معاوية بن أبي سفيان (دراسة)
أخي الكريم نتسلسل في البحث ونبدأه بكنه و حقيقة الأب (معاوية بن أبي سفيان) لنرى بماذا تحدث عنه علماء السنة.
من هو معاوية؟
أبوه، أبو سفيان الذي لم يستقر الإسلام في قلبه قط. و أُمه هند التي أغرت وحشي بالأموال ليقتل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)أو علي(عليه السلام) أو حمزة سيد الشهداء في معركة أحد، فاعتذر عن قتل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و علي(عليه السلام) و استجاب لأمرها في حمزة عم النبي(صلى الله عليه وآله). و بالفعل نفذ ما أرادت و بعد المعركة وقفت على جسد حمزة و شقت بطنه ولاكت أكباده بأسنانها.(1[1])
و هو من المحاربين لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في بدر و أحد و الأحزاب و من الطلقاء، بلا خلاف، و كان من الذين حاربوا رسول اللّه في معركة الخندق ، و من المؤلفة قلوبهم.(2[2]) و هو من الملعونين في القران الكريم في قوله تعالى (والشجرة الملعونة في القرآن((3[3])
و مع هذا كله فان معاوية لم يكن من الخلفاء الراشدين ، بل من ملوك بني أمية، الذين احتلوا هذا المنصب بالسيف و الإرهاب و الخديعة و الكذب. و لذا تمرد على إمام زمانه ، علي(عليه السلام)، حينما أراد إزالته عن ولاية الشام.(4[4]) و قام بارتكاب جرائمه بقتله للصحابة الأجلاء أمثال حجر بن عدي الكندي و سبعة من أصحابه، و قتله محمد بن أبي بكر و إحراقه و التمثيل به ، وسمّ مالك الأشتر و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.(5[5]) كذلك أمر أهل الشام أن يسبوا علياً(عليه السلام) في قنوت الصلاة و خطب الجمعة.(6[6]) مع تنزيه النبي لعلي حيث قال «من سب علياً فقد سبني».(7[7])
و لم يكتفي بذلك بل أقدم على حرب الإمام علي(عليه السلام) ، الخليفة الشرعي باتفاق المسلمين و خرج عليه في حرب صفين.
كما انه أمير الفئة الباغية الخارجة من الحق إلى الباطل بدلائل أظهرها و أثبتها قوله(صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر « تقتلك الفئة الباغية»، و هذا أحد استدلالات أهل السنة و الجماعة على تكفير معاوية، و لما قتل عمار في صفين و علم معاوية بذلك ، أراد أن يبرر موقفه فقال: إنما قتله من أخرجه معه! و يقصد علي(عليه السلام) و هذا قياس باطل و يكون حكمه كحكم قتل حمزة(عليه السلام) فقد خرج مع رسول اللّه ؛ أفيكون الرسول قاتله؟! لأنّه أخرجه .فهذا إلزام لا جواب عنه و حجة لا أعترض عليها(8[8]) بل حتى المحبين لمعاوية من المعاصرين أنكروا تأويل معاوية حيث قالوا: هذا تعسف في التأويل أبتكره معاوية للتخلص من حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و هو ظاهر بأن عماراً تقتله الفئة الباغية.
و كان مجلسه لا يخلوا من الطرب و الغناء(9[9]) و كان ينفق على المغنين مبالغ ضخمة و قد صرح الجاحظ بأن معاوية من أهل الطرب و الغناء و كانت أمه ،هند ، و عمته أم جميل ، من ذوات الرايات و زوجة أبي لهب التي انزل الله فيها و في زوجها سورة قرآنية .
و ختم حياتهب خروجه عن الإسلام . و ذلك كما أفاده ابن حزم حيث عدّ أربعة أمور كل واحد منها يخرج الإنسان عن الإسلام منها قتل الحسن(عليه السلام) حيث دس إليه السم عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث التي أطمعها بتزوجها لابنه يزيد.(10[10]) ، و تنصيبه ولده يزيد ملكاً من بعده بقوة السيف و أمر عماله أن يأخذوا له البيعة من الناس و في يزيد قال الذهبي: كان ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر و يفعل المنكرات. أفتتح دولته بقتل الحسين بن على(عليه السلام) و ختمها بوقعه الحرة.(11[11])
لذا يقول الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: أنتزاءه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة ، و استخلافه بعده ابنه سكيراً خماراً يلبس الحرير و يضرب الطنابير، و ادعاءه زياداً أخا له و قد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) الولد للفراش و للعامر الحجر ، و قتله حجر بن عدى(12[12]).
