بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في السابع والعشرين من رجب، من كل عام، يحتفل المؤمنون إحياءً لذكرى المبعث النبوي الشريف.. هذا اليوم الذي لا يعدّ يوما عظيماً للمسلمين فقط، بل هو يوم المنعطف الكبير في تاريخ البشرية.
لقد أعطت إنطلاقة الرسالة الإسلامية لمسيرة الانسان دفعة هائلة الى الامام والرقي. ل1ا لا ينكر احد ما شهدته حياة الانسان – بعد البعثة النبوية – من تحول عظيم في كل المجالات.
بهذه المناسبة العظيمة، نستضيفكم على مائدة المرجعية لقراءة بعض الكلمات الخاطفة عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من محاضرات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي دام ظله.
مع تحيات مكتب المرجعية
***
من وحي البعثة
إنّ البعثة النبوية المباركة تعطينا دروساً عديدة، علينا أن نتأمل في جوهرها ومضامينها، فمن هذه الدروس:
1- لابد من قراءة ودراسة البعثة النبوية الشريفة، وحياة الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) وسيرته ومشروعه الدعوي للأمة دراسة عميقة. فلا تقتصر دراستنا على مجرد شذرات من ولادة الرسول (صلى اللـه عليه وآله) ويوم بعثته، ويوم وفاته، بل لابد ان تتسع دائرة دراستنا كافة الابعاد السلوكية، والاخلاقية، والفكرية، في كافة مراحل دعوته المباركة، بل تستمر دراستنا ايضا لاستخلاص اهم الدروس من سيرة الائمة المعصومين (عليهم السلام) باعتبارهم المكملين لدور التوجيه والقيادة الربانية للأمــة.
فنحن قلما نجد خطباءنا، وكتابنا، وصحفينا، يسلطون الضوء الكاشف والكافي على سيرة الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) ويستخلصون الدروس المفيدة لواقع الحياة الاجتماعية، والسياسية، والثقافية للأمة.
2- لقد بُعث الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) وصدع بدعوته المباركة، لا لكي يغيّر ويصلح بعض الظواهر والاشكال والقشور، فلم تكن حركة الرسول (صلى اللـه عليه وآله) حركة اصلاحية ترميمية، بل كان دوره (صلى اللـه عليه وآله) دور البناء والمعمار الذي يبني البناء من الاساس ثم يرتقي لبناء الطوابق الاخرى. انه (عليه السلام) لم يهادن ولم يداهن الاعداء على حساب الدين وتعاليمه، فلذا لم يرض بأنصاف الحلول، كما يفعل البعض، فقد عرض بعض المشركين عليه (صلى اللـه عليه وآله) لكي يجمعوا في عبادتهم بين عبادة الاصنام والصلاة، فرفض (صلى اللـه عليه وآله) ان يرقّع في الدين وقيمه.
لقد أعاد الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) الانسان من جديد، وصاغه من جديد، لقد غيّر (صلى اللـه عليه وآله) ثقافته من الثقافة الجاهلية المقيتة إلى ثقافة ربانية رحبة، فصنع رجالاً كأبي ذر الغفاري الذي كان هو وقبيلتـه من قطاع الطرق، وحوّله إلى أصدق انسان، حتى قال (صلى اللـه عليه وآله) في حقه: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر" (بحار الأنوار، ج 22، ص 417) وكسلمان الفارســـي، حتى قال فيــه: "سلمان منا أهل البيت" (بحار الأنوار، ج 18، ص 19) وكذلك عمار بن ياسر، والمقداد الذي أضحى كزبر الحديد.
انه (صلى اللـه عليه وآله) استهدف حركة جذرية شاملة في الامة وفي مختلف الابعاد، فلذا لم يترك الامة في غياهب الأمور ومجاهيل القضايا، بل اعطى رؤى مناهج التحرك العملي على كافة الاصعدة والمجالات الحياتية، هذا ناهيك عن دعوة الامة لمعرفة أئمــة زمانهــم وقادتهم الميدانيين بعــد وفاتـه، وهمأ أهل البيت (عليهم السلام).
3- لقد صاغ (صلى اللـه عليه وآله) الانسان المسلم على أساس وقاعدة الايمان باللـه، عبر تقوية وربط العلاقة بين العبد والمولى، بين المخلوق الضعيف والقدرة اللامتناهية.
