من أنت؟!
كتبت إليّ اخ مسلم وسألني قائلا: لماذا بالله عليك لا تصرّح عن اسمك الصحيح لنعرف من انت ومن تكون؟
فإليك يا اخي جوابي لعلك تعرف منه من أكون أنا؟
فأنا اولًا وبالذات اخوك المخلص الدائب على تتبع آثارك وتعقب خطواتك بدافع الحب والعطف، وانا أيضا متطوع مختار لأجل قضية الاسلام وحمل مشعله الوهاج ما وسعني حمله وعلى قدر طاقتي وامكانياتي في الجهاد.
ولا يخفى عليك يا اخي اني لم اكن لأقول هذا وشبهه لو أنك كنت تعرف اسمي الصغير التافه، وهذا أحد الدواعي لعدم ذكري لذلك الاسم الذي أكاد انساه انا نفسي فلماذا لا تنساه أنت ايضاً يا عزيزي؟
فأنا في أكثر أوقاتي أصبحت مندمجا معك ومنصرفا عن نفسي إليك ولهذا فأنا في اكثر اوقاتي أكون (صاحب المعرّف أعلاه) تاركا ورائي تلك الحروف التي لا دخل لها بما أنا في سبيله.
نعم حروف لا تتعدى الأربعة أو أكثر فما خطرها إذن؟ وما شأنها بالنسبة للغاية التي أبتغيها؟
فلك ان تتصورني كما تشاء.
تصورني شخصا عجوزاً قد اكتمل عمره وتقدمت به السنون فهو يضع النظارات على عينيه ويدني النور اليه، أو يدنو هو من النور، ثم يمسك القلم ويقرب نحوه الدواة ويباشر الكتابة اليك، وهو بين حين وآخر يعيد ترتيب أوراقه ثم يضع القلم جانبا برهة ليريح يديه ورأسه، ثم يعود مرة أخرى ليكتب ويستأنف ما قطع عليها التعب. واخيرا ... عندما ينتهي من الكتابة يستلقي على ظهره ليستريح وهو يشعر بدوار واعياء.
ولك ايضاً ان تتصورني شخصا قد تخطى الشباب أو كاد، قليل الكلام كثير الفكر، لا يكتب إلا بعد طول تروّ وتأمل، اذا كتب اقتضب، واذا تحدث اختصر، ومن رأيه الخاص ان الكتابة لا يمكن أن تجتمع مع أي شيء آخر، فهو إذا كتب ترك كل شيء، واذا كان لديه أي شيء ترك الكتابة، وإذا أراد أن يكتب ينفرد بنفسه في غرفته الخاصة فيجمع فوق منضدته شتى الكتب ليختار من بينها الموضوع الملائم.
فهو حريص جداً على ان لا يكتب إلا في مكانه الخاص، وفي جو ملائم هادئ ، وهو حريص أيضا أن يدل مظهره على شخصيته وان يرسم في خطوط جبينه وحركاته خطوط افكاره وميوله.
ولك ايضا ان تتصورني فتى شابا في ريعان الشباب ضاحك الثغر، طلق المحيا يندمج في كل موضوع ولا يفوته شيء مما حوله، يرضي كل جليس، إذا كتب يكتب بسرعة وبدون اي مقدمة، واذا تكلم يتكلم بهدوء ويحسب لكل كلمة حسابها ليس عنده اي مكان خاص به يستنزل فيه الالهام، أينما خطرت له خاطرة او عنت له فكرة سجلها على ورقة او اي شيء آخر حتى ولو كان علبة سيجارة، وهو حريص على ان لا يتاثر مظهره بأفكاره وميوله وان لا يكتب افكاره على قسماته وحركاته ولهذا فهو بين ذلك كله فتى كباقي الفتيان لا يتميز عنهم بشيء إلا بقوة الارادة وسمو الروح، وهو يستطيع ان يتحمل كل شيء، وان يجاري كل أحد سوى جهل الجاهل باحكام الاسلام ولكنه مع هذا لا يكاد يعرف أنه هو ذاك الغيور الصارم في تعاليم دينه، فان له طريقته الخاصة باتباع هذه التعاليم لا يتأثر منها مظهره، تصور هكذا إذا شئت.
وتصورني: إذ أكتب اليك أفترش الارض والحصير واجعل من رجلي منضدة أريح فوقها أوراقي المبعثرة لأملي عليها أفكاري!
نعم تصورني هكذا واذا شئت فتصورني شابا يشعر بشعورك ويمر بالمرحلة التي تمر بها وينظر إلى كل ما تنظر إليه ولكن من وراء منظار الواقع والحقيقة، لا تغشه المظاهر الخلابة ولا تغريه كل أساليب الاغراء!
تصورني هكذا إذا شئت بل تصور أية صورة من هذه الصور حيث تجدها اقرب الى فكرك فاختر منها إحداها، أو اختر غيرها، وكن مثلي فأنا لا أنظر الى الانسان تحت إطار اسمه او مظهره أو ملبسه، وإنما أنظر إلى روحه وقلبه وأفكاره، وتذكر دائماً وقبل كل شيء أنّي أخ لك متواضع وقريب منك كثيراً واكثر مما تتصور، لأن القرب قرب للروح والفكر والرأي:
قد يجمع الرأي أشخاصا وإن بعدوا* وقد يفرق خلف الرأي إخواناً
وأخيراً فرجائي اليك ان تنسى تلك الحروف القليلة، واذكرني أنا بشخصي الروحي لأكون فخورا بذلك وثق أن ليس لاسمي اي دخل فيما اكتب وفيما تقرأ، ودُم للمخلص لك إلى الأبد.