الإعجاز العددي في القرآن الكريم
المعجزة حقيقة يراها البشر و يستحيل عليهم الإتيان بمثلها ، و هي برهان من الله تعالى لإثبات مصداقية منهجه الذي يحمله رسله عليهم السلام..
و المعجزة بشكل عام هي خرق للمألوف ، إما بخرق القوانين الكونية التي اعتاد عليها البشر ، و تكون بذلك فعلاً من أفعال الله تعالى ، ساحته عالم المادة و المكان و الزمان ( عالم الخلق ) .. و إما بإظهار أسرار الوجود ، و تكون بذلك متعلقة بصفات الله تعالى ، و ساحتها عالم ما وراء المادة و المكان و الزمان ( عالم الأمر ) ..
ففي معجزة موسى عليه السلام نعلم أن مسألة شق البحر هي معجزة كونية مشاهدة من قبل بني إسرائيل آنذاك ، و من قبل فرعون و قومه ، و هي عمل كوني ( فعل من أفعال الله تعالى ) ، يستحيل على أولئك البشر القيام به بذات الحيثية التي حصل بها .. و كذلك معجزة تحوّل عصا موسى عليه السلام الى حية تسعى ، و كذلك إخراج يده بيضاء للسائلين .. كل ذلك - إضافةً لباقي المعجزات التي أُيد بها موسى عليه السلام – معجزات كونية ساحتها عالم المادة و المكان و الزمان ، و بالتالي هي معجزات آنية لجيل من الأجيال دون غيره ، و لا تكون معجزات للأجيال اللاحقة إلا بعد تصديق هذه الأجيال للرسالة و المنهج الذي أنزل على موسى عليه السلام ..
و كذلك الأمر في المعجزات التي أُيد بها عيسى عليه السلام ، و هي إحياء الموتى بإذن الله تعالى ، و إبراء الأكمه و الابرص ، فهي معجزات تنتمي لعالم الخلق ( عالم المادة و الزمان و المكان ) ، و أفعال في أزمنة و أمكنة محددة ، كمعجزات كونية للذين عاصروا نزول المناهج السابقة ..
و هكذا فالمعجزة شيء ، و المنهج شيءٌ آخر ، فمعجزة موسى عليه السلام -كما نعلم - هي شق البحر ، و إخراج يده بيضاء ، و تحول عصاه الى حيةٍ تسعى و ... الخ ، أما المنهج الذي أنزل عليه لتبليغ قومه فهو التوراة .. و معجزة عيسى عليه السلام هي - كما نعلم - ولادته من دون أب ، و إحياء الموتى بإذن الله و إبراء الأكمه و الأبرص ، أما المنهج الذي أنزل عليه لتبليغ قومه فهو الإنجيل.
أما بالنسبة لمعجزة الرسول محمد (ص) ، و المنهج الذي أُنزل إليه لتبليغ البشر ، فالأمر مختلف تماماً .. إن المعجزة – هنا - هي القرآن الكريم ، و المنهج هو القرآن الكريم ، أي أن المعجزة هي ذاتها المنهج ..
و في حين أن المعجزات السابقة هي - كما قلنا - ضمن إطار المادة و المكان و الزمان ، و أفعال من أفعال الله تعالى و خاصة بجيل دون غيره ، فإن معجزة القرآن ، تتعلق بصفات الله تعالى ، و مستمرة في كل زمان و مكان و لا يمكن لمخلوق أن يحيط بها ، و لها عطاء متجدد حتى قيام الساعة ..
هذه المسألة التي تميز ماهية القرآن الكريم ( كمعجزة و كمنهج )عن ماهية المعجزات و المناهج الأخرى ، بينها القرآن الكريم في النقطتين التاليتين:
الكتب السماوية جميعاً - بما فيها القرآن الكريم – ( كمنهج و ليس كمعجزة ) ، هي كلام الله تعالى ، أي أن معانيها و ما تحمله من دلالات وأحكام ، هي من الله تعالى ، و هذا لا يفرض أن تكون الصياغة اللغوية ( القول ) لتلك الكتب من الله تعالى .. بينما القرآن الكريم ( كونه معجزة ملتحمة بالمنهج ) ، إضافةً إلى أنه كلام الله تعالى ، هو قول الله تعالى ، أي صياغة لغوية من الله تعالى ..
(( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )) [ المؤمنون :23\68 ]
(( إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )) [ المزمل : 73\5 ]
(( إنه لقولٌ فصل (13) و ما هو بالهزل )) [ الطارق : 86\13-14 ]
- فالقرآن الكريم الذي نزل تبياناً لكل شيء (( و نزلنا عليك الكتب تبياناً لكل شيء)) [ النحل : 16\89 ]
يؤكد لنا – كما نرى –في ثلاث آيات أنه قول الله تعالى ، في الوقت الذي لا توجد فيه آية واحدة تشير الى أن الكتب الأخرى هي قول الله تعالى ...
و لذلك تحدى الله تعالى الإنس و الجن على أن يأتوا بنص مماثل للنص القرآني ، في الوقت الذي لم يتحدّ البشر في أن يأتوا بنص مماثل للكتب السماوية الأخرى .. و هذا دليلنا على تعلق الصياغة اللغوية للقرآن الكريم بالله تعالى و صفاته العظيمة ، و أن هذه الصياغة هي - بما تحمله من أدلة و معان – المعجزة في القرآن الكريم .. فكون القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ، يقتضي كونه منهجاً لله تعالى .. و كونه قول الله تعالى يقتضي كونه معجزة صالحة لكل زمان و مكان ..
(( قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً )) [ الإسراء 17\ 88 ]
الكتب الأخرى كمناهج مجردة عن المعجزات ، و كونها صياغة لغوية غير متعلقة بالذات الإلهية و صفاتها ، تحمل من المعاني و الدلالات ما لا يخرج عن إطار ساحة إدراك المخلوقات ، ولا يوجد تأويل لنصوص تلك الكتب خارج ساحة إدراك المخلوقات .. بينما في نصوص القرآن الكريم ( كمنهج للبشر و كمعجزة متعلقة بالذات الإلهية و صفاتها ) نرى أنه في الوقت الذي تحمل فيه هذه النصوص دلالات و معانٍ تدركها المخلوقات ، تحمل في الوقت ذاته دلالات و إشارات لا يحيط بها إلا الله تعالى ، و هذا ما أشار إليه القرآن الكريم بعمق تأويل القرآن الكريم .. يقول تعالى
وما يعلم تأويله إلا الله ) آل عمران : 3/ 7 (ولقد جئنهم بكتب فصلنه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ....... ) الأعراف : 7 / 52-53
فالإطار الأخير لحدود دلالات النص القرآني لا يحيط به إلا الله تعالى ، ولا يستطيع البشر النظر الى هذا الإطار إلا في الآخرة كما يبين القرآن الكريم ..
و سنبحر الآن مع بعض الدلالات الإعجازية لهذا الجيل ، لنرى جانباً هاماً من جوانب الوجه الإعجازي التي لا يحيط بها إلا الله تعالى ..
لو أخذنا مجموع ورود أي كلمة قرآنية ، لرأيناه مختزلاً للحقيقة العددية التي ترتبط بها المسألة التي تصفها و تسميها هذه الكلمة ، و لكان لهذا المجموع إرتباطاته العميقة مع مجاميع الكلمات الأخرى .. و هذا لا يعني أنه مطلوبٌ منّا أن نحيط بالحقائق المرتبطة بمجموع أي كلمة قرآنية ، لأننا لا نحيط أصلاً بالحقائق الكونية التي تصفها و تسميها هذه الكلمات..
نحن نعلم أن الأرض تدور حول نفسها ( 365 ) دورة متمايزة ، و ذلك في دورانها حول الشمس .. هذه الحقيقة الكونية يشير إليها القرآن الكريم عبر مجموع ورود كلمة يوم.. فكلمة ( يوم ) مفردة ترد في القرآن الكريم ( 365 ) مرّة..
ونعلم أن للقمر (12) مساراً متمايزاً حول الأرض ، هذه الحقيقة الكونية يشير إليها القرآن الكريم عبر مجموع ورود كلمة شهر .. فكلمة شهر مفردة ترد في القرآن الكريم (12) مرة ..
