ابي مخنف ) بتصرف كامل لأغناء النص بتلك المعلومات المكتسبة وراثة حسب قوله لايعني مثل هذا القول ان يكون النص عامل أخصاب المخيلة بل ثمة عوامل ايمانية تدعو للاحتفاظ بقيم الواقعة وبها ابعد الرؤية التقليدية لحرفنة الكتابة ويعني من باب آخر ان للواقعة ذاكرة منورة في عقول وضمائر الناس وكل ذات من ذوات الطفوف تشكل موضوعا بحد ذاته ينبض بالحياة وهذه الواقعة لاتعتبر حدثا مستقلا عن باقي احداث التأريخ بل هي وحدات التأريخ فيها يتبلور الصراع الحقيقي وفيها تكمن قيمة الرؤية الانسانية ونقدر ان نؤكد باننا فعلا لسنا بحاجة الى مصادر تروي لا جرح التأريخ كما نعتقد ان أي مصدر كتب عن واقعة الطف لابد ان نكون نحن مصدره ومثل هكذا نص يحمل الكثير من الرؤى الروائية وسماتها فكل رمز منهم يحمل رؤى قد تختلف من حيث المعطى لكنها تتوحد في قناتين يشكلان يؤرة الصراع ـ / الخير ـ الشر / وكل قناة لها مكوناتها واسسها .. ولها صوتها وحواراتها وانعكاسات مدلولاتها والمهم ان جميع وجهات النظر تبلورت عبر الزمن الفعلي وأنعكست عبر موجات بشرية متعاقبة من جيل الى جيل كونت قناعة ايمانية ومعرفة بالمروي لكن الامر يختلف عن الأعمال الروائية بسبب امتداد الفعل الناشط عبر الأحداث حتى كونت لنا الواقعة حدثا حاضرا رغم وقوع الاحداث في الزمن الماضي ـ لوجود ابعاد حقيقية لتلك الرموز ما زالت تعيش يسننا صراعها التأريخي وهذه هي النقطة الاساسية التي جعلت رواية المقتل على درجة عالية من الأهمية ـ وقد نجد ان النقد الحديث3 وضع استغربه الشديد امام أي منجز يقدم وصفا كاملا للتجربة البشرية لكون مثل هذا المسعى سيأخذ الواقعية الكاملة وشكك النقد بوجود مثل هذه الواقعية الا بحدود ( الثورة ضد الظلم ) ومقاومة الظلم رغم ضعف الامكانيات والتضحية حد الاستشهاد دون المبدأ ..
ولاشك ان واقعة الطف تضم كل هذه الحقائق التي اسماها التقد حدودا ونرى من حيث صيغة الطرح النقدي بانهم يعتقدون بان مثل هذه الصفات والسمات هي من قبيل الخوارق ولذلك مثل مقتل سيد الشهداء الحسين عليه السلام منعطفا تأريخيا مهما في حياة الشعوب كافة ولا تقتصر انعكاسات سماته عند حدود معينة فلهذا ما زلنا نسمع عن شخصيات دنيوية مرموقة تأثرت بموقفه المبارك رغم اختلاف اديانها ، ومثل هذه المواقف الثورية تظهر لنا خصائص الواقعة ـ وانعكاسات قيمها لأيجابيتها والتزامها ومسؤولياتها ـ والتي انعكست على المستوى النفسي العام للحاضر المعاش وما يسهل عمل الروائي ان ابطاله ليسوا بحاجة الى تضخيم وصف والى زورقة عباراتية بل كان موقفهم وصمودهم وتضحياتهم يشكل مستوى فكري خارق لنصل الى نتيجة مفادها ان مقتل الحسين (ع)يمثل قيمة غنية تعبر عن تجربة بشرية مهمة ، ولابدلنا من التذكير بان النقاد كانوا في التفصيل الكامل مشروع غير عملي ونحن نرى ان تفصيل الحدث في مقتل الكعبي اثبت فاعليته لقوة وفاعلية الذات البطلة لقادة الحدث التاريخي والذين اكتسبوا الفعل الحقيقي لأنسانيتهم وثوريتهم ولنورد مثلا ولنقرأ عن شخصية الحسين عليه السلام .. قال بعض الرواة : والله ما رأيت مكسورا قك قد قتل ولده واهل بيته واصحابه .. أربط جاشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه ... والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وأن كانت الرجالة تشد عليه يشد عليهم بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى اذا اشتد فيها الذئب ... ولقد كان يحمل فيهم وقد اكتمل عددهم ثلاثين الفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع الى مركزه وهو يقول : لاحول ولا قوة الا بالله ... فنجد ان الشعور بانسانية الذات الفاعلة تتحدى كل قواعد اللعبة الكتابية المقننة لوجود حقيقة اكبر من حقيقة الكتابة نفسها الا وهي حقيقة الانسان ـ ايمانه ـ صبره ـ قدرته العظيمة امام المحن ، هذا هو البطل الحقيقي الذي يفتح ... اولا افاق فلسفية يستطيع من خلالها ان يبلور لنا أي كاتب الفة مثل هذا البطل في كل محاور الحياة وقيم الايمان وحقيقة الظلم .. وثانيا انه يبحث في حقيقة الوجود الانساني وليست المسألة متخيلة لكنها تفتح ابوابا واسعة للتأمل فيصبح البطل ذاتا وموضوعا والمسألة ربما اعمق بكثير مما نتصورها ، فلنحاول تغيير وجهة الحوار ونسأل :ـ كيف يتحول هذا الانكسار العسكري الى قوة ؟ سيكون الجواب هنا لايعتمد اطلاقا على المعطيات المادية للموقف ، بل على المعطيات الروحية ـ صلابة البطل هي صلابة الموقف الايماني وهذا الموقف يشكل لنا قيمة الظاهرة ولنعد الى النص ثانية ( قال هلال بن نافع :ـ اني لواقف مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر ايها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجد بنفسه فوالله ما رايت قتيلا متضمخا بدمه أحسن منه ولا انور وجها منه وقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في الحال ماءا،... فسمعت رجلا يقول والله لاتذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول :ـ انا أرد الحامية فاشرب من حميمها ؟
لا والله بل أرد على جدي رسول الله (ص) واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن ... وأشكو اليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ، فغضبوا باجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب احد منهم من الرحمة شيئا فرفع الحسين طرفه نحو السماء الى ان قال :ـ ( اللهم متعالي المكان عظيم الجبروت شديد المحال غني عن الخلائق عريض الكبرياء قادر على ما تشاء قريب الرحمة صادق الوعد سابغ النعمة حسن البلاء قريب اذا دعيت محيط بما خلقت قابل التوبة لمن تاب اليك قادر على ما أردت تدرك ما طلبت مشكور اذا شكر ت ذكور اذا ذكرت أدعوك محتاجا وارغب اليك فقيرا وأفزع اليك خائفا وأبكي مكروبا واستعين بك ضعيفا واتوكل بك كافيا .. اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فانهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد ( ص) الذي اصطفيته للرسالة وائتمنته على الوحي فاجعل لنا من امرنا مخرجا يا ارحم الراحمين وصبرا على قضائك يارب .. لااله سواك ... ياغياث المستغيثين ) فنحن نجد ان تفويض الامر الى الله قوة والقوة هنا من حيث ان التفويض كان مستمرا منذ الخطوة الاولى واستمر الى نهاية الحدث فاين الانكسار اذن ؟ واين هو النصر الذي توهموه ؟ واعني ان مسألة التفويض بقت في جبروتها وبقى الرمز منتصرا بعناده الايماني الذي لم ينكسر ، وثمة مسألةمهمة لابد ان تذكر هي شعورنا بان مثل هذه الاحداث لها قدرة عالية على استدرار الدموع ، اي ان المسألة لها حيثيات عمومية .. لكوننا سنحزن اذا ماتعر ض امامنا اي انسان لمثل هذا الموقف فكيف به وهو الحسين ابن بنت رسول الله الكريم وابن علي أمير المؤمنين وفاطمة سيدة نساء العالمين وكل من هذه الاسماء قصة حزينة لوحدها في ذاكرة المتلقي ووجدانه وكأن الجوهر واحد في تلك الفاجعة ،
( 2 )
<h2>( انماط الزمن في المقتل)
نلاحظ ان الزمن بالنسبة لرواية الكعبي رحمه الله ينحصرظاهرا في ساعات المعركة تاركا لنا زمن ماقبل الحدث العاشورائي وما بعده الحدث الذي انحصر في الطف الكربلائي .. ولكنه انفتح خاضعا لمؤثثات الواقعة نفسها لكونها واقعة غير عادية ولها تفرعات زمانية مذهلة ومنها الزمن الاستباقي ، فالرواة قد تناقلوا بعض النبؤءات التي تخص الواقعة كمشكاة جبرائيل ـ تنبؤات الرسول ( ص) والأمام علي (ع) وبعض الصحابة مثل نبوءة الصحابي الجليل سلمان المحمدي والتي كانت سببا في وثبة الثائر البارز .. ( زهير بن القين ) في قصة معروفة اذ دعاه الى خيمته بعدما اخبروا الحسين بامتعاضه عن صحبة