و أخيراً أقول و بكل اختصار أن حرب معاوية ضد الإمام علي الخليفة الشرعي آنذاك و دس السم للإمام الحسن(عليه السلام) هو حرب لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله). و هذا ما دلت عليه الأخبار منها قوله(صلى الله عليه وآله) لأهل بيته «أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم»(13[13])
و بعد هذا كله و بعد أن وقفنا على سيرة حياة معاوية و التي استخلصناها من بطون الكتب: أقول كيف يكون معاوية كاتباً للوحي وقد بقي على شركه حتى دخول الرسول(صلى الله عليه وآله) مكة فاتحاً، حينذاك عفا عن أبي سفيان أبيه من جملة من عفا و قال: اذهبوا أنتم الطلقاء . و ما دخل أبو سفيان و لا ولده الإسلام إلا مكاء و تصدية و خوفاً على رقابهم، و هو القائل حينما جاءت الخلافة إلى عثمان: تلاقفوها يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة و لا نار.(14[14]) إذاً كيف يكون معاوية ثقة رسول الله و كاتب وحيه.
من هو يزيد؟
هو يزيد بن معاوية و أمه ميسون و إن أهم ما يميز هذا السيئة أنه لم يكن مثل أبيه في ترويه و حزمه و احتياطه، و لم يلتزم طريقته في تعاطيه للمداورة و المراوغة. فقد كان مستهزئاً إلى أبعد حدود الاستهتار ولم يبالي بما يسمونه دينا و إسلاما و لا بذلك الستار الذي كان يستتر به أبوه ، و كان يتظاهر بالعداء المطلق للهاشميين و العلويين و للأنصار من صحابة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، و لم يستطع أن ينسى ثارات عائلته و فقده لأخواله و عمومته و سُراة قومه في حروبهم ضد الإسلام التي انتهت بإذلال قريش و بني أمية و استسلامهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) . فحمل تلك الأحقاد.
و كان أخذ الثأر و لو طال الأمد من أبرز صفاته لذا أول شئ بادر إليه عندما أستلم الحكم هو ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة التي أمر جلاديه بإتيانها في كربلاء و انتهت بمصرع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي(عليه السلام) و أهل بيته و أصحابه.(15[15])
. و لما سمع يزيد بذلك فرح به و اخذ يتثمل بقول ابن الزبعري الذي انشد أبيات بعد موقعه أحد قائلا(16[16])
ليست أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً***ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم***و عدلنا ميل بدر فاعتدل
لستُ من خندف إن لم أنتقم***من بني احمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر***جاء و لا وحي نزل
و في سنة (61 هـ) سارع لارتكاب مجزرة أخرى في المدينة بقياده سفّاحه مسلم بن عقبة فقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين فيهم ثمانون(17[17]) من الذين شهدوا بدراً مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و افتضى حوالي ألف بكر و حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج شرعي . ثم بايع من بقي من الناس على انهم عبيد ليزيد و من أمتنع قتل.
و مهما كان الحال في المدينة فقد خرج منها مسلم بن عقبة باتجاه مكة المكرمة لحرب بن الزبير الذي أعتصم بها و التف الناس حوله و اشتبك الجيشان، فقذف أهل الشام مكة بالنيران فأحرقوها. و كان ذلك سنة (63 هـ).(18[18])
فهذه ثلاث سنوات من تولي يزيد الحكم، قتل فيها الحسين(عليه السلام) و أهل بيته ، و احتل مدينة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في السنة الثانية، و احرق بيت اللّه في السنة الثالثة إلى أن هلك سنة (64 هـ).
