بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّل فَرَجَهم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ قَرِيناً ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيراً ،
وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْقٍ إِلَيْكَ ، وَ بِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَ ذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ .
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
* الْإِمَامَةُ عَهْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ *
الإمامة من الله عز وجل عهد منه سبحانه وتعالى يعهد به إلى أهل الصفوة
والطهارة من عباده الصالحين وأهل طاعته المتقين ولا تكون إلا لهم وهي
منزلة رفيعة ودرجة عالية ومنصب عظيم ونعمة وكرامة وفضل من الله عز
وجل على من اختاره واصطفاه لهذه الإمامة إمامة الهدى والحق .
وبعكس هذه الإمامة من الله عز وجل توجد الإمامة من الناس التي تكون
باختيار من الناس ويشترك في هذه الإمامة الكافر والمؤمن من الناس فيكون
الكافر إماماً من الناس ولكنها إمامة الكفر والضلال مثلما حكى الله عز وجل
عن فرعون الكافر الملعون ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ
قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ
لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99))ـ سورة هود ـ
فإمامة الكفر والضلال توصل أصحابها وأتباعهم إلى طريق الهلاك ودخول
النار والعذاب الدائم وبئس المصير .
* أولاً : تعريف لفظ ( الإمامة ) *
الإمامة في اللغة : مصدر من الفعل ( أمَّ ) تقول: ( أمَّهم وأمَّ بهم : تقدمهم )
والإمام : من اقتدي به وقدم في الأمور .
الإمامة في اصطلاح أهل السنة
قال الدكتور عبد الله الدميجي
( أما من حيث الاصطلاح : فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات ، وهي وإن -
اختلفت في الألفاظ فهي متقاربة في المعاني ، ومن هذه التعريفات ما يلي :
(1) ما ذكره الماوردي حيث قال : ( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في
حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ .
(2) ويقول إمام الحرمين الجويني : ( الإمامة رياسة تامة ، وزعامة تتعلق
بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا ) أ . هـ .
(3) وعرفها النسفي في عقائده بقوله : ( نيابة عن الرسول عليه السلام في
إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الإتباع ) .
(4) ويقول صاحب المواقف : ( هي خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في
إقامة الدين بحيث يجب إتباعه على كافة الأمة ) .
(5) أما العلامة ابن خلدون فيعرفها بقوله : ( هي حمل الكافة على مقتضى
النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال
الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة
خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ ( )
(6) ويقول الأستاذ محمد نجيب المطيعي : ( المراد بها - أي الإمامة الرئاسة
العامة في شؤون الدنيا والدين ) .
إلى غير ذلك من التعريفات التي تدور حول هذه المعاني .
التعريف المختار :
والمختار من هذه التعريفات ما ذكره ابن خلدون لأنه الجامع المانع في نظري
، وبيان ذلك أنه في قوله : (حمل الكافة ) يخرج به ولايات الأمراء والقضاة
وغيرهم ، لأن لكل منهم حدوده الخاصة به وصلاحيته المقيدة ، وفي قوله :
( وعلى مقتضى النظر الشرعي ) قيد لسلطته ، فالإمام يجب أن تكون سلطاته
مقيدة بموافقة الشريعة الإسلامية ، وفيه أيضًا وجوب سياسة الدنيا بالدين لا
بالأهواء والشهوات والمصالح الفردية ، وهذا القيد يخرج به الملك .
وفي قوله : ( في مصالحهم الأخروية والدنيوية ) تبيين لشمول مسؤولية
الإمام لمصالح الدين والدنيا لا الاقتصار على طرف دون الآخر ....
ومما سبق في تعريف الإمامة يتضح لنا أن العلماء الذين تصدوا لتعريفها
قدَّموا أمور الدين والعناية به وحفظه على أمور الدنيا ، بمعنى جعل الثانية
تابعة للأولى ، وبيان أن سياسة الدنيا يجب أن تكون بالدين وشرائعه وتعاليمه
، وأن فصل الدين عن السياسة مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام ولشريعته
الربانية ، وأن سياسة الدنيا بالقوانين الوضعية أو بالآراء والشهوات النفسية
مخالفة أيضًا للإسلام ، فلا يجوز أن يطلق على هذا النوع من الحكم بأنه حكم
إسلامي ، أو متمش مع الشريعة الإسلامية ، بل هو مخالفة صريحة لها لا
يقره الإسلام . )
ـ الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ـ
*****
* ثانياً : لفظ الإمام في القرآن الكريم *
ورد لفظ ( الإمام ) بصيغة المفرد ( إمام ) وبصيغة الجمع ( أئمة ) وبعدة
معان هي :
سورة البقرة { إماماً } : قدوة صالحة يقتدى به في الخير والكمال .
سورة التوبة { أئمة الكفر } : أي رؤساء الكفر المتبعين والمقلدين في الشرك
والشر والفساد .
سورة هود { إماماً } شاهد له
سورة الحجر { وإنهما لبإمام مبين } لبطريق مبين واضح
سورة الإسراء { بإمامهم } : أي الذين كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير
أو الشر .
سورة الأنبياء { أئمة } : أي يقتدى بهم في الخير .
سورة الفرقان { إماماً } قدوة يقتدون بنا في الخير
سورة القصص { ونجعلهم أئمة } قادةً في الخير
سورة القصص { وجعلناهم أئمة } : أي رؤساء يُقتدى بهم في الباطل .
سورة السجدة { وجعلنا منهم أئمة } قادة هداة
سورة يس { في إمام مبين } : أي في اللوح المحفوظ
سورة الأحقاف { إماماً } إماما يؤتم به
ـ تفسير أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري ـ
*****
* ثالثاً : الإمامة عهد الله عز وجل في القرآن الكريم *
قال الله عز وجل في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 ) ـ سورة البقرة ـ
المعنى الإجمالي للآية الكريمة
( واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف، فأدَّاها
وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ
اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين
الإمامةُ في الدين.)
