شأن الأحزاب في دولة المهدي ع.
يمكن أن نقسم الأحزاب من زاويتين:
الزاوية الأولى: الإنقسام الأولي للأحزاب... بحيث يحق لأي إنسان أن يتخذ ما يشاء من الرأي والعقيدة، وأن يدافع عما يشاء من الاراء. وبهذا تنقسم الأحزاب - مثلاً - إلى يمينية ويسارية وغير ذلك.
الزاوية الثانية: الإنقسام في داخل معتقد معين، كالإنقسام في داخل المعسكر الشيوعي أو في داخل المعسكر الرأسمالي. باعتبار الإختلاف على التفاصيل مع الإتفاق على عدد من الأصول الموضوعية.
والإنقسام الأول, لا شك أنه محظور في دولة المهدي ع، قد يستحق الفرد عليه القتل فيما إذا تضمن اتجاهه مخالفة صريحة للأطروحة العادلة الكاملة. وقد رأينا أن مصير كل منحرف في دولة المهدي ع هو القتل.
وأما الإنقسام الثاني, ونريد به الإنقسام في الإعتقاد بصحة الأطروحة العادلة الكاملة، وعدم وجود مخالفة صريحة لما تتبناه الدولة المهدوية وتركز عليه. فهل تكون الإنقسامات الحزبية مجازة في داخل هذا المضمون المشترك أو لا؟!.
لا يوجد في هذا الصدد أي دليل صالح للإثبات أو النفي. نعم، لا دليل من القواعد العامة المعروفة على منع مثل هذه الإنقسامات... كيف وإن التربة للبشرية مبتنية عادة على التنافس ووجدان الحقيقة منطلق في الأغلب من النقاش والجدل الحرّ.
ولئن كان التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور، قد أبرز بوضوح فشل الزاوية الأولى من الإنقسام الحزبي وكونه شراً على البشرية... فإن الزاوية الثانية لم تنزل إلى عالم التجربة بعد، ولم يظهر صلاحيتها من زيفها في مقام التطبيق. فإن رأت الدولة المهدوية المصلحة في إجازة هذا الإنقسام الثاني، لا يكون في ذلك مخالفة للقواعد العامة المعروفة.
نعم، سيذوب هذا الإنقسام تدريجياً نتيجة للتربية المركزة التي تمارسها الدولة المهدوية للبشرية. إذ سيصل البشر إلى مرحلة تكون مدركة للمصالح والمفاسد في التفاصيل كما هي مدركة لها في الخطوط العريضة والقواعد العامة. ومعه يكون الإنقسام غير ذي موضوع. إلا أن هذا لن يحدث في حياة الإمام المهدي نفسه على أي حال.
النقطة السادسة: في سيطرة الدولة المهدوية على المرافق العامة للمجتمع.
لا شك في سيطرة الدولة على المرافق التي يتعذر على الأفراد السيطرة عليها كالجيش والقضاء والسجون والبرق والبريد ونحوها. كما لا شك في سيطرتها على ما ترى المصلحة في السيطرة عليه، لعل منها بعض الشركات والبنوك. وكذلك ما تنشؤه الدولة نفسها من معامل وما تقوم به من تجارات.
ولا دليل على ان الدولة المهدوية ستمنع القطاع الخاص من المعامل والبنوك والتجارات. غير أنه من الواضح - على ما سنبرهن عليه في الكتاب الآتي - ان المؤسسات التي توجدها الدولة وترعاها وتنشر الرفاه والخير في المجتمع على أساسها، ستجعل القطاع الخاص يذوب ذوباناً تلقائياً، وتقل أهميته تدريجياً إلى أن تنعدم، وسيستغني الأفراد بفيض الدولة المباشر. ولعل فيما يأتي في الفصل التالي ما يلقي حزمة من الضوء على ذلك.
