بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين.
وبعد:
رأي الخليفة في حد الخمر
عن أنس بن مالك قال: إن النبي (صلى الله عليه[وآله] وسلم) أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف:
أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر.
صورة أخرى:
جلد رسول الله (صلى الله عليه[وآله] وسلم) في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلماكان عمرو ورد الناس من المدن والقرى قال: ما ترون في حد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعله كأخف الحدود فجلد عمر ثمانين (1).
وأخرج أبو داود في سننه 2 ص 242 في حديث: جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر رضي الله عنه صدرا من إمارته أربعين، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، و جلد عثمان الحدين كليهما: ثمانين وأربعين ثم أثبت معاوية الحد على الثمانين.
وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى 8 ص 320، وابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 17.
وعن حضين أبي ساسان الرقاشي قال: حضرت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي الوليد بن عقبة قد شرب الخمر وشهد عليه حمران بن أبان ورجل آخر فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما: أقم عليه الحد فأمر علي رضي الله عنه عبد الله بن جعفر ذي الجناحين رضي الله عنهما أن يجلده فأخذ في جلده وعلي رضي الله عنه يعد حتى جلد أربعين ثم قال له: أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر رضي الله عنه، وجلد عمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي (2)
وفي لفظ آخر:
إن الوليد بن عقبة صلى بالناس الصبح أربعا ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم فرفع ذلك إلى عثمان رضي الله عنه - إلى آخره - وفيه: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين و أبو بكر وعمر صدرا من خلافته أربعين ثم أتمها عمر ثمانين وكل سنة (3).
قال الأميني: ما قيمة عبد الرحمن وقيمة رأيه تجاه ما قام به المشرع الأعظم؟ و ما بال عمر جرى على ذلك المنهج ردحا من أيامه ثم نقضه وضرب عنه صفحا؟ وما باله وهو خليفة المسلمين يستشير ويستفتي في حكم من أحكام الدين ثبت بسنة ثابتة عن صاحب الشريعة؟ قال ابن رشد في بداية المجتهد 2 ص 435: إن أبا بكر رضي الله عنه شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشراب الخمر؟ فقدروه بأربعين وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين، فجعل عمر مكان كل نعل سوطا، وروي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا وهو: أن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ضرب في الخمر أربعين وروي هذا عن علي عن النبي عليه السلام من طريق أثبت، وبه قال الشافعي. ا هـ.
وإن من الدخيل في الحديث ما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: وكل سنة وهذا أحب إلي. فلو كانت الثمانون سنة مشروعة لعمل بها رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم على الأقل مرة واحدة أو قالها لأحد ولو كان قالها لما خفي على كل المسلمين ولاحتج به عبد الرحمن دون قوله: أخف الحدود ثمانون، ولما عد عمر أول من أقام الحد في الخمر ثمانين كما فعله غير واحد (4) نعم: قال الحلبي في السيرة الحلبية 2 ص 314:
قوله (وكل سنة) أي طريقة فأربعون طريقته صلى الله عليه[وآله] وسلم وطريقة الصديق رضي الله عنه، والثمانون طريقة عمر رضي الله عنه رآها اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة في ذلك لما رآه من كثرة شرب الناس للخمر. وقال ابن القيم في زاد المعاد 2 ص 195: من تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد والأربعون الزائدة عليها تعزير اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم.
ما عساني أن أقول في أناس اتخذوا تجاه سنة رسول الله طريقة باجتهاد واستشارة؟
وهل تعزير بعد الحد حتى يتأتى باتفاق الصحابة عليه؟ وهل لهذه المزعمة معنى معقول حتى يتخذ مذهبا؟ أنا لست أدري أي قيمة لتلك الطريقة في سوق الاعتبار وجاه الطريقة المثلى ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وما أتى به النبي الأعظم أحق أن يتبع، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.
والحمد لله ربِّ العالمين
والسلام عليكم.
____________
(1)صحيح مسلم باب حد الخمر 2 ص 38، سنن الدارمي 2 ص 175، سنن أبي داود 2 ص 240، مسند أبي داود الطيالسي ص 265، سنن البيهقي 8 ص 319.
(2)صحيح مسلم في الحد 2 ص 52، سنن أبي داود 2 ص 241، السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 318، وفي كنز العمال 3 ص 102 نقلا عن الطبراني. وعبد الرزاق. وأحمد. ومسلم وأبي داود. والنسائي. وابن جرير. وأبي عوانه. والطحاوي. والدار قطني. والدارمي.
(3)السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 319 نقلا عن صحيح مسلم.
(4) منهم العسكري في أولياته، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 113، وابن كثير في تاريخه 7 ص 132، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 93، وعلاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل ص 169، والقرماني في تاريخه هامش الكامل 1 ص 203.
(5)في إرشاد الساري 6 ص 104 و ج 9 ص 439.
(6) " لفت نظر " نحن نناقش في المسألة وغيرها من الأبحاث الدينية على مباني أهل السنة من دون أي نظر إلى آراء الشيعة فيها.
تعليق