دور الإمام المهدي (عليه السلام) في حياتنا
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
مقدمة
إحدى البحوث المهمة التي وقعت محلاً للتساؤل منذ العهود الماضية إلى يومنا هذا، هي مسألة دور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) في عصر الغيبة، وهذه المسألة بالإضافة إلى طابعها العقائدي تحمل طابعاً عملياً وترتبط بسلوكنا اليومي منذ أن نفتح أعيننا في الصباح وإلى أن نغمضها عند النوم. نتناول فيما يلي بعض أبعاد هذا الموضوع ضمن فصلين:
* الفصل الأول: دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في عهد الغيبة، وهذا بحث نظري.
* الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) في زمان غيبته؟ وهذا بحث عملى.الفصل الأول: دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)إن دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في عهد الغيبة هو أنه يمثل ـ ضمن ما يمثّل ـ الحلقة الأخيرة المهيمنة والفاعلة والمؤثرة في عالم الإمكان.
لبيان هذا الدور نقدّم ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: إن القرآن الكريم يثبت أدواراً في إطار عالم الطبيعة للأشياء، كما يثبت أدواراً ضمن إطار هذا العالم للأشخاص.
هنالك أشياء في هذا العام لها دور، وهناك أشخاص في هذا العالم لهم دور; نمثل لذلك بمثالين:
المثال الأول: من هو الشافي، ويأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الشافي; (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).
ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم يثبت من جهة أخرى دور الشفاء لأشياء في هذا العالم، يقول الله تعالى عن العسل: (فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ) هذا مع أن العسل ما هو إلا جماد يخرج من بطن حيوان، ولكن الله تعالى شاء أن يجعل فيه شفاءً للناس.
المثال الثاني: من هو المتوفي؟
يأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو المتوفي; يقول تعالى

ولكننا نلاحظ من جهة أخرى أن القرآن الكريم يثبت التوفي لغير الله تعالى حيث يقول: (قُلْ يَتَوَفَّكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ، فهو تعالى ينسبه لملك الموت أيضاً.
المقدمة الثانية: إن وجود الدور للأشياء والأشخاص في هذا العالم لا ينافي ما هو المعروف من القول بالتوحيد الأفعالي (وأن الله وحده هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون).
وذلك لأن فاعلية غير الله تعالى فاعلية مكتسبة وغيرية، بينما فاعلية الله تعالى فاعلية ذاتية، ولا منافاة بين فاعليتين إحداهما ذاتية والأخرى غيرية.
المقدمة الثالثة: لا تنافي في عالم الطبيعة بين الفواعل الطولية. فكما أنه لا تنافي بين فاعلية الله تعالى وفاعلية الفواعل الطبيعية (الغيرية) فكذلك لامنافاة بين فاعلية طبيعية وفاعلية أخرى إذا كانتا طوليتين أى تقعان في طول بعضهما، أجل إذا كانت الفاعليتان عرضيتين ومستقلتين فهنا توجد منافاة لأن ذلك يعني اجتماع علتين مستقلتين عرضيتين على معلول واحد، وهذا محال.
أما إذا فرضنا أن هاتين الفاعليتين ـ أو الفاعليات ـ كانت طولية أي أن بعضها يقع في طول بعضها الآخر، فلا منافاة بينها.
ويمكن توضيح ذلك بمثال معروف عند أهل العلم: تقول: كتب قلمي وكتبت أناملي وكتبت يدي، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لَّهُم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) ، وتقول: كتبت، فهل ترى منافاة بين هذه الجمل؟ كلا بالطبع; وذلك لأن الروح الحقيقية التي كتبت هي روحك أنت، أما الفواعل الدنيا فإنما هي مؤثرة في طول فاعلية الروح التي تمثل الفاعلية الحقيقية والأخيرة في سلسلة الفواعل الطولية التي تندرج تحتها، ومن ثم فالفاعلية الأخيرة هي المؤثرة الحقيقية والمهيمنة على ما سواها من الفواعل الطبيعية والظاهرية.
دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
وإذا اتضحت هذه المقدمات الثلاث، نقول: إن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو آخر فاعل في سلسلة الفواعل الطولية المؤثرة في عالم الإمكان، أو بتعبير آخر: إنه (عليه السلام) يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة الفاعليات الطولية في إطار عالم الإمكان. توضيحه: أن هناك فاعلية في عالم الإمكان جعلها الله في طول فاعليته تعالى وأمرنا أن نلجأ إليها. من الممكن أن تأتي بعده علل وفاعليات أخرى في طوله تكون مؤثرة بإذن الله تعالى، ولكن الفاعلية العليا بعد الله تعالى في عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ماذا نقرأ في الزيارة التي رواها المحمدون الثلاثة وهم محمد بن يعقوب الكليني (في الكافي) ومحمد بن الحسن الطوسي (في التهذيب) والشيخ الصدوق (في من لا يحضره الفقيه)؟
نقرأ في هذه الزيارة: (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم). وهذا هو جزء من دور الإمام المهدي(عليه السلام) في زمن حضوره وغيبته.
