إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كلام الامام كاشف الغطاء في الدفاع عن الفلاسفة والحكماء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كلام الامام كاشف الغطاء في الدفاع عن الفلاسفة والحكماء



    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين

    الامام العلامة المجتهد الاكبر آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، الذي هو بلا غرو علم من اعلام الدين الشاهقة، وركن من اركان الامة الاسلامية، وهو العماد الاكبر في الجامعة الكبرى للشيعة الامامية.
    وقد سد فراغاً واسعاً لا يستهان به في التأليف والتصنيف وقضاء حوائج المؤمنين وانجاح مقاصدهم مع نشر العظات والنصائح العلمية والعملية والدعوة الاسلامية بالادلة والبراهين الحقة وكل ذلك خدمة للشريعة ونصرة للحق واذاعة للنصيحة وتفادياً للدين فله المنة الكبرى التي يلزم ذكرها ويجب شكرها على كل مسلم حي مثقف وشيعي متيقظ طامح.

    ترجمة الامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى (اضغط هنا)

    جاء في كتاب الفردوس الاعلى / المسائل القندهارية التالي:

    (السؤال السابع)

    الى سماحة شيخنا الحجة اطال الله بقاه ــ ما المراد من العقول العشرة وما هي تلك العقول نرجو من الطافكم ان تتفضلوا ببيان الجواب على نحو التصريح والتوضيح.

    (الجواب)

    اعلم اولاً ان المراد من العقول هي الموجودات المقدّسة والجواهر الخالصة المنزهة من شوب المادة والمادي والجسم والجسماني ومعروف ان العقل هو الجوهر المجرد في ذاته وفي فعله واتفق الحكماء بالأدلة والبراهين المحكمة كقاعدة امكان الأشرف وغيرها: ان العقول اوّل الموجودات ومبدأ الصوادر ووسائط الفيض، وذهب المشاؤون ــ وهم طائفة من الحكماء ورئيسهم المعلم الأول ارسطو(15) ــ الى حصر العقول الكلية في العشرة وليس المراد الكلي المفهومي بل الكلي الوجودي ويسمونه على اصطلاح الحكماء برب النوع.

    وبيان ذلك اجمالاً هو ان بحكم القاعدة المبرهنة في محلها وهي ان (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد ) لا بد وان يكون الصادر الأول من الواحد البسيط من جميع الجهات هو الواحد ولما كان الحق سبحانه واحداً من جميع الجهات وبسيطاً من كل الحيثيات فلا بد وان يكون الصادر الأول من ذاته الأحدية العقل الأول والأحاديث الشريفة عند الفريقين متواترة وفي كتاب (الكافي) وغيره من الجوامع الحديثية مروية من ان اول ما خلق الله العقل فقال له اقبل الخ(16)..، وهذا العقل الأول عبارة عن مرتبة العقل المحمدي (ص) ولهذا الجهة قال (ص) ان اول ما خلق الله نوري فلا تنافي بين هذين الحديثين، وهذا العقل الأول هو الذي يعبر عنه في لسان الشرع المقدس بالعبارات المختلفة فهو العقل الأول، والحقيقة المحمدية، ونور محمد وآله، ورحمته التي وسعت كل شيء وامثال ذلك، وهذا العقل وان كان واحداً ولم يصدر الا عن الواحد لكن لما كان ممكناً ومعلولاً وحادثاً ومتعدد الجهات والحيثيات اعتبر فيه ثلاث جهات.

    الأولى: من حيث نسبته الى علته يعني وجوبه الغيري.

    والثانية: من حيث ذاته ووجوده يعني وجوده الأمكاني.

    والثالثة: من حيث ماهيته وحقيقته يعني ماهيته الامكانية فتحصل فيه ثلاثة معان وجهات: وجوب، ووجود، وماهية، وبعبارة اخرى نور، وظلّ، وظلمة.

