[c]السّنة النبوية[/c]
قال الجنيد تحت عنوان > أصول السنة عند أهل السنة < :
( أما بالنسبة للسنّة النبوية فإنها المصدر الثاني عند أهل السنة والجماعة بعد القرآن ، وهي تمثل مجموع أقواله (ص) وأفعاله ، وفيها تفسير القرآن ، ولذلك يتشّرف أهل السنة بالانتساب إلى السنة النبوية تنفيذاً لوصية نبيهم (ص) الذي قال : > عليكم بسنتي < ) ( حوار هاديء صفحة 15 ) .
أقول : تعتبر السنة المصدر الثاني للتشريع عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، والسنة عندهم قول النبي (ص) أو الإمام وفعله وتقريره ، فإذا روى شخص ثقة عن رسول الله (ص) أو إمام من الأئمة الطاهرين الإثنى عشر عليهم السلام حديثاً مشتملاً على قول النبي أو فعله أو تقريره أو قول الإمام أو فعله أو تقريره فإنّ الشيعة تتلقى هذا الحديث بالقبول ويكون معتبراً عندهم ويعملون وفقه بشرط أن لا يكون ما فيه مخالفاً للكتاب المجيد أو المعلوم من الشريعة بالضرورة أو الثابت الصحيح بالتواتر أو بقطعي العقل وعليه فلا يختلف الشيعة الإثنى عشرية عن أهل السنة في كون سنة النبي (ص) هي المصدر الثاني للتشريع .
نعم يضيف الشيعة إلى سنة النبي (ص) سنة الأئمة الطاهرين الإثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام حيث تعتبر عندهم كسنة النبي (ص) في لزوم الاعتبار ووجوب الأخذ بها والعمل وفقها استناداً إلى أدلة كثيرة منها حديث الثقلين وهو قول النبي (ص) : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) ( سنن الترمذي 5/663 حديث رقم : 3788 ) .
وقد صرح العديد من علماء أهل السنة بأن المراد بالتمسك بعترة النبي (ص) وأهل بيته اتباعهم وأخذ أحكام الدين ومعارف الشريعة منهم ، يقول التنفتازاني :
( ألا يرى أنه (ص) قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذاً من الضلالة ، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا العترة ) ( شرح المقاصد 2/221 ) .
وقال الملا علي القاريء : ( والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم ) ( تحفة الأحوذي 10/196 ) .
وقال الشيخ حسن بن علي السقاف : ( والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم والمحافظة على حرمتهم والتأدب معهم والاقتداء بهديهم وسيرتهم ، والعمل برواياتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم ) ( صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص 654 ) .
ويضيف بعض أهل السنة إلى السنة النبوية سنة الخلفاء الأربعة ( أبو بكر وعمر وعثمان والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ) ، أمّا سنّة علي بن أبي طالب عليه السلام فبلا شك أنّها حجة لما ذكرناه ولأدلة كثيرة أوردنا بعضها في هذا الكتاب ، ولما ثبت بالأدلة الصحيحة أنه عليه السلام معصوم ، وأما حجيّة سنة أبي بكر وعمر وعثمان فلا دليل عليها لا من كتاب الله ولا من سنّة رسوله (ص) ، والقول المنسوب للنبي (ص) ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) الذي يعتمد عليها القائلون بحجية سنتهم مضطرب من ناحية السند وقد أثبت العلامة حسان عبد المنان في كتابه ( حوار مع الشيخ الألباني ) أنّ مدار الحديث على عبد الرحمن بن عمرو السلمي (حوار مع الشيخ الألباني صفحة 81 ) وهذا الرجل مجهول الحال لم يرد فيه توثيق إلاّ من ابن حبّان ، ومعلوم عندهم أنّ ابن حبّان كثيراً ما يوثق أشخاصاً مجهولين لا يعرف حالهم من حيث الوثاقة وعدمها .