فالانسان المؤمن اذا تمكن أن يربط قلبه المتحول والمتأثر بدواعي الهوى والشك، بمقام العزة الالهية، فلا يمكن زعزعة كيانه او تحريفه، وهذا الأمر انتهجه الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) في سيرته لبناء اصحابه وحوارييه (رض).
روي عن أبي عبد اللـه (عليه السلام) قال: "استقبل رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك ؟ فقال: يا رسول اللـه مؤمن حقاً. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): لكل شيء حقيقة، فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول اللـه، عَزَفت نفسي عن الدنيا، فأسهرتْ ليلي، وأظمأتْ هواجري، وكأني أنظر الى عرش ربي [و] قد وضع للحساب، وكأني أنظر الى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، وكأني أسمع عواء أهل النار في النار. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): عبدٌ نوّر اللـه قلبه، أبْصَرْتَ فاثبُت. فقال: يا رسول اللـه ادع اللـه لي أن يرزقني الشهادة معك، فقال: اللـهم ارزق حارثة الشهادة. فلم يلبث إلاّ إياماً حتى بعث رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) سرية فبعثه فيها، فقاتل فَقَتَل تسعة - أو ثمانية - ثم قُتِل " (الكافي، ج 2 ، ص 54 ).
لقد طلب الحارثة من رسول الله أفضل دعاء، فكان صحابياً جليلاً وذكياً، وقد عرف كيف يستشعر خوف اللـه وحبه في قلبه، وكيف ينتخب ويختار الطريق القويم والسليم المؤدي اليه جل وعلا، وان يرغب في ان تكون حياته كلها في جنب اللـه، فلا يهمه أن تستمر أيام حياته أم تقل، وإنما المهم عنده (رض) هو أن تزداد معرفته في اللـه يوماً بعد آخر، ولذا اختار طريق الشهادة، ولانه كما يرى الطريق السهل والمضمون إلى الجنة من أن يبقى في الدنيا مع ابتلاءاتها وفتنها العديدة.
وبالفعل إستجاب اللـه لطلبه فخرج بعد عدة ايام مع سرية لحرب المشركين فاستشهد هناك (رض).
نتمنى لكم دوام التوفيق
مكتب سماحة المرجع المدرسي
كربلاء المقدسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في السابع والعشرين من رجب، من كل عام، يحتفل المؤمنون إحياءً لذكرى المبعث النبوي الشريف.. هذا اليوم الذي لا يعدّ يوما عظيماً للمسلمين فقط، بل هو يوم المنعطف الكبير في تاريخ البشرية.
لقد أعطت إنطلاقة الرسالة الإسلامية لمسيرة الانسان دفعة هائلة الى الامام والرقي. ل1ا لا ينكر احد ما شهدته حياة الانسان – بعد البعثة النبوية – من تحول عظيم في كل المجالات.
بهذه المناسبة العظيمة، نستضيفكم على مائدة المرجعية لقراءة بعض الكلمات الخاطفة عن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من محاضرات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي دام ظله.
مع تحيات مكتب المرجعية
***
من وحي البعثة
إنّ البعثة النبوية المباركة تعطينا دروساً عديدة، علينا أن نتأمل في جوهرها ومضامينها، فمن هذه الدروس:
1- لابد من قراءة ودراسة البعثة النبوية الشريفة، وحياة الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) وسيرته ومشروعه الدعوي للأمة دراسة عميقة. فلا تقتصر دراستنا على مجرد شذرات من ولادة الرسول (صلى اللـه عليه وآله) ويوم بعثته، ويوم وفاته، بل لابد ان تتسع دائرة دراستنا كافة الابعاد السلوكية، والاخلاقية، والفكرية، في كافة مراحل دعوته المباركة، بل تستمر دراستنا ايضا لاستخلاص اهم الدروس من سيرة الائمة المعصومين (عليهم السلام) باعتبارهم المكملين لدور التوجيه والقيادة الربانية للأمــة.
فنحن قلما نجد خطباءنا، وكتابنا، وصحفينا، يسلطون الضوء الكاشف والكافي على سيرة الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) ويستخلصون الدروس المفيدة لواقع الحياة الاجتماعية، والسياسية، والثقافية للأمة.