    فمن حيث تعلقه بمبدأه صدر منه العقل الثاني ونال فيض الوجود، ومن حيث تعقّله لوجود ذاته خلق نفس الفلك الأعلى ومن حيث تعقله لماهيته وحدّه وامكانه ــ وهذه الثلاثة عبارة عن معنى واحد ــ خلق جسم الفلك الأعلى وهكذا الكلام في العقل الثاني، وتلك الجهات والحيثيات الثلاثة فيه ايضاً موجودة فمن الجهة الأولى صدر العقل الثالث ومن الثانية خلقت النفس الفلكية للفلك الثاني ومن الجهة الثالثة خلق جسم الفلك الثاني وهكذا فهل جرّا الى العقل العاشر وهو آخر العقول ويقال له العقل الفعال وهو من جهة بعده عن مبدئه الأصلي وعلته الأولى ظهر فيه الضعف ومن جهة انه لما لم يكن فيه صلاحية الفيض لم يصدر عنه عقل ايضاً، ولكن بوجوده الأمكاني افيضت هيولي العوالم العنصرية من فلك القمر وما هو في ضمنه، وبوجوبه الغيري ووجوده افيضت النفوس والصّور على تلك الهيولي ولهذا قال بعض الحكماء انه فوّض للعقل الفعال ربوبية عالم العناصر, فصدر من كل واحد من تلك العقول عقل واحد وفلك واحد ونفس فلكية حتى تمّت العقول العشرة والأفلاك التسعة الحيّة بمعنى ان لها نفساً مدركة عالمة وبعض كلمات ارباب العصمة والطهارة (عليهم السلام) دالة على حياة الأفلاك بهذا المعنى فمن تأمل في دعاء(17) رؤية الهلال من ادعية زبور آل محمد ــ (ص) اعني الصحيفة السجادية (ع) ظهر له هذا المطلب غاية الظهور والوضوح.

    وليعلم ان الحكماء شرحوا هذه القضايا ونظموا هذه البيانات ونضدوها كنضد الدرر ولكن لم يذهبوا ــ معاذ الله ــ الى ان العقل الاول خالق للعقل الثاني والفلك الاول حتى يقال في حقهم أنهم يجعلون شريكاً للحق جل وعلى في الخلق والايجاد ــ حاشاهم ان يقولوا هذا، ولم يتفوه احد منهم بهذه المقالة الفاسدة والكلمة الفاضحة كيف وجميع طوائف الحكماء اتفقوا على انه(لا مؤثر في الوجود الا الله) بل مرادهم ان كل عقل بالنسبة الى الآخر واسطه للفيض ومعدّ للوجود له بمعنى ان الحق جل وعلا يفيض الوجود الى العقل الاول ابتداء والى العقل الثاني والفلك الاول ثانياً وبالواسطة كما أنكم تقولون في محاوراتكم ان من الاب والام خلق الولد والوالد علة لوجود الولد وليس المراد ــ والعياذ بالله ــ ان الوالد خالق للولد او مفيض الوجود للولد بل لا خالق ولا موجد الا الله تبارك وتعالى ولكن الشخص الذي هو عبارة عن زيد بن عمرو وهند لا يكون موجوداً بهذه الخصوصيات الا بعد وجود عمرو وهند، وهكذا العقل الثاني وجود واحد في مرتبة خاصة لا يكون موجوداً بهذه المرتبة من الخصوصية الا بعد العقل الاول فالعقل الاول له نحو اعداد لوجود العقل الثاني كمعدية وجود الآباء والاجداد في وجودي و وجودك.

    وبناءاً على مذهب المشائين الذي ذكرنا خلاصته العقول الكلية عندهم انما تكون طولية وليست هناك عقول عرضية كلية والعقول الكلية الطولية عندهم محصورة في العشرة، واما العقول الجزئية فهي غير متناهية وليس على هذا العصر برهان والبيان الذي ذكروه والتقريب الذي صدعوا به لا يفيد الحصر فان في المرتبة النازلة حيثيات و جهات متضاعفة من جهة تعدد الواسطة والوسائط، ولذا ينبغي الافصاح بان الحق في هذه المسألة هو مذهب الاشراقيين من الحكماء فانهم ذهبوا الى ان العقول الكلية الطولية و العرضية فضلاً عن العقول الجزئية غير متناهية وهذا موضوع واسع الاطراف، ومسألة في غاية الاحكام والمتانة وأقرب الى الشرع المقدس والصق بكلمات اصحاب الوحي والتنزيل واليق بعظمة الحق سبحانه وعدم تناهي قدرته وهي اسماؤه التي ملأت اركان كل شيء وفي دعاء مولانا الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه ) في أيام شهر رجب واوله (اللهم اني اسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك)(18)الى آخره اشارات، ورموز تحتها معادن، وكنوز، ودلالات لتلك المباني والمعاني.