ولو سلمنا أنّ هذا القول قد صدر منه (ص) وبطرق صحيحة ، فالاختلاف بيننا وبينهم حول الخلفاء الراشدين منهم ؟ فنحن نقول أنّهم الأئمة الإثنى عشر من أهل البيت الذين خلفهم النبي (ص) في أمته وليس منهم أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ، وذلك للحديث الصحيح الثابت عن النبي (ص) : ( لا يزال الدين قائما ًحتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) (صحيح مسلم 3/1453 ) .
وأكبر دليل على عدم اعتبار سنتهم أنّ سيد أهل البيت بعد رسول الله (ص) الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لمّا عرض عليه عبد الرحمن بن عوف يوم الشورى العمل بسنة أبي بكر وعمر ، لم يقبل بذلك ورفض العمل بسنتهما .
قال الجنيد :
( والأصول التي يرجع إليها أهل السنة هي كتب الحديث كالبخاري ومسلم اللذين اشتملا على الأحاديث الصحيحة ، وهناك كتب أخرى خلطت بين الروايات الصحيحة وأخرى ضعيفة كالمسند وأبي داود والترمذي والطبراني وابن ماجه وابن حبان والموطأ ... الخ ، وبناء عليه فلا يكفي مجرد إحالة مصدر الحديث إلى هذه الكتب من دون التحقق من صحة روايتها وسندها ورجالها اللهم باستثناء البخاري ومسلم ) ( حوار هاديء 15 ) .
أقول : من المعلوم أنّ علماء أهل السنة – إلاّ من شذّ منهم – يدّعون صحة جميع روايات صحيحي البخاري ومسلم ، إلاّ أن المحقق والمدقق والناظر في أسانيد ومتون روايات هذين الكتابين يجزم بل يقطع بعدم صحة الكثير من رواياتهما ، إمّا من ناحية السند أو من ناحية المتن ، وسأقتصر لإثبات ذلك على ذكر بعض الأدلة والأمثلة ، حيث أنّ هذا الكتاب غير مخصص لنقد الكتابين المذكورين حتى يمكن الإسهاب والتوسع في الإتيان بالشواهد والأدلة وضرب الأمثلة .
أمّا بالنسبة لعدم صحة بعض رواياتهما من ناحية المتن فمثاله : -
أخرج البخاري في صحيحه ( 7/121 ) ومسلم في صحيحه ( 1/135 ) كلاهما عن العباس بن عبد المطلب أنّه قال لرسول الله (ص) : ( يا رسول الله ؛ هل نفعت أبا طالب بشيء فإنّه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : نعم ، هو في ضحضاح من نار ، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) .
كما أخرجها مسلم في صحيحه باختلاف يسير في بعض ألفاظها ، ففيه أنّ العباس قال : ( قلت : يا رسول الله إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : نعم ، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ) ( صحيح مسلم 1/135 ) .
وهذه الرواية مخالفة للكتاب وللسنة الصحيحة ، فهي تثبت أن شفاعة النبي (ص) نفعت عمّه أبا طالب مع أنّه مات مشركاً بالله (1) والقرآن الكريم يقول بأنّ من مات مشركاً كافراً بالله لا تنفعه الشفاعة ، ولا يخفف عنه شيء من العذاب ، يقول تعالى : { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور } ( فاطر : 36 ) .
ويقول تعالى : { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون } ( النحل : 85 ) .
وقال تعالى : { وقال الذين في النار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفف عنّا يوماً من العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال } ( غافر : 49 – 50 ) .
وقال تعالى : { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون } ( البقرة : 86 ) .
وقال تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرّتهم الحياة الدنيا وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليٌّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذابٌ أليم بما كانوا يكفرون } ( الأنعام : 70 ) .
وقال تعالى : ( كل نفس بما كسبت وهينة * إلاّ أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر } إلى أن يقول سبحانه : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } ( المدثر : 38 – 48 ) .
وقال تعالى : { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع } ( غافر : 18 ) .
وقال تعالى : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً * لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتّخذ عند الرحمن عهدا } ( مريم : 86 – 87 ) .