هذا وينبغي الإلماح إلى الجيش والشرطة والسجون ستذوب أهميتها تدريجياً أيضاً، نتيجة للتربية المركزة المستمرة التي تقوم بها الدولة المهدوية للبشرية، بحيث تصل بها إلى مستوى عال من الفهم والإخلاص.
ولعل الجيش هو أسرعها ذوبان، لأن المفروض كونه سنداً للدفاع الخارجي، ضد اعتداء الدول الأخرى. ومع وجود الدولة العالمية، لا توجد دول أخرى على الإطلاق... فتنتفي الحاجة إلى الجيش من هذه الناحية.
وأما الشرطة والسجون، فستذوب تدريجاً بذوبان الجريمة الذي هو النتيجة الطبيعية لوصول البشرية في تربيتها إلى درجة عالية من الكمال. غير أن هذا المستوى لن يحدث - عادة - في حياة الإمام المهدي. وإن كان لن يحدث أيضاً إلا طبقاً للأسس التربوية العامة التي هو يضعها، من أجل إيصال البشرية للكمال.
الجهة الثالثة: في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي ع من القضايا والمشاكل الإجتماعية السائدة قبل الظهور.
وإذا أردنا أن نشخص هذه المشاكل من وجهة النظر الإسلامية التي تمّ التمحيص على أساسها في التخطيط العام السابق على الظهور... نجدها تندرج في خط سلوكي مشترك شامل لكل العالم البشري - بشكل عام -، وهو الإنحدار الخلقي الفضيع الذي وصله الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ولغاتهم وألوانهم وثقافاتهم.
وقد نشأت من هذا الإنحدار الخلقي آلاف المشاكل في كل مجتمع من مجتمعات البشرية على الإطلاق، على مختلف الأصعدة... ابتداء من الغش والتغابن في المعاملات والتسامح في حقوق الآخرين وأموالهم، وانتهاء بابتناء القيمة الأساسية للعلاقات على الأساس المالي إلى جانب التعامل بالربا، وصيرورته ضرورة من ضرورات الحياة... وتبذل النساء وشرب الخمور وإعلان الفجور والسير في الزواج والطلاق والميراث على الخط المدني، وتأسيس المدارس والمسابح والمسارح والسينمات المختلطة والداعرة. وأنت تسمع الأغاني المثيرة وترى الأفلام المسفة في كل راديو وتلفزيون. ونشر الصور والأفكار الداعرة المثيرة جنسياً والتي تحث على الجريمة في كثير من الأحيان. نشرها في الأعم الأغلب من صحف ومجلات ومسلسلات العالم بمختلف لغاتها ومذاهبها ومقاصدها.
وقد أصبح السير خلال هذا الخط أمراً طبيعياً للفرد، بل لا تستقيم حياته - في رأيه - إلا به، وأصبح صوت الفضيلة وشجب هذا الإنحدار والنداء بالمحافظة على السلوك المتزن, أمراً غريباً موحشاً ملفتاً للنظر. فقد "اصبح المنكر معروفاً والمعروف منكر" وعاد "الإسلام غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء".
وموقف الإمام المهدي ع في كل ذلك واضح كل الوضوح، وهو الشطب على الإنحدار جملة وتفصيلاً، وإبداله إلى جوّ الفضيلة والعدل والكمال.
والمهم في المقام هو أن نلقي بعض الضوء على البديل الرئيسي لهذا الوضع المنحدر، بحيث يستتب معه النظام ويسود العدل الكامل. مع المحافظة - بطبيعة الحال - على العمق الحقيقي للفكر والوعي في مجتمع ما بعد الظهور في طيّ الكتمان رهيناً بحصول وقته.
إن ما ندركه الآن من ذلك وهو كما يلي:
إن الإمام المهدي ع في دولته العادلة العالمية، سوف لن يلغي الإذاعة والتلفزيون ولا المسرح ولا السينما ولا المصايف ولا المسابح ولا المدارس ولا المستشفيات ولا البنوك ولا الصحف ولا المجلات ولا المسلسلات.
