بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبينالطاهرين
مفهومأهل البيت عند أهل اللغة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبينالطاهرين
مفهومأهل البيت عند أهل اللغة
قدورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين أحداهما في هذه الآية المرتبطة بحديثالكساء الشريف والأخرى في قوله تعالى « قولوا أتعجبين من أمرالله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت »(1) . ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال :
1 ـ أهل الأمر والنهي .
2 ـ أهل الأنجيل .
3 ـ أهل الكتاب .
4 ـ أهل الأسلام .
5 ـ أهل الرجل .
6 ـ أهل الماء .
وهذهالموارد توقفنا على أن كلمة أهل تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيفإليه ، فأهل الأمر والنهى هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر ، وأهل الإنجيل همالذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام .
وقداتفقت كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان بمعنى واحد قال ابن منظور : آلالرجل : أهله وآل الله وآل رسوله : أولياؤه ، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارتفي التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً . كما قالوا : آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر . وقد انشأ عبد المطلب عند هجوم أبرهة على مكة المكرمة وقدأخذ حلقة باب الكعبة وقال :
وانصر على آل الصليب
وعابديهاليوم آلك
وعابديهاليوم آلك
وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظإذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه ، فأهل الرجلمثلاً أخص الناس به ، وأهل المسجد المترددون كثيراً إليه ، وأهل الغابة القاطنونفيها ... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نترود في شمولها للزوجةوالأولاد وبل غيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواجولأجل ذلك ترى أنّه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية هذه هو حقالكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة .
قالابن منظور : أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناتهوصهره أعني علياً عليه السلام ، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم أهله (2) .
فلقدأحسن الرجل في تحديد المفهوم ، أولاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشاربقوله : قيل : إلى ضعف القول الآخر لأنه نسبه إلى القيل .
وقالابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن أحمد : أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجلأخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به (3) .
وعلىما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضافإليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به فإذا لا حظنا موارد استعمال هذه الكلمة لانتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة البيت من غيرفرق بين الأولاد والأزواج .
اذنهذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغةهم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما ،وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا ان لفظ أهل البيت يطلق فقط على الزوجةويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولادوالأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال على ذلك عن طريق إثباته ذلك منالقرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة ـ أهل البيت ـ في قصة إبراهيم بالبشرى حيث قالالله تعالى « وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق من وراءإسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب ،قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت» (4) . وفي قصة موسى عليه السلام أيضاً :« فلماقضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله إمكثوا اني آنستناراً » (5) . فالمستشكل قال : إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجةإبراهيم عليه السلام لا غير كما في الآية الأولى الخاصة بالبشرى واستعمل الأهل فيزوجة موسى عليه السلام وهي بنت شعيب ما في الآية ، إذن فالمستشكل قال إن الأهلتطلق على الزوجة حقيقة ، وهذا مردود من عدة جهات :
أولاّ: تقدم على لسان أهل اللغةأن لفظة أهل تطلق على أخص الناس بالزوج وهم الأولاد .
ثانياً: ان كلامه غير صحيح من كونالأهل تطلق حقيقة على الزوجة ومجازاً على الأولاد فنحن نقول له من أين استظهرت هذا، فإذا قلت من آية البشرى وآية موسى فإنه مردود لأنه الإطلاق هنا على كلمة الأهلليس دليلاً على الانحصار ـ أي انحصار اللفظة على الزوجة فقط ..
ثالثاً: إنّ الآية في قصة إبراهيمقالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليك تكون ظاهرة في زوجته فقط كلمةأهل .
أمّاالسؤال المهم في هذا المقام هو هل أنّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق على الزوجة أوعلى الزوجة والأولاد ؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أوبعدها تصرف هذا اللفظ خاصة إلى أهل البيت الذين يقصد بهم على وفاطمة والحسنوالحسين عليهم السلام ، أم لا توجد قرائن ؟ والجواب على ذلك : إن بعض من وقف مع هذهالآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد من أهل البيت هم أزواجه ونسائه صلى اللهعليه وآله وسلم والبعض الآخر قال إنّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق على بنت النبي صلىالله عليه وآله وسلم و صهره وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام .
والحقمع من ذهب إلى القول الثاني ـ على وفاطمة والحسن والحسين ـ بدلالة عدة شواهدوقرائن حفت بالآية المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن .
1 ـ القرينة الأولى اللام فيأهل البيت للعهد وبيان ذلك : إنّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قولهتعالى « إن الإنسان لفي خسر » ،وقد يراد من اللام الاستغراق مثل قوله تعالى « يا أيها النبي جاهدالكفار والمنافقين وأغلظ عليهم » وقد يراد منها باعتبار معهودية مدخولها بينالمتكلم والمخاطب ، أمّا الأول والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهماأما القول الثالث فهو الحق لأنّ الله تعالى إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيتمعهودين بين المتكلم والمخاطب ، وفمن هم هؤلاء أهل البيت ؟!!
2 ـ القرينة الثانية على أنالمراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلافالضمائر الأخرى التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن ، اتقيتن .فلا تخضعن ... الخ .
3 ـ القرينة الثالثة : ـ هيان الإرادة وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الإرادة التكوينية .. إنما يريد الله ـلا التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلمإذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص منتطبيقه على جماعة خاصة من المنتمين إلى البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهمبالأسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلى العصمة ولا ينطبق هذا إلا على الإمامعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
وأضفإلى ذلك إلى أن المراد من أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوفالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر على باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالى ـ «إنمايريد الله ... » ليوقظهم للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيت عليهم السلام ، وكذلكنزول آية التطهير في بيت فاطمة عليها السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة علىأن حديث الكساء كان في بيت فاطمة عليها السلام خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساءكان في بيت أم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث .
إذنكان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم يرّ مثلها إلا في أقل الموارد حيثقام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل السيّر والتأريخ لهمالعناية الكاملة بتعريف أهل البيت عليهم السلام في مواضع مختلفة وحسب المناسباتالتي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الإسلاميين الذين كان لهمالعناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم على وجهيظهر من الجميع اتفاقهم على نزول الآية في حق العترة الطاهرة .
أماالروايات الواردة في بيان من هم أهل البيت عليهم السلام فنروي لك شاهدين الشاهدالأول : ما روي عن أم سلمة إنها قالت : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فيبيتي فاستدعى علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ؛ وجللهم بعباءةٍ خيبريةثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أم سلمة :قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك ؟ قال لا : ولكنك إلى خير (6) .
أماالشاهد الثاني : ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في احتجاجه على أبي بكرحيث قال له أخبرني عن وقول الله عزّ وجلّ « إنما يريد الله ليذهبعنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت ؟ قال : فيكم :فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهداً على فاطمة عليها السلام بفاحشة ما كنتصانعاً ؟ قال :
كنتأقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين !! قال الإمام عليه السلام كنت إذنعند الله من الكافرين قال : ولم ؟ قال : لأنك رددت شهادتها وقبلت شهادة غيرها كنتعند الله من الكافرين قال : فبكى الناس وتفرقوا ودمدموا (7) .
وعلىهذا يكون الشاهدين فيهما دلالة على أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة منالزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس الفعلية ، ومما يؤكد العصمةفيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذهالكتب إن الرسول كان دائماً يقول : فاطمة بضعة مني يغضبني منأغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرض لرضاها .
فانهذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جلّ شأنه وغضبه بغضبها حتى إنها لوغضبت أو رضيت على أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكنحالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لها عليهاالسلام (8) وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه (9) في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأما نصه : قد ثبت عصمة فاطمة عليها السلام بإجماع الأمة على ذلك فتياً مطلقة ،وإجماعهم على إنّه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة ،لكان الشهود مبطلين في شهادتهم ، ووجب على الأمة تكذيبهم وعلى السلطان عقوبتهم ،فإنّ الله تعالى قد دل على ذلك بقوله : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيتويطهركم تطهيراً » .
ولاخلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة عليها السلام كانت من أهل هذه الآية ، وقد بيّنافيما سلف إنّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولإجماعالأمة أيضا على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللهعز وجل » . فلولا أنّ فاطمة عليها السلام كانت معصومة من الخطأ ، مبرأة من الزلل، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جازوجوب آذاها لجاز آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والأذى لله عز وجل فلمّابطل ذلك دلّ على أنها عليها السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه ، وإذا ثبت عصمةفاطمة عليها السلام وجب القطع بقولها ، واستغنت عن الشهود في دعواها ـ في قضية فدكـ لأن المدعي إنمّا افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهربالشهود وعلى قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم ، وجحد الحقوق الواجبةعليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلاموعلى ظلم ما نعها فدكاً ومطالبتها بالبينة عليها .