ثم إنّ هناك إشكالاً آخر على هذه الرّواية وهو أنّها تفيد أنّ أبا طالب قامت قيامته وأنّ النبي (ص) وجده في غمرات النار فتشفّع فيه فأخرج منها إلى الضحضاح ، وهذا كلّه باطل وكذب ، فهل يختلف أبو طالب عن بقية العصاة على فرض موته مشركاً – والعياذ بالله – كما يزعم صحيح البخاري ومسلم الذين إلى الآن لم تقم قيامتهم ؟ أم أنّ أبا طالب عليه السلام أكثر جرماً وأعظم ذنباً من الطغاة الظلمة والجبابرة من أمثال فرعون ونمروذ وقارون وغيرهم بحيث أنّه يستحق أن تكون له قيامة خاصة ويعجلل به قبل هؤلاء إلى النّار ؟! .
فلا نملك إلاّ أن نقول ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ) .
وأخرج البخاري في صحيحه 5/2405 حديث رقم : 6204 ومسلم بن الحجاج في صحيحه 1/163 حديث رقم 182 من طريق أبي هريرة الدوسي أنّه قال : ( قا أناس يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟! فقال : هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : هل تضارّون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنّكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، ويبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون !!! فيقول : أنا ربّكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ! ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا ، فإذا أتانا ربّنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون!!! فيقول : أنا ربّكم فيقولون أنت ربّنا ، ... الخ ) .
وبلاشكّ أنّ ما في هذه الرّواية موضوع على لسان رسول الله (ص) وذلك :
أنّها تفيد :
1- أنّ الله سبحانه وتعالى جسماً تقع عليه العين الباصرة ، والله سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية .
2- أنهّ سبحانه يشغل حيّزاً من المكان ، فهو محتاج إلى ذلك المكان الذي يكون فيه ، وهذا باطل فهو غني مطلق لا يحتاج إلى شيء ومنزه عن المكان .
3- أنه سبحانه في جهة ، وهو منزه عن الجهة .
4- وهذه الجهة وهذا المكان إمّا أن يكونا مخلوقين له أو لا يكونا مخلوقين ، فإن قلنا بأنهما مخلوقان فقد ضمّنا الخالق المخلوق وهو باطل ، وإن قلنا بأنهما ليسا بمخلوقين فقد أثبتنا وجوداً ليس بمخلوق له سبحانه ، ويلزم من ذلك تعدد القدماء وهو باطل فلا قديم إلاّ الله .
5-أنّه سبحانه وتعالى عرضة للتغيّر من صورة إلى أخرى ، والله منزه عن التغيّر لأنّ التغيّر من صفات المحدثات والله عزّ وجل ليس كذلك .
6- حصول الرؤية من قبل الأمة للباري عزّ وجل – مؤمنوها ومنافقوها – قبل يوم القيامة بحيث تكون صورته – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – محفوظة في أذهانهم حتى إذا جاءهم يوم القيامة في غير الصورة التي يعرفونه بها ورأوه فيها سابقاً ينكروا أن يكون ربّهم ، وهذا واضح البطلان لكل مسلم .
والعجيب أنّ هذه الرّواية تناقض أقوالهم ورواياتهم حيث صرّحوا بأنّ الرّؤية – طبعاً حسب زعمهم الباطل أنه يرى يوم القيامة تعالى الله عن ذلك – خاصة بالمؤمنين ، وصرّحت رواياتهم أنّها – الرؤية - إنّما تحصل في الحنة وخاصة بالمؤمنين زيادة فوق نعيمهم فيها ، أمّا هذه الرّواية فتثبت خلاف ذلك فهي تثبتها حتى للمنافقين وقبل الدخول إلى الجنة .
_______________________
(1) إن الثابت الصحيح أنّ أبا طالب عليه السلام مات مؤمناً موحداً ، وجميع الرّوايات التي تقول بأنّه مات مشركاً هي من اختلاق السياسة المعادية لأهل البيت عليهم السلام ، فمثل هذه الرّوايات لا قيمة لها عند أتباع مدرسة أهل البيت ، ولا تصمد أمام النقد والأدلة القطعية التي تثبت خلاف ما تزعمه .