    وشرح هذه المطالب والمذاهب وتنسيق تلك الحقائق والرقائق يحتاج الى افراد رسالة مستقلة في التأليف والترصيف ولا فسحة في المقام ولا وسعة لتلك التحقيقات الطويلة الذيل:

    شرح اين هجران واين خون جكر***اين زمان بكذار تا وقت ديكر

    وله الحمد والمنة اولاً وآخراً وبه المستعان وعليه التكلان.

    تعليقات السيد الشهيد القاضي

    (15) ارسطو (384 ــ 322ق م) خاتمة حكماء اليونان وسيد علمائهم واليه انتهت فلسفتهم ويلقب بالمعلم الأول لأنه اول من جمع علم المنطق ورتبه وخلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية ويسمى اتباعه بالمشائين.

    وذكروا في وجه تسميتهم: ان استاذه افلاطون الحكيم كان يدرس تلاميذه وهو ماش احتراماً للفلسفة وتقديساً لها، او انهم كانوا يمشون في ركاب ارسطو، او ان هذا الأسم رمز الى المشي الفكري في تحصيل العلوم، الى غير ذلك مما قالوا او تخيلوا في وجه هذه التسمية، ولكن المنقول عن بعض الكتب الغربية: ان في سنة احدى وثلاثين وثلاثمائة قبل الميلاد ورد ارسطو الحكيم اليوناني الى بلدة (آثنية) وكان حول البلدة محل للتفرج يسمى (ليكيون) وبنى هذا الحكيم فيه مدرسة وسميت بأسم المحل وقالوا لها مدرسة (ليكيون) ثم سميت هذه المدرسة باليوناني مدرسة التفرج والتنزه والحكماء التابعون لآراء ارسطو كانوا ساكنين في تلك المدرسة فنسبهم الناس اليها فقالوا (طائفة المشائين والمتفرجين) وقالوا لأرسطو وهو زعيم المدرسة: رئيس المشائين. بيد ان نقلة الكتب اليونانية الى العربية لعدم تحريهم الصادق في تأريخ اليونانيين غفلوا عن حقيقة الأمر في وجه هذه التسمية فتخيلوا ما هو المشهور الى اليوم. وقد كتبنا ذلك في بعض ملاحظاتنا في مجلة (العرفان) الزاهرة ج10 ــ مج39 ص ــ 1247ط صيدا.

    (16) روى ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) باسناده عن سماعة بن مهران قال: كنت عند ابي عبد الله (ع ) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال ابو عبد الله (ع ) : اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت جعلت فداك لان نعرف الا ما عرفتنا، فقال ابو عبد الله (ع ) : ان الله عز وجل خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: ادبر، فأدبر ثم قال له: اقبل فأقبل الى آخر الحديث الشريف، انظر كتاب العقل والجهل من الجامع الكبير (الكافي) وهو الحديث الثالث عشر منه وتأمل فيه.

    (17) دعاء ــ 43 ــ من ادعية الصحيفة السجادية (ع ) فلاحظ وتأمل.

    (18) رواه شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي (قدس سره) ــ شيخ الأمامية منذ زمنه الى اليوم ــ في كتابه (مصباح المتهجدين) قال: اخبرني جماعة عن ابن عياش قال مما خرج على يد الشيخ الكبير ابي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد من الناحية المقدسة ما حدثني به خير بن عبد الله قال كتبته من التوقيع الخارج اليه الخ.


  • #2
    (السؤال الثامن)

    المرجو من سماحة حجة الاسلام ــ أدام الله تعالى ظله ان يتفضل ببيان المراد في قولهم (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد).

    (الجواب)

    هذه القاعدة الجليلة هي من مهمات المسائل الحكمية وامهاتها وان ناقش فيها بعض الحكماء والاكابر من المتقدمين والمتأخرين، ولكن حقاً اقول ان التوحيد الحق لحضرة الحق جل وعلا وما يليق بوحدانية ذاته المقدسة الاحدية بل اصل وجوب الوجود للواجب تعالى شأنه لا يتم الا بهذه القاعدة.

