التبرُّك بآثار النبي صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين
وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام
تأليف : الشيخ محمد صنقور
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد
السؤال: يذكر البعض أن التبرُّك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليه الصلاة والسلام) من الشرك ، بل إنَّ التبرُّك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه من الشرك لأنَّ الله عز وجل هو النافع والضار ، فماذا تقولون ؟.
الجواب: لا مجال عندي لإفاضة الحديث حول هذه المسألة إلا أني سوف أنقل لكم بعض الروايات الواردة من طرق العامة وفي أصحِّ كتبهم سندًا، وستجدون أنها تعبِّر عن منافاة هذا القول مع ما هو ثابت عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وما هو مسلَّم عند الصحابة.
1- روى البخاري في صحيحه قال: ” كان الصحابة يتبرَّكون بيديه الشريفتين، فعن أبي جحيفة: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلَّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين إلى أن قال: وقام الناس يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم، قال: فأخذتُ بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك[1].
2- روى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ عليَّ من فضل وضوئه فعقلت[2].
3- روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع قال: وهو الذي مجَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجهه وهو غلام من بئرهم، وقال عروة عن المسوَّر وغيره يُصدِّق كلُّ واحدٍ منهما صاحبه، وإذا توضأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كادوا يقتتلون على وضوئه[3].
قال ابن حجر في شرحه فتح الباري على صحيح البخاري وفِعْلُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع محمود إما مداعبةً أو ليُبارك عليه به كما كان ذلك شأنه مع أولاد الصحابة[4].
4- روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبَّةٍ حمراء من أدم ورأيت بلالاً أخذ وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس يتبادرون الوضوء فمن أصاب شيئًا تمسَّح به ومن لم يُصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه[5].
5- روى مسلم في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ثم قال للحلاق: خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يُعطيه الناس[6].
6- روى مسلم بسنده عن أنس قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والحلاَّق يحلقه وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل[7].
7- روى البخاري بسنده عن ابن سيرين قال: قلت لعبيدة: عندنا من شعر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبناه من قبل أنس أو من أهل أنس. قال: لإنْ تكون عندي شعرة منه أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها[8].
8- روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك قال: “إنَّ أم سليم كانت تبسط للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نطعًا فيُقيل عندها على ذلك النطع قال: فإذا نام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك. قال: فلمّا حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إليّ أنْ يُجعل في حنوطه مِن ذلك السُّك، قال فجُعل في حنوطه”.
قال ابن حجر: في شرحه فتح الباري: ” وفي ذكر الشعر غرابة في هذه القصة، وقد حمله بعضهم على ما ينتشر من شعره (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الترجُّل، ثم رأيت في رواية محمد بن سعد ما يُزيل اللبس فإنه أخرج بسندٍ صحيح عن ثابت عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمَّا حلق شعره بمنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى بها أم سليم فجعلته في سكِّها.
قالت أم سليم: وكان يجيء فيقيل عندي على نطعي فجعلت أسلت العرق[9].
9- روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي موسى قال دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجَّ فيه ثم قال لهما: “اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما”[10].
قال ابن حجر: والغرض من ذلك – يعني المج – إيجاد البركة فيه[11].
10- روى البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنَّها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم، فقال يا رسول الله اكسنيها؟ قال نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت سألتها إياه وقد عرفت أنّه لا يردُّ سائلاً، فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل فكانت كفنه[12].
قال ابن حجر في كتابه فتح الباري: وفي رواية أبي غسان، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال في الشرح ما يستفاد مِن الحديث وفيه التبرُّك بآثار الصالحين[13].
11- روى مسلم في صحيحه أن الصحابة كانوا يأتون بصبيانهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتبرُّك والتحنيك، قال ” إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يؤتى بالصبيان فيُبارك عليهم ويحنِّكهم”[14].
12- روى الحاكم في المستدرك قال: أقبل مروان يومًا فوجد رجلاً واضعًا وجهه على القبر، فأخذ برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟
فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري، فقال إنّي لم آت الحجر وإنما جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ” لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله”[15].
تعليق