و لو نظرنا الى مجموع ورود كلمات ( البحر – البر – يبساً ) لرأينا أن العلاقة العددية ما بين هذه الكلمات هي ذاتها العلاقة العددية التي تربط نسبة اليابسة و الماء على سطح الكرة الأرضية ..
فكلمة البر ترد ( 12 ) مرّة و كلمة يبساً ترد مرّة واحدة .. أي أن المجموع هو ( 13 ) مرّة .. و كلمة البحر المعرّفة ترد ( 32 ) مرّة .. و هكذا يكون مجموع ورود هذه الكلمات هو ( 13+ 32 ) = 45 .. و تكون :
نسبة اليابسة هي : 13\45 = 29 % و نسبة الماء هي : 32\45 = 71 %
و لو نظرنا الى كلمة الدنيا في القرآن الكريم لرأينا أنها ترد ( 115 ) مرّة ، و لو نظرنا الى كلمة الآخرة المناظرة لها تماماً لرأيناها ترد أيضاً ( 115 ) مرّة ..
و لو نظرنا الى كلمة ( جنّات ) و مشتقاتها لرأيناها ترد في القرآن الكريم ( 77 ) مرّة ، و لو نظرنا الى كلمة جهنم المناظرة لها تماماً لرأيناها ترد أيضاً ( 77 ) مرّة ..
و لو نظرنا الى كلمة الملائكة في القرآن الكريم لرأيناها ترد ( 68 ) مرّة ، و كذلك كلمة الشيطان ترد ( 68 ) مرّة . و لو نظرنا الى كلمة الملائكة ومشتقاتها لرأيناها ترد ( 88 ) مرّة ، و كذلك كلمة الشيطان و مشتقاتها ترد ( 88 ) مرّة ..
و كلمة الإيمان ترد في القرآن الكريم ( 17 ) مرّة ، و كذلك كلمة الكفر ترد ( 17 ) مرّة .. ، و كلمة الخبيث ترد ( 7 ) مرّات و كذلك كلمة الطيب ترد ( 7 ) مرّات .. ، و كلمة الرشد ترد ( 3 ) مرّات و كذلك كلمة الغّي ترد ( 3 ) مرّات .
و هكذا فمجموع ورود أي كلمة في القرآن الكريم يتعلق بحكمة مطلقة لا يحيط بها إلا الله تعالى .. و كلما ارتقى تصوّرنا العلمي للحقائق الكونية ارتقى إدراكنا لمجموع ورود الكلمات التي تصف و تصوّر هذه الحقائق الكونية .. فلو لم نعلم نسبة اليابسة و الماء على سطح الكرة الأرضية ، لما أدركنا جوهر مجموع ورود الكلمات المصورة لهذه المسائل في القرآن الكريم ..
و لو نظرنا الآن الى مسألة مجموع ورود الكلمات المختلفة في نص قرآني يصوّر مسألة ما لرأينا أن هذا المجموع يشير الى جوهر المسألة التي يصفها هذا النص ..
نحن نعلم أن عيسى عليه السلام لبث في الأرض قبل أن يرفعه الله تعالى الى السماء (33) عاماً .. هذه المدة يشير اليها القرآن الكريم عبر مجموع كلمات بعض النصوص القرآنية المصورة لهذه المسألة .. و سنختار النصين التاليين من بين مجموعة هذه النصوص ..
(( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم و قال المسيح يبني إسرائيل اعبدوا الله ربّي و ربكم إنّه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظلمين من أنصار )) [ المائدة 5\72 ]
(( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثةٍ و ما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذابٌ أليم (73) أفلا يتوبون الى الله و يستغفرونه و الله غفورٌ رحيم )) [ المائدة 5\ 73-74 ]
و لو نظرنا الى مسألة مجموع ورود الكلمات في المسائل التي تصف حقائق متناظرة ، لرأينا أيضاً أن هذه المجاميع ترد أيضاً في القرآن الكريم بشكل متناظر .. لننظر إلى الأمثلة التالية :
(( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله و اليوم الآخر أن يجهدوا بأموالهم و أنفسهم و الله عليمٌ بالمتقين )) [ التوبة 9\44] = ( 14 ) كلمة
(( إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر و ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون )) [ التوبة 9\45] = ( 14 ) كلمة
____________________________
المعجزة حقيقة يراها البشر و يستحيل عليهم الإتيان بمثلها ، و هي برهان من الله تعالى لإثبات مصداقية منهجه الذي يحمله رسله عليهم السلام..