ـ التفسير الميسر ج 1 - السعودية - ـ
المعنى التفصيلي للآية الكريمة
( واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملَّة إبراهيم
وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين،
اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي : اختباره له ) ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
( قوله تعالى:{ بكلمات }؛ هذه الكلمات التي هي محل الابتلاء، والاختبار
أطلقها الله سبحانه وتعالى؛ فهي كلمات كونية؛ وشرعية؛ أو جامعة بينهما؛
واختلف المفسرون في هذه الكلمات؛ وأصح الأقوال فيها أن كل ما أمره به
شرعاً، أو قضاه عليه قدراً، فهو كلمات؛ فمن ذلك أنه ابتُلي بالأمر بذبح ابنه،
فامتثل؛ لكن الله سبحانه وتعالى رفع ذلك عنه حين استسلم لربه؛ وهذا من
الكلمات الشرعية؛ وهذا امتحان من أعظم الامتحانات؛ ومن ذلك أن الله امتحنه
بأن أوقدت له النار، وأُلقي فيها؛ وهذا من الكلمات الكونية؛ وصبر، واحتسب؛
فأنجاه الله منها، وقال تعالى: {يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} [
الأنبياء: 69] ؛ وكل ما قدره الله عليه مما يحتاج إلى صبر، ومصابرة، أو
أمره به فهو داخل في قوله تعالى: { بكلمات }.) ـ تفسيرتفسير الفاتحة
والبقرة ج 2 تأليف محمد بن صالح بن محمد العثيمين ـ
( القول الثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق
بسنده عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه
في الله حين أمر بفراقهم، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ماوقفه
عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إياه في النار
ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده
في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها،
وماله وما ابتلى به من ذبح ولده، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من
أمر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. على ما
كان من خلاف الناس وفراقهم.
القول الرابع: ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية،
عن أبي رجاء قال: قلت للحسن: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال:
ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه، وابتلاه بالقمر، فرضي عنه، وابتلاه بالشمس،
فرضي عنه، وابتلاه بالنار، فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو: محمد بن سيف الحداني.
وأخرجه بإسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه.)
ـ الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ج 1 أ.د حكمت بن بشير ـ
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ
بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً ) ـ البخاري ج 8 ومسلم ج 8 ـ
( وعندي أن الأقرب في معنى الكلمات هو ابتلاؤه بالإسلام، فأسلم لرب
العالمين وابتلاؤه بالهجرة. فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا
إلى الله.وابتلاؤه بالنار فصبر عليها. ثم ابتلاؤه بالختان فصبر عليه. ثم ابتلاؤه
بذبح ابنه فسلم واحتسب.
كما يؤخذ ذلك من تتبع سيرته في التنزيل العزيز وسفر التكوين من التوراة.
ففيهما بيان ما ذكرنا في شأنه عليه الصلاة والسلام. من قيامه بتلك الكلمات
حق القيام. وتوفيتهن أحسن الوفاء. وهذا معنى قوله تعالى فَأَتَمَّهُنَّ كقوله
تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم: 37] والإتمام التوفية.)
ـ محاسن التأويل ج 1 للقاسمي ـ
( والحق أن هذا يختلف باختلاف تفسير التكاليف ، فمنها ما يعلم بالضرورة
كونها قبل النبوة كحديث الكوكب والشمس والقمر ، ومنها ما ثبت أنه كان
بعد النبوة كذبح الولد والهجرة والنار ، وكذا الختان فإنه يروى أنه ختن نفسه
وكان سنه مائة وعشرين )
ـ تفسير النيسابوري ج 1 ـ
( ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين ، فإنه- عليه
السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم
على [العموم ] بالإطلاق ، ولا قيل له ذلك )
ـ تفسير الراغب الأصفهاني ج 1 ـ
( وصحف إبراهيم الذي تمم وأكمل ما أمر به، وأدى الرسالة على الوجه
الأكمل، كما جاء في آية أخرى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قالَ:
إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة 2/ 124] فإنه قام بجميع الأوامر، وترك
جميع النواهي، وبلّغ الرسالة على التمام والكمال ، فاستحق بهذا أن يكون
للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله.)
ـ التفسير المنير للزحيلي ج 27 ـ
( فَأَتَمَّهُنَّ ) : قام بهن وأداهن على أكمل الوجوه وأتممها . ـ أيسر التفاسير
للجزائري ـ
==========
* الاختبارت التي قام بها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام ثم أتمها وقعت
في أوقات متعددة ، منها ما وقع وقد كان في وقتها سيدنا إبراهيم عليه
السلام نبياً ورسولاً إلى قومه ثم هاجر بعد أن صار نبياً رسولاً وقد قال الله
عز وجل ( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) ) سورة التوبة .
( أي أن قوم نوح وقوم إبراهيم وغيرهم أتتهم رسالات السماء ولم تأتهم
الرسالة كمنهج فقط ، بل جاءتهم معجزات تثبت صدق بلاغ الرسل عن ربهم
، فكأنه لا حجة لهم أن ينصرفوا عن منهج السماء أو أن يكذبوا به؛ لأن كل
منهج مُؤيَّد بمعجزة تثبت صدق الرسول في رسالته. )
ـ تفسير الشعراوي ج 9 ـ
ومن هذه الاختبارات أيضاً الأمر بذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليه السلام وقد
قال الله عز وجل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ
رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ
دُعَاءِ (40)) سورة إبراهيم .
