بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السيد جعفر سيدان هو احد ابرز العلماء الذين تصدوا للمدارس المنحرفة وله عدد من الكتب والمقالات التي يسلط الضوء فيها على ضلالات المدارس العرفانية والفلسفية لذا سنقوم بعون الله بنشر عدد من كتابات الاستاذ السيد جعفر سيدان لإعلاء عقيدة الكتاب والعترة واتنصارا لمنهج الاطهار عليهم السلام.
ملاحظة: إن المقالات المنشورة للكتاب الذين تصدوا لدرء غائلة مروجي عقائد الملاحدة لاتعني الالتزام بكل مايتبناه الكاتب من اراء في المقال او في غيره ولاتعني الانتماء الى اي مدرسة او خط انما الانتماء الوحيد هو للإسلام الحقيقي المتمثل بالكتاب والعترة وهما الميزان في تمييز الاراء وإن كان لمن تصدى للرد على المنحرفين كلام يخالف الكتاب والعترة فلا اعتبار بما خالف الثقلين.
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السيد جعفر سيدان هو احد ابرز العلماء الذين تصدوا للمدارس المنحرفة وله عدد من الكتب والمقالات التي يسلط الضوء فيها على ضلالات المدارس العرفانية والفلسفية لذا سنقوم بعون الله بنشر عدد من كتابات الاستاذ السيد جعفر سيدان لإعلاء عقيدة الكتاب والعترة واتنصارا لمنهج الاطهار عليهم السلام.
ملاحظة: إن المقالات المنشورة للكتاب الذين تصدوا لدرء غائلة مروجي عقائد الملاحدة لاتعني الالتزام بكل مايتبناه الكاتب من اراء في المقال او في غيره ولاتعني الانتماء الى اي مدرسة او خط انما الانتماء الوحيد هو للإسلام الحقيقي المتمثل بالكتاب والعترة وهما الميزان في تمييز الاراء وإن كان لمن تصدى للرد على المنحرفين كلام يخالف الكتاب والعترة فلا اعتبار بما خالف الثقلين.

(نص المقال)
لا يخفى أهمية الفكر الصحيح والمعرفة الصحيحة، وأنهما من أهمّ ما يمتاز به الإنسان. وهنا نلقي نظرةً -وباختصار- حول ميزان المعرفة عند المدارس الفكرية البشرية، ثم نقارن بينها وبين الرؤية الصحيحة للمعرفة.ونبدأ في الحديث من نقطة مقبولة لدى كافة المدارس الفكرية المختلفة وهي أنّ التعقل والإدراك العقلي حجة وسند في الجملة، إلاّ أنّ المفكرين والمحققين في حقائق الوجود والكون قد اختلفت نظراتهم ومذاهبهم في تحصيل المعرفة الصحيحة حول موازين المعرفة.
(مذهب الماديين)
ميزان الوصول إلى الواقع والحقيقة عند هؤلاء الماديين ينحصر بكسب المعلومات عن طريق الحس والتجربة، ويرفضون كلّ المعارف الّتي لا تقوم على أساس الحس والتجربة.
وفي جواب هؤلاء نقول:
صحيح أنّ للحواس أهميةً بالغة للوصول إلى كثير من الحقائق حتى قيل: «من فقد حسًّا فقدْ فَقَدَ علماً» إلّا أنّ الأدلة الكثيرة دالة على بطلان هذا المذهب، نذكر بعضاً منها:
ألف: إنّ من الأمور البديهية والقطعية خطأ الحواس، والكل يعترفون بأنّ الحواس تُخطئ، وعلى هذا الأساس فلابد للحسّ من ميزان يُستطاع بذلك الميزان اكتشاف خطأ الحواس، فلا يمكن أن تكون الحواس هي الكل بالكل في ميزان المعرفة.
بـاء: إنّ القواعد والقوانين العامة والكلية في العلوم المختلفة، كالحساب والهندسة والطبيعيات وسائر العلوم مقبولة، ومما يؤمن به كافة العقلاء، ولا يختلف فيها اثنان، مع أنها كلية ولم تخضع جزئياتها للحسّ والتجربة، بل ولا ربط لها بالحواس.
