تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}
وأتحدث في هذا السياق عن موقع الثورة الإسلامية في إيران وعن الكيان السياسي العالمي للجمهورية الإسلامية، والقيادة الفذّة الراشدة للإمام الخميني رحمه الله تعالى من خلال موقعها من هذه الخارطة السياسية لسنن الله تعالى في حياتنا المعاصرة.
وسوف يكون حديثي على شكل نقاط متسلسلة وليس على منهج البحث والشرح.
1 ـ عاش المسلمون فترة خمول وخمود وضياع في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين وقبلهما وبعدهما، واستمرّت هذه الفترة زمنا طويلا منذ أن استشرى الفساد في جسم الخلافة العثمانية إلى فترة قريبة عشناها من حياتنا المعاصرة.
2 ـ وفي هذه الفترة تغلغل الغرب في العالم الإسلامي ومارسوا سلطانا واسعا على العالم الإسلامي، بدأه باحتلال أجزاء واسعة من العالم الإسلامي، وممارسة واسعة لاستضعاف هذه الأمة وتشييد العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي على أساس نظام (الاستكبار والاستضعاف) الذي يرفضه الإسلام رفضا قطعيا.
وخلال هذه الفترة قام الغرب بشطريه، أوروبا وأمريكا، بنهب واسع لثرواتنا الأرضية وتهميش لثقافتنا الإسلامية، وبسط الثقافة الغربية المادية بشكل واسع في العالم الإسلامي.
فتحول العالم الإسلامي من موقع الريادة الحضارية والثقافية والاقتصادية والعسكرية التي أرادها الله تعالى لنا إلى موقع التبعية للمنظومة الاستكبارية الغربية ثقافيا وحضاريا وعسكريا واقتصاديا وعلميا.
3 ـ ثمَّ أذن الله لليل أن ينجلي فهبّ علماء ومصلحون وقادة في كل مكان من العالم الإسلامي من آسيا وأفريقيا، ومن الشيعة والسنّة، يطول بنا المقام لو أردنا أن نسمّي البارزين منهم... دعوا المسلمين إلى العودة إلى الإسلام، وإعادة الإسلام إلى مجاري الحياة، وإعادة ثقافة القرآن إلى صلب حياة المسلمين، وإزالة الثقافة الغربية الهجينة التي تغلغلت في أوساطنا الثقافية في العالم الإسلامي، ونشطت حركة الإصلاح والنهضة واليقظة عندنا، وضعفت الحركة المضادة لها في بسط النفوذ الغربي على المسلمين.
4 ـ وتعقب ذلك حركات وانتفاضات وثورات في العالم الإسلامي على النفوذ الغربي في العالم الإسلامي، وعلى عملاء الغرب في مواقع القرار والنفوذ، وعلى الأنظمة القائمة على الاستبداد السياسي والقمع الأمني.
ودخلت الأمة في مرحلة العمل والحركة لاستعادة قرارها وحقها في تقرير المصير، والاعتراض على الأنظمة العميلة المرتبطة بالاستكبار العالمي، وحدث هذا الأمر بشكل واسع في مختلف أقطار العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا.
5 ـ ثم أذن الله تعالى بعد هذا الإعداد الرباني للأمة الإسلامية، من مرحلة التوعية والتثقيف والإصلاح إلى مرحلة الحركة والانتفاضة والثورة للتغيير... أذن الله تعالى للزلزال الكبير أن يتحرك في العالم الإسلامي، ويغير ويبدل الأمور والثوابت رأسا على عقب، ويهدم الأسس والمعايير التي جاء بها الغرب إلينا بأسس ومعايير جديدة إسلامية، طالما حاربها الغرب وعمّالهم عندنا.
وكلمة الزلزال هنا دقيقة في الحالة الإسلامية الجديدة التي أذن الله تعالى بها في حياة المسلمين.
وللزلزال في حياة الأمة خط، كما في خط الزلزال في طبقات الأرض.
وكان خط الزلزال الثقافي ـ السياسي ـ الحركي العظيم يمتدّ إلى كل العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا.
وكانت نقطة البداية في هذا الزلزال إيران... البلد المعروف تاريخيا بولائه وإنتمائه إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وقاد هذا الزلزال حفيد من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله، الإمام روح الله الموسوي الخميني رضوان الله تعالى عليه، ومعه الشعب المسلم الإيراني الغيور الأبي الشجاع الواعي.
وأفلحت الثورة وحقّقت أهدافها المرحلية بالكامل.
6 ـ وكانت الثورة التي نهض بها الإمام الخميني صدمة كبيرة للمنظومة الاستكبارية الغربية بشطريها الأوروبي والأمريكي وعملائهما في المنطقة.
وشعرت أوروبا وأمريكا وعملائهما في المنطقة أن لهذا الزلزال شأناً مستقبلياً كبيراً وامتداداً طويلاً في العالم الإسلامي، ولا يتوقف عند إيران، وهو الشعور الذي كان يفتقده هنا الكثير من المسلمين، هذا أولا.