( { على الكبر إسماعيل واسحق } : أي مع الكبر إذ كانت سنه يومئذ تسعاً
وتسعين سنة وولد له إسحق وسنه مائة واثنتا عشرة سنة .) ـ أيسر
التفاسير للجزائري ج 2 ـ
وفي هذا الوقت أيضاً كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبياً رسولا .
وهذه أدلة قاطعة وثابتة وصريحة على أن الإمامة التي جعلها الله عز وجل
لسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد إتمامه كل هذه الاختبارات ليست النبوة و
ليست الرسالة ، وفي هذا رد صريح من القرآن الكريم على من يقول بأن
الإمامة هنا هي النبوة أو الرسالة ، فهو قول مخالف للقرآن الكريم .
==========
* قال الله عز وجل ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) *
( قوله تعالى: { إني جاعلك } أي مصيرك؛ وهي تنصب مفعولين؛ لأنها
مشتقة من «جعل» التي بمعنى «صيّر»؛ والمفعول الأول: الكاف التي في محل
جر بالإضافة؛ والمفعول الثاني: { إماماً }.) ـ تفسير العثيمين ـ
=========
* الجعل في الإمامة في الآية الكريمة هنا مثل الجعل في النبوة في قول الله
عز وجل على لسان سيدنا عيسى عليه السلام ( وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)) سورة
مريم ، ومثل الجعل في الرسالة في قول الله عز وجل على لسان سيدنا
موسى عليه السلام ( وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) ) سورة الشعراء .
فالنبوة والرسالة والإمامة هي باختيار واصطفاء وانتقاء من الله عز وجل .
وكل واحدة منها ليست بكسب الكاسب وليست باختيار وانتقاء من الناس .
==========
* ({ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى
سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل
أحد.
وهذه - لعمر الله - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمر
إليه العاملون، وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل
صديق متبع لهم، داع إلى الله وإلى سبيله.) ـ تيسير الكريم الرحمن في
تفسير كلام المنان ص 65 تأليف عبد الرحمن السعدي ـ
( وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم:"إني جاعلك للناس إماما"، إني مصيرك
تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي ، تتقدمهم أنت ، ويتبعون هديك ،
ويستنون بسنتك التي تعمل بها ، بأمري إياك ووحيي إليك....
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته
وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في
عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه
ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم،
كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي . ) ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( فاستحق بذلك عِظَم المنزلة ورفعة القدر بأن يكون إماماً يأتم ويقتدي به
الناس جميعاً .) ـ التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم ج 1 ـ
( ولهذا أكرمه الله تعالى بمقام الإمامة ، فكان عليه الصلاة و السلام إماماً
يدعو الناس إلى ملة التوحيد ونبذ الشرك ، ويقتدي به الصالحون . وكانت
إمامته عليه السلام مؤبدة ، إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته ، مأمور
باتباع ملته كما قال تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)( آل عمران ) .)
ـ الدرة في تفسير سورة البقرة تأليف ميادة بنت كامل الماضي ـ
( {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124] أي أن الحق تبارك وتعالى
أئتمنه أن يكون إماماً للبشر. . والله سبحانه كان يعلم وفاء إبراهيم ولكنه
اختبره لنعرف نحن البشر كيف يصطفي الله تعالى عباده المقربين وكيف
يكونوا أئمة يتولون قيادة الأمور )
ـ تفسير الشعراوي ج 1 ـ
( - و في هذه الآية قواعد - ...
الثانية : في قوله عز و جل لنبيه إبراهيم (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) والإمام
للناس هو الذي يتخذونه قدوة يقودهم إلى الله ، ويقدمهم على الخير وتكون
له القيادة ، ويكونون له تبعاً .
وليلاحظ نص القرآن فإنه لم يقل
فقال إني جاعلك ) بل حذف الفاء للإشعار
بأن هذه الإمامة من فضل الله ، ليست من كسبه بسبب إتمام الكلمات ...
حتى لا يقعوا فيما يحرمهم من منصب الإمامة العظيم الذي هو أشرف
المناصب وأعلاها )
ـ صفوة الأثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم ج 2 عبد الرحمن
الدوسري ـ
(( قال إني جاعلك للناس إماماً ) ولم يقل فقال إني جاعلك ليدلنا على أن هذه
الإمامة بمحض فضل الله تعالى واصطفائه لا بسبب إتمام الكلمات )
ـ دعوة الرسل إلى الله تعالى تأليف محمد أحمد العدوي ـ
( ((جَاعِلُكَ)) يعني: إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))، قال أهل العلم : هذه أعلى
المقامات وأجل العطاء ، فمن سيأتي بعدك فأنت الإمام له في السير إلينا ،
حتى قال الله لنبيه عليه السلام: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [
النحل:123].)
ـ سلسلة محاسن التأويل درس رقم 8 ل صالح المغامسي ـ
( قَالَ شَيْخُنَا: وَلَمْ يَقُلْ: فَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ، لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِمَامَةَ بِمَحْضِ
فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى - وَاصْطِفَائِهِ لَا بِسَبَبِ إِتْمَامِ الْكَلِمَاتِ ...
وَيُرَبُّوهُمْ عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْهُ لِكَيْلَا يَقَعُوا فِيهِ فَيُحْرَمُوا مِنْ هَذَا الْمَنْصِبِ الْعَظِيمِ
الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْمَنَاصِبِ وَأَشْرَفُهَا )
ـ تفسير المنار ج 1 ل محمد رشيد رضا ـ
( ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين ، فإنه- عليه
السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم
على [ العموم ] بالإطلاق ، ولا قيل له ذلك )
ـ تفسير الراغب الأصفهاني ج 1 ـ
( قال أهل التحقيق ...