ويكشفعن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز
الهوامش
(1) هود : آية 73 .
(2) لسان العرب : 11 | 29 «أهل » .
(3) معجممقاييس اللغة : 1 | 150 .
(4) هود : آية 73 .
(5) القصص: آية 30 .
(6) التبيان في تفسير القرآنللشيخ الطوسي : 8 | 339 .
(7) عللالشرائع : 191 باب 151 .
(8) وفاة الصديقة الزهراء :55 للمقرم .
(9) الفصولالمختارة من العيون المحاسن : 8
قالابن منظور : أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناتهوصهره أعني علياً عليه السلام ، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم أهله (2) .
فلقدأحسن الرجل في تحديد المفهوم ، أولاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشاربقوله : قيل : إلى ضعف القول الآخر لأنه نسبه إلى القيل .
وقالابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن أحمد : أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجلأخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به (3) .
وعلىما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضافإليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به فإذا لا حظنا موارد استعمال هذه الكلمة لانتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة البيت من غيرفرق بين الأولاد والأزواج .
اذنهذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغةهم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما ،وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا ان لفظ أهل البيت يطلق فقط على الزوجةويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولادوالأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال على ذلك عن طريق إثباته ذلك منالقرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة ـ أهل البيت ـ في قصة إبراهيم بالبشرى حيث قالالله تعالى « وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق من وراءإسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب ،قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت» (4) . وفي قصة موسى عليه السلام أيضاً :« فلماقضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله إمكثوا اني آنستناراً » (5) . فالمستشكل قال : إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجةإبراهيم عليه السلام لا غير كما في الآية الأولى الخاصة بالبشرى واستعمل الأهل فيزوجة موسى عليه السلام وهي بنت شعيب ما في الآية ، إذن فالمستشكل قال إن الأهلتطلق على الزوجة حقيقة ، وهذا مردود من عدة جهات :
أولاّ: تقدم على لسان أهل اللغةأن لفظة أهل تطلق على أخص الناس بالزوج وهم الأولاد .
ثانياً: ان كلامه غير صحيح من كونالأهل تطلق حقيقة على الزوجة ومجازاً على الأولاد فنحن نقول له من أين استظهرت هذا، فإذا قلت من آية البشرى وآية موسى فإنه مردود لأنه الإطلاق هنا على كلمة الأهلليس دليلاً على الانحصار ـ أي انحصار اللفظة على الزوجة فقط ..
ثالثاً: إنّ الآية في قصة إبراهيمقالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليك تكون ظاهرة في زوجته فقط كلمةأهل .
أمّاالسؤال المهم في هذا المقام هو هل أنّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق على الزوجة أوعلى الزوجة والأولاد ؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أوبعدها تصرف هذا اللفظ خاصة إلى أهل البيت الذين يقصد بهم على وفاطمة والحسنوالحسين عليهم السلام ، أم لا توجد قرائن ؟ والجواب على ذلك : إن بعض من وقف مع هذهالآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد من أهل البيت هم أزواجه ونسائه صلى اللهعليه وآله وسلم والبعض الآخر قال إنّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق على بنت النبي صلىالله عليه وآله وسلم و صهره وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام .
والحقمع من ذهب إلى القول الثاني ـ على وفاطمة والحسن والحسين ـ بدلالة عدة شواهدوقرائن حفت بالآية المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن .
1 ـ القرينة الأولى اللام فيأهل البيت للعهد وبيان ذلك : إنّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قولهتعالى « إن الإنسان لفي خسر » ،وقد يراد من اللام الاستغراق مثل قوله تعالى « يا أيها النبي جاهدالكفار والمنافقين وأغلظ عليهم » وقد يراد منها باعتبار معهودية مدخولها بينالمتكلم والمخاطب ، أمّا الأول والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهماأما القول الثالث فهو الحق لأنّ الله تعالى إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيتمعهودين بين المتكلم والمخاطب ، وفمن هم هؤلاء أهل البيت ؟!!
2 ـ القرينة الثانية على أنالمراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلافالضمائر الأخرى التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن ، اتقيتن .فلا تخضعن ... الخ .