وآل الأمر بعده إلى ولده معاوية بن يزيد، فصعد المنبر و قال: أيها الناس! لقد نازع جدي معاوية من هو أولى منه بالخلافة و أحق بها لقرابته من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و ركب بكم ما تعلمون، حتى انتهى الأمر و صار رهينة في قبره بذنوبه، و أسيراً لأخطائه و جرائمه، و قبل أن يرحل عن هذه الدنيا قلد الأمر لوالدي فصار أسيراً بجرمه و ذنوبه. و أن اعظم الأمر علينا سوء مصرعه و قبح منقلبه و قد قتل عترة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، و أباح المدينة و هدم الكعبة. و مضى يقول و لقد وُلّيت عليكم و تقلدت أمرا ليس لي ، فأن أجبتم تركتها لرجل قوي أو جعلتها شورى بينكم. ثم ترك المنبر و دخل منزله و مات بعد أربعين يوماً من وفاة والده.(19[19])
خاتمه البحث
بعد هذا المشوار الطويل و على مدى حقبة زمنية طويلة لحكم معاوية و ولده، و ما سرده أصحاب السير من أبناء السنة و العامة، عرضنا لمقامكم الكريم سيرة معاوية و ولده و نحن بهذا العرض التاريخي الذي استعرضناه لا نريد أن نملي عليكم قناعتنا بل نريد أن نركن و إياكم إلى العقل السليم و إلى الدليل المنير الذي نستهدي به الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلى رضا الله و رضا رسوله و أهل بيته، و لا نتمسك بمن سبقونا الذين أظلهم أصحاب الأقلام المزيفة المرتزقة الذين جعلوا من معاوية كاتباً للوحي مع قبح سيرته، و كيف يقبل العقل بأن رسول الله الذي لا يفارقه الوحي و الذي لا ينطق عن الهوى و الذي يعلم بعلم الله كل شئ ، كيف يأتمن معاوية على كتابة وحيه؟ و هل قلّ الصحابة؟.
أخيراً هدانا الله و إياكم طريق الرشد و الصواب و السلام عليكم و رحمه اللّه و بركاته.
1[1]- تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 218 ،ط. دار صادر. ربيع الأبرار للزمخشري، ج 3، باب القرابات و الأنساب. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 111.
2[2]- أسد الغابة، ج 4، ص 385.
3[3]- انظر الدر المنثور، ج 4، ص 191. تفسير القرطبي، ج 10، ص 286. تفسير الالوسي، ج 15، ص 107. و انظر لعن معاوية في تاريخ الإسلام للذهبي ج 4، ص 39. و في ذم معاوية انظر صحيح مسلم، ج 6، ص 18 ، ط، دار الفكر، بيروت.
4[4]- أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي حيث ينقل حديث احمد بن حنبل: إن معاوية لم يكن أحق بالخلافة من على بن أبي طالب(عليه السلام). تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 216، ط دار صادر.
5[5]- الكامل في التاريخ، ج 3، ص 326 ، ط بيروت. مروج الذهب، ج 2، ص 409 ط. دارا لهجرة.
6[6]- تاريخ ابن الوردي ، ج 1، ص 160. البداية و النهاية ص 252.
7[7]- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 74 ، دار الفكر، بيروت.
8[8]- على بن أبي طالب(عليه السلام)، خير اللّه طلفاح، ص 159 ، ط بغداد.
9[9]- أنظر التاج في أخلاق الملوك للجاحظ، ص 38.
10[10]- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 68.
11[11]- شذرات الذهب، ج 1، ص 69.
12[12]- الكامل في التاريخ، ج 3، ص 242.
13[13]- البخاري، ج 5، ص 52 ، ط دار الفكر، بيروت. المناقب، ص 91. الترمذي، ج 5، ص 360 ط.دار الفكر، بيروت.
14[14]- تاريخ ابن عساكر، ج 6، ص 407. تاريخ الطبري، ج 11، ص 357.
15[15]- تاريخ الانتفاضات الشيعية، ص 398.
16[16]- مروج الذهب، ج 2، ص 341 ،دار الهجرة. شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 13. مقتل الخوارزمي ص 67.
17[17]- تاريخ الأدب الجاهلي لطه حسين، ص 136.
18[18]- المسعودى، مروج الذهب، ح 2، ص 342.