    وبيان ذلك على سبيل الاجمال والاختصار ان حضرة الحق سبحانه لا بد ان يكون احديُّ الذات احديُّ الصفات فانه ان لم يكن كذلك يلزم التركيب والتركيب ملازم للامكان والامكان يطارد الوجوب ولا يجتمع معه فلو كانت فيه حيثيتان متبائنتان لكان مركباً ولو كان مركباً لكان ممكناً ولو كان ممكناً لم يكن واجباً وهذا خلف.

    وهنا قاعدة اخرى يطابقها البرهان ويساعدها الوجدان وهي ان بين كل علة ومعلول لا بد ان تكون سنخية واسبة بمعنى ان تكون بينهما جهة وحيثية وبتلك الجهة والحيثية يصدر هذا المعلول من تلك العلة فان لم يكن بينهما السنخية والاقتضاء الخاص يلزم ان يؤثر كل شيء في كل شيء ومعروف انه لولا السنخية بين العلة والمعلول لزم تأثير كل شيء في كل شيء فان صح هاتان القاعدتان واذعنا بتصديقهما فنقول حينئذ ان صدر شيئان متبائنان من جميع الجهات والحيثيات من واحد بسيط من جميع الجهات والحيثيات بحيث لا يتعقل فيه حيثية دون اخرى وجهة دون جهة يلزم اما بطلان القاعدة الاولى او الثانية لان هذين المعلولين المتبائنين ان صدرا من حيثيتين متبائنتين لزم التركيب في العلة وانقلب الواجب ممكناً وان صدر المعلولان المتبائنان من تلك العلة البسيطة التي ليست فيها حيثيات متغايرة وجهات متعددة اصلاً وابداً فلا بد حينئذ من صدور احدى الحيثيتين الذاتيتين بمعنى ان تمام ذات العلة البسيطة تقتضي وتستدعي وجود ذلك المعلول وحينئذ فاما ان لا يصدر منه معلول آخر فيثبت المطلوب من ان الواحد لم يصدر عنه الا واحد، واما ان يصدر عنه معلول آخر فيلزم عدم السنخية والاقتصاء الخاص بين العلة والمعلول بمعنى انه يلزم صدور المبائن عن مبائنه وهذا مستحيل لضرورة العقل.

    فملخص البرهان على صحة هذه القاعدة انه ان صدر من واحد غير الواحد يلزم اما التركيب في ذات الواجب فيكون ممكناً واما عدم السنخية بين العلة والمعلول وكلاهما باطلان بضرورة العقل فصح ان الواحد لا يصدر عنه الا الواحد.

    وهذا البرهان بهذا النحو من البيان والسهولة والاختصار لم اقف عليه في محل، والبراهين التي ذكرها القوم فيها تطويلات وتفصيلات لا يفهم منها شيء الا بعد الف ليت ولعل.

    ولا بد وان يعلم اني لا استحسن ان يسأل مني نظائر هذه الاسئلة فانه مضافاً الى ان هذه المعاني لا يتحملها خصوص اذهان العوام ولا ينتفع منها اغلب الانام ان اذهان اكثر الطلاب والناشئة المنتمين للعلم ايضاً لا تتحملها ولا تسعها ولا يصلون الا لباب نكات معانيها واسرار دقائق مطاويها ويمكنني أن ادّعي انّي لم اراجع امثال هذه المطالب والمسائل منذ خمس عشرة سنة بل انحصر عملي واشتغالي بفقه آل محمد (ص) فان عرض لي صدفة امثال هذه الاسئلة والبحوث والمطالب افصح عنه واكتب من بقايا تلك المكنونات المغروسة في الضمير وما اختمر من تلك المطالب في الفكر من دون تجديد مراجعة حتى الى المختصرات فضلاً عن المطولات واغلب المطالب الحكمية والبحوث القيمة التي لها نفع في اصول الدين وتبتنى عليها العقائد الحقّة اوردناها بأحسن بيان واوفى برهان في كتابنا (الدين والاسلام) فان رجع اليه اهل الفضل واولى النجدة والكمال وجدوا في ذلك السفر الجليل فلسفة وثيقة وكنوزاً من العلوم الجمة وفيه ضالتهم المنشودة وما الثقة الا بالله وما المستعان الا به.