(مذهب الصوفية)
في اعتقاد هؤلاء أنّ ميزان المعرفة والوسيلة الّتي يتم بها الوصول إلى الواقع هو الكشف والشهود، ويقولون: «إن قَدَم أهل الاستدلال من خشب»[1]، والمراد أنّ طريقة أهل الاستدلال العقلي صعبة لا تمكّن صاحبها من الوصول إلى الحقيقة والواقع. فهم لا ينكرون أن للتعقل قيمة في كثير من المسائل العادية، بل يعتقدون أن قسماً من حقائق الوجود المهمة لا يمكن فهمها إلاّ بالكشف والشهود؛ ولذا فهم يعتبرون أنّ أهل الاستدلال العقلي عاجزون، ويقولون: إنّ الطريق للوصول إلى الحقائق المهمة هو: «طورٌ وراء طور العقل».
وهذا المذهب أيضاً باطل وغير صحيح، وإن كان يمكن الوصول إلى الحقيقة في بعض الأحيان من خلال المكاشفة والمشاهدة، إلاّ أنه لا يمكن جعل ذلك ميزاناً للمعرفة، وذلك:
أولاً: أنّ كثيراً من المكاشفات بعضها يناقض بعضها الآخر، وليست لها نتيجة واحدة، بل هي متفاوتة من شخص إلى آخر ومن مكاشفة إلى أخرى. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تكون ميزاناً لتشخيص الصحيح من الغلط والحق من الباطل، بل هي محتاجة إلى ميزان يشخّص حق المكاشفة من باطلها.
ثانياً: من المحتمل أن تكون المكاشفة الّتي شاهدها الإنسان نتيجة للأعمال الرياضية الروحية الّتي يقوم بها صاحب المكاشفة ولا ربط لها بالواقع. وهذا الاحتمال وارد وقويّ. كما نشاهد بعض الاثار تحصل نتيجة لاستعمال بعض الأدوية، ولا تكون تلك الاثار انعكاساً عن الواقع وبياناً له.
ثالثاً: أنّ كثيراً من المكاشفات مخالفة للأمور اليقينية والقطعية. إذاً لا يمكن أن تكون المكاشفة ميزاناً للمعرفة. كما في مكاشفة محيي الدين بن عربي في الفص الداوودي من كتابه فصوص الحكم حيث يقول: «ولهذا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نص بخلافةٍ عنه إلى أحد ولا عيّنه؛ لعلمه أنّ في أمته من يأخذ الخلافة عن ربّه فيكون خليفة عن الله مع الموافقة في الحكم المشروع، فلما علم ذلك (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحجر الأمر». وقد علّق صاحب كتاب (مُمّد الهمم في شرح فصوص الحكم) ص 410، بعد شرحه للعبارة في الهامش بقوله: «لا شك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عيّن وصيًّا من بعده وهو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، كما أنه لا شك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُعيِّن خليفة حين ارتحاله وذلك لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما طلب قلماً وقرطاساً قال عمر: يكفينا كتاب الله وإنّ الرجل ليهجر، وانجر الأمر إلى النزاع والشجار وبحضور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما هو مفصل في كتب الفريقين، وفي نفس الوقت يعلم الرسول بوجود الخليفة بين الأمة وهو في الحقيقة خليفة له. وإذا أردنا الجمود على ظاهر اللفظ فاللازم أن نقول: إنّ الشيخ (ابن عربي) ليس معصوماً وقد صرّح في أوّل الكتاب بأنّي لست نبيًّا ولا رسولاً ولكني وارث وحارس لآخرتي، وحيث إنه ليس معصوماً ولا نبيًّا ولا رسولاً فقد وقع له الاشتباه في مكاشفته فكانت مكاشفته عن الله بحسب معتقده وسوابق أنسه وما ألِفه.
(مذهب الفلاسفة)
في الطريقة الفلسفية العقل وحده هو الميزان في معرفة الحقائق، وكلّ شيء خارج عن الاستدلال العقلي لا اعتبار به ولا يمكن قبوله حسب مذهب هؤلاء، فهو كالمذاهب السابقة ليس الميزان فيه الشرع وما جاء به الوحي نفياً ولا إثباتاً. وبعبارة ثانية: إنّ الفيلسوف يعتمد البرهان والاستدلال ولا يهمّهُ أن تكون النتيجة موافقة للشرع أم مخالفة له. وبالنسبة إلى الفلاسفة الإسلاميين سوف نتعرض وباختصار للحديث عنهم.