لأن الله تعالى ذكر لفظ الإمام ههنا في معرض الامتنان ، فلا بد وأن تكون تلك
النعمة من أعظم النعم ليحسن نسبة الامتنان )
ـ تفسير الفخر الرازي ج 1 ـ
( [ قال إني جاعلك للناس إماما ] أي قال له ربه : إني جاعلك يا إبراهيم قدوة
للناس ، ومنارا يهتدي بك الخلق )
ـ صفوة التفاسير للصابوني ج 1 ـ
( وينشئوا أولادهم على كراهته كيلا يقعوا فيه ويحرموا من هذا المنصب
العظيم الذي هو أعلى المناصب وأشرفها ) ـ حدائق الروح والريحان في
روابي علوم القرآن ج 2 ل محمد الأمين الهرري ـ
* المستفاد من هذه الأقوال حول الإمامة *
1 ـ أفضل درجة وأعلى مقام وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين
وأتباعهم .
2 ـ منزلة رفيعة وكرامة من الله عز وجل
3 ـ عِظَم المنزلة ورفعة القدر
4 ـ أكرمه الله تعالى بمقام الإمامة
5 ـ الإمامة بمحض فضل الله تعالى واصطفائه ولا تنال بكسب الكاسب
6 ـ أعلى المقامات وأجل العطاء
7 ـ نعمة من أعظم النعم
8 ـ الإمامة قيادة وتقدم وأمر بالاتباع والطاعة
9 ـ الإمامة منصب عظيم ، أعلى المناصب وأشرفها
==========
* ( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )
( قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته
وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في
عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه
ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم،
كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي. مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها )
ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته )
ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
(( وَمِن ذُرّيَّتِى ) أي بعض ذريتي ، وهي الطيبة الطاهرة كما قال
وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) . فالإمامة إنما تجري في ذلك العرق الطاهر ، والنطفة
المطهرة إنما تجري في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات حتى ختم أحد
النورين الطاهرين في أحد الشعبين بعيسى كلمة الله وروحه ، وصدقت أمه
بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ، وختم النور الثاني المخفي في الشعب
الثاني بالمصطفى محمد فصدق بكلمات ربه يؤمن بالله وكلماته ، فتم لإبراهيم
بإتمام الله تعالى الكلمات التي ابتلي بها ، وجرت الإمامة في عقبه إلى يوم
يبعثون ) ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار ج 2 المؤلف محمد بن عبد
الكريم الشهرستاني المتوفى 548 هـ ـ
( قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك )
ـ التفسير الميسر ج 1 ـ
( فطلب إبراهيم من ربه أن يجعل من ذريته أئمة كذلك )
ـ التفسير المنتخب ـ
( فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذريته، لتعلو درجته
ودرجة ذريته ) ـ تفسير السعدي ج 1 ـ
( ولما رأى ابراهيم عليه السّلام انبساط ربه معه وإحسانه اليه واظهار الخلة
له قالَ وَاجعل يا رب مِنْ ذُرِّيَّتِي ايضا ائمة الى يوم الدين ) ـ الفواتح الإلهية
والمفاتيح الغيبية ج 1 للنخجواني ـ
===========
* ( قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )
( قال أبو جعفر: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي
به أهل الخير. وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه أن
يجعل من ذريته أئمة مثله. فأخبر أنه فاعل ذلك، إلا بمن كان من أهل الظلم
منهم، فإنه غير مُصَيِّره كذلك، ولا جاعله في محل أوليائه عنده ، بالتكرمة
بالإمامة. لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته، دون أعدائه والكافرين به
. ) ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } إجابة إلى ملتمسه ، وتنبيه على أنه قد
يكون من ذريته ظلمة ، وأنهم لا ينالون الإمامة لأنها أمانة من الله تعالى
وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وإنما ينالها البررة الأتقياء منهم . ) ـ تفسير
البيضاوي ج 1 ـ
( لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته،
فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون، وأنه لا ينالهم عهد الله،
ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ) ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
( لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرها، وحط قدرها، لمنافاة الظلم
لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على
جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل
السديدة، والمحبة التامة، والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟
) ـ
تفسير السعدي ج 1 ـ
( وفي قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) إجابة خفية لدعوته عليه السلام،
ووعد إجمالي منه تعالى بتشريك بعض ذريته بنيل عهد الإمامة، يفهم منها:
أن من ذريته فعلاً من سينال الإمامة، أما الظالمون منهم الذين ليسوا أبناءه
في الدين فلن ينالوا هذه الإمامة ) ـ تفسير محمد المقدم درس رقم 10 ـ
( أي سأجعل الصالحين من ذريتك أئمة أما الظالمون فإن عهدي لا ينالهم .)
ـ في رحاب التفسير عبد الحميد كشك ج 1 ـ
( وقد أجاب الله نبيه إبراهيم بقوله ( لا ينال عهدي الظالمين ) وهو وعد
ضمني بأن يجعل من ذريته أئمة للناس ولكن عهده بالإمامة لا ينال الظالمين
لأنهم ليسوا أهلاً لأن يقتدى بهم ) ـ دعوة الرسل إلى الله تعالى تأليف محمد
أحمد العدوي ـ
( أي أن ذريته سيكون منهم محسن، وسيكون منهم ظالم لنفسه، بالمعاصي،
فالمحسنون ينالهم عهدي، ويكون منهم أئمة يقتدى بهم، وأما الظالمون فلن
ينالوا إمامة في الدين من الله سبحانه وتعالى )
ـ زهرة التفاسير ج 1 المؤلف محمد أبو زهرة ـ
(( لا ينال عهدي ) أي بالإمامة ( الظالمين ) الكافرين منهم )
ـ الجواهر في تفسير القرآن الكريم ج 1 تأليف الشيخ طنطاوي جوهري ـ
==========
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّل فَرَجَهم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ قَرِيناً ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيراً ،
وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْقٍ إِلَيْكَ ، وَ بِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَ ذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ .