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المهدي عبعد أن عرفنا دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الفصل الأول يتبين الآن أهمية هذا الفصل; أي الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأنه هو الرجل الذي أعطاه الله تعالى مقاليد الكون. ولكي يمكننا الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) أكثر فأكثر، لابد من توفر أربع مقدمات نذكرها تباعاً.
المقدمة الأولى: الالتفات إلى النقص والفاقة والحاجة عندنا، ونوضح هذه المقدمة وهي مهمة جداً بمثال: لو تصورنا أن شخصاً ما يعاني من داء عضال في بدنه ولكنه غير ملتفت إلى ذلك، فهل سيبحث عن العلاج؟ وهل سيتجه إلى الطبيب؟ كلا وذلك لأن الداء وإن كان له (وجود واقعي) في بدنه، ولكنه ليس له (وجود شعوري) في ذهنه لكي يدفعه نحو التحرك للتخلص منه بأي سبيل!
قول علماء الأخلاق: إن من أعدى أعداء الفرد الشعور بالاكتفاء، لأن الذي يشعر أنه مكتف من الناحية العلمية أو الأخلاقية لا يرى مبرّراً للتحرك نحو التكامل الخلقي أو العلمي.وهكذا الشخص الذي يعتقد أنه لا يعاني شيئاً، ولا توجد عنده مشكلة ولا فاقة، لا يمكنه الاستفادة الكاملة من الوجود المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه لا يتحرك حينئذ بل يبقى ساكناً في مكانه، لعدم شعوره بالحاجة إلى الإمام (عليه السلام) لحل مشكلاته، لأنه يعتقد أنه لا مشكلة عنده في الأساس!أما نحن فيراودنا الشعور بالحاجة في بعض الأحيان كما لو تهنا في صحراء أو انكسرت بنا السفينة في البحر أو ابتلينا ـ أو أحد أعزاؤنا ـ بمشكلة أو بمرض مستعصي العلاج ـ لا سمح الله ـ أما أولياء الله سبحانه وتعالى فإنهم يشعرون دائماً بأنهم في حالة اضطرار وأنهم في حالة حاجة وفاقة. ولذلك ترانا ننام طوال الليل لأنه لا يوجد شيء يؤرقنا، أما هم فـ (قَلِيلاً مِنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
أرأيت من عنده مشكلة أو يهدده خطر، كيف لا يستطيع أن يخلد إلى النوم، فكذلك حال أولياء الله تعالى، لأنهم يشعرون بالخطر. إننا نفهم أن الاضطرار في قول الله تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ) عبارة عن أن يكون الشخص مريضاً أو عنده مريض ـ مثلاً ـ أما أولياء الله تعالى فيشعرون دائماً أنهم في حالة اضطرار، وهذا الشعور كامن في أعماقهم ولذلك يصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) لأن حالة الاضطرار الباطنية لاتدعهم يستقرون.أحد العلماء أن شخصين تصاحبا، وعندما حلّ الليل نام الأول ولم ينم الثاني، وبعد مدة استيقظ الأول فرأى صاحبه لم ينم بعد، فعاد للنوم مرة أخرى وعندما استيقظ أيضاً رأى صاحبه لم ينم بعد، وعندما سأله: لماذا لا تنام؟ قال في جوابه: كيف أنام ومن حولي كلهم يقظون يسبّحون الله تعالى، ثم كشف له الغطاء فرأى جميع الأشياء تسبح بحمد الله!
وعلى أساس ما تقدم، ينبغي لنا أن نحاول أن نُشعر أنفسنا بنقصها وحاجتها وفاقتها واضطرارها، وهذه هي المقدمة الأولى للاستفادة الكاملة من وجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
المقدمة الثانية: التوجه إلى مصدر القوة والغنى والقدرة، وهو الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فليس الإمام (عليه السلام) بالفرد العادي بل هو الذي يمكن لنظرة واحدة منه أن تغيّر حالنا، فكما قلنا إن الله تعالى جعله وآباءه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) مظاهر مشيئته.
المقدمة الثالثة: محاولة إيجاد القابلية، فإن القلب الملوث ليس له قابلية، وهكذا العين الملوّثة والأذن الملوّثة واليد الملوّثة و... وأولى المراحل في هذا الطريق ـ وهي صعبة جداً ولكنها ممكنة ـ أن نتجنب ارتكاب الذنوب; ذنوب القلب والعين والأذن واللسان واليد و... فكما أن جهاز الراديو إذا حصل فيه أي عطب أو خلل أو قطع في أي سلك من أسلاكه يفقد القابلية على تلقى الأمواج الموجودة في الفضاء، فكذلك القلب إذا حصل فيه خلل فقد القابلية على تلقي الفيض الإلهي، فلابد أولاً من إصلاحه لإيجاد القابلية فيه.
الموضوع لـ
آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي
للمزيد من المواضيع المهمة عن الامام المهدي تفضل بالدخول هنا
http://wwwal-montazar.blogspot.com/
تعليق