من جملة الإشكالات الواردة على الطريقة الفلسفية هو ما يقال من مقبولية العقل[2] لكل ما يدركه ويصل إليه، في حين أننا نجد -كما يعترف بذلك كثير من العقلاء وبشهادة اختلاف الفلاسفة في الأصول والمباني الأساسية للتعقل والتفكير الى حدّ التناقض والتضاد في أكثر المسائل المهمة كما هو واضح بمراجعة أي واحد من الكتب الفلسفية- أن العقل لا طريق له إلى كلّ المسائل والحقائق. والواضح من الأمور لدى العقل محدود، وكثير من المسائل المهمة لا وضوح فيها عقلاً.
وأيضاً كثير من المسائل غير الخارجة عن حدود العقل مكتنفة بالدقة العقلية، بمعنى أنّ وصول العقل إليها دقيق، بحيث كان كشفها وإدراكها نادراً لكبار الناس. والحاصل أنّ دائرة الاستفادة من العقل محدودة[3]، ولا يمكن الاستفادة منه في جميع مجالات المعرفة. إذاً لا يمكن جعله هو الميزان الأول والأخير.
فاختلاف وتضارب مباني ونظريات شيخ الإشراق وشيخ الفلاسفة ابن سينا وملا صدرا وباقي الفلاسفة في أكثر المسائل المهمة في الفلسفة -كالإرادة، والقدم، والحدوث، وفاعلية الذات المقدسة الإلهية، والحركة في الجوهر، واتحاد العاقل والمعقول، وأصالة الوجود، والتشكيك في الوجود، ووحدة الوجود، ومسألة الروح، وكيفية الحشر والمعاد، وغيرها من المسائل الفلسفية- أدل دليل على أنّ المذهب الفلسفي خَطِرٌ لا أمان فيه. ولا نريد بذلك عدم حجيّة العقل؛ فإنّ حجية العقل ثابتة ومما لا كلام فيها، وإنما نريد أن نقول: إنّ دائرة العقل محدودة، ولا يمكن مع هذه المحدودية الكشف عن كلّ المباحث والمسائل بشكل قطعي وبكامل الاطمئنان.
وعلى هذا الأساس فالأسلوب الصحيح للوصول إلى حقائق الوجود والكون هو الاعتماد على العقل في دائرة المستقلات العقلية، الّتي يتفق فيها عموم العقلاء، بعد الإيمان بالله جل وعلا ورسالة خاتم الأنبياء وما جاء به الوحي. بعد ثبوت ذلك بدليل هذا العقل الفطري فقد انفتح باب آخر صحيح لتحصيل الحقائق يوجب الاطمئنان واليقين وهو: التدبر والتعقل فيما جاء به الوحي، فما يتضح ممَّا جاء به الوحي بعد صحة الدليل سنداً ودلالة هو الحقّ والحقيقة، وإن لم ينتخب الإنسان هذا الطريق فاحتمال وقوعه في خطر الاشتباهات العظيمة قوي جدًّا.
وبما ذكرنا صرَّح المرحوم الشيخ الأنصارى (رحمه الله) في بحث القطع من كتاب الرسائل، بعد منعه المؤكَّد عن الاعتماد والاتِّكال على البراهين العقلية والأقيسة المختلفة في استنباط الأحكام، حيث قال:
«وأوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقلية النظرية لإدراك ما يتعلق بأصول الدين؛ فإنه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد. وقد أشير إلى ذلك عند النهي عن الخوض في مسألة القضاء والقدر».
وأجد من اللازم في هذا القسم من البحث أن أذكّر بأمور ثلاثة:
والجواب: أنّ قياس طريقة الفلاسفة مع طريقة الفقهاء قياس مع الفارق، وذلك للأسباب التالية:
أوّلاً: أنّ الفلاسفة يدَّعون القطع بالواقع والوصول إلى الحقيقة، ولكن مع ملاحظة اختلافهم الشديد فيما بينهم وملاحظة ما تقدم لا يمكن أن يحصل القطع من كلامهم[4]، بخلاف الفقهاء فإنهم لا يدَّعون القطع ولا يضر اختلافهم بمدَّعاهم؛ فإنهم يقولون: إنما يحصل لنا الاطمئنان من خلال الاستنباط بلا نفي لاحتمال مخالفة استنباطهم للواقع.
