إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الدولة الدينية عند الإمام الخميني (ره) قراءة في المفهوم القرآني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدولة الدينية عند الإمام الخميني (ره) قراءة في المفهوم القرآني

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    واللعنة الدائمة على أعدائهم الى قيام يوم الدين

    الدولة الدينية عند الإمام الخميني (ره)
    قراءة في المفهوم القرآني


    مقدّمة

    تمتاز شخصية الإمام الخميني (ره) في المجتمع الذي انطلق منه بخصائص عديدة ومهمّة، منها: النظرة الدينية العميقة، الحضور السياسي القوي، هاجس الإصلاحات الإجتماعية، الصلابة، المعرفة والوعي، رسوخ الفكر الفلسفي والعرفاني و... رغم أن صورته السياسية غدت سمته المشهورة في الأوساط العالمية أكثر من الأبعاد الأخرى لشخصيّته، وقد أدّى نشاطه السياسي إلى إحداث تحوّلين عظيمين في عصره،
    أحدهما: تعديل القراءة الكلاسيكية للدين والنظر إليه بوصفه قادراً على إدارة المجتمع الإنساني،
    وثانيهما: القيام بتغييرات سياسية عميقة في إحدى البلاد الإسلامية الأكثر أهمية، وهي تغييرات أحدثت بدورها تحوّلاً في مسار الأحداث وبنية المعادلات السياسية في العلاقات الدولية العامّة.

    وعقب ذلك، تصدّى فريقان من الباحثين في مراكز الدراسات العالمية لتحليل الأبعاد المختلفة لشخصية الخميني (ره) ، فكره، اعتقاداته، رؤاه الفكرية ومناهجه.

    المجموعة الأولى:
    المصلحون الباحثون عن منطلق فكري قادر على القيام بإصلاحات اجتماعية، وسياسية، ودينية وأخلاقية، في عصرٍ كان ضجيج دعاة المدارس الإلحادية المادية المنبعث من القوّتين العالميتين الكبيرتين ـ الشيوعية والرأسمالية ـ مانعاً عن سماعهم صوت الدين الإسلامي المفعم بالمعاني الإنسانية بكلّ أبعادها الأخلاقية، لكي يُقدموا على أساس الفكر الديني على مشروع تحقيق العدالة الاجتماعية والنظام السياسي المنشود.

    المجموعة الثانية:
    المستشرقون المهتمّون بالعلوم الدينية، فقد كانوا على اهتمام دائم بالموضوع الديني بغية الكشف عن الثغرات التي يمكن التسلّل عبرها إلى المعتقدات الدينية وتحريفها أو تشويهها.

    وما زلنا حتى اليوم نشهد هذين النوعين من النتاجات الفكرية المدوّنة، وبلا شك سوف تستمر هذه الأبحاث على هذا المنوال، إذ لم ينجحوا بعدُ في تحقيق أغراضهم الكاملة من ورائها.

    نحاول في هذه المقالة قراءة البناءات الفكرية السياسية للإمام الخميني (ره) من منطلق النص القرآني وزاويته.

    إبراهيم سجادي
    ترجمة : السيد ربيع الحسيني

  • #2
    مفهوم السياسة عند الإمام الخميني

    قسّمت السياسة ـ بنشاطاتها المتنوّعة ـ عند الإمام الخميني إلى قسمين: إلهية، وغير إلهية،
    إذ كان يَعتقد أنّ السياسة الإلهية تتمثّل في جهود المدراء، والقادة، والمقنّنين الاجتماعيين، والإصلاحيين الراغبين في التغيير بما يصبّ في صلاح الروح وترسيخ البعد المعنوي والقيام بمصالح الناس، ومن ثمّ تكون هذه السياسة مصداقاً للمفهوم الذي كان استخدم في النصوص الدينية في حق أهل البيت (عليهم السلام) ، حينما عبّر عنهم بأنّهم (ساسة العباد

    كما كان يرى أن السياسة غير الإلهية تتمثّل في الجهود التي لا تصبّ في الإطار الفكري والعلمي المذكورين، ومن ثم تكون سياسةً شيطانيّة.