19[19]- الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 428، 429.
أخي الكريم نتسلسل في البحث ونبدأه بكنه و حقيقة الأب (معاوية بن أبي سفيان) لنرى بماذا تحدث عنه علماء السنة.
من هو معاوية؟
أبوه، أبو سفيان الذي لم يستقر الإسلام في قلبه قط. و أُمه هند التي أغرت وحشي بالأموال ليقتل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)أو علي(عليه السلام) أو حمزة سيد الشهداء في معركة أحد، فاعتذر عن قتل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و علي(عليه السلام) و استجاب لأمرها في حمزة عم النبي(صلى الله عليه وآله). و بالفعل نفذ ما أرادت و بعد المعركة وقفت على جسد حمزة و شقت بطنه ولاكت أكباده بأسنانها.(1[1])
و هو من المحاربين لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في بدر و أحد و الأحزاب و من الطلقاء، بلا خلاف، و كان من الذين حاربوا رسول اللّه في معركة الخندق ، و من المؤلفة قلوبهم.(2[2]) و هو من الملعونين في القران الكريم في قوله تعالى (والشجرة الملعونة في القرآن((3[3])
و مع هذا كله فان معاوية لم يكن من الخلفاء الراشدين ، بل من ملوك بني أمية، الذين احتلوا هذا المنصب بالسيف و الإرهاب و الخديعة و الكذب. و لذا تمرد على إمام زمانه ، علي(عليه السلام)، حينما أراد إزالته عن ولاية الشام.(4[4]) و قام بارتكاب جرائمه بقتله للصحابة الأجلاء أمثال حجر بن عدي الكندي و سبعة من أصحابه، و قتله محمد بن أبي بكر و إحراقه و التمثيل به ، وسمّ مالك الأشتر و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.(5[5]) كذلك أمر أهل الشام أن يسبوا علياً(عليه السلام) في قنوت الصلاة و خطب الجمعة.(6[6]) مع تنزيه النبي لعلي حيث قال «من سب علياً فقد سبني».(7[7])
و لم يكتفي بذلك بل أقدم على حرب الإمام علي(عليه السلام) ، الخليفة الشرعي باتفاق المسلمين و خرج عليه في حرب صفين.
كما انه أمير الفئة الباغية الخارجة من الحق إلى الباطل بدلائل أظهرها و أثبتها قوله(صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر « تقتلك الفئة الباغية»، و هذا أحد استدلالات أهل السنة و الجماعة على تكفير معاوية، و لما قتل عمار في صفين و علم معاوية بذلك ، أراد أن يبرر موقفه فقال: إنما قتله من أخرجه معه! و يقصد علي(عليه السلام) و هذا قياس باطل و يكون حكمه كحكم قتل حمزة(عليه السلام) فقد خرج مع رسول اللّه ؛ أفيكون الرسول قاتله؟! لأنّه أخرجه .فهذا إلزام لا جواب عنه و حجة لا أعترض عليها(8[8]) بل حتى المحبين لمعاوية من المعاصرين أنكروا تأويل معاوية حيث قالوا: هذا تعسف في التأويل أبتكره معاوية للتخلص من حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و هو ظاهر بأن عماراً تقتله الفئة الباغية.
و كان مجلسه لا يخلوا من الطرب و الغناء(9[9]) و كان ينفق على المغنين مبالغ ضخمة و قد صرح الجاحظ بأن معاوية من أهل الطرب و الغناء و كانت أمه ،هند ، و عمته أم جميل ، من ذوات الرايات و زوجة أبي لهب التي انزل الله فيها و في زوجها سورة قرآنية .
و ختم حياتهب خروجه عن الإسلام . و ذلك كما أفاده ابن حزم حيث عدّ أربعة أمور كل واحد منها يخرج الإنسان عن الإسلام منها قتل الحسن(عليه السلام) حيث دس إليه السم عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث التي أطمعها بتزوجها لابنه يزيد.(10[10]) ، و تنصيبه ولده يزيد ملكاً من بعده بقوة السيف و أمر عماله أن يأخذوا له البيعة من الناس و في يزيد قال الذهبي: كان ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر و يفعل المنكرات. أفتتح دولته بقتل الحسين بن على(عليه السلام) و ختمها بوقعه الحرة.(11[11])
لذا يقول الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: أنتزاءه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة ، و استخلافه بعده ابنه سكيراً خماراً يلبس الحرير و يضرب الطنابير، و ادعاءه زياداً أخا له و قد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) الولد للفراش و للعامر الحجر ، و قتله حجر بن عدى(12[12]).
