تويت
لو كان صدام حسين شيعياً
د. حامد العطية
د. حامد العطية
أحياناً يتساءل الفرد مع نفسه: ماذا لو اكملت دراستي العليا؟ ولو اخترت مهنة أفضل فهل ستكون حياتي أهنأ وأسعد؟ وماذا أصنع لو عثرت على كنز مخبأ؟ وهذه أسئلة افتراضية، لا تغير في حاضر الفرد، وقد تسبب له الحسرة ولوم النفس، وفائدتها كامنة في تنشيطها للذهن وتعويده على النظر في كل البدائل المتاحة وحسن الاختيار المبني على المعلومة والتحليل المتآني، وبالتالي فقد تكون قرارت الفرد المستقبلية بفضل ذلك أكثر رشداً، ونتائجها أكثر إيجابية، وفوائدها أعظم، فالحياة تجارب، وقليل الحكمة هو الذي يرى الآخرون أخطائه وعيوبه فيما تعمى بصيرته عن إدراكها، أو يسول له عقله المعاند والمكابر انكار وقوعها، وبالتالي فهو أقل الناس استعداداً لتصحيح أخطائه وآخر من يتعلم من دروسها.
يطرح بعض دارسي التاريخ أسئلة افتراضية مشابهة حول قرارات بعض القادة والأحداث البارزة في تاريخ البشرية ونتائجها على مسيرة التاريخ، مثل ماذا كان سيحدث لو انتصر نابليون على أعداءه؟ وماذا سيكون مصير العالم لو اتعظ هتلر بمصير الجيوش النابليونية وهزيمتها على يدي الجنرال "الشتاء الروسي" وغزا بريطانيا بدلاً من روسيا؟ وعلى الرغم من الطبيعة الافتراضية لهذه الأسئلة فإنها تقود أحياناً إلى نتائج مثيرة للإهتمام.
ماذا لوكان صدام حسين شيعياً؟ لعل هذا السؤال لم يدر في خلد الكثيرين، وأجزم بأن البعض من يقرأه سيقشعر جلده تقززاً لمجرد طرحه، شئنا أم أبينا فالاحتمال وارد بوجود عدد من الشيعة صنو صدام في فكره المريض، وعنصريته المقيتة، وطائفيته المتطرفة، وشهوته المطلقة للتسلط والطغيان، وميوله العدوانية، فماذا سيكون عليه العراق وأوضاع العراقيين من شيعة وسنة وأكراد تحت حكم صدام "الشيعي"؟ وماذا سيكون موقف الشيعة منه على وجه الخصوص؟
" لو كان صدام حسين شيعياً لعبدته" القائل شيعي معارض، قضى أكثر من ثلاثين سنة في المنافي، قالها لي بثقة واقتناع، هل نتفهم موقفه؟ عندما تفوه يهذه العبارة كان صدام في أوج قوته، أو هكذا ظن المغترون به، وكنت أراه دائماً أضعف من ذبابة، ونظامه أوهى من بيت العنكبوت، ولكن تنطبق عليه وعلى معارضيه الحكمة القرآنية: ضعف الطالب والمطلوب، كان المعبود الأوحد لمعظم العرب والأعراب والمستعربين –إذا استثنينا بعض المغنيات والممثلات، وكان العالم كله معحباً بصدام لمشاغلته إيران الإسلامية بحربه العدوانية ثمان سنوات، ليخرج منها بإدعاء أجوف بالنصر، يتستر به على خسائر بشرية قاربت المليون من القتلى وأعداد أكبر من الجرحى، وغض الجميع الطرف عن جرائمه ضد الإنسانية في استعمال الأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً ضد القوات الإيرانية والمدنيين من الشيعة والأكراد المعارضين لحكمه الطاغوتي.