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
* الْإِمَامَةُ عَهْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ *
الإمامة من الله عز وجل عهد منه سبحانه وتعالى يعهد به إلى أهل الصفوة
والطهارة من عباده الصالحين وأهل طاعته المتقين ولا تكون إلا لهم وهي
منزلة رفيعة ودرجة عالية ومنصب عظيم ونعمة وكرامة وفضل من الله عز
وجل على من اختاره واصطفاه لهذه الإمامة إمامة الهدى والحق .
وبعكس هذه الإمامة من الله عز وجل توجد الإمامة من الناس التي تكون
باختيار من الناس ويشترك في هذه الإمامة الكافر والمؤمن من الناس فيكون
الكافر إماماً من الناس ولكنها إمامة الكفر والضلال مثلما حكى الله عز وجل
عن فرعون الكافر الملعون ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ
قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ
لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99))ـ سورة هود ـ
فإمامة الكفر والضلال توصل أصحابها وأتباعهم إلى طريق الهلاك ودخول
النار والعذاب الدائم وبئس المصير .
* أولاً : تعريف لفظ ( الإمامة ) *
الإمامة في اللغة : مصدر من الفعل ( أمَّ ) تقول: ( أمَّهم وأمَّ بهم : تقدمهم )
والإمام : من اقتدي به وقدم في الأمور .
الإمامة في اصطلاح أهل السنة
قال الدكتور عبد الله الدميجي
( أما من حيث الاصطلاح : فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات ، وهي وإن -
اختلفت في الألفاظ فهي متقاربة في المعاني ، ومن هذه التعريفات ما يلي :
(1) ما ذكره الماوردي حيث قال : ( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في
حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ .
(2) ويقول إمام الحرمين الجويني : ( الإمامة رياسة تامة ، وزعامة تتعلق
بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا ) أ . هـ .
(3) وعرفها النسفي في عقائده بقوله : ( نيابة عن الرسول عليه السلام في
إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الإتباع ) .
(4) ويقول صاحب المواقف : ( هي خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في
إقامة الدين بحيث يجب إتباعه على كافة الأمة ) .
(5) أما العلامة ابن خلدون فيعرفها بقوله : ( هي حمل الكافة على مقتضى
النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال
الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة
خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ ( )
(6) ويقول الأستاذ محمد نجيب المطيعي : ( المراد بها - أي الإمامة الرئاسة
العامة في شؤون الدنيا والدين ) .
إلى غير ذلك من التعريفات التي تدور حول هذه المعاني .
التعريف المختار :
والمختار من هذه التعريفات ما ذكره ابن خلدون لأنه الجامع المانع في نظري
، وبيان ذلك أنه في قوله : (حمل الكافة ) يخرج به ولايات الأمراء والقضاة
وغيرهم ، لأن لكل منهم حدوده الخاصة به وصلاحيته المقيدة ، وفي قوله :
( وعلى مقتضى النظر الشرعي ) قيد لسلطته ، فالإمام يجب أن تكون سلطاته
مقيدة بموافقة الشريعة الإسلامية ، وفيه أيضًا وجوب سياسة الدنيا بالدين لا
بالأهواء والشهوات والمصالح الفردية ، وهذا القيد يخرج به الملك .
وفي قوله : ( في مصالحهم الأخروية والدنيوية ) تبيين لشمول مسؤولية
الإمام لمصالح الدين والدنيا لا الاقتصار على طرف دون الآخر ....
ومما سبق في تعريف الإمامة يتضح لنا أن العلماء الذين تصدوا لتعريفها
قدَّموا أمور الدين والعناية به وحفظه على أمور الدنيا ، بمعنى جعل الثانية
تابعة للأولى ، وبيان أن سياسة الدنيا يجب أن تكون بالدين وشرائعه وتعاليمه
، وأن فصل الدين عن السياسة مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام ولشريعته
الربانية ، وأن سياسة الدنيا بالقوانين الوضعية أو بالآراء والشهوات النفسية
مخالفة أيضًا للإسلام ، فلا يجوز أن يطلق على هذا النوع من الحكم بأنه حكم
إسلامي ، أو متمش مع الشريعة الإسلامية ، بل هو مخالفة صريحة لها لا
يقره الإسلام . )
ـ الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ـ
*****
* ثانياً : لفظ الإمام في القرآن الكريم *
ورد لفظ ( الإمام ) بصيغة المفرد ( إمام ) وبصيغة الجمع ( أئمة ) وبعدة
معان هي :
سورة البقرة { إماماً } : قدوة صالحة يقتدى به في الخير والكمال .
سورة التوبة { أئمة الكفر } : أي رؤساء الكفر المتبعين والمقلدين في الشرك
والشر والفساد .
سورة هود { إماماً } شاهد له
سورة الحجر { وإنهما لبإمام مبين } لبطريق مبين واضح
سورة الإسراء { بإمامهم } : أي الذين كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير
أو الشر .
سورة الأنبياء { أئمة } : أي يقتدى بهم في الخير .
سورة الفرقان { إماماً } قدوة يقتدون بنا في الخير
سورة القصص { ونجعلهم أئمة } قادةً في الخير
سورة القصص { وجعلناهم أئمة } : أي رؤساء يُقتدى بهم في الباطل .
سورة السجدة { وجعلنا منهم أئمة } قادة هداة
سورة يس { في إمام مبين } : أي في اللوح المحفوظ
سورة الأحقاف { إماماً } إماما يؤتم به
ـ تفسير أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري ـ
*****
* ثالثاً : الإمامة عهد الله عز وجل في القرآن الكريم *
قال الله عز وجل في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 ) ـ سورة البقرة ـ
المعنى الإجمالي للآية الكريمة
( واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف، فأدَّاها
وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ
اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين
الإمامةُ في الدين.)