يتبع ... يتبع ... يتبع
قال الجنيد تحت عنوان > أصول السنة عند أهل السنة < :
( أما بالنسبة للسنّة النبوية فإنها المصدر الثاني عند أهل السنة والجماعة بعد القرآن ، وهي تمثل مجموع أقواله (ص) وأفعاله ، وفيها تفسير القرآن ، ولذلك يتشّرف أهل السنة بالانتساب إلى السنة النبوية تنفيذاً لوصية نبيهم (ص) الذي قال : > عليكم بسنتي < ) ( حوار هاديء صفحة 15 ) .
أقول : تعتبر السنة المصدر الثاني للتشريع عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، والسنة عندهم قول النبي (ص) أو الإمام وفعله وتقريره ، فإذا روى شخص ثقة عن رسول الله (ص) أو إمام من الأئمة الطاهرين الإثنى عشر عليهم السلام حديثاً مشتملاً على قول النبي أو فعله أو تقريره أو قول الإمام أو فعله أو تقريره فإنّ الشيعة تتلقى هذا الحديث بالقبول ويكون معتبراً عندهم ويعملون وفقه بشرط أن لا يكون ما فيه مخالفاً للكتاب المجيد أو المعلوم من الشريعة بالضرورة أو الثابت الصحيح بالتواتر أو بقطعي العقل وعليه فلا يختلف الشيعة الإثنى عشرية عن أهل السنة في كون سنة النبي (ص) هي المصدر الثاني للتشريع .
نعم يضيف الشيعة إلى سنة النبي (ص) سنة الأئمة الطاهرين الإثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام حيث تعتبر عندهم كسنة النبي (ص) في لزوم الاعتبار ووجوب الأخذ بها والعمل وفقها استناداً إلى أدلة كثيرة منها حديث الثقلين وهو قول النبي (ص) : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) ( سنن الترمذي 5/663 حديث رقم : 3788 ) .
وقد صرح العديد من علماء أهل السنة بأن المراد بالتمسك بعترة النبي (ص) وأهل بيته اتباعهم وأخذ أحكام الدين ومعارف الشريعة منهم ، يقول التنفتازاني :
( ألا يرى أنه (ص) قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذاً من الضلالة ، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا العترة ) ( شرح المقاصد 2/221 ) .
وقال الملا علي القاريء : ( والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم ) ( تحفة الأحوذي 10/196 ) .
وقال الشيخ حسن بن علي السقاف : ( والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم والمحافظة على حرمتهم والتأدب معهم والاقتداء بهديهم وسيرتهم ، والعمل برواياتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم ) ( صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص 654 ) .
ويضيف بعض أهل السنة إلى السنة النبوية سنة الخلفاء الأربعة ( أبو بكر وعمر وعثمان والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ) ، أمّا سنّة علي بن أبي طالب عليه السلام فبلا شك أنّها حجة لما ذكرناه ولأدلة كثيرة أوردنا بعضها في هذا الكتاب ، ولما ثبت بالأدلة الصحيحة أنه عليه السلام معصوم ، وأما حجيّة سنة أبي بكر وعمر وعثمان فلا دليل عليها لا من كتاب الله ولا من سنّة رسوله (ص) ، والقول المنسوب للنبي (ص) ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) الذي يعتمد عليها القائلون بحجية سنتهم مضطرب من ناحية السند وقد أثبت العلامة حسان عبد المنان في كتابه ( حوار مع الشيخ الألباني ) أنّ مدار الحديث على عبد الرحمن بن عمرو السلمي (حوار مع الشيخ الألباني صفحة 81 ) وهذا الرجل مجهول الحال لم يرد فيه توثيق إلاّ من ابن حبّان ، ومعلوم عندهم أنّ ابن حبّان كثيراً ما يوثق أشخاصاً مجهولين لا يعرف حالهم من حيث الوثاقة وعدمها .