    تعني السياسة الإلهية عند الإمام الخميني الهداية إلى النهج الذي أشير إليه في القرآن الكريم، وتبلور بشكل ناصع في حياة الأنبياء (عليهم السلام) وسيرتهم، يقول:

    (السياسة هي التي تلحظ مصالح المجتمع كلّها.. وأبعاد الإنسان جميعها.. وهذا مختصّ بالأنبياء والأولياء، وبعلماء الإسلام اليقظين بتبعهم)(1)، من هنا كانت الديانة عنده عين السياسة(2)، وكان الحج وهو أبرز الأعمال العبادية ومحور المعارف الإلهية مظهراً من مظاهر الحركة السياسية العبادية التي تصبّ في صالح المجتمع الإسلامي(3)، ولم ير الحجّ فقط على هذه الشاكلة، بل عموم المناسك الدينية والعبادات كانت ممتزجةً عنده بالسياسة والصلاح الفردي والاجتماعي، لقد اعتقد أنَّ (جميع أحكام الاسلام مختلطة بالسياسة،.. صلاته.. حجّه.. زكاته سياسة، إدارة البلاد سياسة)(4).

    ويخلص الإمام الخميني ـ وفق هذه الرؤية ـ إلى أنّ (السياسيون الإسلاميون، والعلماء السياسيون هم الأنبياء (عليهم السلام) ، لا ينفكّ عملهم عن السياسة)(5).
    من هنا، هجر علماء الدين الذين لم يَخطُوا خطوات لائقة في طريق إصلاح مجتمعهم، هجروا عنده السياسة الصحيحة مما أفضى بهم إلى هجران كتابهم السماوي(6)، وهذا المزج بين السياسة والاجتماع في فهم مقولة هجر القرآن هو ما يمكننا أن اعتباره واحداً من خصائص الامام الخميني الفكرية.



    الهوامش
    ----------------------------
    1) صحيفة النور 13: 218.
    2) المصدر نفسه.
    3) المصدر نفسه 18: 47.
    4) المصدر نفسه 9: 137 ـ 138.
    5) المصدر نفسه 13: 218.
    6) المصدر نفسه 16: 36.

    تعليق


    • #3
      دراسة جذور فصل الدين عن السياسة

      من هنا يتضح أن الإمام الخميني كان يرى لزاماً عليه مواجهة عوامل هذا الهجران، سيما عندما رفع شعار فصل الدين عن السياسة وأرخى بظلاله على المجتمعات الإسلامية، مما ساقها إلى الانفكاك عن جذورها وتاريخها المشرق على حساب حريتها واستقلالها وعزتها، هنا رفع الصوت منادياً:

      (إن شعار فصل الدين عن السياسة من الشعارات التي طرحها الاستعمار والتي يريد من خلالها أن يحول دون تدخل الشعوب المسلمة في تقرير مصائرها)(7).

      إنّ حصر دور الدين ورسالته في العلاقة الشخصية ما بين الإنسان وربه فقط أنموذج آخر من نماذج العقلية المحاربة للقرآن، والتي تبنّاها المعتقدون بفصل الدين عن السياسة، وقد انتقد السيد الخميني هذه المقولة محذّراً من أخطارها فقال:

      (في الآونة الاخيرة وحينما فتحت طرق الشرق والغرب على الدولة الإسلامية بلغ هذا الأمر ذروته، وهو أنّ الإسلام موضوع شخصي بين الله وعبده، والسياسة في معزل عن الإسلام)(8)، (هذه المدارس باتجاهاتها المختلفة اليسارية واليمينية التي تُعرَض على الأمة الإسلامية ليست سوى لإضلالها وانحرافها، ولا ترجو إلاّ أن ترى المسلمين خاضعين أذلاء ومتخلفين أسرى على الدوام، فتعمل على إبعادهم عن تعاليم الحرّية التي يدعو إليها القرآن)(9).



      الهوامش
      ------------------------
      7) صحيفة النور 4: 33.
      8) در جستجو از كلام إمام 15: 15، طهران، مطبعة أمير كبير، دار النشر أمير كبير.
      9) المصدر نفسه.

      تعليق


      • #4
        القرآن والحكومة

        بالرغم من تصريح الإمام الخميني في بعض أحاديثه بأنّ الحكومة لم تكن الهدف الأساسي من بعثة الأنبياء، وأنّهم إنّما بعثوا لتزكية أخلاق الناس وتربية أرواحهم، إلا أنّه كان يرى مقولة الإدارة الإجتماعية والنظم السياسي للمجتمعات البشرية مقولة جدّية وضرورية، لدرجة اعتبر معها القرآن الكريم ـ الذي هو بدوره مجموعة معارف وبرامج معنوية وتربوية للإنسان ـ كتاب حكومة(10)، ويعتقد أن حجم المعارف الاجتماعية في القرآن الكريم مقارنةً بآياته التي تدعو إلى الجوانب العبادية كنسبة المائة إلى واحد، بل أكثر(11).