ـ التفسير الميسر ج 1 - السعودية - ـ
المعنى التفصيلي للآية الكريمة
( واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملَّة إبراهيم
وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين،
اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي : اختباره له ) ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
( قوله تعالى:{ بكلمات }؛ هذه الكلمات التي هي محل الابتلاء، والاختبار
أطلقها الله سبحانه وتعالى؛ فهي كلمات كونية؛ وشرعية؛ أو جامعة بينهما؛
واختلف المفسرون في هذه الكلمات؛ وأصح الأقوال فيها أن كل ما أمره به
شرعاً، أو قضاه عليه قدراً، فهو كلمات؛ فمن ذلك أنه ابتُلي بالأمر بذبح ابنه،
فامتثل؛ لكن الله سبحانه وتعالى رفع ذلك عنه حين استسلم لربه؛ وهذا من
الكلمات الشرعية؛ وهذا امتحان من أعظم الامتحانات؛ ومن ذلك أن الله امتحنه
بأن أوقدت له النار، وأُلقي فيها؛ وهذا من الكلمات الكونية؛ وصبر، واحتسب؛
فأنجاه الله منها، وقال تعالى: {يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} [
الأنبياء: 69] ؛ وكل ما قدره الله عليه مما يحتاج إلى صبر، ومصابرة، أو
أمره به فهو داخل في قوله تعالى: { بكلمات }.) ـ تفسيرتفسير الفاتحة
والبقرة ج 2 تأليف محمد بن صالح بن محمد العثيمين ـ
( القول الثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق
بسنده عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه
في الله حين أمر بفراقهم، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ماوقفه
عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إياه في النار
ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده
في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها،
وماله وما ابتلى به من ذبح ولده، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من
أمر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. على ما
كان من خلاف الناس وفراقهم.
القول الرابع: ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية،
عن أبي رجاء قال: قلت للحسن: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال:
ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه، وابتلاه بالقمر، فرضي عنه، وابتلاه بالشمس،
فرضي عنه، وابتلاه بالنار، فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو: محمد بن سيف الحداني.
وأخرجه بإسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه.)
ـ الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ج 1 أ.د حكمت بن بشير ـ
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ
بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً ) ـ البخاري ج 8 ومسلم ج 8 ـ
( وعندي أن الأقرب في معنى الكلمات هو ابتلاؤه بالإسلام، فأسلم لرب
العالمين وابتلاؤه بالهجرة. فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا
إلى الله.وابتلاؤه بالنار فصبر عليها. ثم ابتلاؤه بالختان فصبر عليه. ثم ابتلاؤه
بذبح ابنه فسلم واحتسب.
كما يؤخذ ذلك من تتبع سيرته في التنزيل العزيز وسفر التكوين من التوراة.
ففيهما بيان ما ذكرنا في شأنه عليه الصلاة والسلام. من قيامه بتلك الكلمات
حق القيام. وتوفيتهن أحسن الوفاء. وهذا معنى قوله تعالى فَأَتَمَّهُنَّ كقوله
تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم: 37] والإتمام التوفية.)
ـ محاسن التأويل ج 1 للقاسمي ـ
( والحق أن هذا يختلف باختلاف تفسير التكاليف ، فمنها ما يعلم بالضرورة
كونها قبل النبوة كحديث الكوكب والشمس والقمر ، ومنها ما ثبت أنه كان
بعد النبوة كذبح الولد والهجرة والنار ، وكذا الختان فإنه يروى أنه ختن نفسه
وكان سنه مائة وعشرين )
ـ تفسير النيسابوري ج 1 ـ
( ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين ، فإنه- عليه
السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم
على [العموم ] بالإطلاق ، ولا قيل له ذلك )
ـ تفسير الراغب الأصفهاني ج 1 ـ
( وصحف إبراهيم الذي تمم وأكمل ما أمر به، وأدى الرسالة على الوجه
الأكمل، كما جاء في آية أخرى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قالَ:
إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة 2/ 124] فإنه قام بجميع الأوامر، وترك
جميع النواهي، وبلّغ الرسالة على التمام والكمال ، فاستحق بهذا أن يكون
للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله.)
ـ التفسير المنير للزحيلي ج 27 ـ
( فَأَتَمَّهُنَّ ) : قام بهن وأداهن على أكمل الوجوه وأتممها . ـ أيسر التفاسير
للجزائري ـ
==========
* الاختبارت التي قام بها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام ثم أتمها وقعت
في أوقات متعددة ، منها ما وقع وقد كان في وقتها سيدنا إبراهيم عليه
السلام نبياً ورسولاً إلى قومه ثم هاجر بعد أن صار نبياً رسولاً وقد قال الله
عز وجل ( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) ) سورة التوبة .
( أي أن قوم نوح وقوم إبراهيم وغيرهم أتتهم رسالات السماء ولم تأتهم
الرسالة كمنهج فقط ، بل جاءتهم معجزات تثبت صدق بلاغ الرسل عن ربهم
، فكأنه لا حجة لهم أن ينصرفوا عن منهج السماء أو أن يكذبوا به؛ لأن كل
منهج مُؤيَّد بمعجزة تثبت صدق الرسول في رسالته. )
ـ تفسير الشعراوي ج 9 ـ
ومن هذه الاختبارات أيضاً الأمر بذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليه السلام وقد
قال الله عز وجل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ
رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ
دُعَاءِ (40)) سورة إبراهيم .