لو كان صدام حسين شيعياً ، مع بقاء كل صفاته الأخرى ثابتة فهل يستحق "العبادة"، أي الطاعة والإخلاص والولاء غير المحدود من الشيعة؟
للزعامة جاذبيتها الخلابة، وتأثيرها في النفوس أشبه بالسحر، وبالأخص في المجتمعات التقليدية، حيث يحتكر القادة كل مقومات القوة بأنواعها السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، متحكمين بوسائل الإنتاج وغيرها من المنافع، التي يمنون بفتاتها على الأتباع مكافأةً على إخلاصهم ويمنعونها عن معارضيهم، وتولد لدى بعض هؤلاء الحكام في القدم شعور بالقوة والسيطرة، والرفعة والعظمة، تمثل في شكله المتطرف بادعاء بعض الفراعنة وملوك أرض ما بين النهرين الألوهية، وحتى أولئك الذين لم يتجرءوا على تنصيب أنفسهم آلهة تصرفوا كأشباه الآله في فرض مشيئتهم وتغليب رأيهم وإجبار الناس على طاعتهم والإذعان لرغباتهم وأهوائهم، ولا يزال العديد من حكام المنطقة يعتقدون بأنهم فوق البشر العاديين، وما طبل له أتباع صدام من امتلاكه قدرات خارقة وحظوة آلهية درأت عنه الموت في عدة محاولات إغتيال سبقهم إليها أتباع أحد أئمة اليمن قبل تأسيس نظامها الجمهوري.
أدى تكرار وثبات نمط الحكام الطغاة في البلدان العربية إلى نشوء اتجاهات وسلوكيات خانعة ومتذللة للحكام، تصل في كثير من الحالات إلى درجة عبادة الفرد، وهو ما حذر أئمة آل البيت عليهم السلام أتباعهم والمسلمين عامة من الوقوع فيه. بعد نزول الهدي وانتشار الإسلام اضمحل احتمال ارتداد المسلمين لعبادة الأصنام، ولكن بقي خطر تحولهم لعبادة الحكام المتخفين وراء غلالات الإيمان الكاذب والكهان المتسربيلين بلباس علماء الدين، والطاعة العمياء لهؤلاء الطغاة والدجالين، كما يفعل موالي صدام الآن وفي الأمس القريب، هي عبادة شرك بأحسن أحوالها إن خلطها البعثي بالتعبد لله وهي في أسوء حالاتها كفر بالله إن أصبح ولائه للحزب والطاغية مطلقاً.
لو كان صدام حسين شيعياً لانقاد له الكثير من الشيعة والسنة على حد سواء والدليل على ذلك الحكم العلوي في سوريا.
لو كان صدام حسين شيعياً لما تردد في التحالف مع أمريكا والأعراب من أعداء الشيعة والبرهان هو شاه إيران وحكمه البهلوي البائد.
لو كان صدام حسين شيعياً لظلم الشيعة قبل السنة والأكراد لأن التشيع مذهب رافض للحاكم الظالم ولو كان شيعياً.
لو كان صدام حسين شيعياً لعارضه بعض السنة لأسباب طائفية ولقاومه قلة من الشيعة لدواعي عقائدية.
لو كان صدام حسين شيعياً ما تورع عن قتل الصدريين وآل الحكيم وغيرهم من أحرار الشيعة وجمع من السنة والأكراد.
نعم لو كان صدام حسين شيعياً لعبده بعض الشيعة لأنهم شيعة بالإسم فقط، ولا يفقهون جوهر التشيع، فالشيعة بالنسبة لهم انتماء اجتماعي وليس التزاماً عقائدياً، وما يربطهم بالشيعة أشبه ما يكون بارتباط القبلي بعشيرته، أي العصبية القبلية، فهم ينصرون طائفتهم ظالمة أم مظلومة، ويتعبدون في محراب الحاكم الشيعي لأنه من "قبيلتهم" أو جماعتهم الشيعية، والعصبية الطائفية المريضة والمنحرفة هي الدافع الرئيس وراء الحنين الجارف لعودة الحكم الديكتاتوري.
أقول لهؤلاء جميعاً سيان عندي لو كان صدام حسين شيعياً أم سنياً ، ولو كان صدام حسين شيعياً لعارضته كما عارضت صدام البعثي السني، ولعملت ما استطيع لاسقاط نظامه ولتعليقه هو والعتاة من أتباعه على المشانق.
18 تشرين الأول 2006م
تعليق