فإن أساس الفكرة من وجود كل هذه الأمور أنه موجودة لخير البشرية وتسهيل الحاجات الإجتماعية والفردية، فمن الطبيعي أن تأخذ دولة العدل بزمام المبادرة لإتخاذ هذه الأمور وسيلة نحو التكامل وزرع الأخلاق والفضيلة والتكافل والتراحم بين البشر، وبالتالي وسيلة لتربية البشرية بشكل عام، والوصول بها إلى كمالها الأعلى المنشود.
فالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما والصحف، ستكون وسائل نشر الأفكار الهادية العادلة، وللترفيه البريء. والمصايف والمسابح ستكون موجودة بدون الإنحدار اللاأخلاقي، بل مع الإرتفاع بها إلى مستوى العدل والمصلحة الحقيقية. فإن الترفيه غير مقتصر على الإنحدار الحيواني ومباشرة الرذيلة كما هو معلوم. فإن في صور الطبيعة الكونية من العجائب والطرائف ما يعجب النفس ويسر الخاطر ويبهج الفؤاد، الشيء الكثير، ولا يكون الإقتصار على الترفيه المنحدر، إلا نتيجة لسوء السلوك وقصور التصور، وبالتالي لنتيجة الفشل في التمحيص العام.
وأما المدارس على اختلاف مستوياتها وأنواعها... فستكون طرقاً لتربية الفرد وتثقيفه وتكامله، بالشكل الحق الذي يربط الكون بخالقه العظيم ايجاداً وتشريعاً، ربطاً وثيقاً، والسير بالبشرية في هذا الطريق... وتهمل كل الجهات التي تحمل الفرد على الإنحراف واللاأخلاقية والعنصرية وعبادة المادة. ومجمل القول: أن مناهج المدارس بشكل عام ستحافظ على شكلها المنهجي الأكاديمي. ولكنها لن تحافظ على شكلها العقائدي الجديد العادل المطلوب لتربية البشرية في خطها الطويل.
وسيكون سفور النساء، بمعنى انكشافهن لأعين الرجال بشكل لا أخلاقي ولا إسلامي، ممنوعاً بطبيعة الحال ومعاقباً عليه، فضلاً عن الإنحدار نحو الرذيلة بأي شكل من أشكالها.
ولكن ذلك لن يمنع بأي حال من دراسة المرأة لأعلى العلوم وتلقيها لأدق المعارف وحصولها على أحسن وأوسع النتائج، ولا يمنع حفاظها من قيامها بأي شكل من أشكال التجارة والعمل، ولا يمنع اتصالها بالمجتمع وإزجائها لحاجتها المشروعة، مع الرجال والنساء معاً، وستنظم الدولة العلاقة الإجتماعية بين الجنسين بقانون.
وسيكون التحاقد الطبقي منعدماً في المجتمع المهدوي، باعتبار ما سنعرف من توفير الدولة فرص العمل للجميع بسخاء وترتيب، وما سيناله كل فرد من أرباح وما يتقاضاه من الدولة من هبات، ما يغنيه عن التفكير في الحقد الطبقي أساساً. فضلاً عن التثقيف الإيديولوجي ضد هذا المفهوم الذي يتضمن الإنشقاق الإجتماعي المروع.
وسيكون التحاقد العنصري بين ذوي اللغات المختلفة، غير موجود أيضاً بل سيكون الجميع أخوة في العقيدة والهدف، أخوة في الإيمان والعمل، لا تفاضل بينهم إلا بحسب ما يناله كل فرد من كمال حقيقي.
وسنرى لكل الذي قلنا هنا نتائجه المهمة الموسعة، في بعض فصول هذا الباب، وسنسمع العديد من النصوص المثبتة له، بعد ان تكلمنا الآن في حدود القواعد الإسلامية المعروفة فقط.
