لماذا نحن قلة؟!
الحمد لله .. أما بعد ،،
فهناك أزمة تعاني منها بعض العقول الحقيقة بالشفقة والإحسان،ألا وهي جعل القلة والكثرة معيارا للصواب والخطأ فالكثرة عندهم قرينة الصواب والخطأ دائما مع القلة،وليس هذا التصور مقصورا على العوام والجهلة فقط بل شمل حتى بعض العلماء،ففي معرض ذكر ابن رجب الحنبلي لوفاة ابن تيمية الحراني وكثرة مشيعيه أورد ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز،وهذا أورده كذلك الصفدي في الوافي بالوفيات في ذكر وفاة أحمد بن حنبل وذلك عند ترجمته لأبي سعيد الضرير،وأوردها كذلك المزي في تهذيب الكمال عند ذكر وفاة أبي الفتح القواس الزاهد،كل ذلك من أجل التهويل من شأن الكثرة إن اجتمعت على أمر ما.
وإمعانا في تهويل وتفخيم شأن الكثرة وجدنا من السالفين من يتعمد الكذب كما في الوافي بالوفيات - (ج 2 / ص 346) عن الوركاني جار ابن حنبل أنه قال يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وأسلم يوم مات من اليهود والنصارى والمجوس عشرون ألفاً، وفي لفظ ابن أبي حاتم عشرة آلاف" قال الصفدي تعليقا على هذا الكلام:" وهي حكاية منكرة لا يعلم أحد رواها إلا الوركاني ولا رواها عنه إلا محمد بن العباس تفرد بها ابن أبي حاتم "، وما الداعي لإيرادها أصلا سوى تلميع شخصية قد يكون في عطائها ما يغني عن اختلاق الأكاذيب،على أن اجتماع الناس على الجنائز وكثرتهم لا يدل على الخير دائما ولا يدل على ضده،بل قد يجتمع الجمع القليل جدا في جنازة عبد من أصلح الناس ،ولنا أن نتساءل كم شيع جنازة أبي ذر رضوان الله عليه؟فالأمر فيه نوع من الغبش الذي يجب أن يزاح ببراهين الحق وحجج الصدق والتصور الصحيح.
إن الحقيقة التي جاء القرآن الكريم مرسخا لأركانها ومعليا لبنيانها أن الحق كثير ببراهينه وحججه وأدلته لا بأتباعه،بل وقوي بها كذلك،وبقدر استمساك الفئة القليلة بالحق الذي في يديها واعتزازها به بقدر ما يتنزل عليها من بركات الله ونصره وتمكينه بغض النظر عن عددها وموطنها { إن تنصروا الله ينصركم}- مقدمة ضرورية نتيجة حتمية-.. {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة/12]فقوة البرهان هي وحدها القوة التي لا تقهروأهلها هم الفئة المنصورة بإذن الله طال الزمان أو قصر،وأتباع الحق هم حجة الله على خلقه قلوا أو كثروا،ولا نريد الإطالة بسرد الشواهد القرآنية على أن القلة متى آمنت بمنهجها كانت هي الأعلى كقوله تعالى{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249]،{ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات/35، 36]،{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }[سبأ/13].
وكم حقق استمساك القلة بمنهجها من كرامات باهرات ومن ذلك في الأمم السابقة ما أخبر الله تعالى عنه بقوله{لَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [البقرة/249-252]،وخلد الله تعالى نبأ نصره لنبيه وصحبه يوم بدر حيث قال{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران/123]،قال الهواري رحمه الله في تفسيره:" وكان أصحاب رسول الله يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وكان المشركون ألف رجل؛ وقال بعضهم : تسعمائة وخمسين أو قاربوا ، فنصرهم الله بألف من الملائكة مردفين أي : متتابعين "إ.هـ
وحدثنا التاريخ عن مواجهة أبي بلال مرداس بن حدير رحمه الله تعالى لجيش عبيد الله بن زياد وكان أبو بلال في أربعين من أصحابه وجيش عبيد الله ألفان يقدمهم ابن حصن التميمي ،وها أنذا أسوقها كما أوردتها المصادر غير الإباضية ففي تاريخ الرسل والملوك ( تاريخ ابن جرير الطبري- (ج 3 / ص 218) ما نصه:"حدثني عمر، قال: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني يونس بن عبيد؛ قال: خرج مرداس أبو بلال - وهو من بني ربيعة بن حنظلة - في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فبعث إليهم ابن زياد جيشاً عليهم ابن حصن التميمي، فقتلوا في أصحابه وهزموه، فقالرجلٌ من بني تيم الله بن ثعلبة:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ... ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا
هي الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا"إ.هـ
وقال ابن الأثير في كامله:"فلما سمع ابن زياد بهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين، وقيل: أبو حصين التميمي، وكان الجيش ألفي رجل، فلما وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن لا يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق؟ فرمى أصحاب أسلم رجلاً من أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال. فشد الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خير فيك! فقال: لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميتٌ. فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا.
