نشرت جريدة السفير هذا اليوم الموضوع التالي
«أمن عام» ينتفض لوالدته
ضـد عائلـة سـوكـا!
مادونا سمعان
أتى سوكا، وهو اسم مستعار لرجل هندي، إلى لبنان برفقة زوجته وابنه بحثاً عن لقمة العيش، مثله مثل غيره من العمال الأجانب. اختار، صدفةً أو عن سابق تصوّر وتصميم، العمل كناطور لأحد المجمعات التجارية في منطقة الدكوانة، بينما تعمل زوجته في تنظيف المنازل والمكاتب.
أما ابنهما، وهو في السابعة من العمر، فيلهو ويلعب بما تطاله يده من ألعاب مكسّرة في الغرفة التي تقطنها العائلة في المرأب السفلي للمجمّع.
تجذب سمرة هذا الطفل المارين في المرأب، فيتحسرون على حظّه في الحياة، لا سيما أنه محروم من ارتياد المدرسة. فما يجنيه والداه بالكاد يكفي الأكل والشرب، بعيداً من التخطيط للعودة إلى البلد الأم.
قبل أيام، استهلت الزوجة عملها في تنظيف الأقسام المشتركة في المجمع، وهي المهمة الموكلة إليها منذ عمل زوجها كناطور له. بدأ يومها عادياً، قبل أن تطلب منها سكرتيرة أحد أطباء الأسنان تنظيف مكتبها. فطلبت زوجة سوكا مبلغاً من المال لقاء العمل المطلوب، لأن مهمتها تشمل الأقسام المشتركة فقط. رفضت السكرتيرة دفع بدل عملها وأمرتها بالامتثال لطلبها. فأصرّت المرأة الهندية على الرفض، لا سيما أن أسلوب السكرتيرة اللبنانية استفزّها.
تركت العاملة السكرتيرة، وهي في حال هستيرية من الغضب. لكن انسحاب الزوجة العاملة لم يضع حداً للخلاف. فالسكرتيرة لم تشف غليلها جيّداً، وقد اكتشفت للانتقام سبيلاً. ولأن ما تتحلى به من قوة لا يشبع انتقامها، استعانت بابنها، الذي يعمل كعنصر في الأمن العام اللبناني. روت له وجهة نظرها، وهي لا بدّ تدرك أنه سينتفض لكرامتها وكرامة كل العائلة و«يربّي» تلك التي تجرأت على ألا تمتثل لأوامر الوالدة و«من لفّ لفها».
حضر الابن بعد وقت قصير إلى مرأب المجمع، حيث غرفة العائلة الهندية. أجبر سوكا وزوجته وابنهما على الدخول إلى سيارته، وكان صديق له (في الأمن العام أيضاً) يؤازره على اتمام المهمة. اختفيا لبعض الوقت، ثم عادا بالعائلة وآثار الضرب بادية على وجه الأم والأب. ولحسن الحظّ (!) أن العنصرين اكتفيا بضرب الوالدين لتلقين الولد الدرس، فجنبّاه الضرب غير آبهين بجروحه النفسية.
التزم الهنديان غرفتهما إلى حين تنبّهت لجنة مالكي المجمّع لحالهما، فراجعت السكرتيرة، ولم ينكر صاحب عملها ما حدث. عرض المال على اللجنة، ليس كتعويض بل كرشوة للعاملين، لأن انتفاضة اللجنة في وجه السكرتيرة نبهتها إلى أن قصة الهنديين ربما تصل إلى المسؤولين عن ابنها، فينزلون به أقصى العقوبات.. خصوصاً أنه مارس ما مارسه عليهما من دون «أمر مهمة».
في لبنان، يوجد مثل عامي يقول: «إذا ضاقت بك سبل العيش، فادخل السلك أو الجيش». وإذا كان ذاك الابن - العنصر قد انتسب إلى سلك الأمن العام لأن سبل العيش ضاقت به، فهو إذاً يتساوى مع سوكا والعائلة، ليس فقط بالبحث عن لقمة العيش، بل أيضاً بالرغبة بالحفاظ على الكرامة الشخصية وكرامة العائلة.
إلى ذلك، تشير الواقعة، التي لا يستغرب أنها وقعت في لبنان، لأنها واحدة من سلسلة عنصرية وطبقية تتكرر يومياً بلا علاج شافٍ، الى أن سوكا وابن السكرتيرة تساويا في اداء دوريهما في القصة، أيضاً. فالأخير أتقن دوره كجلّاد مستمداً قوّته من بزة مرقطة، فيما أدى الأول دور الضحية كما يراد له أن يؤديه. وهو، حتى كتابة تلك السطور، يخاف حتى من استذكار الحادثة، تماماً كما تخاف العائلة من تقديم شكوى أمام «معنيين» لا يعتنون بهم، وإنما بالمعتدين.
العنصر خرج عن دوره، وبات كأي «أزعر» في الشارع، يمارس الاعتداء كوسيلة للعيش. إذ يشير المكتب الإعلامي التابع لمديرية الأمن العام الى أنه يتم التحقيق بكل شكوى موثقة تصله، وأنه يمنع منعاً باتاً على عناصره التدخل بأي إشكال، «وحتى ذلك الذي يطاله شخصياً، لأن من واجب العنصر إبلاغ المديرية بإفادة خاصة». وتجدر الإشارة إلى أن المخلين بالقوانين من العناصر يحاكمون من خلال القضاء العسكري.
لكن سوكا، حتى الساعة، لا يريد تقديم شكوى، لأنه، على الرغم من شرعية إقامته، يخاف الأمن العام.
