مقدمة
«إذا كانت قراءة التاريخ مستحباً مؤكداً فإن وعيَ عبره ودروسه أمر واجب» ولعل هذا الفرض من أكثر الفرائض تضييعاً في الوعي العربي - الإسلامي، حتى باتت الأمة «تُجرِّب المجرب» و «تلدغ من الحجر مرات ومرات» إلى الدرجة التي تحول فيها وعيُ التاريخ إلى أزمة حقيقية. فمع ما في الذاكرة العربية - الإسلامية من حقائق لكن وعيها وتوظيفها في الواقع المعاصر من القلة إلى درجة الندرة بل أقل.فلا المدارسة الرسمية أو الدينية تضع أمر التاريخ في موقعه الصحيح. بل يتركز الحديث في الرسمية منها على تاريخ الملوك والسلاطين في بعده التلقيني الاجتراري المزيف، أما الدينية فهي الأخرى يدور الحديث فيها عن تاريخ الطوائف والمذاهب ناسين ومتناسين أي شيء آخر له صلة بالحياة وتحولاتها الكبرى.ولعل أحد أهم محطات تاريخنا المعاصر المنسية هي «القضية الأفغانية»؛ التي لها من عمق الاستقطاب، وحجم التحول، وسعة التداخلات.. ما يجعلها من أفضل المداخل لدراسة تاريخنا المعاصر، لما لها من إشعاعات ساطعة على مجمل العالم الإسلامي بشكل خاص، والعالم بشكل عام، بحيث تشكل مفتاحاً جيداً لوعي كم هائل من تفاصيل حياتنا اليوم ووضعنا الحضاري، بالإضافة لكثافة العبرة.
إذ إن شرارة النهضة الإسلامية الحديثة والمعاصرة باتت مقرونة باسم أحد أهم منظريها ومشعليها وهو «الأفغاني»؛ أعني السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني، الذي ذاع صيته في الآفاق مقروناً بعدة أفكار هي مفاتيح النهضة المعاصرة؛ كالأمة الإسلامية الواحدة «الجامعة الإسلامية»، ومقاومة الاستعمار، وتجديد الفهم الديني، ونقد الحكام والسلاطين الخاملين.. وغيرها.
كما أن «القضية الأفغانية» كانت محطة بالغة الأهمية في الحرب الباردة؛ التي كانت أسخن ألف مرة من الحروب النارية، حيث كانت أفغانستان محل مواجهة عسكرية تشاركت فيها الدول المنحازة وغير المنحازة، والتي انتهت أخيراً بسقوط الاتحاد السوفييتي؛ الذي فتح صفحة جديدة للعالم تبدلت فيه الخرائط والأفكار والسياسات. وفي الوقت ذاته كانت أفغانستان محل وسبب وحضن لتيار بدأ منذ أكثر من مائة سنة ولقي رعايته النهائية وبؤرة تشكليه السياسي الجماهيري فيها، وبعد ذلك ألقى كل ما في جعبته على العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، لينفجر في نهاية المطاف بسلسلة عنف دموي واسع النطاق على أرجاء المعمورة بالشكل الذي باتت أحداثه لا تقل عن حدث مثل نهاية الاتحاد السوفييتي. هذا التيار هو «الوهابية».
ومن هنا تمثل «القضية الأفغانية» خير مدخل لفهم واقع ما يسمى اليوم بـ«الإسلام السياسي» أو «الأصولي»، أو «الجهاد الإسلامي» الذي بدأ في أفغانستان في مواجهة الإلحاد السوفييتي ومرّ على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في مواجهة «اليهود والنصارى» وانتهى بالعراق بشلالات الدم لمواجهة «النفاق الإسلامي» أي الشيعة الاثني عشرية، وفي غضون هذه المحطات مرّ في تفاصيل عديدة جداً ومعقدة خلطت العديد من الأوراق وشوهت الكثير من روائع النضال الإسلامي. كما أن هاهنا تحديداً خير مدخل لوعي علاقة الإسلام بالغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي رعت وبشكل جيد وسخري «الجهاد» الأفغاني -بما فيه الأفغان العرب-، لكنها وبعد أن جنت ما جنت، واجهته بشراسة وغلظة انتهت إلى دخول العالم في دوامة من الصراع الديني - الطائفي المدمر. وهاهنا أيضاً -مرة أخرى- خير مدخل لتقييم مجمل الوعي الثقافي العربي - الإسلامي في مسألة «النهضة والتغيير»، بجميع إشكالياتها وجدليات التقليدية: الأصالة والمعاصرة، المجتمع والدولة، التغيير والإصلاح... إلخ.
كل هذه وغيرها من قضايا تختزنها دراسة موضوعية وواعية لمسألة من مسائلنا المعاصرة، ناهيك عن المسائل الأخرى التابعة لهذه المسألة حكماً في الوعي التاريخي العربي - الإسلامي.
المقال الذي بين أيدينا ليس دراسة موسعة عن «القضية الأفغانية» إنما هو إطلالة على جزء منها؛ وهو جزء مهم، الجزء الشيعي من حيث التاريخ والإسهام والمظلومية، لعل في غضونه تتضح بعض قضايانا العالقة.