(موسوعة الامام المهدي ع) السيد الشهيد محمدصادق الصدر ج3
يمكن أن نقسم الأحزاب من زاويتين:
الزاوية الأولى: الإنقسام الأولي للأحزاب... بحيث يحق لأي إنسان أن يتخذ ما يشاء من الرأي والعقيدة، وأن يدافع عما يشاء من الاراء. وبهذا تنقسم الأحزاب - مثلاً - إلى يمينية ويسارية وغير ذلك.
الزاوية الثانية: الإنقسام في داخل معتقد معين، كالإنقسام في داخل المعسكر الشيوعي أو في داخل المعسكر الرأسمالي. باعتبار الإختلاف على التفاصيل مع الإتفاق على عدد من الأصول الموضوعية.
والإنقسام الأول, لا شك أنه محظور في دولة المهدي ع، قد يستحق الفرد عليه القتل فيما إذا تضمن اتجاهه مخالفة صريحة للأطروحة العادلة الكاملة. وقد رأينا أن مصير كل منحرف في دولة المهدي ع هو القتل.
وأما الإنقسام الثاني, ونريد به الإنقسام في الإعتقاد بصحة الأطروحة العادلة الكاملة، وعدم وجود مخالفة صريحة لما تتبناه الدولة المهدوية وتركز عليه. فهل تكون الإنقسامات الحزبية مجازة في داخل هذا المضمون المشترك أو لا؟!.
لا يوجد في هذا الصدد أي دليل صالح للإثبات أو النفي. نعم، لا دليل من القواعد العامة المعروفة على منع مثل هذه الإنقسامات... كيف وإن التربة للبشرية مبتنية عادة على التنافس ووجدان الحقيقة منطلق في الأغلب من النقاش والجدل الحرّ.
ولئن كان التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور، قد أبرز بوضوح فشل الزاوية الأولى من الإنقسام الحزبي وكونه شراً على البشرية... فإن الزاوية الثانية لم تنزل إلى عالم التجربة بعد، ولم يظهر صلاحيتها من زيفها في مقام التطبيق. فإن رأت الدولة المهدوية المصلحة في إجازة هذا الإنقسام الثاني، لا يكون في ذلك مخالفة للقواعد العامة المعروفة.
نعم، سيذوب هذا الإنقسام تدريجياً نتيجة للتربية المركزة التي تمارسها الدولة المهدوية للبشرية. إذ سيصل البشر إلى مرحلة تكون مدركة للمصالح والمفاسد في التفاصيل كما هي مدركة لها في الخطوط العريضة والقواعد العامة. ومعه يكون الإنقسام غير ذي موضوع. إلا أن هذا لن يحدث في حياة الإمام المهدي نفسه على أي حال.
النقطة السادسة: في سيطرة الدولة المهدوية على المرافق العامة للمجتمع.
لا شك في سيطرة الدولة على المرافق التي يتعذر على الأفراد السيطرة عليها كالجيش والقضاء والسجون والبرق والبريد ونحوها. كما لا شك في سيطرتها على ما ترى المصلحة في السيطرة عليه، لعل منها بعض الشركات والبنوك. وكذلك ما تنشؤه الدولة نفسها من معامل وما تقوم به من تجارات.
ولا دليل على ان الدولة المهدوية ستمنع القطاع الخاص من المعامل والبنوك والتجارات. غير أنه من الواضح - على ما سنبرهن عليه في الكتاب الآتي - ان المؤسسات التي توجدها الدولة وترعاها وتنشر الرفاه والخير في المجتمع على أساسها، ستجعل القطاع الخاص يذوب ذوباناً تلقائياً، وتقل أهميته تدريجياً إلى أن تنعدم، وسيستغني الأفراد بفيض الدولة المباشر. ولعل فيما يأتي في الفصل التالي ما يلقي حزمة من الضوء على ذلك.