ثانياً: أنّ الفقهاء يعملون على أساس التكليف الشرعي، ومن المعلوم قطعاً ويقيناً هو وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة وأخبار العترة الطاهرة والتمسك بالثقلين، وإذا ما حصل الاشتباه في الاستنباط لهم فهم معذورون؛ وذلك لأنهم لا طريق لهم إلّا ذلك، بخلاف الفلاسفة فإنهم يدَّعون الوصول إلى الواقع، وحيث إنّ عملهم يرتبط بالمسائل العقائدية والمعارف الإلهية لابد وأن يكون أسلوبهم وطريقهم في ذلك يقينيًّا، وإذا ما حصل الاحتمال ولو واحد بالألف من أنّ هذا الطريق لا يوصل إلى الواقع فيلزم عليهم عقلاً أن يُعرضوا عنه، ولابد لهم من أن يلتزموا بالواقع على ما هو عليه من الإجمال والإبهام، بل اللازم قبول ما جاء به الوحي بعد الاعتقاد به.
في حين أنّ الفقهاء يقولون: «لا يجوز التقليد في أصول الدين».
فكيف يمكن التوفيق بين هذين الكلامين.
ونقول في الجواب: إنّ هذين المقالين لا تنافي بينهما -مضافاً إلى أنّ الاجتهاد في بعض الموارد يكون على أساس الأدلة النقلية كالمعاد والإمامة- لأنه ليس المقصود من عدم الاستدلالات العقلية في أصول الدين هو نفي المستقلات العقلية من الاستدلال؛ وذلك لوضوح حجية المستقلات العقلية وقطعيتها. وعلى هذا فلزوم الاجتهاد في أصول الدين يكون على معنيين:
ألف: أصول الدين على أساس المستقلات العقلية والعقل الفطري مثل مسألة التوحيد والنبوة.
بـاء: أصول الدين على أساس الأدلة المعتبرة من الوحي مثل مسألتي المعاد والإمامة.
وعلى أي حال فلا يجوز تقليد الآخرين في أصول الدين بل لابد من فهم المطالب بشكل واضح، والوصول إليها بواسطة العقل الفطري ولو من خلال الاستعانة بتذكير الآخرين. هذا فيما يرتبط بمسائل التوحيد والنبوة.
أو أن تُفهم المطالب في سائر المسائل من خلال الكتاب والسنة.
ضرورة القضية الفعلية
لوازم الاول والماهية
«قولنا المتصدين لمعرفة الحقائق وهم أربع فرق، لأنهم إما أن يصلوا إليها بمجرد الفكر، أو بمجرد تصفية النفس بالتخلية والتحلية، أو بالجمع بينهما. فالجامعون هم الإشراقيون، والمصفّون هم الصوفية، والمقصرون على الفكر إما يواظبون موافقة أوضاع ملة الأديان وهم المتكلمون، أو يبحثون على الإطلاق وهم المشاؤون. والفكر مشي العقل إذ الفكر حركة من المطالب إلى المبادي ومن المبادي إلى المطالب».
ولكنّ الفلاسفة الإسلاميين قد صرَّحوا مراراً أنّ الفلسفة الّتي على خلاف الشرع والشريعة مرفوضة، وأنّهم متعبدون بما تقتضيه الموازين الشرعية.
وتقول: إنّ هنالك جمعاً من الفلاسفة الإسلاميين الّذين لهم باع طويل واطلاع كامل في الأصول والمباني الفلسفية يستفيدون من الفلسفة فقط في خصوص المسائل الّتي لا ترتبط بالإسلام، أو الّتي توافق الدين، وأمّا المسائل الّتي لا تتطابق مع الدين والشريعة والمخالفة للموازين والأدلة الشرعية كاملاً، فإنّهم يتعبدون ويعتقدون بما جاء به الوحي.
2- نُقل عن المرحوم الشيخ الأنصاري -أعلى الله مقامه الشريف- أنه قال: «يلزم الابتعاد عن الاستدلالات العقلية في أصول الدين». 3- إنّ ما قيل من أنّ الفلاسفة لا يهمهم مطابقة ما يصلون إليه لما جاء به الوحي والأدلة الشرعية لا نفياً ولا إثباتاً إنّما هو بالنسبة إلى الفلاسفة غير الإسلاميين، أو أنّ المراد أنّ الطريقة الفلسفية بالمعنى الخاص للكلمة -في نفسها كذلك كما قال الفيلسوف الشهير الحاج ملا هادي السبزواري في شرح منظومته- قسم الفلسفة ص 68 حول هذه العبارة: مذهب الوحى ومدرسته
وفي الحقيقة هؤلاء العلماء مظهر العالم الرباني والفقيه في الدين.