و أخيراً أقول و بكل اختصار أن حرب معاوية ضد الإمام علي الخليفة الشرعي آنذاك و دس السم للإمام الحسن(عليه السلام) هو حرب لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله). و هذا ما دلت عليه الأخبار منها قوله(صلى الله عليه وآله) لأهل بيته «أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم»(13[13])
و بعد هذا كله و بعد أن وقفنا على سيرة حياة معاوية و التي استخلصناها من بطون الكتب: أقول كيف يكون معاوية كاتباً للوحي وقد بقي على شركه حتى دخول الرسول(صلى الله عليه وآله) مكة فاتحاً، حينذاك عفا عن أبي سفيان أبيه من جملة من عفا و قال: اذهبوا أنتم الطلقاء . و ما دخل أبو سفيان و لا ولده الإسلام إلا مكاء و تصدية و خوفاً على رقابهم، و هو القائل حينما جاءت الخلافة إلى عثمان: تلاقفوها يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة و لا نار.(14[14]) إذاً كيف يكون معاوية ثقة رسول الله و كاتب وحيه.
من هو يزيد؟
هو يزيد بن معاوية و أمه ميسون و إن أهم ما يميز هذا السيئة أنه لم يكن مثل أبيه في ترويه و حزمه و احتياطه، و لم يلتزم طريقته في تعاطيه للمداورة و المراوغة. فقد كان مستهزئاً إلى أبعد حدود الاستهتار ولم يبالي بما يسمونه دينا و إسلاما و لا بذلك الستار الذي كان يستتر به أبوه ، و كان يتظاهر بالعداء المطلق للهاشميين و العلويين و للأنصار من صحابة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، و لم يستطع أن ينسى ثارات عائلته و فقده لأخواله و عمومته و سُراة قومه في حروبهم ضد الإسلام التي انتهت بإذلال قريش و بني أمية و استسلامهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) . فحمل تلك الأحقاد.
و كان أخذ الثأر و لو طال الأمد من أبرز صفاته لذا أول شئ بادر إليه عندما أستلم الحكم هو ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة التي أمر جلاديه بإتيانها في كربلاء و انتهت بمصرع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي(عليه السلام) و أهل بيته و أصحابه.(15[15])
. و لما سمع يزيد بذلك فرح به و اخذ يتثمل بقول ابن الزبعري الذي انشد أبيات بعد موقعه أحد قائلا(16[16])
ليست أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً***ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم***و عدلنا ميل بدر فاعتدل
لستُ من خندف إن لم أنتقم***من بني احمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر***جاء و لا وحي نزل
و في سنة (61 هـ) سارع لارتكاب مجزرة أخرى في المدينة بقياده سفّاحه مسلم بن عقبة فقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين فيهم ثمانون(17[17]) من الذين شهدوا بدراً مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و افتضى حوالي ألف بكر و حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج شرعي . ثم بايع من بقي من الناس على انهم عبيد ليزيد و من أمتنع قتل.
و مهما كان الحال في المدينة فقد خرج منها مسلم بن عقبة باتجاه مكة المكرمة لحرب بن الزبير الذي أعتصم بها و التف الناس حوله و اشتبك الجيشان، فقذف أهل الشام مكة بالنيران فأحرقوها. و كان ذلك سنة (63 هـ).(18[18])
فهذه ثلاث سنوات من تولي يزيد الحكم، قتل فيها الحسين(عليه السلام) و أهل بيته ، و احتل مدينة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في السنة الثانية، و احرق بيت اللّه في السنة الثالثة إلى أن هلك سنة (64 هـ).
