بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أما بعد :
أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إن الدافع الذي جعلني أكتب هذه الكتابات المتواضعة هو الرغبة الشديدة في تعريف الناس بالمذهب الإباضي الذي جهل مبادئه وقيمه الكثير من أفراد الأمة الإسلامية.
فقد اخترت هذه الحلقة لتشير إلى مبدأ هام طالما جهله أو تجاهله الكثير ممن ظلم المذهب الإباضي ، ألا وهو تحريمهم أكل أموال المسلمين سواء كانوا في الحرب أو السلم.
ففي الوقت الذي كانت تتسابق فيه سيوف بني أمية وبني العباس لأجل جمع حطام هذه الدنيا الفانية كانت سيوف الإباضية تسعى لغرس الحق وإقامة العدل بين أوساط المسلمين، ولاستئصال الفساد والبغي والظلم عن كاهل أمة الإسلام التي عانت كثيراً من جور الظلمة الذين اتخذوا عباد الله خولا.
فمما جاء في كتب التاريخ الآتي: :
- قُطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وأخذ سراويله ونعليه وسيفه، وأخذ جنود عبيد الله بن زياد الورس الحلل والإبل وانتهبوها. ومال الناس إلى نساء الحسين وثقله ومتاعه فكانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها
( تاريخ الطبري، ج3/ص334)
- وقتل يزيد بن أنيس - قائد المختار بن أبي عبيد – ثلاثمائة أسير من جنود عبيد الله بن زياد وهو في السوق وكان يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم، فقتلوا عن آخرهم بعد أن أخذ ما في معسكرهم
( تاريخ الطبري ج3/ص453)
- " فانتهى [ يقصد مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ] إلى مدينة حمص … فأحدق خيله بالمدينة …. فقاتلوه. فقتل عامتهم، وأسر … نيف وثلاثين رجلاً منهم، فأتى بهم مروان فقتلهم وهو واقف، وأمر بجمع قتلاهم وهم خمسمائة أو ستمائة فصلبوا حول المدينة…."
( تاريخ الطبري ، ج4/ص281)
- ولما انتهت المعركة بين مروان بن محمد الأموي وسليمان بن هشام الأموي حدث الآتي: " فانهزم سليمان ومن معه وأتبعهم خيوله تقتلهم وتأسرهم؛ وانتهوا إلى عسكرهم فاستباحوه، ووقف مروان موقفاً، وأمر ابنيه فوقفا موقفين، ووقف كوثر صاحب شرطته في موضع، ثم أمرهم ألا يأتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبداً مملوكاً، فأحصي مِنْ قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين ألفاً " ( تاريخ الطبري، ج4/ص288)
- وقد قدر من قتله أبو مسلم الخراساني صبراً بستمائة ألف
( تاريخ الطبري ، ج4/ص386)
- وقد سالت أنهار من دماء المسلمين وانتهبت أموالهم في أثناء الحروب الطاحنة التي دارت بين الأمين والمأمون بين عامي 195-197هـ.
- وجاء في تاريخ بني أمية وبني العباس ما يعرف بتجارة الرؤوس، وكان كل هم المحاربين هو الإكثار من حطام الدنيا ولو دعا ذلك إلى قطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه و قطع رؤوس غيره من المسلمين
( انظر تاريخ الطبري ، ج3/ص 521 و 541 ، ج4/ ص160 و209 و 233 و 245 و 599).
ومما جاء في هذا:
1- "وقال الوليد: ….من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فجاء قوم برؤوس، فقال الوليد : أكتبوا أسماءهم. فقال رجل من مواليه؛ ليس هذا بيوم يعمل فيه بنسيئة
( تاريخ الطبري، ج4/ص246)
2- " فأمر عبد الله منادياً، فنادى : من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فو الله ما كان بأسرع من أن أتي برأس، فوضع بين يديه. فأمر له بخمسمائة، فدفعت إلى الذي جاء به. فلما رأى أصحابه وفاءه لصاحب الرأس، ثاروا بالقوم فوالله ما كان إلا هنيهة حتى نظرت إلى نحو من خمسمائة رأس قد ألقيت بين يديه…."
