اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين
الامام العلامة المجتهد الاكبر آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، الذي هو بلا غرو علم من اعلام الدين الشاهقة، وركن من اركان الامة الاسلامية، وهو العماد الاكبر في الجامعة الكبرى للشيعة الامامية.
وقد سد فراغاً واسعاً لا يستهان به في التأليف والتصنيف وقضاء حوائج المؤمنين وانجاح مقاصدهم مع نشر العظات والنصائح العلمية والعملية والدعوة الاسلامية بالادلة والبراهين الحقة وكل ذلك خدمة للشريعة ونصرة للحق واذاعة للنصيحة وتفادياً للدين فله المنة الكبرى التي يلزم ذكرها ويجب شكرها على كل مسلم حي مثقف وشيعي متيقظ طامح.
ترجمة الامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى (اضغط هنا)
جاء في كتاب الفردوس الاعلى / المسائل القندهارية التالي:
(السؤال السابع)
الى سماحة شيخنا الحجة اطال الله بقاه ــ ما المراد من العقول العشرة وما هي تلك العقول نرجو من الطافكم ان تتفضلوا ببيان الجواب على نحو التصريح والتوضيح.
(الجواب)
اعلم اولاً ان المراد من العقول هي الموجودات المقدّسة والجواهر الخالصة المنزهة من شوب المادة والمادي والجسم والجسماني ومعروف ان العقل هو الجوهر المجرد في ذاته وفي فعله واتفق الحكماء بالأدلة والبراهين المحكمة كقاعدة امكان الأشرف وغيرها: ان العقول اوّل الموجودات ومبدأ الصوادر ووسائط الفيض، وذهب المشاؤون ــ وهم طائفة من الحكماء ورئيسهم المعلم الأول ارسطو(15) ــ الى حصر العقول الكلية في العشرة وليس المراد الكلي المفهومي بل الكلي الوجودي ويسمونه على اصطلاح الحكماء برب النوع.
وبيان ذلك اجمالاً هو ان بحكم القاعدة المبرهنة في محلها وهي ان (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد ) لا بد وان يكون الصادر الأول من الواحد البسيط من جميع الجهات هو الواحد ولما كان الحق سبحانه واحداً من جميع الجهات وبسيطاً من كل الحيثيات فلا بد وان يكون الصادر الأول من ذاته الأحدية العقل الأول والأحاديث الشريفة عند الفريقين متواترة وفي كتاب (الكافي) وغيره من الجوامع الحديثية مروية من ان اول ما خلق الله العقل فقال له اقبل الخ(16)..، وهذا العقل الأول عبارة عن مرتبة العقل المحمدي (ص) ولهذا الجهة قال (ص) ان اول ما خلق الله نوري فلا تنافي بين هذين الحديثين، وهذا العقل الأول هو الذي يعبر عنه في لسان الشرع المقدس بالعبارات المختلفة فهو العقل الأول، والحقيقة المحمدية، ونور محمد وآله، ورحمته التي وسعت كل شيء وامثال ذلك، وهذا العقل وان كان واحداً ولم يصدر الا عن الواحد لكن لما كان ممكناً ومعلولاً وحادثاً ومتعدد الجهات والحيثيات اعتبر فيه ثلاث جهات.
الأولى: من حيث نسبته الى علته يعني وجوبه الغيري.
والثانية: من حيث ذاته ووجوده يعني وجوده الأمكاني.
والثالثة: من حيث ماهيته وحقيقته يعني ماهيته الامكانية فتحصل فيه ثلاثة معان وجهات: وجوب، ووجود، وماهية، وبعبارة اخرى نور، وظلّ، وظلمة.