مادونا سمعان
«أمن عام» ينتفض لوالدته
ضـد عائلـة سـوكـا!
مادونا سمعان
أتى سوكا، وهو اسم مستعار لرجل هندي، إلى لبنان برفقة زوجته وابنه بحثاً عن لقمة العيش، مثله مثل غيره من العمال الأجانب. اختار، صدفةً أو عن سابق تصوّر وتصميم، العمل كناطور لأحد المجمعات التجارية في منطقة الدكوانة، بينما تعمل زوجته في تنظيف المنازل والمكاتب.
أما ابنهما، وهو في السابعة من العمر، فيلهو ويلعب بما تطاله يده من ألعاب مكسّرة في الغرفة التي تقطنها العائلة في المرأب السفلي للمجمّع.
تجذب سمرة هذا الطفل المارين في المرأب، فيتحسرون على حظّه في الحياة، لا سيما أنه محروم من ارتياد المدرسة. فما يجنيه والداه بالكاد يكفي الأكل والشرب، بعيداً من التخطيط للعودة إلى البلد الأم.
قبل أيام، استهلت الزوجة عملها في تنظيف الأقسام المشتركة في المجمع، وهي المهمة الموكلة إليها منذ عمل زوجها كناطور له. بدأ يومها عادياً، قبل أن تطلب منها سكرتيرة أحد أطباء الأسنان تنظيف مكتبها. فطلبت زوجة سوكا مبلغاً من المال لقاء العمل المطلوب، لأن مهمتها تشمل الأقسام المشتركة فقط. رفضت السكرتيرة دفع بدل عملها وأمرتها بالامتثال لطلبها. فأصرّت المرأة الهندية على الرفض، لا سيما أن أسلوب السكرتيرة اللبنانية استفزّها.
تركت العاملة السكرتيرة، وهي في حال هستيرية من الغضب. لكن انسحاب الزوجة العاملة لم يضع حداً للخلاف. فالسكرتيرة لم تشف غليلها جيّداً، وقد اكتشفت للانتقام سبيلاً. ولأن ما تتحلى به من قوة لا يشبع انتقامها، استعانت بابنها، الذي يعمل كعنصر في الأمن العام اللبناني. روت له وجهة نظرها، وهي لا بدّ تدرك أنه سينتفض لكرامتها وكرامة كل العائلة و«يربّي» تلك التي تجرأت على ألا تمتثل لأوامر الوالدة و«من لفّ لفها».
حضر الابن بعد وقت قصير إلى مرأب المجمع، حيث غرفة العائلة الهندية. أجبر سوكا وزوجته وابنهما على الدخول إلى سيارته، وكان صديق له (في الأمن العام أيضاً) يؤازره على اتمام المهمة. اختفيا لبعض الوقت، ثم عادا بالعائلة وآثار الضرب بادية على وجه الأم والأب. ولحسن الحظّ (!) أن العنصرين اكتفيا بضرب الوالدين لتلقين الولد الدرس، فجنبّاه الضرب غير آبهين بجروحه النفسية.
التزم الهنديان غرفتهما إلى حين تنبّهت لجنة مالكي المجمّع لحالهما، فراجعت السكرتيرة، ولم ينكر صاحب عملها ما حدث. عرض المال على اللجنة، ليس كتعويض بل كرشوة للعاملين، لأن انتفاضة اللجنة في وجه السكرتيرة نبهتها إلى أن قصة الهنديين ربما تصل إلى المسؤولين عن ابنها، فينزلون به أقصى العقوبات.. خصوصاً أنه مارس ما مارسه عليهما من دون «أمر مهمة».
في لبنان، يوجد مثل عامي يقول: «إذا ضاقت بك سبل العيش، فادخل السلك أو الجيش». وإذا كان ذاك الابن - العنصر قد انتسب إلى سلك الأمن العام لأن سبل العيش ضاقت به، فهو إذاً يتساوى مع سوكا والعائلة، ليس فقط بالبحث عن لقمة العيش، بل أيضاً بالرغبة بالحفاظ على الكرامة الشخصية وكرامة العائلة.
إلى ذلك، تشير الواقعة، التي لا يستغرب أنها وقعت في لبنان، لأنها واحدة من سلسلة عنصرية وطبقية تتكرر يومياً بلا علاج شافٍ، الى أن سوكا وابن السكرتيرة تساويا في اداء دوريهما في القصة، أيضاً. فالأخير أتقن دوره كجلّاد مستمداً قوّته من بزة مرقطة، فيما أدى الأول دور الضحية كما يراد له أن يؤديه. وهو، حتى كتابة تلك السطور، يخاف حتى من استذكار الحادثة، تماماً كما تخاف العائلة من تقديم شكوى أمام «معنيين» لا يعتنون بهم، وإنما بالمعتدين.
العنصر خرج عن دوره، وبات كأي «أزعر» في الشارع، يمارس الاعتداء كوسيلة للعيش. إذ يشير المكتب الإعلامي التابع لمديرية الأمن العام الى أنه يتم التحقيق بكل شكوى موثقة تصله، وأنه يمنع منعاً باتاً على عناصره التدخل بأي إشكال، «وحتى ذلك الذي يطاله شخصياً، لأن من واجب العنصر إبلاغ المديرية بإفادة خاصة». وتجدر الإشارة إلى أن المخلين بالقوانين من العناصر يحاكمون من خلال القضاء العسكري.
لكن سوكا، حتى الساعة، لا يريد تقديم شكوى، لأنه، على الرغم من شرعية إقامته، يخاف الأمن العام.
مادونا سمعان
تعليق