وقال رجل من الخوارج:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ... ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا"إ.هـ
وهكذا حدث لأهل جربة يوم أن غزاهم الأسطول الأسباني بعدده وعتاده فهزموهم بإذن الله.
فالقلة والكثرة ليست معيارا أبدا،بل الحق حيث وجد دليله واتضحت براهينه قل أتباعه أو كثروا.
ولا يلزم كذلك أن تستأثر بقعة من أرض الله بالحق المحض والصواب الخالص ولو كانت أرض الحرمين الشريفين،وإنما الحق يوجد حيث يوجد الموفق للأخذ به في أي بقعة من أرض الله تعالى كان،وهذا المفهوم هو الذي يجب أن تتشربه النفوس وأن يرسخ في الأذهان.
والمطلوب من الدعاة الكرام أن يركزوا على تصحيح هذا المفهوم المغلوط والمتجذر في أذهان الناس،وذلك لأن تخلي العقول المسلمة عن هذا الداء الفكري القميء سيجنبها الكثير من الويلات وسيستوي بها على منابر العز بإذن الله.. نحن لم نجب عن السؤال بعد (( لماذا نحن قلة )) ولكنني أحسب- إن علمنا ما تقدم- أن الجواب على هذا السؤال لم تعد له أهمية كبيرة......
-----
مجهول عند الحفاظ
نحن الحماة لدين الله ما طلعت ... شمس وما غربت رجلا وفرسانا
نحن القليل وفي القرآن مشتهر ... مدح القليل فسل إن كنت حيرانا
نحن الجماعة والإجماع معترف ... للعادلين ولو قد كان انسانا
نحن الشراة فهل من أعصر سلفت ... إلا نقيم بها لله سلطانا
لسنا نخيف سبيل العالمين ولا ... أيضا ننبه غير الضد يغشانا
لسنا نسائل خلق الله مالهم حرصا ... ولسنا نولي الأمر خوّانا
لسنا نرد لأهل الذنب معذرة ... من تاب من كفره أو فعله كانا
لسنا نقاتل من يبغي مفاوضة ... قبل الدعاء ولا من قبل يبدانا
لسنا نحرم ما قد حل من دمه ... حتى يفيء إلى ذي العرش إذعانا
لا نستحل له مالا ولا ولدا كالمشركين ... ولا نكسوه إيمانا
من شاء يعلم ما كانت أوائلنا ... فيه فسيرتنا تكفيه برهانا
الحمد لله .. أما بعد ،،
فهناك أزمة تعاني منها بعض العقول الحقيقة بالشفقة والإحسان،ألا وهي جعل القلة والكثرة معيارا للصواب والخطأ فالكثرة عندهم قرينة الصواب والخطأ دائما مع القلة،وليس هذا التصور مقصورا على العوام والجهلة فقط بل شمل حتى بعض العلماء،ففي معرض ذكر ابن رجب الحنبلي لوفاة ابن تيمية الحراني وكثرة مشيعيه أورد ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز،وهذا أورده كذلك الصفدي في الوافي بالوفيات في ذكر وفاة أحمد بن حنبل وذلك عند ترجمته لأبي سعيد الضرير،وأوردها كذلك المزي في تهذيب الكمال عند ذكر وفاة أبي الفتح القواس الزاهد،كل ذلك من أجل التهويل من شأن الكثرة إن اجتمعت على أمر ما.
وإمعانا في تهويل وتفخيم شأن الكثرة وجدنا من السالفين من يتعمد الكذب كما في الوافي بالوفيات - (ج 2 / ص 346) عن الوركاني جار ابن حنبل أنه قال يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وأسلم يوم مات من اليهود والنصارى والمجوس عشرون ألفاً، وفي لفظ ابن أبي حاتم عشرة آلاف" قال الصفدي تعليقا على هذا الكلام:" وهي حكاية منكرة لا يعلم أحد رواها إلا الوركاني ولا رواها عنه إلا محمد بن العباس تفرد بها ابن أبي حاتم "، وما الداعي لإيرادها أصلا سوى تلميع شخصية قد يكون في عطائها ما يغني عن اختلاق الأكاذيب،على أن اجتماع الناس على الجنائز وكثرتهم لا يدل على الخير دائما ولا يدل على ضده،بل قد يجتمع الجمع القليل جدا في جنازة عبد من أصلح الناس ،ولنا أن نتساءل كم شيع جنازة أبي ذر رضوان الله عليه؟فالأمر فيه نوع من الغبش الذي يجب أن يزاح ببراهين الحق وحجج الصدق والتصور الصحيح.