فمن حيث تعلقه بمبدأه صدر منه العقل الثاني ونال فيض الوجود، ومن حيث تعقّله لوجود ذاته خلق نفس الفلك الأعلى ومن حيث تعقله لماهيته وحدّه وامكانه ــ وهذه الثلاثة عبارة عن معنى واحد ــ خلق جسم الفلك الأعلى وهكذا الكلام في العقل الثاني، وتلك الجهات والحيثيات الثلاثة فيه ايضاً موجودة فمن الجهة الأولى صدر العقل الثالث ومن الثانية خلقت النفس الفلكية للفلك الثاني ومن الجهة الثالثة خلق جسم الفلك الثاني وهكذا فهل جرّا الى العقل العاشر وهو آخر العقول ويقال له العقل الفعال وهو من جهة بعده عن مبدئه الأصلي وعلته الأولى ظهر فيه الضعف ومن جهة انه لما لم يكن فيه صلاحية الفيض لم يصدر عنه عقل ايضاً، ولكن بوجوده الأمكاني افيضت هيولي العوالم العنصرية من فلك القمر وما هو في ضمنه، وبوجوبه الغيري ووجوده افيضت النفوس والصّور على تلك الهيولي ولهذا قال بعض الحكماء انه فوّض للعقل الفعال ربوبية عالم العناصر, فصدر من كل واحد من تلك العقول عقل واحد وفلك واحد ونفس فلكية حتى تمّت العقول العشرة والأفلاك التسعة الحيّة بمعنى ان لها نفساً مدركة عالمة وبعض كلمات ارباب العصمة والطهارة (عليهم السلام) دالة على حياة الأفلاك بهذا المعنى فمن تأمل في دعاء(17) رؤية الهلال من ادعية زبور آل محمد ــ (ص) اعني الصحيفة السجادية (ع) ظهر له هذا المطلب غاية الظهور والوضوح.
وليعلم ان الحكماء شرحوا هذه القضايا ونظموا هذه البيانات ونضدوها كنضد الدرر ولكن لم يذهبوا ــ معاذ الله ــ الى ان العقل الاول خالق للعقل الثاني والفلك الاول حتى يقال في حقهم أنهم يجعلون شريكاً للحق جل وعلى في الخلق والايجاد ــ حاشاهم ان يقولوا هذا، ولم يتفوه احد منهم بهذه المقالة الفاسدة والكلمة الفاضحة كيف وجميع طوائف الحكماء اتفقوا على انه(لا مؤثر في الوجود الا الله) بل مرادهم ان كل عقل بالنسبة الى الآخر واسطه للفيض ومعدّ للوجود له بمعنى ان الحق جل وعلا يفيض الوجود الى العقل الاول ابتداء والى العقل الثاني والفلك الاول ثانياً وبالواسطة كما أنكم تقولون في محاوراتكم ان من الاب والام خلق الولد والوالد علة لوجود الولد وليس المراد ــ والعياذ بالله ــ ان الوالد خالق للولد او مفيض الوجود للولد بل لا خالق ولا موجد الا الله تبارك وتعالى ولكن الشخص الذي هو عبارة عن زيد بن عمرو وهند لا يكون موجوداً بهذه الخصوصيات الا بعد وجود عمرو وهند، وهكذا العقل الثاني وجود واحد في مرتبة خاصة لا يكون موجوداً بهذه المرتبة من الخصوصية الا بعد العقل الاول فالعقل الاول له نحو اعداد لوجود العقل الثاني كمعدية وجود الآباء والاجداد في وجودي و وجودك.
وبناءاً على مذهب المشائين الذي ذكرنا خلاصته العقول الكلية عندهم انما تكون طولية وليست هناك عقول عرضية كلية والعقول الكلية الطولية عندهم محصورة في العشرة، واما العقول الجزئية فهي غير متناهية وليس على هذا العصر برهان والبيان الذي ذكروه والتقريب الذي صدعوا به لا يفيد الحصر فان في المرتبة النازلة حيثيات و جهات متضاعفة من جهة تعدد الواسطة والوسائط، ولذا ينبغي الافصاح بان الحق في هذه المسألة هو مذهب الاشراقيين من الحكماء فانهم ذهبوا الى ان العقول الكلية الطولية و العرضية فضلاً عن العقول الجزئية غير متناهية وهذا موضوع واسع الاطراف، ومسألة في غاية الاحكام والمتانة وأقرب الى الشرع المقدس والصق بكلمات اصحاب الوحي والتنزيل واليق بعظمة الحق سبحانه وعدم تناهي قدرته وهي اسماؤه التي ملأت اركان كل شيء وفي دعاء مولانا الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه ) في أيام شهر رجب واوله (اللهم اني اسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك)(18)الى آخره اشارات، ورموز تحتها معادن، وكنوز، ودلالات لتلك المباني والمعاني.
