مصر تنتظر اليوم أكثر القرارات القضائية خطورة:
هل تقلـب المحكمـة الدسـتورية المشـهد الانتخابي؟

هل تقلـب المحكمـة الدسـتورية المشـهد الانتخابي؟
محمد القزاز
يحبس المصريون أنفاسهم، بانتظار قرار المحكمة الدستورية، المتوقع صدوره اليوم، بشأن دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب وقانون مباشرة الحقوق السياسية، الذي من شأنه أن يقلب المشهد السياسي في مصر قبل يومين من انطلاق الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها الفريق أحمد شفيق، المهدّد بـ«العزل السياسي» في حال رفضت المحكمة الدستورية الطعن بـ«قانون العزل السياسي» باعتباره آخر رئيس للحكومة في عهد حسني مبارك، ورئيس «حزب الحرية والعدالة» محمد مرسي، وهو مرشح جماعة «الإخوان المسلمين»، المهددة أيضاً بخسارة مقاعدها في البرلمان في حال قضت المحكمة ببطلان قانون الانتخابات التشريعية.
وكانت هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا قد أعدت تقريراً قانونياً انتهت فيه إلى عدم دستورية بعض نصوص قانون العزل السياسي، والخاصة بحرمان من عمل مع نظام مبارك قبل عشر سنوات من يوم تنحي الرئيس المخلوع في 11 شباط العام 2011 من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات، لكن آراء قانونية أخرى توقعت رد الطعن المقدم ضد هذا القانون شكلاً باعتبار أن إحالته للمحكمة الدستورية لم يسلك الطريق القانوني الصحيح.
وفي حال قبول الطعن بعدم دستورية قانون العزل فمن شأن ذلك أن يسمح ببقاء شفيق في السباق الرئاسي. أما إذا رفض الطعن شكلاً، أو لأي سبب آخر، فإن ذلك يستتبع إبعاد شفيق من السباق، وإعادة الانتخابات الرئاسية من جديد، سواء بين المرشحين الاثني عشر الباقين، أو من خلال فتح باب الترشح مجدداً.
كذلك، أكدت هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية على ضرورة بطلان بعض نصوص قانون انتخابات مجلس الشعب والشورى، والخاصة بمنح الأحزاب حق تقديم مرشحين إلى المقاعد الفردية (ثلث مقاعد البرلمان) في حين أن تلك المقاعد يجب أن تكون مخصصة للمستقلين. وفي حال قبول الطعن فذلك يستوجب إعادة الانتخابات بالنسبة للمقاعد الفردية، أو حتى حل البرلمان وإجراء الانتخابات التشريعية من جديد.
وفي الحالتين، يترقب المصريون قرارات شديدة الحساسية من قبل المحكمة الدستورية، وهي تحمل سيناريوهات متعددة، وقد يترتب عليها تداعيات خطيرة، وهو ما يفسر الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها قوات الجيش والشرطة في محيط مقر المحكمة الدستورية، في ظل الدعوات للتظاهر هناك، ويفسر أيضاً قرار
وزير العدل إعطاء المخابرات العربية والشرطة العسكرية سلطة اعتقال مدنيين.
في مترو الأنفاق – وهي أسرع وسيلة للمواصلات في مصر- يعلو صوت أحد الركاب: «يا رب المحكمة بكرا تخلصنا من الهم اللي إحنا فيه، وتعزل شفيق وتعيد الانتخابات من جديد». ينظر الركاب إلى بعضهم البعض، كما لو أن ما قاله هذا الراكب، إشارة انطلاق لنقاش سياسي سريع.
المشهد في مترو الأنفاق، يتكرر في كل الشوارع والبيوت. في وسائل المواصلات العامة والخاصة، وفي لقاء الأصدقاء والغرباء...لا حديث في مصر إلا عن حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن المقدم ببطلان انتخابات مجلس الشعب بسبب السماح بترشح الأحزاب على المقاعد الفردية، وببطلان قانون مباشرة الحقوق السياسية المعروف إعلامياً بـ«قانون العزل السياسي»، بما يثير ذلك من تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة والأمور التي قد تترتب على الحكم في هذا الطعن أو ذاك.
ويقول أستاذ التشريعات في جامعة القاهرة، أحمد البرعي، لـ«السفير»: «إننا أمام خيارين سيئين، وكلاهما سيثير الكثير من المشاكل». ويوضح أن السيناريوهات المرتبطة بقانون الانتخابات تتلخص في احتمالين: الحكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب على غرار ما حدث في العام 1987، حين قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون الانتخابات، وللسبب ذاته الذي قدّم على أساسه الطعن الحالي، وهو السماح للحزبيين بالترشح للمقاعد الفردية المخصصة للمستقلين. أما الاحتمال الثاني، بحسب البرعي، فهو لا تحتمله الظروف السياسية الحالية، ويتلخص في «عدول المحكمة الدستورية عن الحكم الصادر في العام 1987.