إن الحقيقة التي جاء القرآن الكريم مرسخا لأركانها ومعليا لبنيانها أن الحق كثير ببراهينه وحججه وأدلته لا بأتباعه،بل وقوي بها كذلك،وبقدر استمساك الفئة القليلة بالحق الذي في يديها واعتزازها به بقدر ما يتنزل عليها من بركات الله ونصره وتمكينه بغض النظر عن عددها وموطنها { إن تنصروا الله ينصركم}- مقدمة ضرورية نتيجة حتمية-.. {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة/12]فقوة البرهان هي وحدها القوة التي لا تقهروأهلها هم الفئة المنصورة بإذن الله طال الزمان أو قصر،وأتباع الحق هم حجة الله على خلقه قلوا أو كثروا،ولا نريد الإطالة بسرد الشواهد القرآنية على أن القلة متى آمنت بمنهجها كانت هي الأعلى كقوله تعالى{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249]،{ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات/35، 36]،{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }[سبأ/13].
وكم حقق استمساك القلة بمنهجها من كرامات باهرات ومن ذلك في الأمم السابقة ما أخبر الله تعالى عنه بقوله{لَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [البقرة/249-252]،وخلد الله تعالى نبأ نصره لنبيه وصحبه يوم بدر حيث قال{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران/123]،قال الهواري رحمه الله في تفسيره:" وكان أصحاب رسول الله يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وكان المشركون ألف رجل؛ وقال بعضهم : تسعمائة وخمسين أو قاربوا ، فنصرهم الله بألف من الملائكة مردفين أي : متتابعين "إ.هـ
وحدثنا التاريخ عن مواجهة أبي بلال مرداس بن حدير رحمه الله تعالى لجيش عبيد الله بن زياد وكان أبو بلال في أربعين من أصحابه وجيش عبيد الله ألفان يقدمهم ابن حصن التميمي ،وها أنذا أسوقها كما أوردتها المصادر غير الإباضية ففي تاريخ الرسل والملوك ( تاريخ ابن جرير الطبري- (ج 3 / ص 218) ما نصه:"حدثني عمر، قال: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني يونس بن عبيد؛ قال: خرج مرداس أبو بلال - وهو من بني ربيعة بن حنظلة - في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فبعث إليهم ابن زياد جيشاً عليهم ابن حصن التميمي، فقتلوا في أصحابه وهزموه، فقالرجلٌ من بني تيم الله بن ثعلبة:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ... ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا
هي الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا"إ.هـ
وقال ابن الأثير في كامله:"فلما سمع ابن زياد بهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين، وقيل: أبو حصين التميمي، وكان الجيش ألفي رجل، فلما وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن لا يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق؟ فرمى أصحاب أسلم رجلاً من أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال. فشد الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خير فيك! فقال: لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميتٌ. فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا.
وقال رجل من الخوارج:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ... ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا"إ.هـ
وهكذا حدث لأهل جربة يوم أن غزاهم الأسطول الأسباني بعدده وعتاده فهزموهم بإذن الله.
فالقلة والكثرة ليست معيارا أبدا،بل الحق حيث وجد دليله واتضحت براهينه قل أتباعه أو كثروا.
ولا يلزم كذلك أن تستأثر بقعة من أرض الله بالحق المحض والصواب الخالص ولو كانت أرض الحرمين الشريفين،وإنما الحق يوجد حيث يوجد الموفق للأخذ به في أي بقعة من أرض الله تعالى كان،وهذا المفهوم هو الذي يجب أن تتشربه النفوس وأن يرسخ في الأذهان.
والمطلوب من الدعاة الكرام أن يركزوا على تصحيح هذا المفهوم المغلوط والمتجذر في أذهان الناس،وذلك لأن تخلي العقول المسلمة عن هذا الداء الفكري القميء سيجنبها الكثير من الويلات وسيستوي بها على منابر العز بإذن الله.. نحن لم نجب عن السؤال بعد (( لماذا نحن قلة )) ولكنني أحسب- إن علمنا ما تقدم- أن الجواب على هذا السؤال لم تعد له أهمية كبيرة......
-----
مجهول عند الحفاظ
نحن الحماة لدين الله ما طلعت ... شمس وما غربت رجلا وفرسانا
نحن القليل وفي القرآن مشتهر ... مدح القليل فسل إن كنت حيرانا
نحن الجماعة والإجماع معترف ... للعادلين ولو قد كان انسانا
نحن الشراة فهل من أعصر سلفت ... إلا نقيم بها لله سلطانا
لسنا نخيف سبيل العالمين ولا ... أيضا ننبه غير الضد يغشانا
لسنا نسائل خلق الله مالهم حرصا ... ولسنا نولي الأمر خوّانا
لسنا نرد لأهل الذنب معذرة ... من تاب من كفره أو فعله كانا
لسنا نقاتل من يبغي مفاوضة ... قبل الدعاء ولا من قبل يبدانا
لسنا نحرم ما قد حل من دمه ... حتى يفيء إلى ذي العرش إذعانا
لا نستحل له مالا ولا ولدا كالمشركين ... ولا نكسوه إيمانا
من شاء يعلم ما كانت أوائلنا ... فيه فسيرتنا تكفيه برهانا