هذا وينبغي الإلماح إلى الجيش والشرطة والسجون ستذوب أهميتها تدريجياً أيضاً، نتيجة للتربية المركزة المستمرة التي تقوم بها الدولة المهدوية للبشرية، بحيث تصل بها إلى مستوى عال من الفهم والإخلاص.
ولعل الجيش هو أسرعها ذوبان، لأن المفروض كونه سنداً للدفاع الخارجي، ضد اعتداء الدول الأخرى. ومع وجود الدولة العالمية، لا توجد دول أخرى على الإطلاق... فتنتفي الحاجة إلى الجيش من هذه الناحية.
وأما الشرطة والسجون، فستذوب تدريجاً بذوبان الجريمة الذي هو النتيجة الطبيعية لوصول البشرية في تربيتها إلى درجة عالية من الكمال. غير أن هذا المستوى لن يحدث - عادة - في حياة الإمام المهدي. وإن كان لن يحدث أيضاً إلا طبقاً للأسس التربوية العامة التي هو يضعها، من أجل إيصال البشرية للكمال.
الجهة الثالثة: في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي ع من القضايا والمشاكل الإجتماعية السائدة قبل الظهور.
وإذا أردنا أن نشخص هذه المشاكل من وجهة النظر الإسلامية التي تمّ التمحيص على أساسها في التخطيط العام السابق على الظهور... نجدها تندرج في خط سلوكي مشترك شامل لكل العالم البشري - بشكل عام -، وهو الإنحدار الخلقي الفضيع الذي وصله الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ولغاتهم وألوانهم وثقافاتهم.
وقد نشأت من هذا الإنحدار الخلقي آلاف المشاكل في كل مجتمع من مجتمعات البشرية على الإطلاق، على مختلف الأصعدة... ابتداء من الغش والتغابن في المعاملات والتسامح في حقوق الآخرين وأموالهم، وانتهاء بابتناء القيمة الأساسية للعلاقات على الأساس المالي إلى جانب التعامل بالربا، وصيرورته ضرورة من ضرورات الحياة... وتبذل النساء وشرب الخمور وإعلان الفجور والسير في الزواج والطلاق والميراث على الخط المدني، وتأسيس المدارس والمسابح والمسارح والسينمات المختلطة والداعرة. وأنت تسمع الأغاني المثيرة وترى الأفلام المسفة في كل راديو وتلفزيون. ونشر الصور والأفكار الداعرة المثيرة جنسياً والتي تحث على الجريمة في كثير من الأحيان. نشرها في الأعم الأغلب من صحف ومجلات ومسلسلات العالم بمختلف لغاتها ومذاهبها ومقاصدها.
وقد أصبح السير خلال هذا الخط أمراً طبيعياً للفرد، بل لا تستقيم حياته - في رأيه - إلا به، وأصبح صوت الفضيلة وشجب هذا الإنحدار والنداء بالمحافظة على السلوك المتزن, أمراً غريباً موحشاً ملفتاً للنظر. فقد "اصبح المنكر معروفاً والمعروف منكر" وعاد "الإسلام غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء".
وموقف الإمام المهدي ع في كل ذلك واضح كل الوضوح، وهو الشطب على الإنحدار جملة وتفصيلاً، وإبداله إلى جوّ الفضيلة والعدل والكمال.
والمهم في المقام هو أن نلقي بعض الضوء على البديل الرئيسي لهذا الوضع المنحدر، بحيث يستتب معه النظام ويسود العدل الكامل. مع المحافظة - بطبيعة الحال - على العمق الحقيقي للفكر والوعي في مجتمع ما بعد الظهور في طيّ الكتمان رهيناً بحصول وقته.
إن ما ندركه الآن من ذلك وهو كما يلي:
إن الإمام المهدي ع في دولته العادلة العالمية، سوف لن يلغي الإذاعة والتلفزيون ولا المسرح ولا السينما ولا المصايف ولا المسابح ولا المدارس ولا المستشفيات ولا البنوك ولا الصحف ولا المجلات ولا المسلسلات.