3 ـ القرينة الثالثة : ـ هيان الإرادة وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الإرادة التكوينية .. إنما يريد الله ـلا التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلمإذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص منتطبيقه على جماعة خاصة من المنتمين إلى البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهمبالأسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلى العصمة ولا ينطبق هذا إلا على الإمامعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
وأضفإلى ذلك إلى أن المراد من أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوفالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر على باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالى ـ «إنمايريد الله ... » ليوقظهم للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيت عليهم السلام ، وكذلكنزول آية التطهير في بيت فاطمة عليها السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة علىأن حديث الكساء كان في بيت فاطمة عليها السلام خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساءكان في بيت أم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث .
إذنكان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم يرّ مثلها إلا في أقل الموارد حيثقام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل السيّر والتأريخ لهمالعناية الكاملة بتعريف أهل البيت عليهم السلام في مواضع مختلفة وحسب المناسباتالتي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الإسلاميين الذين كان لهمالعناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم على وجهيظهر من الجميع اتفاقهم على نزول الآية في حق العترة الطاهرة .
أماالروايات الواردة في بيان من هم أهل البيت عليهم السلام فنروي لك شاهدين الشاهدالأول : ما روي عن أم سلمة إنها قالت : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فيبيتي فاستدعى علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ؛ وجللهم بعباءةٍ خيبريةثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أم سلمة :قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك ؟ قال لا : ولكنك إلى خير (6) .
أماالشاهد الثاني : ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في احتجاجه على أبي بكرحيث قال له أخبرني عن وقول الله عزّ وجلّ « إنما يريد الله ليذهبعنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت ؟ قال : فيكم :فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهداً على فاطمة عليها السلام بفاحشة ما كنتصانعاً ؟ قال :
كنتأقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين !! قال الإمام عليه السلام كنت إذنعند الله من الكافرين قال : ولم ؟ قال : لأنك رددت شهادتها وقبلت شهادة غيرها كنتعند الله من الكافرين قال : فبكى الناس وتفرقوا ودمدموا (7) .
وعلىهذا يكون الشاهدين فيهما دلالة على أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة منالزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس الفعلية ، ومما يؤكد العصمةفيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذهالكتب إن الرسول كان دائماً يقول : فاطمة بضعة مني يغضبني منأغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرض لرضاها .
فانهذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جلّ شأنه وغضبه بغضبها حتى إنها لوغضبت أو رضيت على أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكنحالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لها عليهاالسلام (8) وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه (9) في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأما نصه : قد ثبت عصمة فاطمة عليها السلام بإجماع الأمة على ذلك فتياً مطلقة ،وإجماعهم على إنّه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة ،لكان الشهود مبطلين في شهادتهم ، ووجب على الأمة تكذيبهم وعلى السلطان عقوبتهم ،فإنّ الله تعالى قد دل على ذلك بقوله : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيتويطهركم تطهيراً » .
ولاخلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة عليها السلام كانت من أهل هذه الآية ، وقد بيّنافيما سلف إنّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولإجماعالأمة أيضا على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللهعز وجل » . فلولا أنّ فاطمة عليها السلام كانت معصومة من الخطأ ، مبرأة من الزلل، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جازوجوب آذاها لجاز آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والأذى لله عز وجل فلمّابطل ذلك دلّ على أنها عليها السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه ، وإذا ثبت عصمةفاطمة عليها السلام وجب القطع بقولها ، واستغنت عن الشهود في دعواها ـ في قضية فدكـ لأن المدعي إنمّا افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهربالشهود وعلى قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم ، وجحد الحقوق الواجبةعليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلاموعلى ظلم ما نعها فدكاً ومطالبتها بالبينة عليها .
ويكشفعن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز
الهوامش
(1) هود : آية 73 .
(2) لسان العرب : 11 | 29 «أهل » .
(3) معجممقاييس اللغة : 1 | 150 .
(4) هود : آية 73 .
(5) القصص: آية 30 .
(6) التبيان في تفسير القرآنللشيخ الطوسي : 8 | 339 .
(7) عللالشرائع : 191 باب 151 .
(8) وفاة الصديقة الزهراء :55 للمقرم .
(9) الفصولالمختارة من العيون المحاسن : 8