    (دفع وهم) اني بعدما اقمت البرهان على صحة قاعدة (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد) خلج ببالي وخطر في ضميري انه من الممكن ان يقع في ذهن بعض الناس في زمرة الخواطر والاوهام انه يلزم على هذا ان تصدر هذه الممكنات والموجودات التي لا تعد ولا تحصى من غير الحق جل شأنه فلا بد حينئذ اما من الالتزام ــ العياذ بالله ــ بالشريك للحق سبحانه في الخلق والايجاد وامّا القول ببطلان القاعدة المذكورة.

    ودفع هذا التوهم بأنه مع القول بان الواحد لا يصدر عنه الا الواحد نقول ايضاً ان جميع الموجودات والكائنات من عالم النفوس والاملاك والافلاك والعناصر جزئية وكلية بكافتها من اولها الى آخرها صادرة عن حضرة الحق جل جلاله وقد اشرنا فيما سبق بأن لا مؤثر في الوجود الا الله وهذه الكثرة ليست منافية للوحدة بل الكثرة مؤكدة للوحدة [وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ] ولكن لمسألة صدور الكثرة عن الوحدة وربط الحادث بالقديم مباحث مفصلة ومسائل متنوعة وهي من معظم المسائل الحكمية وصنف الحكماء في خصوصها كتب ورسائل مستقلة وهي تبتني على مقدمات كثيرة ولا يسع المقام لذكر واحد منها فضلاً عن جميعها ولكن نشير اجمالاً الى محصلها او نتيجة تلك المقدمات هي ان الصادر الواحد الذي نعبر عنه بالنفس الرحماني، ورحمة التي وسعت كل شيء، والحق المخلوق به، هو هذا الواحد الجامع لجميع الوجودات والموجودات كلها ما هي الا واحد صدر من واحد ولكن مع وحدته وتمام بساطته محيط ومستوعب لجميع الموجودات من العقل العلوي الى العالم السفلي ومن العقل المجرد الى الهيولي العنصري والكثرات الواقعة في البين كلها عرضية وموجودة بالتبع ومنتزعة من الحدود والاعتبارات للوجود، فالوجود للوجود والعدم للعدم وكل شيء يرجع الى اصله ــ وكل شيء هالك الا وجهه ــ ووجه وجود الواجب وجودات امكانية معلولة ووجه العدم ماهيات اعتبارية كما قلنا في ما سبق انه نور وظل وظلمة.

    فالواحد لم يصدر عنه الا الواحد ولكن في هذا الوجه الواحد كل الكثرات ولا خالق ولا موجد الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله، وجميع الموجودات باتحادها صارت موجودة بنحو جامع للكثرة وحافظ للوحدة وليس التوحيد الكامل الا بأن ترى الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة:

    همه عالم صداية نغمة اوست***كه شنيداين جنين صداي دراز

    وهذا الوجود الممتد الساري والمستوعب الذي اشرق على ظلمات الماهيات وهياكل الممكنات هو الواحد الجامع للكثرات وهو وجه الواحد الاحد الباقي ببقائه الدائم بدوامه، وانما الفناء والتغيرات للحدود والاعدام والوجود يستحيل ان يقبل ضده.

    قرنها بر قرنها رفت أي همام***واين معاني بر قرار وبر دوام

    شد مبدل آب اين جوجندبار***عكس ماه وعكس اختر بر قرار

    فيا أيها الاخوان: هذه المطالب والحقائق الشامخة والمباحث السامية ليست وليدة الاهواء والميول وان فرض انها من ميول النفس وهواها فقد كفى هذا، وما كان يخطر في مخيلتي ذكرها بهذا المقدار ايضاً ولكن اندفعت بحكم ضميري وجرى على قلمي ومحط نظري وعمدة قصدي انما هو التنبيه على انه اياك وسوء الظن في حق الحكماء الشامخين والعلماء الراسخين خصوصاً بحكمائنا الاسلاميين،

    واياك والمبادرة الى التفسيق مثل بعض الناس ممن لا يفهم مرادهم ولا يصل الى مغزى مقاصدهم ومطالبهم فيتسرع الى التجوال في ساحة الطعن والا يراد مع الذهول والغفلة عن المراد.