        يعتبر الإمام الخميني القرآن الكريم كتاب قانون، يحمل بين دفتيه أصول الحكم وقواعده، ويستبطن مكوّنات دولة في طبيعة تعاليمه(12)، يقول:

        (إنَّ ماهية وكيفية القوانين الإسلامية وأحكام الشرع تدلّ على أنّها قد شرِّعت لإنشاء حكومة ولإدارة سياسية واقتصادية وثقافية للمجتمع)(13).

        هل يمكن العمل بهذه الآيات القرآنية التي تدعو لقتال الكفار، والمحاربة لأجل استقلال البلاد الإسلامية، وفتح البلاد بدون حكومة وأجهزة دولة؟!

        (إنّ أساس الحكومة الإسلامية مبتنٍ على السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية وثروة بيت المال، وقيام الدولة مبتنٍ على الجهاد لأجل بسط السلطة والتوسّع، وهو مبتنٍ على الدفاع لحفظ استقلال البلاد والدفاع لصدّ هجوم الأجانب، هذا كلّه موجود في القرآن والسنّة)(14).

        ويخلص الإمام الخميني ـ وفقاً لذلك ـ إلى أنّ رفض الدولة الدينية وإنكار السياسة الدينية يعني نفي حقيقة الدين ودوره، يقول:

        (الاعتقاد بهكذا مطالب أو إظهارها أسوأ من اعتقاد وإظهار نَسْخ الإسلام. ولا يمكن لأحدٍ أن يقول: ليس ضرورياً أن ندافع عن حدود وثغور أرض الوطن الإسلامي، أو لا ينبغي أن تؤخذ اليوم الأموال والجزية والخراج والخمس والزكاة، وينبغي أن يعطّل قانون الجزاء في الإسلام وكذلك الديات والقصاص، كل من يُظهر أنّه ليس من الضروري تشكيل الحكومة الإسلامية فقد أنكر إجراء الأحكام الإسلامية وأنكر جامعية الأحكام وخلود الدين الإسلامي المبين)(15)، ويقول: (في الحقيقة، أهمّ وظيفة للأنبياء (عليهم السلام) إقامة نظام اجتماعيّ عادل عن طريق إجراء قوانين وأحكام تتلازم قهراً مع بيان الأحكام ونشر التعاليم والعقائد الإلهية، كما يظهر هذا المعنى بوضوح من الآية الشريفة: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 21).


        الهوامش
        --------------------
        10 ) صحيفة النور 7: 252.
        11 ) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 28.
        12 ) صحيفة النور 17: 252.
        13 ) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 28.
        14 ) الإمام الخميني، كشف الأسرار: 300.
        15 ) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 27.

        تعليق


        • #5
          بعثة الأنبياء

          هدف بعثة الأنبياء عموماً إيجاد النظم لدى الناس على أساس العلاقات الاجتماعية العادلة التي تقوم عليها الإنسانية، وهذا إنما يمكن من خلال تشكيل الحكومة وإجراء أحكامها (16).

          يعتقد الإمام الخميني ـ على العكس من مؤسّسي المذاهب الفلسفية الغربية الذين اعتبروا فلسفة ضرورة الحكومة صراعاً بين القوى الطبيعية الشهوات والنفسيات ومحاربة السلطات ولزوم لجمها(17)، وعلى أساس التعاليم القرآنية ـ ضرورة تشكيل نظام سياسي واجتماعي يساهم في بناء الناس معنوياً، بتعبير آخر: إنّ الفلسفة السياسية في المدارس المادية تعتبر أنّ المصالح الماديّة وتحصيل الأمن والرفاهية الدنيويين هما غاية الأنظمة السياسية، أمّا في القراءة القرآنية الخمينية فالأمن الإجتماعي والاستقلال والغنى المادي إنّما هما مقدّمة للوصول إلى الأمن المعنوي والسعادة العظمى والحياة الخالدة.

          يقول: (القيم في العالم على قسمين: القسم الأول هو القيم المعنوية من قبيل قيمة التوحيد والجهاد.. ومن قبيل العدالة الاجتماعية، وحكومة العدل والسلوك العادل للحكومات مع الشعوب وبسط العدالة الاجتماعية بين الأمم كالتي كانت موجودةً في صدر الإسلام أو قبله في الأزمنة التي بعث فيها الأنبياء ولا تقبل التغيير، وليس معنى هذا أن العدالة متغيرة فحيناً صحيحة وحيناً آخر خاطئة، فالقيم المعنوية قيم دائمة.. والقسم الآخر القيم المادية التي تختلف بمقتضى الزمان.. إنّ ميزان الحكومة وما يتعلّق بالاجتماع والسياسة إنّما هو القيم المعنوية)(18).