( { على الكبر إسماعيل واسحق } : أي مع الكبر إذ كانت سنه يومئذ تسعاً
وتسعين سنة وولد له إسحق وسنه مائة واثنتا عشرة سنة .) ـ أيسر
التفاسير للجزائري ج 2 ـ
وفي هذا الوقت أيضاً كان سيدنا إبراهيم عليه السلام نبياً رسولا .
وهذه أدلة قاطعة وثابتة وصريحة على أن الإمامة التي جعلها الله عز وجل
لسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد إتمامه كل هذه الاختبارات ليست النبوة و
ليست الرسالة ، وفي هذا رد صريح من القرآن الكريم على من يقول بأن
الإمامة هنا هي النبوة أو الرسالة ، فهو قول مخالف للقرآن الكريم .
==========
* قال الله عز وجل ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) *
( قوله تعالى: { إني جاعلك } أي مصيرك؛ وهي تنصب مفعولين؛ لأنها
مشتقة من «جعل» التي بمعنى «صيّر»؛ والمفعول الأول: الكاف التي في محل
جر بالإضافة؛ والمفعول الثاني: { إماماً }.) ـ تفسير العثيمين ـ
=========
* الجعل في الإمامة في الآية الكريمة هنا مثل الجعل في النبوة في قول الله
عز وجل على لسان سيدنا عيسى عليه السلام ( وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)) سورة
مريم ، ومثل الجعل في الرسالة في قول الله عز وجل على لسان سيدنا
موسى عليه السلام ( وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) ) سورة الشعراء .
فالنبوة والرسالة والإمامة هي باختيار واصطفاء وانتقاء من الله عز وجل .
وكل واحدة منها ليست بكسب الكاسب وليست باختيار وانتقاء من الناس .
==========
* ({ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى
سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل
أحد.
وهذه - لعمر الله - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمر
إليه العاملون، وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل
صديق متبع لهم، داع إلى الله وإلى سبيله.) ـ تيسير الكريم الرحمن في
تفسير كلام المنان ص 65 تأليف عبد الرحمن السعدي ـ
( وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم:"إني جاعلك للناس إماما"، إني مصيرك
تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي ، تتقدمهم أنت ، ويتبعون هديك ،
ويستنون بسنتك التي تعمل بها ، بأمري إياك ووحيي إليك....
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته
وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في
عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه
ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم،
كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي . ) ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( فاستحق بذلك عِظَم المنزلة ورفعة القدر بأن يكون إماماً يأتم ويقتدي به
الناس جميعاً .) ـ التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم ج 1 ـ
( ولهذا أكرمه الله تعالى بمقام الإمامة ، فكان عليه الصلاة و السلام إماماً
يدعو الناس إلى ملة التوحيد ونبذ الشرك ، ويقتدي به الصالحون . وكانت
إمامته عليه السلام مؤبدة ، إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته ، مأمور
باتباع ملته كما قال تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)( آل عمران ) .)
ـ الدرة في تفسير سورة البقرة تأليف ميادة بنت كامل الماضي ـ
( {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124] أي أن الحق تبارك وتعالى
أئتمنه أن يكون إماماً للبشر. . والله سبحانه كان يعلم وفاء إبراهيم ولكنه
اختبره لنعرف نحن البشر كيف يصطفي الله تعالى عباده المقربين وكيف
يكونوا أئمة يتولون قيادة الأمور )
ـ تفسير الشعراوي ج 1 ـ
( - و في هذه الآية قواعد - ...
الثانية : في قوله عز و جل لنبيه إبراهيم (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) والإمام
للناس هو الذي يتخذونه قدوة يقودهم إلى الله ، ويقدمهم على الخير وتكون
له القيادة ، ويكونون له تبعاً .
وليلاحظ نص القرآن فإنه لم يقل

بأن هذه الإمامة من فضل الله ، ليست من كسبه بسبب إتمام الكلمات ...
حتى لا يقعوا فيما يحرمهم من منصب الإمامة العظيم الذي هو أشرف
المناصب وأعلاها )
ـ صفوة الأثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم ج 2 عبد الرحمن
الدوسري ـ
(( قال إني جاعلك للناس إماماً ) ولم يقل فقال إني جاعلك ليدلنا على أن هذه
الإمامة بمحض فضل الله تعالى واصطفائه لا بسبب إتمام الكلمات )
ـ دعوة الرسل إلى الله تعالى تأليف محمد أحمد العدوي ـ
( ((جَاعِلُكَ)) يعني: إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))، قال أهل العلم : هذه أعلى
المقامات وأجل العطاء ، فمن سيأتي بعدك فأنت الإمام له في السير إلينا ،
حتى قال الله لنبيه عليه السلام: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [
النحل:123].)
ـ سلسلة محاسن التأويل درس رقم 8 ل صالح المغامسي ـ
( قَالَ شَيْخُنَا: وَلَمْ يَقُلْ: فَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ، لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِمَامَةَ بِمَحْضِ
فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى - وَاصْطِفَائِهِ لَا بِسَبَبِ إِتْمَامِ الْكَلِمَاتِ ...
وَيُرَبُّوهُمْ عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْهُ لِكَيْلَا يَقَعُوا فِيهِ فَيُحْرَمُوا مِنْ هَذَا الْمَنْصِبِ الْعَظِيمِ
الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْمَنَاصِبِ وَأَشْرَفُهَا )
ـ تفسير المنار ج 1 ل محمد رشيد رضا ـ
( ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين ، فإنه- عليه
السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم
على [ العموم ] بالإطلاق ، ولا قيل له ذلك )
ـ تفسير الراغب الأصفهاني ج 1 ـ
( قال أهل التحقيق ...
