بسم الله الرحمن الرحيم
عصمة النبي في غير التبليغ (من صحيح البخاري)
عصمة النبي في غير التبليغ (من صحيح البخاري)
لمحة عن الرواية:
مما جاء في صحيح البخاري أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قسم شيئاً بين أناس ليتألف قلوبهم، فاستاءت قريش والأنصار من فعل النبي، وجاء رجل يقول للنبي: (يا محمد؛ اتق الله) ، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله: (فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟) ، وقال النبي لقريش والأنصار: (فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُونِي؟) ، فطلب أحد الصحابة من النبي أن يأذن له بقتل هذا الرجل، فلم يسمح له النبي ذلك. انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، الباب 23 باب قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) .
فقه الرواية:
والذي نريد أن نفيده من هذه الرواية أنها تدل على عصمة النبي في غير التبليغ أيضاً؛ ووجه الدلالة هو أن النبي لو كان كغيره يمكن أن يخل بالاستقامة والتقوى في غير التبليغ؛ لجاز للناس أن يعترضوا اعتقاداً منهم بأنه خالف التقوى، فتكون عبارة (اتق الله) ـ المستبطنة للقول بكون النبي خالف ـ في محلها، وحتى لو كان القائل لهذه العبارة قد أخطأ في التشخيص، فإنه يكون أخطأ في هذا المورد بالذات، كما قد يتصور أحدنا أن صديقه أخطأ، فيقول له: اتق الله ولا تفعل كذا، فإن كنتُ مخطئاً في مؤاخذتي لصديقي يتوجب على صديقي أن يبين لي خطئي.. ولكننا نلاحظ أن ردة الفعل تجسدت في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟) ، وهذا يعني أن التفكير بأن النبي عصى ربه في أمر من الأمور هو تفكير غير صحيح، لأن النبي لا يعصي، والعبارة تدل على أن النبي أولى الناس بالطاعة، بمعنى أنه لا يمكن أن يطاع اللهُ من قبل أحد في الوقت الذي يكون النبي عاصياً، وبعبارة أخرى: إن النبي إذا وقعت منه المعصية فإنه لا يبقى في الأرض مطيع.. وهذا التعبير يؤكد بصورة بليغة عدم إمكانية وقوع المخالفة والمعصية من النبي مطلقاً.
ثم تم التأكيد على نفي المعصية عن النبي بقوله (صلى الله عليه وآله) : (فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُونِي؟) ، وهذا الاستفهام الاستنكاري يدل على أن الله تعالى جعل النبي أمينه في أرضه وعلى أهلها، كما يدل على أن ائتمان الله لأحد على أهل الأرض يستلزم أن تنتفي عنه المعصية مطلقاً وأن يكون ملازماً للتقوى لا يتخلف عنها أبداً.
ثم إن مطالبة ذلك الصحابي بقتل الرجل الذي اعترض وأوصى بالتقوى، هي دليل على أن التفكير بأن النبي يقع في المعصية ثم توجيه الوصية إلى النبي بالعدل والتقوى، هو جريمة عظيمة تستحق في نظر ذلك الصحابي عقوبة الإعدام..! والرواية لا تشير من قريب أو بعيد أن النبي حكم بخطإ هذه المطالبة، فلم يقل له: لقد بالغت في طلب هذه العقوبة، ولا قال: إنه لا يستحق هذا القدر من العقوبة.. بل اكتفى بالمنع وعدم الإذن، والمنع وعدم الإذن يفهم منه في هذا السياق أن قتل ذلك الشخص ومن شاكله لم يكن من الحكمة، فالظروف لم تكن تسمح بتنفيذ هكذا أحكام يمكن أن يكون لها مردود سلبي في ذلك المجتمع الذي كان في أطوار النمو الأولى في فكره ووعيه.
وهذا كله يدل على أن النبي منزه عن الوقوع في المعصية لكونه أمين الله في أرضه، وليست عصمته مختصة بجانب التبليغ فحسب، بل هي عصمة تعم جميع نشاطاته في المجتمع.
إثارات أخرى:
وثمة نقاط أخرى في هذه الرواية نشير إليها بصورة خاطفة على أمل أن يتوسع فيها القارئ من نفسه:
النقطة الأولى: أن هذا السلوك السلبي في مجتمع الصحابة يدل على أن ذلك المجتمع لم يكن في المستوى المطلوب والمثالي في التعاطي مع التعاليم، بل كانت تبدر منه أخطاء شنيعة في حق النبي صلى الله عليه وآله، وهذا يبين لنا خطأ النظرية التي يعتقد بها البعض حين يصرون بأن ذلك المجتمع كان نموذجياً ولم يكن له مثيل في التاريخ.
النقطة الثانية: أن هذا السلوك السلبي المتمثل في الاعتراض على النبي والتصريح بمؤاخذته والتفكير بعدم استقامته في بعض المواقف، ليس مختصاً بهذه القصة، بل هناك مواقف أخرى شبيهة تم اتخاذها من قبل أناس آخرين، ومنهم أناس مشهورون ويعتبرهم بعض المسلمين من السلف الصالح، ومما يحضرني الآن: موقف عمر بن الخطاب في صلح الحديبية، وموقفه في صلاة النبي على جنازة رأس المنافقين.
