بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآله الطاهرين.
الواقع الذي يعيشه الإنسان إذا كان سيئاً متخلفاً، فإنه لا يشكل حتمية ثابتة، ولا قدراً مفروضاً، بل هو نتاج أسباب وعوامل قابلة للتغير والتبدل، وفي طليعتها كسب الإنسان نفسه، فهو يتحمل بالدرجة الأساس مسؤولية الواقع الذي يعيشه. يقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}( ).
وبذلك فالفرصة متاحة للإنسان لكي يتخلص من ذلك الواقع السيئ، حينما يرفض الاستسلام له ويتطلع لتجاوزه، والتاريخ حافل بالتغيرات الاجتماعية، فكم من مجتمع مستضعف أصبح قوياً، وكم من حضارة سادت ثم بادت، وإرادة اللَّه تعالى مع كل مجتمع يسعى للنهوض {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ}( ).
وإذا كان الواقع المعاش حسناً جيداً، فإن على الإنسان أن لا يعتبر واقعه نهاية وسقفاً، ولا يستولي عليه الغرور والإعجاب، فيتوقف عن التقدم، وإذا لم يتقدم فإنه يتخلف، يقول الإمام علي عليه السلام: (( من جهل اغتر بنفسه وكان يومه شراً من أمسه )) ، (( من اغتر بحاله قصر عن احتياله )) ، (( الإعجاب يمنع الازدياد ))
إن التطلع إلى الأفضل، والطموح إلى الأحسن، هو الشرارة الأولى التي تنقدح بها حركة التجديد والتغيير، بينما الخمول والرضا بالواقع والاستسلام له، أو الغرور والإعجاب بما تحقق، يجعل الإنسان يراوح في مكانه، ولا يحافظ عليه بالتالي بل يتراجع عنه.
إن المؤسسات الناجحة هي التي تقوّم أداءها بشكل منتظم، وتخطط لرفع المستوى، وزيادة الفاعلية والإنتاج.
وتعاليم الإسلام توجهنا إلى التطلع والطموح الدائم، في مختلف المجالات، ففي دعاء مكارم الأخلاق، للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام تذكير للإنسان بالتفكير في التقدم، على صعيد الإيمان والمعرفة والعمل، ويأتي هذا التوجيه على شكل دعاء وطلب، يلتمسه الإنسان من ربه، ليتجذر في أعماق نفسه، ويتحول إلى برنامج في حياته، يقول الدعاء: (( وبلّغ يإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن الأعمال )) . وفقرات الدعاء تعني أن أي مستوى من الإيمان أو اليقين أو النية الحسنة والعمل الصالح، لا يشكل نهاية ولا حداً أخيراً، وإنما يبقى أفق الكمال والتقدم مفتوحاً أمام الإنسان، لتحقيق الأحسن والأكمل والأفضل.
تعليق