وشعروا ثانيا بأن هذا الزلزال لا يبقي ولا يذر شيئا من سلطانهم في العالم الإسلامي، ويعرّض كل مواقعهم ونفوذهم ومصالحهم للخطر الحقيقي.
فبدأوا بالتآمر الواسع على هذه الثورة الإسلامية النقيّة الصافية، ابتداءا من تحجيم الثورة بحدود الإقليم، وعزله عن العالم الإسلامي واستخدام كل الحواجز التي يملكها الاستكبار الغربي من الفتن الطائفية والحواجز القومية لعزل الثورة عن العالم الإسلامي، وتطويق إيران بحصارات إقتصادية وعسكرية وسياسية قوية.
فكانت فترة غربة صعبة إسلاميا وعالميا للجمهورية الإسلامية الفتيّة في إيران، عاشتها إيران سنين طويلة ضمن هذه الحصارات، وكان منها الحرب التي أشعلها نظام البعث ضد هذا الكيان السياسي الناشيء الفتي.
7 ـ ومضى أكثر من ثلاثين عاما على هذا الحصار السياسي الثقافي الاقتصادي الرهيب الذي وضعه الاستكبار العالمي وعملاؤه لإعاقة حركة الثورة الإسلامية وانطلاقها وامتدادها.
ولكن الغرب إن تمكّن من تعليق مؤّقت لحركة الزلزال العظيم فلا يتمكن من وقف هذه الحركة الربانية العظيمة، واحباطها. فهي مشيئة من مشيئة الله وإرادة لله تعالى الجبّار العزيز القوي المقتدر.
فقد تفجّرت الثورة في العراق في هذا الامتداد خلال هذه الفترة، وأسقطت عرش البعث، الذي كان يعلوه صدام وزمرته من حزب البعث.
وعاد مواقع الحكم في العراق إلى الناس، أصحاب القرار والحقّ الشرعي في الحكم.
وتفجّرت في لبنان على يد حزب الله، حيث أنزل بإسرائيل ضربتين قاصمتين خلال فترة زمنية قصيرة أسقطت هيبة إسرائيل العسكرية الأسطورية.
وتفجّرت في فلسطين بيد حماس ومعه شباب مؤمنون قاوموا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بشجاعة إيمان.
ثم انطلق الزلزال الرهيب الذي تفجّر في إيران قبل ثلث قرن، من جديد، في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن في مفاجئة أذهلت العقول التي ترسم إستراتيجية (الشرق الأوسط الجديد) في البيت الأبيض في واشنطن.
وأخذت تمتدّ وتتسع شرارة هذه الثورة، ولم تطل فترة ذهول حكّام البيت الأبيض، فبدأوا بالتخطيط لاحتواء هذه الثورة أولا، كما فعلوا في مصر واليمن وليبيا، والتعتيم الإعلامي عليها لغرض الإحباط ثانيا، كما فعلوا في البحرين، وركوب موجة الثورة ثالثا لتحقيق مشاريعهم السياسية، في الشرق الأوسط الجديد، كما فعلوا في سوريا.
ولكنّ يقظة الأمة الإسلامية، وحضورها الواعي في الساحة السياسية كانت أكثر وأقوى من المشاريع الاحتوائية والإحباطية والكيدية الأمريكية.
وذلك لأن هذه اليقظة والحضور يقعان في امتداد مشيئة الله تعالى وسننه والمشاريع الغربية الكيدية تقع في مواجهة المشيئة الإلهية.
فهذه الانطلاقة الجديدة للثورة الإسلامية في العالم الإسلامي، اذن، صحوة إسلامية حقّا، ويقظة للضمير المسلم صدقا، وانطلاقة لمشيئة الله تعالى في العالم الإسلامي، وهي أكثر وأوسع بكثير من أن تكون ربيعا عربيا فقط، فهي صحوة ويقظة إسلامية أوّلاً، وفصولنا كلها ربيع إن شاء الله تعالى بعد هذا التاريخ.
8 ـ وآخر نقطة أحب أن أسجلها في خارطة الطريق لسنن الله تعالى... أننا نعتقد أن هذا الزلزال الذي انطلق في إيران، فحاصره الاستكبار العالمي الغربي، ثم انطلق في العراق ولبنان وفلسطين وتونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن... وينطلق إن شاء الله تعالى في سائر أقاليم العالم الإسلامي... أقول: إن هذا الزلزال إعداد وتحضير وتوطئة ربّانية على وجه الأرض لظهور الإمام المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله، وانقلابه الكوني الكبير على وجه الأرض وهو الوعد الإلهي لعباده الصالحين في التوراة والزبور والقرآن، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}
وعلينا أن نفهم الأحداث التي جرت خلال هذه الفترة القصيرة، وتجري بهذه الرؤية الإسلامية الصافية، ضمن سنن الله تعالى في التاريخ والمجتمع، وأن نكون نحن بمستوى هذا التحضير الرباني الذي يجري في العالم الإسلامي لإعداد الأرض للانقلاب الكوني الكبير الذي يجري إن شاء الله تعالى بقيادة المهدي من آل محمد عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محمد مهدي الآصفي
في 9 رجب 1433
تعليق