أما بالنسبة إلى قانون العزل السياسي، يضيف البرعي، فإن الحكم بدستوريته، سيؤدي عملياً إلى اعتبار انتخابات الرئاسة باطلة، وهو ما يستتبع إعادة إجراء الانتخابات وفتح باب الترشيح من جديد لكل الناس.
من جهته، يؤكد المحامي في النقض محمد جنيدي، وهو عضو في مجلس الشعب عن «حزب الكرامة»، في حديث إلى «السفير» أن قانون العزل السياسي دستوري مئة في المئة، ولكن ربما نشهد تأجيلا للحكم.
ويوضح الجنيدي أن «اللجنة العليا للانتخابات لا يحق لها إرسال القانون إلى المحكمة الدستورية للنظر فيه، وهذا ما أشار إليه تقرير المفوضين» في المحكمة.
ومن المعروف أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قررت بداية رفض طلب ترشيح الفريق أحمد شفيق للرئاسة، بعدما أصدر مجلس الشعب قانون العزل. لكنها عدلت عن قرارها، في معرض ردها على التظلم الذي قدمه شفيق، فقررت قبول ترشيحه وإحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية للبت في شأنه.
وفي هذا الإطار، يقول الجنيدي إن «القانون لا يعرف إلا طريقا واحداً (لإحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية) وهو أن يتم عبر إحدى الدوائر القضائية، بحيث يُدفع أمامها بعدم دستورية نص قانوني، فتقوم الدائرة بإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، بعدما توقف النظر في الدعوى إلى حين فصل المحكمة الدستورية بالدفوع القانونية».
ويضيف «أمّا أن تقوم اللجنة الانتخابية بسلب اختصاصات المحاكم وتتعامل مع المحكمة الدستورية بطريقة لم يعرفها القانون المصري، فهذا أمر خطير». أما الأمر الأخطر، بحسب الجنيدي، فهو أن «قانون العزل» من حيث المبدأ يبقى نافذاً حتى تصدر المحكمة الدستورية، وهو أمر كان يتطلب شطب اسم شفيق من قائمة المرشحين حتى البت بالحكم. ولذلك، يرى الجنيدي إن «ثمة أزمة سيواجهها شعب مصر إذا رُفض الطعن من حيث الشكل، باعتبار أن هذا الرفض يعني أن شفيق «معزول»، وهذا ما يتطلب إعادة الانتخابات بين المرشحين الإثني عشر الباقين.
وفي ما يتعلق بقانون انتخابات مجلس الشعب، يرى الجنيدي أن الأمر يحتمل تكييفين في حال الحكم بعدم دستورية القانون: الأول، هو إعادة الانتخابات للمقاعد الفردية فقط، علماً أنها تشكل ثلث مقاعد مجلس الشعب، والثاني بطلان الانتخابات كلها، ما يستوجب إعادتها مرة أخرى.
أما الأمين العام لـ«الحزب الاشتراكي المصري»، أحمد بهاء شعبان، فيقول لـ«السفير» إن «ما تمر به مصر يعكس بوضوح المسار الخاطئ الذي أصرت عليه الجماعات الدينية والمجلس العسكري في إطار تقاسمها للسلطة، وهو ما أعادنا إلى المربع الصفر بعد عام ونصف العام من الثورة».
ويضيف «اعتقد جازماً أن يوم الخميس سيشهد بداية جديدة، لموجة جديدة من الصراع بين قوى لا يهمها سوى مصالحها الذاتية». ويتابع «في لحظة كهذه، قد تفاجأ هذه القوى بما لا يسرها أبداً... فالثورة الاجتماعية على الأبواب، ولا مانع لدينا أن يبقى المجلس العسكري في السلطة، والمهم هو إزاحة جماعات الإسلام السياسي التي كرهها الناس».
بدوره يقول «واعظ الثورة» هاني حنا عزيز لـ«السفير» إن ما يهمه من قرار المحكمة الدستورية هو أن يكون» الحكم عادلا». ويوضح عزيز أن «قانون الانتخابات التشريعية باطل لأنه جاء نتيجة أطماع بعض السياسيين... أما قانون العزل فليس من حق اللجنة الانتخابية أن تمتنع عن تطبيقه».
السفير
تعليق