          المنطلقات القرآنية لفكر الإمام الخميني السياسي

          إذا اعتبرنا الفلسفة السياسية مجموعة مباحث تحلّل وتقضي في موضوعات السياسة والحكومة، دون أن تنحصر بتجزئة مصداق خاص من مصاديق الحكومة والإدارة السياسية وتحليله، حينها يمكننا أن نرتّب موضوعات تلك المباحث بشكل منطقي دائماً، حيث تنقسم إلى قسمين:

          1 ـ الأصول والمبادئ.
          2 ـ الفروع والنتائج.


          ومن البديهي أنّ الأصول والمبادئ تتمتعان على الدوام بأهمية شديدة لأنّها تُعتبر محور سائر النظريات وأساسها.
          لقد قدّم الإمام الخميني لنظرياته وأفكاره السياسية أصولاً وأسس، تعتمد على النص القرآني بالتأكيد.

          محورية الله في الفكر والسلوك السياسي

          تشير دراسة تكوّن المقولات السياسية للأفراد، والفئات، والمجتمعات إلى غلبة وقوعها تأثير أحد العوامل التالية:

          1 ـ المصالح والميول الفردية.
          2 ـ المصالح المادية المشتركة لفئة ما.
          3 ـ المشاعر العنصرية والقومية.
          4 ـ العواطف الإنسانية، والدفاع عن الحرية، والإستقلال، والعدالة.

          يُعتبر العامل الرابع العاملَ الإنساني الوحيد من بين العوامل المذكورة، حيث تمتدّ جذوره في الطبيعة الإنسانية المتجاوزة للحيوانية، أمّا العوامل الثلاثة الباقية، فليست ضدّ الإنسانية، بل يمكن أن تكون سبباً في نتائج إيجابية تستحقّ التقدير، لكنّها في الأساس غير مختصّة بالإنسان، حيث يمكن مشاهدة عوامل شبيهة بها في الحيوانات عند دفاعها وهجومها.
          وحينما تكون عناصر تكوين نظرية سياسية واحدةً من هذه العوامل الثلاثة فمن المترقّب حصول مظاهر سلطوية سلبية يفترض السعي لضمان عدم تخطّيها حدود المنطق والسلامة، ومن ثمّ يكون المطلوب إصلاحها.
          إنّ التدبير الذي تبنّاه الفكر الديني ـ وفق الرؤية القرآنية ـ لحلّ هذه المشكلة تمثل في طرح مقولة قادرة على البتّ من الأعلى في سلبيات هذه العناصر الثلاثة، ألا وهي محورية الله.

          إنّ التاريخ حافل بنماذج كثيرة لأفراد أو جماعات توجهوا نحو النشاطات السياسية بباعث مقارعة الاستعمار والاستبداد أو بباعث العواطف الإنسانية الصادقة، ولكن في النهاية استُبدلت تلك الحركات المناهضة للاستبداد والاستعمار إلى حركات استبدادية! يقول الإمام الخميني: (حدثت في العالم نهضات كثيرة وثورات عديدة، لكن أكثرها كان نهضة ظالم على ظالم آخر.. كان يأتي نظام ظالم ويزيل النظام الآخر، ويستخلف نفسه مكانه ويستمرّ في الظلم.. إن الحكم الذي جاء به القرآن المجيد في عدّة كلمات ـ بخصوص ما ينبغي أن تكون عليه النهضات والثورات ـ يمكن الوقوف عليه من خلال الآية الشريفة التي تقول: (إنَّما أعظكم بواحدة) (سبأ: 46)، حيث يخاطب الله تعالى رسولَه ليقول لأمّته: لديّ موعظة واحدة فقط، وتلك هي أنّ تقوموا لله، لو كنتم شخصاً واحداً قوموا لله، لو كنتم مجتمعاً قوموا لله، القيام لله هو ضدّ القيام الطاغوتي، وإن لم يكن القيام لله فهو قيام شيطاني ـ هو طاغوت والله ـ فالقيام إمّا لله وإما لغير الله، ذلك القيام الطاغوتي هو قيام ظالم على ظالم آخر، هو غلبة ناهب ثروات على ناهب ثروات آخر، أمّا ذلك القيام الذي كان يأمر به الله تبارك وتعالى، فهو لله)(19).

          الهوامش
          ---------------
          16) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 77.
          17) و. ت. جونز، خداوندان انديشه سياسي 1: 56، الفصل الثاني، ترجمة علي رامتين، طهران، أمير كبير.
          18) صحيفة النور 10: 168.
          19) صحيفة النور 13: 32.