النقطة الثالثة: أن في الرواية نفسها بياناً من النبي صلى الله عليه وآله يحذر فيه من قوم منحرفين عن الدين سمتهم البارزة أنهم (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) ، وهذه العبارة تنطبق على الوهابية وتنظيم القاعدة في زماننا هذا؛ فإنهم مشغولون بالتفجيرات والقتل والعمليات الإرهابية في أمة الإسلام، بعد أن تركوا جهاد الكفار والمشركين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
مما جاء في صحيح البخاري أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قسم شيئاً بين أناس ليتألف قلوبهم، فاستاءت قريش والأنصار من فعل النبي، وجاء رجل يقول للنبي: (يا محمد؛ اتق الله) ، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله: (فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟) ، وقال النبي لقريش والأنصار: (فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُونِي؟) ، فطلب أحد الصحابة من النبي أن يأذن له بقتل هذا الرجل، فلم يسمح له النبي ذلك. انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، الباب 23 باب قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) .
فقه الرواية:
والذي نريد أن نفيده من هذه الرواية أنها تدل على عصمة النبي في غير التبليغ أيضاً؛ ووجه الدلالة هو أن النبي لو كان كغيره يمكن أن يخل بالاستقامة والتقوى في غير التبليغ؛ لجاز للناس أن يعترضوا اعتقاداً منهم بأنه خالف التقوى، فتكون عبارة (اتق الله) ـ المستبطنة للقول بكون النبي خالف ـ في محلها، وحتى لو كان القائل لهذه العبارة قد أخطأ في التشخيص، فإنه يكون أخطأ في هذا المورد بالذات، كما قد يتصور أحدنا أن صديقه أخطأ، فيقول له: اتق الله ولا تفعل كذا، فإن كنتُ مخطئاً في مؤاخذتي لصديقي يتوجب على صديقي أن يبين لي خطئي.. ولكننا نلاحظ أن ردة الفعل تجسدت في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟) ، وهذا يعني أن التفكير بأن النبي عصى ربه في أمر من الأمور هو تفكير غير صحيح، لأن النبي لا يعصي، والعبارة تدل على أن النبي أولى الناس بالطاعة، بمعنى أنه لا يمكن أن يطاع اللهُ من قبل أحد في الوقت الذي يكون النبي عاصياً، وبعبارة أخرى: إن النبي إذا وقعت منه المعصية فإنه لا يبقى في الأرض مطيع.. وهذا التعبير يؤكد بصورة بليغة عدم إمكانية وقوع المخالفة والمعصية من النبي مطلقاً.
ثم تم التأكيد على نفي المعصية عن النبي بقوله (صلى الله عليه وآله) : (فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُونِي؟) ، وهذا الاستفهام الاستنكاري يدل على أن الله تعالى جعل النبي أمينه في أرضه وعلى أهلها، كما يدل على أن ائتمان الله لأحد على أهل الأرض يستلزم أن تنتفي عنه المعصية مطلقاً وأن يكون ملازماً للتقوى لا يتخلف عنها أبداً.
ثم إن مطالبة ذلك الصحابي بقتل الرجل الذي اعترض وأوصى بالتقوى، هي دليل على أن التفكير بأن النبي يقع في المعصية ثم توجيه الوصية إلى النبي بالعدل والتقوى، هو جريمة عظيمة تستحق في نظر ذلك الصحابي عقوبة الإعدام..! والرواية لا تشير من قريب أو بعيد أن النبي حكم بخطإ هذه المطالبة، فلم يقل له: لقد بالغت في طلب هذه العقوبة، ولا قال: إنه لا يستحق هذا القدر من العقوبة.. بل اكتفى بالمنع وعدم الإذن، والمنع وعدم الإذن يفهم منه في هذا السياق أن قتل ذلك الشخص ومن شاكله لم يكن من الحكمة، فالظروف لم تكن تسمح بتنفيذ هكذا أحكام يمكن أن يكون لها مردود سلبي في ذلك المجتمع الذي كان في أطوار النمو الأولى في فكره ووعيه.
وهذا كله يدل على أن النبي منزه عن الوقوع في المعصية لكونه أمين الله في أرضه، وليست عصمته مختصة بجانب التبليغ فحسب، بل هي عصمة تعم جميع نشاطاته في المجتمع.
إثارات أخرى:
وثمة نقاط أخرى في هذه الرواية نشير إليها بصورة خاطفة على أمل أن يتوسع فيها القارئ من نفسه:
النقطة الأولى: أن هذا السلوك السلبي في مجتمع الصحابة يدل على أن ذلك المجتمع لم يكن في المستوى المطلوب والمثالي في التعاطي مع التعاليم، بل كانت تبدر منه أخطاء شنيعة في حق النبي صلى الله عليه وآله، وهذا يبين لنا خطأ النظرية التي يعتقد بها البعض حين يصرون بأن ذلك المجتمع كان نموذجياً ولم يكن له مثيل في التاريخ.
النقطة الثانية: أن هذا السلوك السلبي المتمثل في الاعتراض على النبي والتصريح بمؤاخذته والتفكير بعدم استقامته في بعض المواقف، ليس مختصاً بهذه القصة، بل هناك مواقف أخرى شبيهة تم اتخاذها من قبل أناس آخرين، ومنهم أناس مشهورون ويعتبرهم بعض المسلمين من السلف الصالح، ومما يحضرني الآن: موقف عمر بن الخطاب في صلح الحديبية، وموقفه في صلاة النبي على جنازة رأس المنافقين.
النقطة الثالثة: أن في الرواية نفسها بياناً من النبي صلى الله عليه وآله يحذر فيه من قوم منحرفين عن الدين سمتهم البارزة أنهم (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) ، وهذه العبارة تنطبق على الوهابية وتنظيم القاعدة في زماننا هذا؛ فإنهم مشغولون بالتفجيرات والقتل والعمليات الإرهابية في أمة الإسلام، بعد أن تركوا جهاد الكفار والمشركين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
تعليق