وهي المعرفة في صلة النفس بذات الله، وهذه الصلة ليست كصلة الإنسان بأفراد المجتمع، وإنما هي صلة موجودين يقوم وجود أحدهما في عرض وجود الاخر، صلة الفرع بالأصل والمجاز بالحقيقة، وحسب الإصطلاح صلة المقيد بالمطلق.
ويعتبر ألم الفيلسوف انعكاساً للالام الخارجية في معرفة النفس، وألم المتنور إجتماعياً يحصل بعد إطلاعه، بينما ألم العارف باطني وجداني ويكون ألمه عينَ إطلاعه كألم المريض ومعرفته به.
والفيلسوف يتألم للحقيقة لكن ألمه لمعرفة الحقيقة والعلم بها، وينبع من فطرة المعرفة، بينما ألم العارف للوصول والذوب والإتحاد بالحقيقة، هو ألم نابع من فطرة الحبّ التي لا تستريح إلا أن تحلق لتلمس الحقيقة
بكل وجودها، الشيء الذي لا يوجد في الحيوان ولا في الملك الذي جوهره ذاته العلم ومعرفة النفس أيضاً.
العارف يعتبر معرفة النفس التامة كامنة في معرفة الله، وإنّ ما يعرفه الفيلسوف بصورة "أنا" الإنسان الواقعي، ليس واقعياً من وجهة نظر العارف، إنه روح نفس وتعيّن، و"أنا" الواقعي بنظره هو الله بعد كسر النفس والأنا والتعيّن.
يقول محي ابن عربي في فصوص الحكم الفص الشعيبي: "إنّ الحكماء والمتكلمين قد أكثروا القول حول معرفة النفس، ولكن معرفة النفس لم تحصل عن هذا الطريق، وكل شخص ظن أنّ ما وجده الحكماء حول معرفة النفس هو الحقيقة فقد استسمن ذا ورم".
فالروح مظهر من مظاهر النفس، و"أنا" الواقعي هو الله وعندما يفنى الإنسان من نفسه ويحطّم التعيّنات ويغضّ النظر عنها لم يبقَ للروح أثر، وعندما تعود هذه القطرة المنفصلة عن البحر إلى البحر وتفنى فيه يصل
الإنسان إلى معرفة النفس الواقعية، وعندئذٍ يرى الإنسان نفسَه في جميع الأشياء، ويرى جميع الأشياء في نفسه، وعندئذٍ فقط يطّلع الإنسان على نفسه الواقعية.
تعليق