( تاريخ الطبري، ج4/ص278)
تلك هي نماذج مختصرة من أعمال بني أمية وبني العباس وضعتها بين يديك أخي القارئ الكريم لكي تعرف الفارق بين أعمالهم وأعمال الإباضية الذين لم يفارقوا مبادئ الإسلام وتعاليمه بل باعوا حياتهم وأرواحهم لأجل نعيم دائم لا يزول ولا يفنى. فقد جاءت سيرهم عبر التاريخ لتعبر بلسان صادق عن صحة العقيدة التي استولت على كل ما يملكون من أحاسيس ومشاعر.
فكانوا - وهم كذلك في كل عصر ومصر- عقيدة الحق تجري على وجه الأرض، الخير عندهم ما اختاره ربهم وكل ما نهاهم عنه فهو شر يعوذون ببارئهم منه.
وإليك أخي القارئ هذا الواقع مسطراً بأحرف من نور ومترجماً لسيرة أحد الأبطال الذين صاغتهم العقيدة الإباضية الصافية النقية التي لا تلامسها شوائب الخيانة والنفاق.
فقد جاء في تاريخ ابن خلدون:
لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس على مصر. حمل العباس ما كان هنالك من المال والسلاح، وهو ألف ألف دينار. وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى، ثم سار إلى أفريقيا يطلب ملكها .. وانتهى إلى مدينة لبدة فخرج عليه عامل ابن الأغلب فقبض عليه، ونهب البلد وقتل أهله، وفضح نساءهم فاستغاثوا بإلياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الإباضية، وقد كان خاطبه يتهدده على الطاعة.
( تاريخ ابن خلدون، ج4/ص391)
وجاء في الكامل لابن الأثير:
" عصى العباس ابن أحمد بن طولون أباه ورحل حتى أتى حصن لبدة، ففتحه أهله له فعاملهم أسوأ معاملة، ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي، رئيس الإباضية هناك، واستعانوا به، فغضب لذلك ، وسار إلى العباس ليقاتله.
( الكامل في التاريخ، ج7/ص323)
وقال الشيخ علي يحيى معمر:
" كان العباس ولد أحمد بن طولون صاحب مصر، عاصياً لأبيه ناقماً عليه وخرج أبوه ذات يوم من عاصمة المملكة لشأن من الشئون فانتهز العباس فرصة غياب والده وأخذ ما بالخزانة من أموال وأخذ معه ثمانمائة فارس وعشرة آلاف راجل من عبدان أبيه. واتجه إلى الغرب قاصداً القيروان، ليبني هنالك ملكاً له – فيما يحسب - بعد أن يقوض ملك بني الأغلب. ولما وصل إلى لبدة تحرش بالإباضية وبعث برسالة تهديد إلى أبي منصور إلياس عامل الدولة الرستمية في جبل نفوسة فغضب أبو منصور وجهز جيشاً في اثني عشرة ألف مقاتل وزحف عليه فطحنه وقتل أغلب من معه وفر العباس منفرداً على فرسه حتى رجع إلى حضن أمه وتناثرت تلك الأموال التي سرقها من خزانة مصر ليبني بها ملكاً في القيروان في ساحات القتال وبقيت هناك لم تمسها يد من جند أبي منصور حتى جاءها بنو الأغلب والتقطوها من الأرض ومن أيدى الناس أما أبو منصور فعندما تم له النصر كف يده ويد جنده عن الدماء والأموال ورجع إلى مركز حكمه دون أن تتدنس جيوبه وجيوب أصحابه باستحلال أموال صانتها كلمة التوحيد وحفظتها شريعة الله.
( الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الثالث ، الحلقة الرابعة،ص47)
وقال الشيخ علي يحيى معمر - رحمه الله - أيضاً: " فما عرف التاريخ في أحداثه الطويلة قائداً حربياً ينتصر في معركة وينهزم عدوه تاركاً وراءه ثمانمائة حمل من الذهب في الميدان فيعف القائد المنتصر، وجيشه المظفر، ولا يمس منها ديناراً واحداً يحتفظ به للذكرى، حتى يأتي أولئك الذين لا يفرقون بين الحلال والحرام ليلتقطوا ما بقي في الميدان كما تأتي الذئاب لتلغ في دماء الجيف التي عفت عنها الأسود. إن أصحاب المبادئ من المحاربين يجب أن يقفوا لتحية هذا البطل العظيم كلما ذكر اسمه، وإنه لقليل عليه أن يخلد اسمه في كل عاصمة من العواصم الإسلامية، وليس ذلك للرفع من مقامه فإن مقامه أسمق من أن يحتاج إلى رفعه، ولكنه ليكون ذكرى وعبرة لهؤلاء الذين يحملون السيوف ويحاربون من أجل المبادئ فيما يزعمون"
( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية ، القسم الثاني، ص 188)
وقال الشيخ علي يحيى معمر – رحمه الله تعالى – في موضع آخر من كتابه القيم: " لقد ثار ….وأي حر لا يثور؟ …. ولاقى الطاغي الجبار في قصر حاتم…. وكانت المعركة …. وشاءت إرادة الله أن ينتصر الحق والشهامة والمروءة! …. وأن ينهزم الطغيان المتكبر الجحود ! … فماذا كان من المنتصر ؟…. ما هو موقف أبي منصور إلياس؟ … هل ذبح الأسرى؟ . هل قطع الرؤوس؟ هل انتهك الحرمات؟ : حرمات المحاربين، أو حرمات المسالمين، هل أطلق أيدي الجند للغنيمة؟ هل جمع الأموال ليستأجر بها المرتزقة ؟ أو ليبني بها القصور ؟ أو ليكدسها في بيت المال ؟ هل جمع الذهب الذي يتناثر في المعركة كما يتناثر الحصى؟ ….. ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك! . وعندما ولى العدو منهزماً ، وركب ابن طولون فرسه هارباً ، أوقف أبو منصور رحى القتال ، ثم أمر جيشه بالرجوع، هذا الجيش الذي يقاتل في سبيل الله لا يأخذ من الدولة مرتباً ، ولا من ساحات القتال غنيمة. ورجع أبو منصور بجيشه المظفر ، بريئاً من الانتقام، بريئاً من الظلم ، بريئاً من العدوان، نظيفاً من الدماء المسالمة، نظيفاً من الحرمات، نظيفاً من جميع الأموال …. وسار التاريخ ، لا يلتفت ، وفنى الذهب الذي سرقه ابن طولون من خزائن أبيه ليبني به عرشاً ، فنثره أبو منصور النفوسي في ميدان المعركة ، وفني ابن الأغلب ، رغم هذه الدنانير التي كان يفتش عنها بدقة ، ويجمعها بحرص . وفني أبو منصور أيضاً ، كما يفنى جميع الناس . ولكن هذا المثل الرائع ، الذي ضربه للحكام ، وهذه السيرة العطرة التي سار بها بين العدو والصديق ، وهذا الخلق الكريم ، الذي اقتبسه من أخلاق النبوة ، وهذا الدين القويم ، الذي يعصمه من الخطأ والزلل، هذه الصفات وما إليها، بقيت خالدة مع الإنسان ، توحي بالعبرة والذكرى لكل من يتولى أمر أمة. إن الشهامة التي يتصف بها أبو منصور، والعبرة التي تركها للأجيال، والقدوة الحسنة التي خلفها لقواد الجيوش،. أغلى من ملء الدنيا ذهباً. وما عند الله خير وأبقى!…."
( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية، القسم الأول ، ص 123-124)
هذه هي سياسة الإباضية في جميع حروبهم لم يكن لهم أن يستحلوا مالاً قد حرمه الله تعالى بل نجد قادتهم يحذرون جنودهم من أموال أهل القبلة ويقيمون على من خالف سياساتهم العقاب تأديباً لهم وردعاً لغيرهم من التورط في مثل أعمالهم. وكان من نصائح علماء الإباضية لأئمتهم وقادتهم بأن لا يخرجوا إلى النواحي والبلدان بعسكر لا يضبطونه ولا يصدونه عن الظلم والفساد ( السير والجوابات، ج1/ص417)
وكان من تعاليم أئمتهم أن لا يؤخذ مال من جيش مسلم شارك فيه محارب مشرك فقد جاء في كتاب ( السير والجوابات ج1/ص359): " وسألت أبا المؤثر عن جبار من أهل القبلة خرج باغياً على المسلمين وسار معه قوم من المشركين، فقال: إن المشركين الذين ساروا مع الجبار لهم من الحرمة كحرمة البغاة من أهل القبلة، إذا كان إمامهم من أهل القبلة كان المشركون معه بمنزلة أهل القبلة لا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم "
فأين أولئك الأقزام الذين يتطاولون على الفكر الإباضي من هذه المبادئ التي لم تكن في يوم من الأيام عند الإباضية نظريات تحشى بها الأدمغة. هذا الذي أردت أن قوله هنا وللحديث بقية إن شاء الله…
منقوول
مازايلت خطوة المختار خطوتهم ** وماثنى عزمهم نفس وشيطان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أما بعد :
أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إن الدافع الذي جعلني أكتب هذه الكتابات المتواضعة هو الرغبة الشديدة في تعريف الناس بالمذهب الإباضي الذي جهل مبادئه وقيمه الكثير من أفراد الأمة الإسلامية.
