الأساس في قلّة الإحساس..!
في كُلِّ مُجتمعٍ؛ هُناك مَعالِم وتَضاريس، وأمرَاض ومَتاريس، ونتوءَات وتورُّمَات.. وقَد تَظهر هَذه المَعالِم وتُصبح وَاضحة للعيَان ومُلاحظَة لكُلِّ إنسَان..!
خُذ مَثلاً: ظَاهرة الحَساسية في مُجتمعنا.. طَبعًا لا أقصُد التَّحسُّس الرَّبيعي أو الخَريفي -كَما يَقول عُلمَاء البيئة-، بَل أعنِي التَّحسُّس البَشري الذي يَظهر في كُلِّ الفصُول الأربَعة.. فهُناك حَساسية مِن الطَّقس، الذي يَتحرَّك غُباره، فنَدخل جَميعًا في دَورة عُطاس شَاملة، بحَيثُ لا تَرَى النَّاس إلَّا مَا بَين عَاطس ومُشمِّت..!
وفي الرّياضَة، لَدينا حَساسية عَالية الجَودة؛ مِن كُلِّ الفرَق التي لا نُحبّها، ومَا أن تَذكر فَريقًا لا يُحبّه المُستمع؛ حتَّى تَدخل مَعه في دَائرة مِن الغَضَب المُتصاعِد..!
وفي سيرة المُدن لَدينا حَساسية جَاهزة، فمَا إن تَمدَح مَدينة حتَّى يَثور عَليك بَعض أصحَاب المُدن الأُخرى ويَصفونك بالمُتعصِّب..!
وفي الثَّقافة والعرُوبة والفِّكر، لَدينا حَساسية مُناوَبَة مِثل الصّيدليّات، جَاهزة للانتفَاخ، فمَا أن طَرحتَ شَيئًا لا يُوافق الهَوَى، حتَّى يَصرخ في وَجهك القَوم قَائلين: مَن أنتَ حتَّى تَتكلَّم باسم العرُوبَة، أو يَصفون كَلامك بالغَريب، وأنَّك مِن أصحَاب نَظريّة «خَالِف تُعرَف»..!
وفي الانتمَاءَات، هُناك حَساسية تَستشعر عَن بُعد؛ وتَلتقط وتُفسِّر أي كَلام لا يُناسبها عَلى أنَّه «تَفاخُر»؛ أو «عُنصريّة»، أو «تَعصَّب»! وكَأنَّ الله -جَلَّ وعَزّ- لَم يَخلقنا شعُوبًا وقَبائل لنتعَارف، بَل لنتَحَسَّس..!
وفي استقبَال ردُود أفعَال المَقالات والكِتَابَات؛ لَدينا حَساسية مَتينة عَالية الاستحوَاذ، فمَا أن تَكتب شَيئًا لا يُوافق هَذا الشَّخص أو ذَاك، أو تِلك الجِهَة ،أو غَيرها، حتَّى يَنصحك البَعض قَائلاً: إنَّ هَذا الشَّخص مُنزعج ممَّا تَكتب، وأنَّ تِلك الجِهَة تَتحسَّس كَثيرًا ممَّا تَطرَح، كَما أنَّ هَذه الإدَارة حَسَّاسة، ومِن غَير الجيّد التَّعرُّض لَها، أو الحَديث عَن نَشاطها..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: هكَذا نَحنُ عَلى دَرجة كَبيرة مِن الحَساسية والتَّحسُّس والإحسَاس، ونَلتقط كُلّ شَيء بحَساسية عَالية.. ومَع هَذا لَو سَألتَ أي امرَأة عَن الرَّجُل السّعودي لقَالت لَك: إنَّه قَليل الإحسَاس، ضَعيف الشّعور، وأنَّ أجهزة صَرف الإحسَاس عنده مُتواضعة الإنتَاج مُنذ زَمَن..!
يَا إلَهي حتَّى الأحَاسيس أدرَكها التَّصنيف والتَّقسيم..!!
أحمد عبدالرحمن العرفج