    وحقّاً أقول ان الرشاد والكمال العبقرية والمهارة انما هو في فهم كلمات العلماء والاكابر وفهم بحوثهم النظرية ومطالبهم العلمية من حيث المراد مع التعمق وتحصيل الاستعداد لا التشنيع والايراد، فان ذلك من دأب القاصرين وعادة الجاهلين.

    واعلموا بالقطع واليقين ان اغلب مطالب الحكماء بل جميعها مأخوذة من كلمات ارباب الوحي وامناء العصمة (عليهم السلام) وقد بيّن جميع هذه المطالب مولانا سيّد العارفين والموحدين امير المؤمنين(ع) في طيّ خطبه المباركة وتضاعيف كلماته الشريفة التي جمعها سيدنا الشريف الرضي (رضوان الله عليه) في كتاب (نهج البلاغة) وغيره وفي كلماته التي انشأها(ع) في ضمن ادعيته المباركة، ولكن اين من يفهم هذه الحقائق والدقائق وتلك النكات والرقائق. والظاهر بل اليقين ان اقوى المساعدات وأعد الاسباب والموجبات للوصول الى مقاصد امناء الوحي وكلمات الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) انما هو فهم كلمات الحكماء المتشرعين وكان من السابقين الاولين من اولياء الدين اناس ادركوا فيض حضورهم ووصلوا الى السعادة ونالوا الشرافة والكرامة كسلمان المحمدي الفارسي وابي ذر الغفاري واضرابهم من الملازمين لبيت النبوة والواصلين ببركة ملازمتهم لمعادن العلم وخزان الحكمة الى مرتبة صاروا بها في غنى عن الصناعات العلمية والقواعد الرسمية ووصلوا الى النتيجة من اقرب الطرف واسهلها واكمل السبل واشرفها.

    فمن اراد الخوض في تلك المطالب الحكمية والغوص في بحار المباحث العلمية فاللازم له اخذها وتعلمها من اساتذة الفن واكابر الصناعة والتلمُّذ لديهم والتعلم منهم مدة طويلة وسنين عديدة كما هو الشأن في تعلم كل علم وصناعة ولا يكتفي بمحض المطالعة ومجرد النظر في كتب القوم ومؤلفات الحكماء كما هو دأب بعض الناس وديدن كثير من الاشخاص من دون ان يتلمذ عند استاذ والا فلا محيص له الا ان يضل عن الطريق ولا محالة يقع في احدى المفسدتين ويتورط في احدى المهلكتين اما الوقوع بنفسه في الكفر او تكفير قوم بغير حق.

    وقد رأيت في خلال هذه الايام رسالة خطّية الفها احد الاعاظم من العلماء المعاصرين وقد توفى في هذه السنة وكان موضوع تلك الرسالة ابطال هذه القاعدة اعني ((الواحد لا يصدر عنه الا الواحد)) واورد فيها بزعمه ايرادات كثيرة على الحكماء فطالعتها برهة وقرأتها مدة فرأيت ان هذا الرجل الجليل تحمل المشقات الكادحة واتعب نفسه في ايراد المناقشات والطعون والايرادت وليته تحمل تلك المشقات والرياضات ولا اقل من صرف بعض تلك المشاق في فهم كلمات الحكماء وتفهّم مرادهم من ــ هذه القاعدة ــ ولم يقع في ورطة الايراد والأشكال وقلت لتلميذ هذا الرجل الجليل وقد كنت رأيت تلك الرسالة المؤلفة عنده الأحسن ان لا تنشروا هذه الرسالة واحفظوا كرامة استاذكم.

    وما الفضل الا بالله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      أحسنتم مولانا... موضوع قيم جدا.

      و قد عبر هذا العالم الفذّ عما نريد قوله بأجود البيان و أحسنه، فلا داعي لأن نضيف حرفاً واحداً، بل أكتفي بدعوة إخوتي المؤمنين إلى التأمل في ما ورد في الموضوع جيداً قبل الوقوع في المحذور والعياذ بالله.

      رحمة الله عليه رحمة واسعة.

      و آجركم الله على النقل المميز.



      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X