فقد اخترت هذه الحلقة لتشير إلى مبدأ هام طالما جهله أو تجاهله الكثير ممن ظلم المذهب الإباضي ، ألا وهو تحريمهم أكل أموال المسلمين سواء كانوا في الحرب أو السلم.
ففي الوقت الذي كانت تتسابق فيه سيوف بني أمية وبني العباس لأجل جمع حطام هذه الدنيا الفانية كانت سيوف الإباضية تسعى لغرس الحق وإقامة العدل بين أوساط المسلمين، ولاستئصال الفساد والبغي والظلم عن كاهل أمة الإسلام التي عانت كثيراً من جور الظلمة الذين اتخذوا عباد الله خولا.
فمما جاء في كتب التاريخ الآتي: :
- قُطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وأخذ سراويله ونعليه وسيفه، وأخذ جنود عبيد الله بن زياد الورس الحلل والإبل وانتهبوها. ومال الناس إلى نساء الحسين وثقله ومتاعه فكانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها
( تاريخ الطبري، ج3/ص334)
- وقتل يزيد بن أنيس - قائد المختار بن أبي عبيد – ثلاثمائة أسير من جنود عبيد الله بن زياد وهو في السوق وكان يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم، فقتلوا عن آخرهم بعد أن أخذ ما في معسكرهم
( تاريخ الطبري ج3/ص453)
- " فانتهى [ يقصد مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ] إلى مدينة حمص … فأحدق خيله بالمدينة …. فقاتلوه. فقتل عامتهم، وأسر … نيف وثلاثين رجلاً منهم، فأتى بهم مروان فقتلهم وهو واقف، وأمر بجمع قتلاهم وهم خمسمائة أو ستمائة فصلبوا حول المدينة…."
( تاريخ الطبري ، ج4/ص281)
- ولما انتهت المعركة بين مروان بن محمد الأموي وسليمان بن هشام الأموي حدث الآتي: " فانهزم سليمان ومن معه وأتبعهم خيوله تقتلهم وتأسرهم؛ وانتهوا إلى عسكرهم فاستباحوه، ووقف مروان موقفاً، وأمر ابنيه فوقفا موقفين، ووقف كوثر صاحب شرطته في موضع، ثم أمرهم ألا يأتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبداً مملوكاً، فأحصي مِنْ قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين ألفاً " ( تاريخ الطبري، ج4/ص288)
- وقد قدر من قتله أبو مسلم الخراساني صبراً بستمائة ألف
( تاريخ الطبري ، ج4/ص386)
- وقد سالت أنهار من دماء المسلمين وانتهبت أموالهم في أثناء الحروب الطاحنة التي دارت بين الأمين والمأمون بين عامي 195-197هـ.
- وجاء في تاريخ بني أمية وبني العباس ما يعرف بتجارة الرؤوس، وكان كل هم المحاربين هو الإكثار من حطام الدنيا ولو دعا ذلك إلى قطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه و قطع رؤوس غيره من المسلمين
( انظر تاريخ الطبري ، ج3/ص 521 و 541 ، ج4/ ص160 و209 و 233 و 245 و 599).
ومما جاء في هذا:
1- "وقال الوليد: ….من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فجاء قوم برؤوس، فقال الوليد : أكتبوا أسماءهم. فقال رجل من مواليه؛ ليس هذا بيوم يعمل فيه بنسيئة
( تاريخ الطبري، ج4/ص246)
2- " فأمر عبد الله منادياً، فنادى : من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فو الله ما كان بأسرع من أن أتي برأس، فوضع بين يديه. فأمر له بخمسمائة، فدفعت إلى الذي جاء به. فلما رأى أصحابه وفاءه لصاحب الرأس، ثاروا بالقوم فوالله ما كان إلا هنيهة حتى نظرت إلى نحو من خمسمائة رأس قد ألقيت بين يديه…."