وشرح هذه المطالب والمذاهب وتنسيق تلك الحقائق والرقائق يحتاج الى افراد رسالة مستقلة في التأليف والترصيف ولا فسحة في المقام ولا وسعة لتلك التحقيقات الطويلة الذيل:
شرح اين هجران واين خون جكر***اين زمان بكذار تا وقت ديكر
وله الحمد والمنة اولاً وآخراً وبه المستعان وعليه التكلان.
تعليقات السيد الشهيد القاضي
(15) ارسطو (384 ــ 322ق م) خاتمة حكماء اليونان وسيد علمائهم واليه انتهت فلسفتهم ويلقب بالمعلم الأول لأنه اول من جمع علم المنطق ورتبه وخلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية ويسمى اتباعه بالمشائين.
وذكروا في وجه تسميتهم: ان استاذه افلاطون الحكيم كان يدرس تلاميذه وهو ماش احتراماً للفلسفة وتقديساً لها، او انهم كانوا يمشون في ركاب ارسطو، او ان هذا الأسم رمز الى المشي الفكري في تحصيل العلوم، الى غير ذلك مما قالوا او تخيلوا في وجه هذه التسمية، ولكن المنقول عن بعض الكتب الغربية: ان في سنة احدى وثلاثين وثلاثمائة قبل الميلاد ورد ارسطو الحكيم اليوناني الى بلدة (آثنية) وكان حول البلدة محل للتفرج يسمى (ليكيون) وبنى هذا الحكيم فيه مدرسة وسميت بأسم المحل وقالوا لها مدرسة (ليكيون) ثم سميت هذه المدرسة باليوناني مدرسة التفرج والتنزه والحكماء التابعون لآراء ارسطو كانوا ساكنين في تلك المدرسة فنسبهم الناس اليها فقالوا (طائفة المشائين والمتفرجين) وقالوا لأرسطو وهو زعيم المدرسة: رئيس المشائين. بيد ان نقلة الكتب اليونانية الى العربية لعدم تحريهم الصادق في تأريخ اليونانيين غفلوا عن حقيقة الأمر في وجه هذه التسمية فتخيلوا ما هو المشهور الى اليوم. وقد كتبنا ذلك في بعض ملاحظاتنا في مجلة (العرفان) الزاهرة ج10 ــ مج39 ص ــ 1247ط صيدا.
(16) روى ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) باسناده عن سماعة بن مهران قال: كنت عند ابي عبد الله (ع ) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال ابو عبد الله (ع ) : اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت جعلت فداك لان نعرف الا ما عرفتنا، فقال ابو عبد الله (ع ) : ان الله عز وجل خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: ادبر، فأدبر ثم قال له: اقبل فأقبل الى آخر الحديث الشريف، انظر كتاب العقل والجهل من الجامع الكبير (الكافي) وهو الحديث الثالث عشر منه وتأمل فيه.
(17) دعاء ــ 43 ــ من ادعية الصحيفة السجادية (ع ) فلاحظ وتأمل.
(18) رواه شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي (قدس سره) ــ شيخ الأمامية منذ زمنه الى اليوم ــ في كتابه (مصباح المتهجدين) قال: اخبرني جماعة عن ابن عياش قال مما خرج على يد الشيخ الكبير ابي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد من الناحية المقدسة ما حدثني به خير بن عبد الله قال كتبته من التوقيع الخارج اليه الخ.
تعليق