«إذا كانت قراءة التاريخ مستحباً مؤكداً فإن وعيَ عبره ودروسه أمر واجب» ولعل هذا الفرض من أكثر الفرائض تضييعاً في الوعي العربي - الإسلامي، حتى باتت الأمة «تُجرِّب المجرب» و «تلدغ من الحجر مرات ومرات» إلى الدرجة التي تحول فيها وعيُ التاريخ إلى أزمة حقيقية. فمع ما في الذاكرة العربية - الإسلامية من حقائق لكن وعيها وتوظيفها في الواقع المعاصر من القلة إلى درجة الندرة بل أقل.فلا المدارسة الرسمية أو الدينية تضع أمر التاريخ في موقعه الصحيح. بل يتركز الحديث في الرسمية منها على تاريخ الملوك والسلاطين في بعده التلقيني الاجتراري المزيف، أما الدينية فهي الأخرى يدور الحديث فيها عن تاريخ الطوائف والمذاهب ناسين ومتناسين أي شيء آخر له صلة بالحياة وتحولاتها الكبرى.ولعل أحد أهم محطات تاريخنا المعاصر المنسية هي «القضية الأفغانية»؛ التي لها من عمق الاستقطاب، وحجم التحول، وسعة التداخلات.. ما يجعلها من أفضل المداخل لدراسة تاريخنا المعاصر، لما لها من إشعاعات ساطعة على مجمل العالم الإسلامي بشكل خاص، والعالم بشكل عام، بحيث تشكل مفتاحاً جيداً لوعي كم هائل من تفاصيل حياتنا اليوم ووضعنا الحضاري، بالإضافة لكثافة العبرة.
إذ إن شرارة النهضة الإسلامية الحديثة والمعاصرة باتت مقرونة باسم أحد أهم منظريها ومشعليها وهو «الأفغاني»؛ أعني السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني، الذي ذاع صيته في الآفاق مقروناً بعدة أفكار هي مفاتيح النهضة المعاصرة؛ كالأمة الإسلامية الواحدة «الجامعة الإسلامية»، ومقاومة الاستعمار، وتجديد الفهم الديني، ونقد الحكام والسلاطين الخاملين.. وغيرها.
كما أن «القضية الأفغانية» كانت محطة بالغة الأهمية في الحرب الباردة؛ التي كانت أسخن ألف مرة من الحروب النارية، حيث كانت أفغانستان محل مواجهة عسكرية تشاركت فيها الدول المنحازة وغير المنحازة، والتي انتهت أخيراً بسقوط الاتحاد السوفييتي؛ الذي فتح صفحة جديدة للعالم تبدلت فيه الخرائط والأفكار والسياسات. وفي الوقت ذاته كانت أفغانستان محل وسبب وحضن لتيار بدأ منذ أكثر من مائة سنة ولقي رعايته النهائية وبؤرة تشكليه السياسي الجماهيري فيها، وبعد ذلك ألقى كل ما في جعبته على العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، لينفجر في نهاية المطاف بسلسلة عنف دموي واسع النطاق على أرجاء المعمورة بالشكل الذي باتت أحداثه لا تقل عن حدث مثل نهاية الاتحاد السوفييتي. هذا التيار هو «الوهابية».
ومن هنا تمثل «القضية الأفغانية» خير مدخل لفهم واقع ما يسمى اليوم بـ«الإسلام السياسي» أو «الأصولي»، أو «الجهاد الإسلامي» الذي بدأ في أفغانستان في مواجهة الإلحاد السوفييتي ومرّ على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في مواجهة «اليهود والنصارى» وانتهى بالعراق بشلالات الدم لمواجهة «النفاق الإسلامي» أي الشيعة الاثني عشرية، وفي غضون هذه المحطات مرّ في تفاصيل عديدة جداً ومعقدة خلطت العديد من الأوراق وشوهت الكثير من روائع النضال الإسلامي. كما أن هاهنا تحديداً خير مدخل لوعي علاقة الإسلام بالغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي رعت وبشكل جيد وسخري «الجهاد» الأفغاني -بما فيه الأفغان العرب-، لكنها وبعد أن جنت ما جنت، واجهته بشراسة وغلظة انتهت إلى دخول العالم في دوامة من الصراع الديني - الطائفي المدمر. وهاهنا أيضاً -مرة أخرى- خير مدخل لتقييم مجمل الوعي الثقافي العربي - الإسلامي في مسألة «النهضة والتغيير»، بجميع إشكالياتها وجدليات التقليدية: الأصالة والمعاصرة، المجتمع والدولة، التغيير والإصلاح... إلخ.
كل هذه وغيرها من قضايا تختزنها دراسة موضوعية وواعية لمسألة من مسائلنا المعاصرة، ناهيك عن المسائل الأخرى التابعة لهذه المسألة حكماً في الوعي التاريخي العربي - الإسلامي.
المقال الذي بين أيدينا ليس دراسة موسعة عن «القضية الأفغانية» إنما هو إطلالة على جزء منها؛ وهو جزء مهم، الجزء الشيعي من حيث التاريخ والإسهام والمظلومية، لعل في غضونه تتضح بعض قضايانا العالقة.
تعليق