ولو سلمنا أنّ هذا القول قد صدر منه (ص) وبطرق صحيحة ، فالاختلاف بيننا وبينهم حول الخلفاء الراشدين منهم ؟ فنحن نقول أنّهم الأئمة الإثنى عشر من أهل البيت الذين خلفهم النبي (ص) في أمته وليس منهم أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ، وذلك للحديث الصحيح الثابت عن النبي (ص) : ( لا يزال الدين قائما ًحتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) (صحيح مسلم 3/1453 ) .
وأكبر دليل على عدم اعتبار سنتهم أنّ سيد أهل البيت بعد رسول الله (ص) الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لمّا عرض عليه عبد الرحمن بن عوف يوم الشورى العمل بسنة أبي بكر وعمر ، لم يقبل بذلك ورفض العمل بسنتهما .
قال الجنيد :
( والأصول التي يرجع إليها أهل السنة هي كتب الحديث كالبخاري ومسلم اللذين اشتملا على الأحاديث الصحيحة ، وهناك كتب أخرى خلطت بين الروايات الصحيحة وأخرى ضعيفة كالمسند وأبي داود والترمذي والطبراني وابن ماجه وابن حبان والموطأ ... الخ ، وبناء عليه فلا يكفي مجرد إحالة مصدر الحديث إلى هذه الكتب من دون التحقق من صحة روايتها وسندها ورجالها اللهم باستثناء البخاري ومسلم ) ( حوار هاديء 15 ) .
أقول : من المعلوم أنّ علماء أهل السنة – إلاّ من شذّ منهم – يدّعون صحة جميع روايات صحيحي البخاري ومسلم ، إلاّ أن المحقق والمدقق والناظر في أسانيد ومتون روايات هذين الكتابين يجزم بل يقطع بعدم صحة الكثير من رواياتهما ، إمّا من ناحية السند أو من ناحية المتن ، وسأقتصر لإثبات ذلك على ذكر بعض الأدلة والأمثلة ، حيث أنّ هذا الكتاب غير مخصص لنقد الكتابين المذكورين حتى يمكن الإسهاب والتوسع في الإتيان بالشواهد والأدلة وضرب الأمثلة .
أمّا بالنسبة لعدم صحة بعض رواياتهما من ناحية المتن فمثاله : -
أخرج البخاري في صحيحه ( 7/121 ) ومسلم في صحيحه ( 1/135 ) كلاهما عن العباس بن عبد المطلب أنّه قال لرسول الله (ص) : ( يا رسول الله ؛ هل نفعت أبا طالب بشيء فإنّه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : نعم ، هو في ضحضاح من نار ، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) .
كما أخرجها مسلم في صحيحه باختلاف يسير في بعض ألفاظها ، ففيه أنّ العباس قال : ( قلت : يا رسول الله إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : نعم ، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ) ( صحيح مسلم 1/135 ) .
وهذه الرواية مخالفة للكتاب وللسنة الصحيحة ، فهي تثبت أن شفاعة النبي (ص) نفعت عمّه أبا طالب مع أنّه مات مشركاً بالله (1) والقرآن الكريم يقول بأنّ من مات مشركاً كافراً بالله لا تنفعه الشفاعة ، ولا يخفف عنه شيء من العذاب ، يقول تعالى : { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور } ( فاطر : 36 ) .
ويقول تعالى : { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون } ( النحل : 85 ) .
وقال تعالى : { وقال الذين في النار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفف عنّا يوماً من العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال } ( غافر : 49 – 50 ) .
وقال تعالى : { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون } ( البقرة : 86 ) .
وقال تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرّتهم الحياة الدنيا وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليٌّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذابٌ أليم بما كانوا يكفرون } ( الأنعام : 70 ) .
وقال تعالى : ( كل نفس بما كسبت وهينة * إلاّ أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر } إلى أن يقول سبحانه : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } ( المدثر : 38 – 48 ) .
وقال تعالى : { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع } ( غافر : 18 ) .
وقال تعالى : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً * لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتّخذ عند الرحمن عهدا } ( مريم : 86 – 87 ) .