( تاريخ الطبري، ج4/ص278)
تلك هي نماذج مختصرة من أعمال بني أمية وبني العباس وضعتها بين يديك أخي القارئ الكريم لكي تعرف الفارق بين أعمالهم وأعمال الإباضية الذين لم يفارقوا مبادئ الإسلام وتعاليمه بل باعوا حياتهم وأرواحهم لأجل نعيم دائم لا يزول ولا يفنى. فقد جاءت سيرهم عبر التاريخ لتعبر بلسان صادق عن صحة العقيدة التي استولت على كل ما يملكون من أحاسيس ومشاعر.
فكانوا - وهم كذلك في كل عصر ومصر- عقيدة الحق تجري على وجه الأرض، الخير عندهم ما اختاره ربهم وكل ما نهاهم عنه فهو شر يعوذون ببارئهم منه.
وإليك أخي القارئ هذا الواقع مسطراً بأحرف من نور ومترجماً لسيرة أحد الأبطال الذين صاغتهم العقيدة الإباضية الصافية النقية التي لا تلامسها شوائب الخيانة والنفاق.
فقد جاء في تاريخ ابن خلدون:
لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس على مصر. حمل العباس ما كان هنالك من المال والسلاح، وهو ألف ألف دينار. وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى، ثم سار إلى أفريقيا يطلب ملكها .. وانتهى إلى مدينة لبدة فخرج عليه عامل ابن الأغلب فقبض عليه، ونهب البلد وقتل أهله، وفضح نساءهم فاستغاثوا بإلياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الإباضية، وقد كان خاطبه يتهدده على الطاعة.
( تاريخ ابن خلدون، ج4/ص391)
وجاء في الكامل لابن الأثير:
" عصى العباس ابن أحمد بن طولون أباه ورحل حتى أتى حصن لبدة، ففتحه أهله له فعاملهم أسوأ معاملة، ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي، رئيس الإباضية هناك، واستعانوا به، فغضب لذلك ، وسار إلى العباس ليقاتله.
( الكامل في التاريخ، ج7/ص323)
وقال الشيخ علي يحيى معمر:
" كان العباس ولد أحمد بن طولون صاحب مصر، عاصياً لأبيه ناقماً عليه وخرج أبوه ذات يوم من عاصمة المملكة لشأن من الشئون فانتهز العباس فرصة غياب والده وأخذ ما بالخزانة من أموال وأخذ معه ثمانمائة فارس وعشرة آلاف راجل من عبدان أبيه. واتجه إلى الغرب قاصداً القيروان، ليبني هنالك ملكاً له – فيما يحسب - بعد أن يقوض ملك بني الأغلب. ولما وصل إلى لبدة تحرش بالإباضية وبعث برسالة تهديد إلى أبي منصور إلياس عامل الدولة الرستمية في جبل نفوسة فغضب أبو منصور وجهز جيشاً في اثني عشرة ألف مقاتل وزحف عليه فطحنه وقتل أغلب من معه وفر العباس منفرداً على فرسه حتى رجع إلى حضن أمه وتناثرت تلك الأموال التي سرقها من خزانة مصر ليبني بها ملكاً في القيروان في ساحات القتال وبقيت هناك لم تمسها يد من جند أبي منصور حتى جاءها بنو الأغلب والتقطوها من الأرض ومن أيدى الناس أما أبو منصور فعندما تم له النصر كف يده ويد جنده عن الدماء والأموال ورجع إلى مركز حكمه دون أن تتدنس جيوبه وجيوب أصحابه باستحلال أموال صانتها كلمة التوحيد وحفظتها شريعة الله.
( الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الثالث ، الحلقة الرابعة،ص47)
وقال الشيخ علي يحيى معمر - رحمه الله - أيضاً: " فما عرف التاريخ في أحداثه الطويلة قائداً حربياً ينتصر في معركة وينهزم عدوه تاركاً وراءه ثمانمائة حمل من الذهب في الميدان فيعف القائد المنتصر، وجيشه المظفر، ولا يمس منها ديناراً واحداً يحتفظ به للذكرى، حتى يأتي أولئك الذين لا يفرقون بين الحلال والحرام ليلتقطوا ما بقي في الميدان كما تأتي الذئاب لتلغ في دماء الجيف التي عفت عنها الأسود. إن أصحاب المبادئ من المحاربين يجب أن يقفوا لتحية هذا البطل العظيم كلما ذكر اسمه، وإنه لقليل عليه أن يخلد اسمه في كل عاصمة من العواصم الإسلامية، وليس ذلك للرفع من مقامه فإن مقامه أسمق من أن يحتاج إلى رفعه، ولكنه ليكون ذكرى وعبرة لهؤلاء الذين يحملون السيوف ويحاربون من أجل المبادئ فيما يزعمون"
( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية ، القسم الثاني، ص 188)
وقال الشيخ علي يحيى معمر – رحمه الله تعالى – في موضع آخر من كتابه القيم: " لقد ثار ….وأي حر لا يثور؟ …. ولاقى الطاغي الجبار في قصر حاتم…. وكانت المعركة …. وشاءت إرادة الله أن ينتصر الحق والشهامة والمروءة! …. وأن ينهزم الطغيان المتكبر الجحود ! … فماذا كان من المنتصر ؟…. ما هو موقف أبي منصور إلياس؟ … هل ذبح الأسرى؟ . هل قطع الرؤوس؟ هل انتهك الحرمات؟ : حرمات المحاربين، أو حرمات المسالمين، هل أطلق أيدي الجند للغنيمة؟ هل جمع الأموال ليستأجر بها المرتزقة ؟ أو ليبني بها القصور ؟ أو ليكدسها في بيت المال ؟ هل جمع الذهب الذي يتناثر في المعركة كما يتناثر الحصى؟ ….. ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك! . وعندما ولى العدو منهزماً ، وركب ابن طولون فرسه هارباً ، أوقف أبو منصور رحى القتال ، ثم أمر جيشه بالرجوع، هذا الجيش الذي يقاتل في سبيل الله لا يأخذ من الدولة مرتباً ، ولا من ساحات القتال غنيمة. ورجع أبو منصور بجيشه المظفر ، بريئاً من الانتقام، بريئاً من الظلم ، بريئاً من العدوان، نظيفاً من الدماء المسالمة، نظيفاً من الحرمات، نظيفاً من جميع الأموال …. وسار التاريخ ، لا يلتفت ، وفنى الذهب الذي سرقه ابن طولون من خزائن أبيه ليبني به عرشاً ، فنثره أبو منصور النفوسي في ميدان المعركة ، وفني ابن الأغلب ، رغم هذه الدنانير التي كان يفتش عنها بدقة ، ويجمعها بحرص . وفني أبو منصور أيضاً ، كما يفنى جميع الناس . ولكن هذا المثل الرائع ، الذي ضربه للحكام ، وهذه السيرة العطرة التي سار بها بين العدو والصديق ، وهذا الخلق الكريم ، الذي اقتبسه من أخلاق النبوة ، وهذا الدين القويم ، الذي يعصمه من الخطأ والزلل، هذه الصفات وما إليها، بقيت خالدة مع الإنسان ، توحي بالعبرة والذكرى لكل من يتولى أمر أمة. إن الشهامة التي يتصف بها أبو منصور، والعبرة التي تركها للأجيال، والقدوة الحسنة التي خلفها لقواد الجيوش،. أغلى من ملء الدنيا ذهباً. وما عند الله خير وأبقى!…."
( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية، القسم الأول ، ص 123-124)
هذه هي سياسة الإباضية في جميع حروبهم لم يكن لهم أن يستحلوا مالاً قد حرمه الله تعالى بل نجد قادتهم يحذرون جنودهم من أموال أهل القبلة ويقيمون على من خالف سياساتهم العقاب تأديباً لهم وردعاً لغيرهم من التورط في مثل أعمالهم. وكان من نصائح علماء الإباضية لأئمتهم وقادتهم بأن لا يخرجوا إلى النواحي والبلدان بعسكر لا يضبطونه ولا يصدونه عن الظلم والفساد ( السير والجوابات، ج1/ص417)
وكان من تعاليم أئمتهم أن لا يؤخذ مال من جيش مسلم شارك فيه محارب مشرك فقد جاء في كتاب ( السير والجوابات ج1/ص359): " وسألت أبا المؤثر عن جبار من أهل القبلة خرج باغياً على المسلمين وسار معه قوم من المشركين، فقال: إن المشركين الذين ساروا مع الجبار لهم من الحرمة كحرمة البغاة من أهل القبلة، إذا كان إمامهم من أهل القبلة كان المشركون معه بمنزلة أهل القبلة لا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم "
فأين أولئك الأقزام الذين يتطاولون على الفكر الإباضي من هذه المبادئ التي لم تكن في يوم من الأيام عند الإباضية نظريات تحشى بها الأدمغة. هذا الذي أردت أن قوله هنا وللحديث بقية إن شاء الله…
منقوول
مازايلت خطوة المختار خطوتهم ** وماثنى عزمهم نفس وشيطان