فإن أساس الفكرة من وجود كل هذه الأمور أنه موجودة لخير البشرية وتسهيل الحاجات الإجتماعية والفردية، فمن الطبيعي أن تأخذ دولة العدل بزمام المبادرة لإتخاذ هذه الأمور وسيلة نحو التكامل وزرع الأخلاق والفضيلة والتكافل والتراحم بين البشر، وبالتالي وسيلة لتربية البشرية بشكل عام، والوصول بها إلى كمالها الأعلى المنشود.
فالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما والصحف، ستكون وسائل نشر الأفكار الهادية العادلة، وللترفيه البريء. والمصايف والمسابح ستكون موجودة بدون الإنحدار اللاأخلاقي، بل مع الإرتفاع بها إلى مستوى العدل والمصلحة الحقيقية. فإن الترفيه غير مقتصر على الإنحدار الحيواني ومباشرة الرذيلة كما هو معلوم. فإن في صور الطبيعة الكونية من العجائب والطرائف ما يعجب النفس ويسر الخاطر ويبهج الفؤاد، الشيء الكثير، ولا يكون الإقتصار على الترفيه المنحدر، إلا نتيجة لسوء السلوك وقصور التصور، وبالتالي لنتيجة الفشل في التمحيص العام.
وأما المدارس على اختلاف مستوياتها وأنواعها... فستكون طرقاً لتربية الفرد وتثقيفه وتكامله، بالشكل الحق الذي يربط الكون بخالقه العظيم ايجاداً وتشريعاً، ربطاً وثيقاً، والسير بالبشرية في هذا الطريق... وتهمل كل الجهات التي تحمل الفرد على الإنحراف واللاأخلاقية والعنصرية وعبادة المادة. ومجمل القول: أن مناهج المدارس بشكل عام ستحافظ على شكلها المنهجي الأكاديمي. ولكنها لن تحافظ على شكلها العقائدي الجديد العادل المطلوب لتربية البشرية في خطها الطويل.
وسيكون سفور النساء، بمعنى انكشافهن لأعين الرجال بشكل لا أخلاقي ولا إسلامي، ممنوعاً بطبيعة الحال ومعاقباً عليه، فضلاً عن الإنحدار نحو الرذيلة بأي شكل من أشكالها.
ولكن ذلك لن يمنع بأي حال من دراسة المرأة لأعلى العلوم وتلقيها لأدق المعارف وحصولها على أحسن وأوسع النتائج، ولا يمنع حفاظها من قيامها بأي شكل من أشكال التجارة والعمل، ولا يمنع اتصالها بالمجتمع وإزجائها لحاجتها المشروعة، مع الرجال والنساء معاً، وستنظم الدولة العلاقة الإجتماعية بين الجنسين بقانون.
وسيكون التحاقد الطبقي منعدماً في المجتمع المهدوي، باعتبار ما سنعرف من توفير الدولة فرص العمل للجميع بسخاء وترتيب، وما سيناله كل فرد من أرباح وما يتقاضاه من الدولة من هبات، ما يغنيه عن التفكير في الحقد الطبقي أساساً. فضلاً عن التثقيف الإيديولوجي ضد هذا المفهوم الذي يتضمن الإنشقاق الإجتماعي المروع.
وسيكون التحاقد العنصري بين ذوي اللغات المختلفة، غير موجود أيضاً بل سيكون الجميع أخوة في العقيدة والهدف، أخوة في الإيمان والعمل، لا تفاضل بينهم إلا بحسب ما يناله كل فرد من كمال حقيقي.
وسنرى لكل الذي قلنا هنا نتائجه المهمة الموسعة، في بعض فصول هذا الباب، وسنسمع العديد من النصوص المثبتة له، بعد ان تكلمنا الآن في حدود القواعد الإسلامية المعروفة فقط.
(موسوعة الامام المهدي ع) السيد الشهيد محمدصادق الصدر ج3