بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآلِّ محمد الطاهرين المطهرين لاسيما مولاي ومولى الثقلين أبا عبدالله الحسين (عليه السلا م)
وبعد:
دلائل إمامته
روى الكليني :بإسناده ، عن حبابة الوالبية قالت : رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ، ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار ويقول لهم : يا بياعي مسوخ بني إسرائيل ، وجند بني مروان ! فقام إليه فرات بن أحنف فقال : يا أمير المؤمنين ! وما جند بني مروان ؟ قال : فقال له : أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب ، فمسخوا ، فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ، ثم أتبعته فلم أزل أقفوا أثره حتى قعد في رحبة المسجد ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ! ما دلالة الإمامة يرحمك الله ؟ قالت : فقال : ائتيني بتلك الحصاة - وأشار بيده إلى حصاة - فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ، ثم قال لي : يا حبابة ! إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يفعل كما رأيت فاعلمي أنه امام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده .
قالت : ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين ، فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه ، فقال : يا حبابة الوالبية ! فقلت : نعم ، يا مولاي ! قال : هاتي ما معك ، قال : فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين .
قالت : ثم أتيت الحسين وهو في مسجد رسول الله فقرب ورحب ثم قال لي : إن في الدلالة دليلا على ما تريدين ، أفتريدين دلالة الإمامة ؟ فقلت : نعم ، يا سيدي ! فقال : هاتي ما معك ؟ فناولته الحصاة ، فطبع لي فيها .
قالت : ثم أتيت علي بن الحسين ، وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته را كعا وساجدا ومشغولا بالعبادة ، فيئست من الدلالة ، فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي ، قالت : فقلت : يا سيدي ! كم مضى من الدنيا وكم بقي ؟ فقال : أما ما مضى فنعم ، وأما ما بقي فلا ، قالت : ثم قال لي : هاتي ما معك ، فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها . ثم أتيت أبا جعفر فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد الله فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن موسى فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا فطبع لي فيها ، وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد بن هشام .
روى الديلمي : مرفوعا إلى رشيد الهجري قال : كنت ، وأبو عبد الله سلمان ، وأبو عبد الرحمن قيس بن ورقاء ، وأبو القاسم مالك بن التيهان ، وسهل بن حنيف ، بين يدي أمير المؤمنين بالمدينة إذ دخلت عليه حبابة الوالبية وعلى رأسها مجمرة شبه المنسف وعليها أثمار سابغة وهي متقلدة المصحف ، وبين أناملها سبحة من حصى ، ونوى وسلمت وبكت كثيرا ، وقالت : يا أمير المؤمنين ! آه من فقدك وا أسفاه على غيبتك ، وواحسرتاه ! على ما يفوت من الغنيمة منك ، لا نلهو ولا نرغب عنك ، وإنني من أمري لعلى يقين وبيان وحقيقة ، وإني لقيتك وأنت تعلم ما أريده .
فمد يده اليمنى إليها وأخذ منها حصاة بيضاء تلمع من صفائها ، وأخذ خاتمه من يده فطبع به الحصاة وقال لها : يا حبابة ! هذا كان مرادك مني ، فقالت : إي والله ! يا أمير المؤمنين ! هذا أريده لما سمعت من تفرق شيعتك واختلافهم من بعدك فأردت هذا البرهان ليكون معي إن عمرت بعدك لا عمرت ، ويا ليتني وقومي وأهلي لك الفداء ، فإذا وقعت الإشارة ، أوشكت الشيعة إلى من يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة فلو فعل بها ما فعلت علمت أنه الخلف من بعدك ، وأرجو أن لا أؤجل لذلك ، فقال لها : بلى والله ، يا حبابة ! لتلقين بهذه الحصاة ابني الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى الرضا ، ترين في نفسك برهانا عظيما منه وتختارين الموت فتموتين ويتولى أمرك ويقوم على حفرتك ويصلي عليك ، وأنا مبشرك بأنك مع المكرورات من المؤمنات مع المهدي من ذريتي إذا أظهر الله أمره .
فبكت حبابة وقالت : يا أمير المؤمنين ! من أين هذا لأمتك ، الضعيفة اليقين ، القليلة العمل ! ؟ لولا فضل الله وفضل رسوله وفضلك يا أمير المؤمنين حقا لا سواك ! فادع لي يا أمير المؤمنين ! بالثبات على ما هدانا الله إليه لا أسلبه ، ولا أفتن فيه ، ولا أضل عنه ، فدعا لها أمير المؤمنين وأصبحها خيرا .
قالت حبابة : فلما قبض أمير المؤمنين بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله في مسجد الكوفة ، أتيت مولاي الحسن فقال : أهلا وسهلا يا حبابة ! هاتي الحصاة وطبعها أمير المؤمنين [ الحسن ] وأخرج الخاتم بعينه ، فلما مضى الحسن بالسم أتيت الحسين ، فلما رآني قال : مرحبا يا حبابة ! هاتي الحصاة فأخذها وختمها بذلك الختم ، فلما استشهد مضيت إلى علي بن الحسين وقد شك الناس فيه ومالت شيعة الحجاز إلى محمد بن الحنفية فصار إليه من كبارهم جمع وقالوا : يا حبابة ! الله ، الله ، اقصدي علي بن الحسين بالحصاة حتى يتبين الحق ، فصرت إليه فلما رآني رحب بي وقربني ومد يده وقال : هاتي الحصاة فأخذها وطبعها بذلك الخاتم .
ثم صرت بعده إلى محمد بن علي وإلى جعفر بن محمد وإلى موسى بن جعفر وإلى علي بن موسى الرضا ، فكل يفعل مثل أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين .
ثم علت سني ، ورق جلدي ودق عظمي ، وحال سواد شعري ، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة البصر والعقل والفهم والسمع ، فلما صرت بحال استولى الكبر فيه قلت لمولاي علي بن موسى الرضا : لا تغفل عني تحضر جنازتي وتصلي علي كما وعدني جدك أمير المؤمنين ، فقال : التزمي فإنك معنا . فكان من أمرها أنها ذات يوم نائمة على فراشها إذ نزل الحمام المحتوم فأيقظوها فإذا هي قد سلمت ، فلما كان من الغدو إذا برسول علي بن موسى الرضا عندهم وعنده كفن وحنوط ، ثم قاموا في جهازها فصلى عليها الرضا ولقنها ثم قام على قبرها يبكي ثم قال : إبلغي آبائي مني السلام .
وسنكمل البحث في مشاركة آتية إن شاء الله تعالى
الحمدلله ربِّ العالمين
والسلام عليكم.
تعليق