ثم إنّ هناك إشكالاً آخر على هذه الرّواية وهو أنّها تفيد أنّ أبا طالب قامت قيامته وأنّ النبي (ص) وجده في غمرات النار فتشفّع فيه فأخرج منها إلى الضحضاح ، وهذا كلّه باطل وكذب ، فهل يختلف أبو طالب عن بقية العصاة على فرض موته مشركاً – والعياذ بالله – كما يزعم صحيح البخاري ومسلم الذين إلى الآن لم تقم قيامتهم ؟ أم أنّ أبا طالب عليه السلام أكثر جرماً وأعظم ذنباً من الطغاة الظلمة والجبابرة من أمثال فرعون ونمروذ وقارون وغيرهم بحيث أنّه يستحق أن تكون له قيامة خاصة ويعجلل به قبل هؤلاء إلى النّار ؟! .
فلا نملك إلاّ أن نقول ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ) .
وأخرج البخاري في صحيحه 5/2405 حديث رقم : 6204 ومسلم بن الحجاج في صحيحه 1/163 حديث رقم 182 من طريق أبي هريرة الدوسي أنّه قال : ( قا أناس يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟! فقال : هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : هل تضارّون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنّكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، ويبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون !!! فيقول : أنا ربّكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ! ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا ، فإذا أتانا ربّنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون!!! فيقول : أنا ربّكم فيقولون أنت ربّنا ، ... الخ ) .
وبلاشكّ أنّ ما في هذه الرّواية موضوع على لسان رسول الله (ص) وذلك :
أنّها تفيد :
1- أنّ الله سبحانه وتعالى جسماً تقع عليه العين الباصرة ، والله سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية .
2- أنهّ سبحانه يشغل حيّزاً من المكان ، فهو محتاج إلى ذلك المكان الذي يكون فيه ، وهذا باطل فهو غني مطلق لا يحتاج إلى شيء ومنزه عن المكان .
3- أنه سبحانه في جهة ، وهو منزه عن الجهة .
4- وهذه الجهة وهذا المكان إمّا أن يكونا مخلوقين له أو لا يكونا مخلوقين ، فإن قلنا بأنهما مخلوقان فقد ضمّنا الخالق المخلوق وهو باطل ، وإن قلنا بأنهما ليسا بمخلوقين فقد أثبتنا وجوداً ليس بمخلوق له سبحانه ، ويلزم من ذلك تعدد القدماء وهو باطل فلا قديم إلاّ الله .
5-أنّه سبحانه وتعالى عرضة للتغيّر من صورة إلى أخرى ، والله منزه عن التغيّر لأنّ التغيّر من صفات المحدثات والله عزّ وجل ليس كذلك .
6- حصول الرؤية من قبل الأمة للباري عزّ وجل – مؤمنوها ومنافقوها – قبل يوم القيامة بحيث تكون صورته – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – محفوظة في أذهانهم حتى إذا جاءهم يوم القيامة في غير الصورة التي يعرفونه بها ورأوه فيها سابقاً ينكروا أن يكون ربّهم ، وهذا واضح البطلان لكل مسلم .
والعجيب أنّ هذه الرّواية تناقض أقوالهم ورواياتهم حيث صرّحوا بأنّ الرّؤية – طبعاً حسب زعمهم الباطل أنه يرى يوم القيامة تعالى الله عن ذلك – خاصة بالمؤمنين ، وصرّحت رواياتهم أنّها – الرؤية - إنّما تحصل في الحنة وخاصة بالمؤمنين زيادة فوق نعيمهم فيها ، أمّا هذه الرّواية فتثبت خلاف ذلك فهي تثبتها حتى للمنافقين وقبل الدخول إلى الجنة .
_______________________
(1) إن الثابت الصحيح أنّ أبا طالب عليه السلام مات مؤمناً موحداً ، وجميع الرّوايات التي تقول بأنّه مات مشركاً هي من اختلاق السياسة المعادية لأهل البيت عليهم السلام ، فمثل هذه الرّوايات لا قيمة لها عند أتباع مدرسة أهل البيت ، ولا تصمد أمام النقد والأدلة القطعية التي تثبت خلاف ما تزعمه .
يتبع ... يتبع ... يتبع