لأن الله تعالى ذكر لفظ الإمام ههنا في معرض الامتنان ، فلا بد وأن تكون تلك
النعمة من أعظم النعم ليحسن نسبة الامتنان )
ـ تفسير الفخر الرازي ج 1 ـ
( [ قال إني جاعلك للناس إماما ] أي قال له ربه : إني جاعلك يا إبراهيم قدوة
للناس ، ومنارا يهتدي بك الخلق )
ـ صفوة التفاسير للصابوني ج 1 ـ
( وينشئوا أولادهم على كراهته كيلا يقعوا فيه ويحرموا من هذا المنصب
العظيم الذي هو أعلى المناصب وأشرفها ) ـ حدائق الروح والريحان في
روابي علوم القرآن ج 2 ل محمد الأمين الهرري ـ
* المستفاد من هذه الأقوال حول الإمامة *
1 ـ أفضل درجة وأعلى مقام وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين
وأتباعهم .
2 ـ منزلة رفيعة وكرامة من الله عز وجل
3 ـ عِظَم المنزلة ورفعة القدر
4 ـ أكرمه الله تعالى بمقام الإمامة
5 ـ الإمامة بمحض فضل الله تعالى واصطفائه ولا تنال بكسب الكاسب
6 ـ أعلى المقامات وأجل العطاء
7 ـ نعمة من أعظم النعم
8 ـ الإمامة قيادة وتقدم وأمر بالاتباع والطاعة
9 ـ الإمامة منصب عظيم ، أعلى المناصب وأشرفها
==========
* ( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )
( قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته
وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في
عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه
ويقتدى بأفعاله وأخلاقه - : يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم،
كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي. مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها )
ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته )
ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
(( وَمِن ذُرّيَّتِى ) أي بعض ذريتي ، وهي الطيبة الطاهرة كما قال

كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) . فالإمامة إنما تجري في ذلك العرق الطاهر ، والنطفة
المطهرة إنما تجري في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات حتى ختم أحد
النورين الطاهرين في أحد الشعبين بعيسى كلمة الله وروحه ، وصدقت أمه
بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ، وختم النور الثاني المخفي في الشعب
الثاني بالمصطفى محمد فصدق بكلمات ربه يؤمن بالله وكلماته ، فتم لإبراهيم
بإتمام الله تعالى الكلمات التي ابتلي بها ، وجرت الإمامة في عقبه إلى يوم
يبعثون ) ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار ج 2 المؤلف محمد بن عبد
الكريم الشهرستاني المتوفى 548 هـ ـ
( قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك )
ـ التفسير الميسر ج 1 ـ
( فطلب إبراهيم من ربه أن يجعل من ذريته أئمة كذلك )
ـ التفسير المنتخب ـ
( فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذريته، لتعلو درجته
ودرجة ذريته ) ـ تفسير السعدي ج 1 ـ
( ولما رأى ابراهيم عليه السّلام انبساط ربه معه وإحسانه اليه واظهار الخلة
له قالَ وَاجعل يا رب مِنْ ذُرِّيَّتِي ايضا ائمة الى يوم الدين ) ـ الفواتح الإلهية
والمفاتيح الغيبية ج 1 للنخجواني ـ
===========
* ( قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )
( قال أبو جعفر: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي
به أهل الخير. وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه أن
يجعل من ذريته أئمة مثله. فأخبر أنه فاعل ذلك، إلا بمن كان من أهل الظلم
منهم، فإنه غير مُصَيِّره كذلك، ولا جاعله في محل أوليائه عنده ، بالتكرمة
بالإمامة. لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته، دون أعدائه والكافرين به
. ) ـ تفسير الطبري ج 1 ـ
( { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } إجابة إلى ملتمسه ، وتنبيه على أنه قد
يكون من ذريته ظلمة ، وأنهم لا ينالون الإمامة لأنها أمانة من الله تعالى
وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وإنما ينالها البررة الأتقياء منهم . ) ـ تفسير
البيضاوي ج 1 ـ
( لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته،
فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون، وأنه لا ينالهم عهد الله،
ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ) ـ تفسير ابن كثير ج 1 ـ
( لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرها، وحط قدرها، لمنافاة الظلم
لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على
جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل
السديدة، والمحبة التامة، والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟
) ـ
تفسير السعدي ج 1 ـ
( وفي قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) إجابة خفية لدعوته عليه السلام،
ووعد إجمالي منه تعالى بتشريك بعض ذريته بنيل عهد الإمامة، يفهم منها:
أن من ذريته فعلاً من سينال الإمامة، أما الظالمون منهم الذين ليسوا أبناءه
في الدين فلن ينالوا هذه الإمامة ) ـ تفسير محمد المقدم درس رقم 10 ـ
( أي سأجعل الصالحين من ذريتك أئمة أما الظالمون فإن عهدي لا ينالهم .)
ـ في رحاب التفسير عبد الحميد كشك ج 1 ـ
( وقد أجاب الله نبيه إبراهيم بقوله ( لا ينال عهدي الظالمين ) وهو وعد
ضمني بأن يجعل من ذريته أئمة للناس ولكن عهده بالإمامة لا ينال الظالمين
لأنهم ليسوا أهلاً لأن يقتدى بهم ) ـ دعوة الرسل إلى الله تعالى تأليف محمد
أحمد العدوي ـ
( أي أن ذريته سيكون منهم محسن، وسيكون منهم ظالم لنفسه، بالمعاصي،
فالمحسنون ينالهم عهدي، ويكون منهم أئمة يقتدى بهم، وأما الظالمون فلن
ينالوا إمامة في الدين من الله سبحانه وتعالى )
ـ زهرة التفاسير ج 1 المؤلف محمد أبو زهرة ـ
(( لا ينال عهدي ) أي بالإمامة ( الظالمين ) الكافرين منهم )
ـ الجواهر في تفسير القرآن الكريم ج 1 تأليف الشيخ طنطاوي جوهري ـ
==========
تعليق