قافلته مع القافلة الحسينية وحينها ذكره بنبوءة سلمان الذي بكى يوم نصر في احدى المعارك وعند لحظة جمع الغنائم ، وهو يبكي وقف ليجيب سؤال زهير لم تبكي يوم نصرنا فاجابه ، اتمنى ان تكون فرحتنا بهذا الحجم يوم يدعونا الحسين عليه السلام لنصرته في كربلاء ، فهذه كربلاء يا زهير وحينها استجاب زهيربن القين لنداء النصرة الحسينية المباركة والذي تنبأ هو ايضا بخطبته الجليلة يوم الطف ( نحن وانتم امة واحدة مالم يقع السيف فان وقع كنتم امة وكنا امة ) ،، و نعثر على بعض تلك الانعكاسات الاستباقية في المقتل الحسيني مثلا لنقرأ هذا المقطع الحواري والذي يعتبر أحد نبوءات الحسين عليه السلام ( أيم والله لاتلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم الرحى وتقلق بكم قلة المحور عهد عهده الي أبي عن جدي فأجمعوا امر كم وشركاؤكم ثم لايكن امركم عليكم عتمة ) وحين استدعى الحسين عمربن سعد وكان عمر كارها لايحب ان يأتيه ... فقال له :ـ( ياعمر انت تقتلني وتزعم ان يوليك الدعي أبن الدعي بلاد الري وجرمان ، والله لاتنتهي بذلك ابدا ـ عهدا معهودا ـ فاصنع ما أنت صانع لاتفرح بعدي بدنيا ولا أخره وكأني برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماها الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم) فالزمن هنا يتكون من عدة انماط زمانية منها الزمن الاستباقي والذي تزامن في اغلب تفاصيله مع حيثيات ماضوية ومعلقة في ذاكرة التلقي بالنسبة للزمن الثالث الذي هو زمن القراءة ... واسلوبيات التدوين الروائي الحديث التي انشأت ما يسمى بتيار الوعي والذي سعى لتقليل الزمن المروي وحصره بساعات قليلة طلبا للتركيزعلى الحدث وتسليط الضوء عليه لكننا نلاحظ رغم توافق حرفيات هذا التيار مع الاسلوب الذي كتب به المقتل من وجود تداعيات زمانية مكثفة تندمج في صلب الحاضر كشهادات بعض الجند عن وقائع فعلها الرموز في زمن سابق مثلا حفر الخندق المحيط بالمعسكر الحسيني الذي بدأ قبل الواقعة لكنه تجاوز امورا زمانية كثيرة كان لابد من الوقوف عليها وقد تركت احداثا عظيمة في واقع الواقعة الفكري والروحي ... مثلا تأجيل المعركة ليلة واحدة .. اسباب هذا التأجيل ولتوقعات المتزامنة لواقع التأجيل وردة الفعل السلبي والايجابي .خوف عمر بن سعد من الزمن الذي كان ملحوظا من خلال حواراته العجولة اهجموا ماهي الا اكلة واحدة .. فالزمن كان على مايبدو يمر بطيئا جدا على اعصاب ابن سعد كونه يخشى من انقلابة المعسكر عليه فكانت محاولاته انهاء الواقعة باسرع وقت . المهم ان الزمن يبقى مفتوحا عند المتلقي وكأنه ـ روحي له الفدى ـ لم يزل يقف بين طلول الطف ينادي الا من ناصر ينصرني
( 3 )
<h2>( مابين دفتي النص المرجعي )
يسألني البعض لأكون دقيقا في التدوين المرجعي .لكون هذا البعض قد شخص وجود تضادات كبيرة في المراجع التأريخية حسب دراستهم لتلك المراجع ، وانا لاانكر وجود مثل تلك الأختلافات لكني لم اجد تضادات جوهرية في اغلب ما قر أت من مصادر بل وجدت اختلافات في التفاصيل البسيطة التي لاتخل في توازنات الحدث ، ولا وجود لمثل هذه الاختلافات في الموروث الشعبي الشفاهي باستثناء مبالغات بعض المتأخرين والموضوعة لمتطلبات سوقية معروفة الغايات ولاتعتبر حتى من الكد الثقافي او الفكري الداعم للواقعة المباركة .. ونقصد بالاشتغال الجوهري فهم جوهر الواقعة الفكري والانساني كوننا غير مطالبين بالدقة التقريرية كادباء وشعراء ومثقفين ونجد ان الكعبي رحمه الله كان لايعتني بالدقة الرقمية في تناوله للحدث لكون هذه الدقة الرقمية غير مهمة لاستقرار الجوهري فنجده رحمه الله يكثر من استخدام كلمة ( قيل ) مثلا حين تحدث عن عدد جيش الحسين يقول ( كانوا سبعة وسبعين ما بين فارس وراجل وقيل اكثر من ذلك ) وفي موقع آخر يقول ( اقبل عمر بن سعد نحو الحسين على اقل الروايات في ثلاثين الفا) فالمهم والجوهري في القضية ان الفارق بين الجيشين كان كبيرا .. ثم نقرأ مثلا وصفا لمشهد الحر بن يزيد الرياحي ( ضرب فرسه قاصدا الى الحسين (ع) ويده على راسه وهو يقول اللهم اليك أنيب فنب ، فقد أرعبت قلوب أوليائك واولاد بنت نبيك وقال للحسين عليه السلام جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عند الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ويبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت انهم ينتهون بك الى ما ارى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأني قد جئتك تائبا مما كان مني الى ربي مواسيا لك بنفسي حتى اموت بين يديك فهل ترى لي من توبة .. فقال الحسين ( ع) نعم يتوب الله عليك فانزل ... قال انا لك فارسا خير من راجل .. اقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري .. فقال له الحسين فاصنع يرحمك الله ما بدا لك فأستقدم الامام الحسين (ع) .. قد نجد بعض الاختلافات في التفاصيل المروية التي وردت في بعض الروايات الاخرى ، لكن جميعها تتفق من حيث الجوهر .. وبما ان موضوعة المقاتل نفسها تعتمد على مقول موضوعي يستند على حقائق تأريخية عقائدية لكون هذه الرموز مقدسة فتكون قابلة للبرهنة كموضوع لرسالة تعالج مواضيع عامة ... ولذلك هي لاتحتاج الى سرد تفصيلي بقدر ما تحتاج الى كشف معالم جوهر الحدث والموقف الخاص لكل رمز يتضح من خلال الموقف العام برمته على التفاصيل ان لاتنسينا الجوهر الفعلي .. ذاكرة التلقي تحتفظ بالفحوى المضمونية ،والالتزام هنا سيمنحنا معنى التزام القراءة ، فالكعبي رحمه الله في مقتله يتصرف وكأن الدقة التفصيلية لاتعنيه فهو ليس باحثا علميا ونجده مثلا حين يذكر عمر علي بن الحسين الاكبر عليه السلام .. يقول ( وكان عمره ثماني عشرة وقيل خمسة وعشرون سنة ) أو حين يذكر مقتله يقول ( فاعترضه مرة بن منقذ فضربه وقيل طعنه بالرمح وصرعه وفي مقتل جعفر بن علي .. يقول ( حمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقتله وقيل رماه خولي فاصاب شقيقته أو عينيه ) وفي مقتل العباس عليه السلام ( فهوى الى الارض وقال السلام عليك يا ابا عبد الله أدركني يا أخي ..) وحين يتحدث عن مقتل الرضيع عليه السلام يقول وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فأتى بابنه عبد الله فاخذه واجلسه في حجر ه واومىء اليه ليقبله فرماه حرملة ابن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره وذبحه وورد في رواية الكعبي انه اراد ان يودع الرضيع .. ولم يأخذه طلبا للاستسقاء كما يروي بعض الخطباء المتأخرين واما في مقتل الحسين عليه السلام يقول ( رماه ابو الحتوف بحجر وقيل بسهم ) ويقول نزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه فالمهم ان مثل هذه الامور البسيطة لاتفقد من الجوهر التاريخي شيئا ... ومثل هذه القراءة تركت لدينا بعض الانطباعات المهمة فمثلا اعترض ذات يوم معترض عن قول يرد في زيارة الحسين عليه السلام ( لعن االله امة قتلتك ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به ) في حين يعتقد زهير بن القين رحمه الله في خطبته يوم الطف والتي وردت في نص المقتل .. ان حرب الحسين ستفصم عصمة هذه الامة وتلك حقيقة ما زلنا نؤمن بها فربما الواقع ما قبل الطف كان يحمل سمة الخلاف اما بعد الواقعة تحقق مفهوم زهير بن القين ( نحن وانتم امة مالم يقع السيف فان وقع كنا امة ....