رسالة التنزيه لآية الله العظمى العلامة المحقق السيد محسن الأمين العاملي قدس سره الشريف (1284ﻫ ـ 1371ﻫ)


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
دور إبليس
فإن الله سبحانه وتعالى أوجب إنكار المُنكر بقدر الإمكان بالقلب أو اليد أو اللسان. ومن أعظم المنكرات اتخاذ البدعة سنّة والسنّة بدعة والدعاية إليها وترويجها، ولمّا كان إبليس وأعوانه إنما يضلون الناس من قبل الأمر الذي يروج عندهم، كانوا كثيراً ما يضلون أهل الدين من طريق الدين بل هذا من أضر طرق الإضلال وقلّما تكون عبادة من العبادات أو سنّة من السنن لم يُدخل فيها إبليس وأعوانه ما يفسدها. فمن ذلك إقامة شعائر الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام التي استمرت عليها طريقة الشيعة من عصر الحسين(ع) إلىاليوم. ولما رأى إبليس وأعوانه ما فيها من المنافع والفوائد وأنه لا يمكنهم إبطالها بجميع ما عندهم من الحيل والمكائد توسلوا إلى إغواء الناس بحملهم على أن يُدخلوا فيها البدع والمنكرات وما يشينها عند الأغيار قصداً لإفساد منافعها وإبطال ثوابها فادخلوا فيها أموراًً أجمع المسلمون على تحريم أكثرها وأنها من المنكرات وبعضها من الكبائر التي هدد الله فاعلها وذمه في كتابه العزيز.
أمورٌ منكرة
1-
فمنها الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب وهي تتلى على المنابر وفي المحافل بكرة وعشياً ولا من منكر ولا رادع. وسنذكر طرفاً من ذلك في كلماتنا الآتية إن شاء الله وهو من الكبائر بالاتفاق لا سيما إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.
2-
ومنها إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الإغماء بنـزف الدم الكثير وإلى المرض أو الموت وطول برء الجرح.
وبضرب الظهور بسلاسل الحديد وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وبما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدّح به رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله "جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء" من رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج}.
3-
ومنها استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر (الدمام) والصنوج النحاسية وغير ذلك.
4-
ومنها تشبّه الرجال بالنساء في وقت التمثيل.
5-
ومنها إركاب النساء الهوادج مكشّفات الوجوه وتشبيههن ببنات رسول الله(ص) وهو في نفسه محرم لما يتضمنه من الهتك والمثلة فضلاً عما إذا اشتمل على قبح وشناعة أخرى مثلما جرى في العام الماضي في البصرة من تشبيه امرأة خاطئة بزينب(ع) وإركابها الهودج حاسرة على ملأ من الناس.
6-
ومنها صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب ولو فرض عدم تحريمه فهو معيب شائن منافٍ للآداب والمروءة يجب تنـزيه المآتم عنه.
7-
ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.
8-
ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع إلى غير ذلك.
فإدخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين(ع) من تسويلات إبليس ومن المنكرات التي تغضب الله ورسوله(ص) وتغضب الحسين(ع) فإنه قُتل في إحياء دين جده (ص) ورفع المنكرات فكيف يرضى بفعلها لا سيما إذا فُعلت بعنوان أنها طاعة وعبادة.
الحملة على الإصلاح
وقد رأينا في هذه الأيام أوراقاً مطبوعة ذكر فيها صاحبها أنه يرد على ناشئة عصرية من صفتها كذا فطائفة منها ازدلفت إلى مشاهدهم المقدسة ببقيع الفرقد فهدمتها وطائفة منهم قد تألبت لإبطال إقامة العزاء للنبي وآله وعترته أيام وفياتهم المعلومة لا سيما يوم عاشوراء.
ثم ذكر حُسن إقامة المآتم والبكاء على الحسين (ع) بما كفيناه مؤونته في كتابنا إقناع اللائم على إقامة المآتم كما كفيناه مؤونة الأمر الثاني في كتابنا كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب وفي قصيدتنا العقود الدرية.
وحسَّن فيها ما يفعله بعض الناس أيام عاشوراء من لبس الأكفان وكشف الرؤوس وجرحها بالمِدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفان ودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقان (الدمام) وغير ذلك، والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة.
وعرّض بنا وببعض فضلاء السادة في البصرة بسوء القول لنهينا عن قراءة الأحاديث المكذوبة وعن هذا الفعل الشائن للمذهب وأهله والمنفر عنه والملحق به العار عند الأغيار والذي يفتح باب القدح فيه وفي أهله ونسبتهم إلى الجهل والجنون وسخافة العقول والبعد عن محاسن الشرع الإسلامي واستحلال ما حكم الشرع والعقل بتحريمه من إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها حتى أدى الحال إلى أن صارت صورهم الفوتوغرافية تعرض في المسارح وعلى صفحات الجرائد. وقد قال لنا أئمتنا عليهم السلام {كونوا زينا لنا ولا تكونوا شيناً علينا} وأمرونا بأن نفعل ما يقال لأجله، {رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه}. ولم ينقل عنهم أنهم رخّصوا أحداً من شيعتهم في ذلك ولا أمروهم به ولا فُعل شيء من ذلك في عصرهم لا سراً ولا جهراً.
وقد كتب على ظهرها انها للمصلح الكبير!! فهذا هو الإصلاح الذي يوصف صاحبه بالمصلح الكبير بالحث على أمر لو فرض محالاً أنه ليس محرماً فهو مما يلصق العار بالمذهب وأهله وينفر الناس عنه ويفتح باب القدح فيه!
أليس من الورع في الدين والاحتياط فيه التحاشي؟ أما يقتضي الإصلاح، لو كان القصد الإصلاح، تركه والتجافي عنه صيانة للمذهب وأهله من إلصاق العيب بهم والتنفير عنهم؟ فلو فرض إباحته فهو ليس من واجبات الدين التي يضر تركها.
وكتب على ظهرها أيضاً أنها طبعت على نفقة "الجمعية الدينية في النبطية" (كذا).
تعليق