و المعجزة بشكل عام هي خرق للمألوف ، إما بخرق القوانين الكونية التي اعتاد عليها البشر ، و تكون بذلك فعلاً من أفعال الله تعالى ، ساحته عالم المادة و المكان و الزمان ( عالم الخلق ) .. و إما بإظهار أسرار الوجود ، و تكون بذلك متعلقة بصفات الله تعالى ، و ساحتها عالم ما وراء المادة و المكان و الزمان ( عالم الأمر ) ..
ففي معجزة موسى عليه السلام نعلم أن مسألة شق البحر هي معجزة كونية مشاهدة من قبل بني إسرائيل آنذاك ، و من قبل فرعون و قومه ، و هي عمل كوني ( فعل من أفعال الله تعالى ) ، يستحيل على أولئك البشر القيام به بذات الحيثية التي حصل بها .. و كذلك معجزة تحوّل عصا موسى عليه السلام الى حية تسعى ، و كذلك إخراج يده بيضاء للسائلين .. كل ذلك - إضافةً لباقي المعجزات التي أُيد بها موسى عليه السلام – معجزات كونية ساحتها عالم المادة و المكان و الزمان ، و بالتالي هي معجزات آنية لجيل من الأجيال دون غيره ، و لا تكون معجزات للأجيال اللاحقة إلا بعد تصديق هذه الأجيال للرسالة و المنهج الذي أنزل على موسى عليه السلام ..
و كذلك الأمر في المعجزات التي أُيد بها عيسى عليه السلام ، و هي إحياء الموتى بإذن الله تعالى ، و إبراء الأكمه و الابرص ، فهي معجزات تنتمي لعالم الخلق ( عالم المادة و الزمان و المكان ) ، و أفعال في أزمنة و أمكنة محددة ، كمعجزات كونية للذين عاصروا نزول المناهج السابقة ..
و هكذا فالمعجزة شيء ، و المنهج شيءٌ آخر ، فمعجزة موسى عليه السلام -كما نعلم - هي شق البحر ، و إخراج يده بيضاء ، و تحول عصاه الى حيةٍ تسعى و ... الخ ، أما المنهج الذي أنزل عليه لتبليغ قومه فهو التوراة .. و معجزة عيسى عليه السلام هي - كما نعلم - ولادته من دون أب ، و إحياء الموتى بإذن الله و إبراء الأكمه و الأبرص ، أما المنهج الذي أنزل عليه لتبليغ قومه فهو الإنجيل.
أما بالنسبة لمعجزة الرسول محمد (ص) ، و المنهج الذي أُنزل إليه لتبليغ البشر ، فالأمر مختلف تماماً .. إن المعجزة – هنا - هي القرآن الكريم ، و المنهج هو القرآن الكريم ، أي أن المعجزة هي ذاتها المنهج ..
و في حين أن المعجزات السابقة هي - كما قلنا - ضمن إطار المادة و المكان و الزمان ، و أفعال من أفعال الله تعالى و خاصة بجيل دون غيره ، فإن معجزة القرآن ، تتعلق بصفات الله تعالى ، و مستمرة في كل زمان و مكان و لا يمكن لمخلوق أن يحيط بها ، و لها عطاء متجدد حتى قيام الساعة ..
هذه المسألة التي تميز ماهية القرآن الكريم ( كمعجزة و كمنهج )عن ماهية المعجزات و المناهج الأخرى ، بينها القرآن الكريم في النقطتين التاليتين:
الكتب السماوية جميعاً - بما فيها القرآن الكريم – ( كمنهج و ليس كمعجزة ) ، هي كلام الله تعالى ، أي أن معانيها و ما تحمله من دلالات وأحكام ، هي من الله تعالى ، و هذا لا يفرض أن تكون الصياغة اللغوية ( القول ) لتلك الكتب من الله تعالى .. بينما القرآن الكريم ( كونه معجزة ملتحمة بالمنهج ) ، إضافةً إلى أنه كلام الله تعالى ، هو قول الله تعالى ، أي صياغة لغوية من الله تعالى ..
(( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )) [ المؤمنون :23\68 ]
(( إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )) [ المزمل : 73\5 ]
(( إنه لقولٌ فصل (13) و ما هو بالهزل )) [ الطارق : 86\13-14 ]
- فالقرآن الكريم الذي نزل تبياناً لكل شيء (( و نزلنا عليك الكتب تبياناً لكل شيء)) [ النحل : 16\89 ]
يؤكد لنا – كما نرى –في ثلاث آيات أنه قول الله تعالى ، في الوقت الذي لا توجد فيه آية واحدة تشير الى أن الكتب الأخرى هي قول الله تعالى ...
و لذلك تحدى الله تعالى الإنس و الجن على أن يأتوا بنص مماثل للنص القرآني ، في الوقت الذي لم يتحدّ البشر في أن يأتوا بنص مماثل للكتب السماوية الأخرى .. و هذا دليلنا على تعلق الصياغة اللغوية للقرآن الكريم بالله تعالى و صفاته العظيمة ، و أن هذه الصياغة هي - بما تحمله من أدلة و معان – المعجزة في القرآن الكريم .. فكون القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ، يقتضي كونه منهجاً لله تعالى .. و كونه قول الله تعالى يقتضي كونه معجزة صالحة لكل زمان و مكان ..
(( قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً )) [ الإسراء 17\ 88 ]
الكتب الأخرى كمناهج مجردة عن المعجزات ، و كونها صياغة لغوية غير متعلقة بالذات الإلهية و صفاتها ، تحمل من المعاني و الدلالات ما لا يخرج عن إطار ساحة إدراك المخلوقات ، ولا يوجد تأويل لنصوص تلك الكتب خارج ساحة إدراك المخلوقات .. بينما في نصوص القرآن الكريم ( كمنهج للبشر و كمعجزة متعلقة بالذات الإلهية و صفاتها ) نرى أنه في الوقت الذي تحمل فيه هذه النصوص دلالات و معانٍ تدركها المخلوقات ، تحمل في الوقت ذاته دلالات و إشارات لا يحيط بها إلا الله تعالى ، و هذا ما أشار إليه القرآن الكريم بعمق تأويل القرآن الكريم .. يقول تعالى

فالإطار الأخير لحدود دلالات النص القرآني لا يحيط به إلا الله تعالى ، ولا يستطيع البشر النظر الى هذا الإطار إلا في الآخرة كما يبين القرآن الكريم ..
و سنبحر الآن مع بعض الدلالات الإعجازية لهذا الجيل ، لنرى جانباً هاماً من جوانب الوجه الإعجازي التي لا يحيط بها إلا الله تعالى ..
لو أخذنا مجموع ورود أي كلمة قرآنية ، لرأيناه مختزلاً للحقيقة العددية التي ترتبط بها المسألة التي تصفها و تسميها هذه الكلمة ، و لكان لهذا المجموع إرتباطاته العميقة مع مجاميع الكلمات الأخرى .. و هذا لا يعني أنه مطلوبٌ منّا أن نحيط بالحقائق المرتبطة بمجموع أي كلمة قرآنية ، لأننا لا نحيط أصلاً بالحقائق الكونية التي تصفها و تسميها هذه الكلمات..
نحن نعلم أن الأرض تدور حول نفسها ( 365 ) دورة متمايزة ، و ذلك في دورانها حول الشمس .. هذه الحقيقة الكونية يشير إليها القرآن الكريم عبر مجموع ورود كلمة يوم.. فكلمة ( يوم ) مفردة ترد في القرآن الكريم ( 365 ) مرّة..
ونعلم أن للقمر (12) مساراً متمايزاً حول الأرض ، هذه الحقيقة الكونية يشير إليها القرآن الكريم عبر مجموع ورود كلمة شهر .. فكلمة شهر مفردة ترد في القرآن الكريم (12) مرة ..