          تعليق


          • #6
            مواجهة الطاغوت والخروج من سلطته

            ثمّة مجال لجعل مقولة محورية الله لجميع الأعمال والأفكار والمجالات الفردية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية للإنسان، لكن حينما نضعها أساساً للقضايا الاجتماعية والسياسية والإدارات الجماعية، تتولّد بشكل تلقائي ظاهرة محاربة الطاغوت، لأن الطاغوت يعني المتعدّي على الحقوق، إن القبول بهكذا سلطة سواء في شكلها الظاهري أو في جانبها الفكري والاقتصادي الخفي واللامحسوس هو أمر يتنافى ومحورية الله.

            استند الإمام الخميني (ره) في بيانه القرآني حول محاربة الطاغوت إلى آيات عديدة:
            1 ـ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5)، قال: (إنّ إرادة الله تعالى من خلال القيادة الحكيمة للأنبياء العظام وَوَرثتهم تتجلّى في تحرير المستضعفين من قيد حكومة الطاغوت، لتكون مصائرهم بيدهم وتحت تصرّفهم)(20).
            2 ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ (النساء: 60)، يقول: (إن لم نقل: إن المقصود من الطاغوت حكومات الجور والقوى الحكومية الجائرة بأجمعها، التي استفحلت وطغت على الحكومات الإلهية، واستأثرت بالحكومة والسلطنة، ينبغي أن نقول: إن الطاغوت أعمّ من القضاة والحكّام، لأن الرجوع إلى المحاكم وإحقاق الحقوق ومجازاة المعتدي غالباً ما تحصل بمراجعة المراجع القضائية، ومجدداً يطبق التنفيذيون ـ الذين عادة ما يُعتبرون حكّاماً ـ الأحكام القضائية، حكومات الجور سواء القضاة أو التنفيذيون أو القوى الأخرى هم طاغوت، لأنهم طغوا وجحدوا حكم الله، ووضعوا قوانيناً من عند أنفسهم وقاموا بتنفيذها والحكم طبقها، وقد أمرنا الله بالكفر بهم، أي عصيان أوامرهم وأحكامهم، وبديهي أن الذين يريدون الكفرَ بالطاغوت والتمرّد على الحاكم الجائر والثورة عليه، سوف تلقى على عواتقهم مهام ثقيلة، ينبغي أن يجهدوا قدر استطاعتهم ومكنتهم في أدائها)(21).

            يصرِّح الإمام الخميني في خطاباته بفلسفة تكرار حادثة موسى (عليه السلام) وفرعون في القرآن المجيد، ويرى ذلك لوضع أسسٍ لمواجهة الاستكبار والطاغوت في الفكر الديني واعتقاد المسلمين(22)، يقول: (يحكم المشرّع الحق أنه لا ينبغي أن ندع وضع الحكومات على هذه الشاكلة، فهي إمّا معادية للإسلام أو غير إسلامية، والدلائل على هذا العمل واضحة، لأنّ وجود نظام سياسي غير إسلامي يعني بقاء الأحكام السياسية للنظام الإسلامي بعيدةً عن التنفيذ، ولهذا السبب اعتبر المشرّع كلّ نظام سياسي غير إسلامي نظاماً مشوباً بالشرك؛ لأن حاكمه هو الطاغوت، ونحن مكلّفون أن نزيل آثار الشرك عن المجتمع الإسلامي، لهذا السبب نحن مكلفون أن نهيء الظروف الاجتماعية المساعدة على تربية الأفراد المؤمنين الفضلاء، وهذه الظروف الملائمة والمناسبة لصالح الإسلام والمسلمين مخالفة لظروف حاكمية الطاغوت، إن الظروف الاجتماعية الناشئة عن حاكمية الطاغوت والنظام المشوب بالشرك لازمها هذا الفساد الذي نراه، هذا هو ما يطلق عليه (الفساد في الأرض) الذي ينبغي أن يزول وأن يجازى مُسبِّبوه، هذا هو ذلك الفساد الذي أشاعه فرعون من خلال سياسته في (مصر)، (وإنّه كان من المفسدين) (القصص: 4)، في هذه الظروف الاجتماعية والسياسية لا يمكن للإنسان المؤمن والمتّقي والعادل أن يعيش، وأن تَدوم سيرته الصالحة)(23).

            الهوامش
            ---------------------
            20 ) صحيفة النور 2: 86.
            21 ) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 99 ـ 100.
            22 ) صحيفة النور 2: 330.
            23 ) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 18.

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X