2- لقد بُعث الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) وصدع بدعوته المباركة، لا لكي يغيّر ويصلح بعض الظواهر والاشكال والقشور، فلم تكن حركة الرسول (صلى اللـه عليه وآله) حركة اصلاحية ترميمية، بل كان دوره (صلى اللـه عليه وآله) دور البناء والمعمار الذي يبني البناء من الاساس ثم يرتقي لبناء الطوابق الاخرى. انه (عليه السلام) لم يهادن ولم يداهن الاعداء على حساب الدين وتعاليمه، فلذا لم يرض بأنصاف الحلول، كما يفعل البعض، فقد عرض بعض المشركين عليه (صلى اللـه عليه وآله) لكي يجمعوا في عبادتهم بين عبادة الاصنام والصلاة، فرفض (صلى اللـه عليه وآله) ان يرقّع في الدين وقيمه.
لقد أعاد الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) الانسان من جديد، وصاغه من جديد، لقد غيّر (صلى اللـه عليه وآله) ثقافته من الثقافة الجاهلية المقيتة إلى ثقافة ربانية رحبة، فصنع رجالاً كأبي ذر الغفاري الذي كان هو وقبيلتـه من قطاع الطرق، وحوّله إلى أصدق انسان، حتى قال (صلى اللـه عليه وآله) في حقه: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر" (بحار الأنوار، ج 22، ص 417) وكسلمان الفارســـي، حتى قال فيــه: "سلمان منا أهل البيت" (بحار الأنوار، ج 18، ص 19) وكذلك عمار بن ياسر، والمقداد الذي أضحى كزبر الحديد.
انه (صلى اللـه عليه وآله) استهدف حركة جذرية شاملة في الامة وفي مختلف الابعاد، فلذا لم يترك الامة في غياهب الأمور ومجاهيل القضايا، بل اعطى رؤى مناهج التحرك العملي على كافة الاصعدة والمجالات الحياتية، هذا ناهيك عن دعوة الامة لمعرفة أئمــة زمانهــم وقادتهم الميدانيين بعــد وفاتـه، وهمأ أهل البيت (عليهم السلام).
3- لقد صاغ (صلى اللـه عليه وآله) الانسان المسلم على أساس وقاعدة الايمان باللـه، عبر تقوية وربط العلاقة بين العبد والمولى، بين المخلوق الضعيف والقدرة اللامتناهية.
فالانسان المؤمن اذا تمكن أن يربط قلبه المتحول والمتأثر بدواعي الهوى والشك، بمقام العزة الالهية، فلا يمكن زعزعة كيانه او تحريفه، وهذا الأمر انتهجه الرسول الاكرم (صلى اللـه عليه وآله) في سيرته لبناء اصحابه وحوارييه (رض).
روي عن أبي عبد اللـه (عليه السلام) قال: "استقبل رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك ؟ فقال: يا رسول اللـه مؤمن حقاً. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): لكل شيء حقيقة، فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول اللـه، عَزَفت نفسي عن الدنيا، فأسهرتْ ليلي، وأظمأتْ هواجري، وكأني أنظر الى عرش ربي [و] قد وضع للحساب، وكأني أنظر الى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، وكأني أسمع عواء أهل النار في النار. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): عبدٌ نوّر اللـه قلبه، أبْصَرْتَ فاثبُت. فقال: يا رسول اللـه ادع اللـه لي أن يرزقني الشهادة معك، فقال: اللـهم ارزق حارثة الشهادة. فلم يلبث إلاّ إياماً حتى بعث رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) سرية فبعثه فيها، فقاتل فَقَتَل تسعة - أو ثمانية - ثم قُتِل " (الكافي، ج 2 ، ص 54 ).
لقد طلب الحارثة من رسول الله أفضل دعاء، فكان صحابياً جليلاً وذكياً، وقد عرف كيف يستشعر خوف اللـه وحبه في قلبه، وكيف ينتخب ويختار الطريق القويم والسليم المؤدي اليه جل وعلا، وان يرغب في ان تكون حياته كلها في جنب اللـه، فلا يهمه أن تستمر أيام حياته أم تقل، وإنما المهم عنده (رض) هو أن تزداد معرفته في اللـه يوماً بعد آخر، ولذا اختار طريق الشهادة، ولانه كما يرى الطريق السهل والمضمون إلى الجنة من أن يبقى في الدنيا مع ابتلاءاتها وفتنها العديدة.
وبالفعل إستجاب اللـه لطلبه فخرج بعد عدة ايام مع سرية لحرب المشركين فاستشهد هناك (رض).
نتمنى لكم دوام التوفيق
مكتب سماحة المرجع المدرسي
كربلاء المقدسة