وكنتم امة ) اي ان قتالهم للحسين عليه السلام اسقط عنهم الهوية الاسلامية وهذا رد شافي لمثل هكذا معترض ... كما نجد ان التكوين العام لنوعية المقاتلين مع الحسين عليهم السلام كان اغلبهم من العلماء وقراء القرآن ولذلك كانت اغلب العيوب التي يشخصونها عند اتباع الطرف السلبي هو عدم احتكامهم لآيات الكتاب الشريف .. ، نسمع زهير يقول للشمر ( والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم ) فهذه هي مفاهيم الانصار لمعنى الدين وتمسكهم بالكتاب هو الذي حفز الصحوة للنصرة ... والمكوث عند محور الحر بن يزيد الرياحي يعطينا اكثر من مدلول فمثلا يقول قرة بن قيس ( ظننت والله انه يريد ان ينتحي ) فبعدما انكشفت الامور تدهورت نفسية الجيش وكان المتوقع ان ينتحي الجيش بينما نسمع المهاجر بن آوس يقول للحر ( ان امرك لمريب والله ما رايت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من اشجع أهل الكوفة ما عدوتك ) فهذا الذي ظنه المهاجر جبنا وخوفا لم يكن الا مخاض ولادة لخيار انساني يمضي قدما في سبل الشهادة ، واما قول الحسين عليه السلام لعمر بن سعد ( اتريد ان يطلبك بنوهاشم باكثر من دم مسلم ) فلو لم يقتل الحسين واهل بيته لكان دم مسلم وحده كافيا ليورثنا الحزن والالم .. أي ان الحسين ( ع) دخل اجواء المعركة قبل عوالم الطف مرغما لكننا نجده عليه السلام لاير يد ان يبدأ القتال ولم يذكر شيئا بالتركيز على دم مسلم كي لايقال انه طالب ثأر وتحدد المسألة عند اهل الغرض التفسيري والتزييف باطارها الشخصي ..
كما نجد مدلولا مهما في نص خطابه ( اعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لايؤمن بيوم الحساب ) يعني ان الذي يجري ماهو الا نوع من انواع التكبر والطغيان على الله ورسوله وأهل بيته .. ونجد ان تفكير الحسين عليه السلام طوال الواقعة دفاعيا وليس هجوميا ... كل مايريده الحسين عليه السلام هو الدفاع عن المبدأ ... والمتن الروائي للواقعة يعكس الكثير من هذه المفاهيم ويعكس ايضا المفاهيم الهجومية التي كانت تعشعش في عقلية جيش ابن سعد .. حيث لم يستقر لحال بعد ولم يبدأ أي فعل يعكس طبيعة الاشياء ( واقبلوا يجولون حول البيوت ) أي ان فعلهم الاول كان هجوميا .. كما نرى ان عدم سماح الحسين عليه السلام لحبيب بن مظاهر ولبرير بن خضير لمبارزة يسار مولى زياد وسالم مولى ابن زياد.. وفي نفس الوقت وافق لأستئذان عبد الله بن عمير الكلبي ...هذا الموقف يفسر عندنا لأحتمالين الاول .. ان شهرة الرجلين ووقارهما لايسمحان لمبارزة مولى غير جدير بان يكون قرينا لهما ولايريد للعبد ان يعود بهيئة منتصر .. اما الاحتمال الثاني انه اراد ان يضمن نصر هذه المبارزة وهذه النقطة بالتحديد هي التي اراد النص ان يقربها لنا من خلال صيغة الكلام .. وكان طويلا بعيد المنكبين فنظر الحسين (ع) اليه وقال ( أني احسبه للاقران قتالا ) ثم نجد قيمة النبوءة التي اطلقها الحسين (ع) في دعائه ( وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي واهل بيتي واشياعي منهم ) ولو تابعنا وتأملنا( الدربكة التي حصلت عند حز راس الحسين .. فنجد ان عمر بن سعد يقول لسنان بن انس .. أنزل ويحك الى الحسين فأرحه وسنان يقول لخولي بن يزيد أحتز راسه وخولي يضعف ويرعد ويقول له شمر ( فت الله في عضدك مالك ترعد ) ونزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه ثم احتز راسه الشريف من القفا الا يعني وجود خارقة اثر قبلة الرسول (ص) في العنق فلذلك صار الذبح من القفا .... ومن ثم نجد هناك ثيمات لابد ان نقف عندها متأملين فمثلا نجاة زين العابدين علي بن الحسين من القتل .. هذه نقطة متأملة لابد ان نقف عندها فمن لم يرحم طفلا رضيعا ويذبحه من الوريد ومن لم يرأف قلبه لحال طفلة اضرمتها النيران كيف يحن قلبه فجأة ويرحم فتى عليلا .. كيف . اليست في هذه المسألة الكثير من الغرائبية .. الا يعني ان هناك تدخلا ربانيا بانتقال قوة السر الاعظم الى زين العابدين عليه السلام وما نسميه بعصمة الامامة ...
http://kitabat.info/index.php
</h2>
</h2>