وآل الأمر بعده إلى ولده معاوية بن يزيد، فصعد المنبر و قال: أيها الناس! لقد نازع جدي معاوية من هو أولى منه بالخلافة و أحق بها لقرابته من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) و ركب بكم ما تعلمون، حتى انتهى الأمر و صار رهينة في قبره بذنوبه، و أسيراً لأخطائه و جرائمه، و قبل أن يرحل عن هذه الدنيا قلد الأمر لوالدي فصار أسيراً بجرمه و ذنوبه. و أن اعظم الأمر علينا سوء مصرعه و قبح منقلبه و قد قتل عترة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، و أباح المدينة و هدم الكعبة. و مضى يقول و لقد وُلّيت عليكم و تقلدت أمرا ليس لي ، فأن أجبتم تركتها لرجل قوي أو جعلتها شورى بينكم. ثم ترك المنبر و دخل منزله و مات بعد أربعين يوماً من وفاة والده.(19[19])
خاتمه البحث
بعد هذا المشوار الطويل و على مدى حقبة زمنية طويلة لحكم معاوية و ولده، و ما سرده أصحاب السير من أبناء السنة و العامة، عرضنا لمقامكم الكريم سيرة معاوية و ولده و نحن بهذا العرض التاريخي الذي استعرضناه لا نريد أن نملي عليكم قناعتنا بل نريد أن نركن و إياكم إلى العقل السليم و إلى الدليل المنير الذي نستهدي به الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلى رضا الله و رضا رسوله و أهل بيته، و لا نتمسك بمن سبقونا الذين أظلهم أصحاب الأقلام المزيفة المرتزقة الذين جعلوا من معاوية كاتباً للوحي مع قبح سيرته، و كيف يقبل العقل بأن رسول الله الذي لا يفارقه الوحي و الذي لا ينطق عن الهوى و الذي يعلم بعلم الله كل شئ ، كيف يأتمن معاوية على كتابة وحيه؟ و هل قلّ الصحابة؟.
أخيراً هدانا الله و إياكم طريق الرشد و الصواب و السلام عليكم و رحمه اللّه و بركاته.
1[1]- تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 218 ،ط. دار صادر. ربيع الأبرار للزمخشري، ج 3، باب القرابات و الأنساب. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 111.
2[2]- أسد الغابة، ج 4، ص 385.
3[3]- انظر الدر المنثور، ج 4، ص 191. تفسير القرطبي، ج 10، ص 286. تفسير الالوسي، ج 15، ص 107. و انظر لعن معاوية في تاريخ الإسلام للذهبي ج 4، ص 39. و في ذم معاوية انظر صحيح مسلم، ج 6، ص 18 ، ط، دار الفكر، بيروت.
4[4]- أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي حيث ينقل حديث احمد بن حنبل: إن معاوية لم يكن أحق بالخلافة من على بن أبي طالب(عليه السلام). تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 216، ط دار صادر.
5[5]- الكامل في التاريخ، ج 3، ص 326 ، ط بيروت. مروج الذهب، ج 2، ص 409 ط. دارا لهجرة.
6[6]- تاريخ ابن الوردي ، ج 1، ص 160. البداية و النهاية ص 252.
7[7]- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 74 ، دار الفكر، بيروت.
8[8]- على بن أبي طالب(عليه السلام)، خير اللّه طلفاح، ص 159 ، ط بغداد.
9[9]- أنظر التاج في أخلاق الملوك للجاحظ، ص 38.
10[10]- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 68.
11[11]- شذرات الذهب، ج 1، ص 69.
12[12]- الكامل في التاريخ، ج 3، ص 242.
13[13]- البخاري، ج 5، ص 52 ، ط دار الفكر، بيروت. المناقب، ص 91. الترمذي، ج 5، ص 360 ط.دار الفكر، بيروت.
14[14]- تاريخ ابن عساكر، ج 6، ص 407. تاريخ الطبري، ج 11، ص 357.
15[15]- تاريخ الانتفاضات الشيعية، ص 398.
16[16]- مروج الذهب، ج 2، ص 341 ،دار الهجرة. شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 13. مقتل الخوارزمي ص 67.
17[17]- تاريخ الأدب الجاهلي لطه حسين، ص 136.
18[18]- المسعودى، مروج الذهب، ح 2، ص 342.
19[19]- الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 428، 429.