وهنالك جمع آخر من الفلاسفة الإسلاميين مع تقيدهم بالإسلام إلّا أنّهم عملاً يتابعون في البحوث العلمية الأفكار والآراء للشخصيات والنوابغ البشرية، ويعتمدون عليهم في مختلف المسائل، وإذا ما كانت أفكارهم مخالفة للشريعة يسعون لتوجيه الشريعة وتأويلها بالشكل الّذي يحصل التوافق والانطباق بينهما كما ستأتي بعض الشواهد على ذلك.
(مذهب العرفاء والإشراقيين)
العرفاء والاشراقيون مع اختلافهم يشتركون في جهة واحدة وهي:
الجمع بين العقل والكشف، ويعطون لكلّ واحد منهما قيمة إلى حد ما، لا بمعنى أنه لابد من الجمع بين العقل والكشف في الكشف عن الحقائق في كلّ الموارد، بل بمعنى أنّه يصح عندهم انتخاب أي من الطريقين.
ولا يخفى ممّا تقدم بطلان هذا المذهب أيضاً وترد عليه الإيرادات والإشكالات الواردة على المذهب الثاني والثالث أيضاً.
وهؤلاء يؤلون ويوجهون الآيات والروايات أكثر من الفلاسفة ويتمسكون بالمتشابه من الآيات والروايات لأجل إثبات آرائهم ونظرياتهم.
(مذهب الوحي ومدرسته)
من خلال ما تقدم من مباحث نحصل على هذه النتيجة: أنّ الميزان في الكشف عن الحقائق هو العقل الفطري، وحسب الاصطلاح: العقل حجة قطعية في حدود المستقلات العقلية. وحينئذ عن طريق هذا العقل الفطري يصل الإنسان إلى طريق الوحي ومدرسته، ويعتقد بالله جل وعلا ورسالته في الحياة، وحينئذ سيكون الميزان هو مذهب الوحي، وعليه فلابد من التدبر فيه والاستفادة منه، نظير من يحمل شمعة يستضيء بنورها للبحث عن اللآلئ والجواهر النفيسة فيما بين الأحجار والأشواك في صحراء مظلمة وإذا به قد واجه منبعاً عظيم النور، فمن الواضح والبديهي أنه لابد وأن يستفيد منه أحسن ما يكون.
ولا يخفى أنّ من يعتمد ويستفيد من منبع الوحي سوف لا يواجه مطالب مخالفةً للعقل الفطري، وإذا وقع الاختلاف بين ما يُستفاد من القرآن والحديث وبين استدلالات الفلاسفة وغيرهم (الّتي يناقض بعضُها بعضاً) فمن البديهي تَقَدُّمُ ما يُستفاد من مدرسة الوحي، ولا يمكن توجيهه ولا تأويله على ما يقوله الفلاسفة وغيرهم؛ وذلك لاحتمال الخطأ في استدلال كلّ واحد منهم، بل من المحتمل خطأ مجموع استدلالاتهم الّتي تسمّى بالعقلية[5]. وقد أرشدنا القرآن إلى هذه الحقيقة وهي التعقل والتفكير والتمسك بالكتاب والعترة يعني مدرسة الوحي، وبذلك نطقت الأحاديث الشريفة أيضاً وسنشير إلى بعض منهما. ولا يخفى على القارئ الكريم أنّ هذه الشواهد الّتي سنذكرها إنما هي بعد الإيمان بالوحي بواسطة الدليل العقلي:
1- ﴿أَولَمْ يَتَفَكّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ الله السَّمواتِ والاَرْضَ وما بَيْنَهُما إِلّا بِالْحَقِّ وأَجَلٍَ مُّسَمَّىً وإِنَّ كَثِيْرَاً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُوْنَ﴾[6].
2- ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوْهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا﴾[7].
3- عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «حُجَّةُ الله عَلَى الْعِبَادِ النَّبِيُّ، وَالْحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ الله الْعَقْلُ»[8].
4- «.. يَا هِشَامُ مَا بَعَثَ اللَّـهُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلَى عِبَادِهِ إِلَّا لِيَعْقِلُوا عَنِ الله»[9].
5- «مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ أَزَالَتْهُ الرِّجَالُ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ زَالَتِ الْجِبَالُ وَلَمْ يَزُلْ»[10].
بعد هذه الموجز في بيان الميزان الصحيح للوصول إلى الحقائق نقارن بعض النتائج المستفادة من المنهج الصحيح، وهو التعقل والتدبر في مدرسة الوحي، مع ما تقوله المذاهب البشرية في ذلك.
يتبع..............
تعليق