بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
فالهدى ودين الحق هي الرسالة التي حملها خاتم المرسلين إلى البشرية جمعاء من ربّهم وخالقهم وهاديهم إلى الحق ليتديّنوا به ويستوعب كل مراحل حياتهم وكل أبعاد وجودهم فيظهر على الدين كله ويستولي على الباطل الذي لا يقوى أمام حجج الحق واصوله وثماره اليانعة، إذ ستظهر هشاشته وبطلانه أمام تجذر الحق واستحكام أغصانه وقوّة صموده وعدم ذوبانه.الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً)
فالباطل يريد الهيمنة على كل مجالات الحق ويهوى أن يتحكم في كل شيء فيسعى لاطفاء نور الحق، غير انه سعي لا جدوى به، لأنه مهما حاول اطفاء نور الحق الذي لا يخبو فانه لا يعدو أن يكون نفثاً بالأفواه امام نور الحق الساطع وهو نور الله الذي هو مصدر كل نور وإليه ينتهي نور كل نور.
ومن هنا جاء الذكر الحكيم مصرحاً بهذا المبدأ ومعلناً بسعي أهل الباطل لاطفاء نور الحق على مدى الاجيال، غير أنه سعي بلا جدوى وجولة لا تستقر، قال تعالى:
(يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).
وتتجلى خطوات أهل الباطل في انقلاب الصحابة الذين عاشوا خير القرون، وهو قرن حضور الرسول المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) وقرن سطوع نور الرسالة سطواً كاملاً يجسّده الرسول في سلوكه. وتعيشه الأمة بكل وجودها وكامل عواطفها وأحاسيسها.
وهنا نفهم مغزى الآية المحذرة من هذا الخطر الداهم والمستنكرة لهذا الارتداد المتوقع بقوله تعالى:
(وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإنْ مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). وتأتي الآية المنذرة بالتمحيص والمحذ ّرة من السقوط في الافتتان والفشل في مهب ريح الفتنة لتقول لصحابة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يحيط به أو يلحقه من التابعين:
(واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة).
إن شظايا هذه الفتنة سوف تلتهم الظالمين ومن يعايشهم ومن يعاصرهم أو يكتوي بنار ظلمهم وسوف تتبلور الطاقات والجهود التي اكتوت بنيران الظلم فيستبدل الله الظالمين بالصالحين.
كما قال لهم بكل صراحة:
(ان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
إنها سنّة الله التي يخرج من خلالها الصالحون ليرثوا الأرض وما يمكن وراثته من الظالمين.
وقال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأض يرثها عبادي الصالحون).
(إنّ في هذا لبلاغاً لقوم عابدين).
وحين تتحقق مصاديق هذه السنن فإنّ احكامها ونتائجها لا تتخلف ويكون وعدالله حقاً:
فقد قال: (وعدالله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً).
وهكذا تصبح الأمة المسلمة هي الاُمة الوارثة للأرض، والصالحون من أبناء هذه الاُمة هم الذين تكلل جهودهم بالنصر المؤزّر وبذلك يمكّن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونه لا يشركون به شيئاً.
وهذه هي الرؤية الواضحة الناصعه والمتفاءلة بالصلاح الذي يغمر أرجاء المعمورة بعد سقوط الباطل واضمحلاله وضموره أما م سطوع نور الحق وسلطانه.
ومن هنا يتضح أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد حذ ّر عمّا حذ ّر منه القرآن من انحسار العدل واستطالة الباطل والظلم حتى تمتلئ الأرض جوراً، وبشّر بما بشّر به القرآن من استعادة أهل الحق حقوقهم وسيطرة الدين الحق بامامة عدل من عدول أهل بيت الرسالة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويحقق آمال الأنبياء وأهدافهم ويجسّد مثلهم وقيمهم أحسن تجسيد وأشمله.
الرسول الخاتم(صلى الله عليه وآله) يخبر بنقض عرى الاسلام من بعده
1 ـ عن أبي زيد، قال: صلّى بنا رسول الله الفجر فصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلُمنا أحفظُنا).(1)
2 ـ عن حذيفة: قلت يا رسول الله إنّا كنّا في جاهلية وشرٍّ، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: نعم. قال حذيفة: ماهو؟ قال النبي(صلى الله عليه وآله): فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً تأتيكم مشتبهة.(2)
قال حذيفة: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة إلا قد سمّاه باسمه واسم أبيه واسم قبيلته.(3)
3 ـ وقال اُسامة: أشرف النبي(صلى الله عليه وآله) على أطم من آطام المدينة. ثم قال: (هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر).(4)
4 ـ وأعلن الرسول(صلى الله عليه وآله) أمام أصحابه قائلاً: ليُنقض الإسلام عروة عروة فكلّما انقضت عروة تشبثت الناس بالتي تليها، فأوّلهنّ نقضاً الحكم وآخرهنّ الصلاة).(5)
5 ـ وقال حذيفة: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ في أصحابي اثني عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط).(6)
6 ـ وأعلن(صلى الله عليه وآله) أمام أصحابه قائلاً: (إنّ هلاك اُمتي على يد غلمة من قريش).
وقال أيضاً: يهلك اُمتي هذا الحي من قريش.(7)
7 ـ وعن ابن عبّاس أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ولتحملنّكم قريش على سنّة فارس والروم ولتؤمننّ عليكم اليهود والنصارى).(8)
8 ـ وقال(صلى الله عليه وآله) مرة اُخرى: إن هذا الحي من مضر لا تدع لله في الأرض عبداً صالحاً إلاّ فتنته وأهلكته).(9)
__________
(1) صحيح مسلم: كتاب الفن، وانظر الفتح الرباني: 1/247.
(2) انظر صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة ورواه أحمد. وانظر الفتح الرباني: 23/38.
(3) رواه داود فى عون المعبود الحديث 4243 و 4222.
(4) صحيح البخاري، كتاب الحج: 1/322 و رواه مسلم: 7/8.
(5) رواه أحمد والحاكم وابن حبّان، انظر كنز العمال: 1/238.
(6) انظر كنز العمال: 1/169، ومعالم الفتن: 1/67.
(7) انظر صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق باب علامات النبوّة: 2/280 وصحيح مسلم كتاب الفتن.
(8) انظر مجمع الزوائد: 7/236.
(9) الفتح الرباني: 23/240، وقال الهثيمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.
أين الطالب بدم المقتول بكربلاء