و لو نظرنا الى مجموع ورود كلمات ( البحر – البر – يبساً ) لرأينا أن العلاقة العددية ما بين هذه الكلمات هي ذاتها العلاقة العددية التي تربط نسبة اليابسة و الماء على سطح الكرة الأرضية ..
فكلمة البر ترد ( 12 ) مرّة و كلمة يبساً ترد مرّة واحدة .. أي أن المجموع هو ( 13 ) مرّة .. و كلمة البحر المعرّفة ترد ( 32 ) مرّة .. و هكذا يكون مجموع ورود هذه الكلمات هو ( 13+ 32 ) = 45 .. و تكون :
نسبة اليابسة هي : 13\45 = 29 % و نسبة الماء هي : 32\45 = 71 %
و لو نظرنا الى كلمة الدنيا في القرآن الكريم لرأينا أنها ترد ( 115 ) مرّة ، و لو نظرنا الى كلمة الآخرة المناظرة لها تماماً لرأيناها ترد أيضاً ( 115 ) مرّة ..
و لو نظرنا الى كلمة ( جنّات ) و مشتقاتها لرأيناها ترد في القرآن الكريم ( 77 ) مرّة ، و لو نظرنا الى كلمة جهنم المناظرة لها تماماً لرأيناها ترد أيضاً ( 77 ) مرّة ..
و لو نظرنا الى كلمة الملائكة في القرآن الكريم لرأيناها ترد ( 68 ) مرّة ، و كذلك كلمة الشيطان ترد ( 68 ) مرّة . و لو نظرنا الى كلمة الملائكة ومشتقاتها لرأيناها ترد ( 88 ) مرّة ، و كذلك كلمة الشيطان و مشتقاتها ترد ( 88 ) مرّة ..
و كلمة الإيمان ترد في القرآن الكريم ( 17 ) مرّة ، و كذلك كلمة الكفر ترد ( 17 ) مرّة .. ، و كلمة الخبيث ترد ( 7 ) مرّات و كذلك كلمة الطيب ترد ( 7 ) مرّات .. ، و كلمة الرشد ترد ( 3 ) مرّات و كذلك كلمة الغّي ترد ( 3 ) مرّات .
و هكذا فمجموع ورود أي كلمة في القرآن الكريم يتعلق بحكمة مطلقة لا يحيط بها إلا الله تعالى .. و كلما ارتقى تصوّرنا العلمي للحقائق الكونية ارتقى إدراكنا لمجموع ورود الكلمات التي تصف و تصوّر هذه الحقائق الكونية .. فلو لم نعلم نسبة اليابسة و الماء على سطح الكرة الأرضية ، لما أدركنا جوهر مجموع ورود الكلمات المصورة لهذه المسائل في القرآن الكريم ..
و لو نظرنا الآن الى مسألة مجموع ورود الكلمات المختلفة في نص قرآني يصوّر مسألة ما لرأينا أن هذا المجموع يشير الى جوهر المسألة التي يصفها هذا النص ..
نحن نعلم أن عيسى عليه السلام لبث في الأرض قبل أن يرفعه الله تعالى الى السماء (33) عاماً .. هذه المدة يشير اليها القرآن الكريم عبر مجموع كلمات بعض النصوص القرآنية المصورة لهذه المسألة .. و سنختار النصين التاليين من بين مجموعة هذه النصوص ..
(( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم و قال المسيح يبني إسرائيل اعبدوا الله ربّي و ربكم إنّه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظلمين من أنصار )) [ المائدة 5\72 ]
(( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثةٍ و ما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذابٌ أليم (73) أفلا يتوبون الى الله و يستغفرونه و الله غفورٌ رحيم )) [ المائدة 5\ 73-74 ]
و لو نظرنا الى مسألة مجموع ورود الكلمات في المسائل التي تصف حقائق متناظرة ، لرأينا أيضاً أن هذه المجاميع ترد أيضاً في القرآن الكريم بشكل متناظر .. لننظر إلى الأمثلة التالية :
(( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله و اليوم الآخر أن يجهدوا بأموالهم و أنفسهم و الله عليمٌ بالمتقين )) [ التوبة 9\44] = ( 14 ) كلمة
(( إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر و ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون )) [ التوبة 9\45] = ( 14 ) كلمة
____________________________
تعليق