ما مغزى العداء الاميركي لإيران؟
تستخدم الولايات المتحدة منذ أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع ايران في ابريل / نيسان 1980 شتى الوسائل والسبل من اجل تشديد الضغوط على ايران والانتقام من الايرانيين بسبب اسقاطهم لحليفها شاه ايران وقطع جميع العلاقات معها ولا سيما العلاقات السياسية و الاقتصادية .
وكانت اخر خطوة قام بها الرئيس الاميركي باراك اوباما ضد ايران حسبما نقلت صحيفة نيويورك تايمز امره سرا بزيادة الهجمات الالكترونية ضد ايران في 2010 بعد تسرب المعلومات عن الفيروس ستاكس نت الذي يقول البعض انه جاء من الولايات المتحدة او اسرائيل او كليهما.
ولا يخفي مراقبون خشيتهم من ان تكون الولايات المتحدة واسرائيل هما من صنعتا الفيروس فليم (اللهب) الإلكتروني الذي تم اكتشافه مؤخرا في إيران ومناطق أخرى بالشرق الأوسط، حيث تعتزم وكالة الأمن الإلكتروني للاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة، إصدار تحذير شديد اللهجة من مخاطر هذا الفيروس ، فيما أكدت طهران تمكنها من صنع فيروس مضاد للفيروس فليم .
الخطوة أو الخطوتان الاميركيتان ضد ايران تعتبران حلقة في سلسلة من الخطوات العدائية التي تقوم بها الولايات المتحدة منذ عهد كارتر الى عهد باراك اوباما ضد ايران والتي تستهدف اسقاط النظام الاسلامي واقامة نظام عميل لها يضمن مصالحها في المنطقة .
فمواقف الولايات المتحدة المعادية ضد ايران لم تكن تتعلق بالبرنامج النووي فقط كما يدعي المسؤولون الاميركان حاليا ، بل ان مواقفها ارتبطت بقضايا اكثر اهمية وخاصة فقدانها دولة حليفة لها في المنطقة ، كانت قواتها تسرح وتمرح في الاراضي الايرانية لعقود طويلة وتتخذ الاراضي الايرانية منطلقا لعملياتها العسكرية والاستخباراتية والتجسسية ضد الاتحاد السوفيتي السابق . والانكى من ذلك كانت القوات الاميركية المرابطة في ايران في عهد الشاه ذات حصانة دبلوماسية بحيث اذا ما ارتكب جندي اميركي جريمة بحق مواطن ايراني كان لا يسجن ولا يحاكم في ايران ولم تكن المحاكم الايرانية من حقها محاكمته ، بل كان يبعث اىي الولايات المتحدة لكي يحاكم هناك.
وكانت القوات الاميركية العاملة في ايران تتلقى مرتباتها من نظام الشاه ، كما كانت تتلقى اضافة الى مرتباتها الشهرية مزايا تسمى بـ " حق التوحش" اي ان القوات الاميركية كانت تعتبر نفسها اعلى مرتبة من الايرانيين بل تعتبر الايرانيين بمستوى الوحوش وكانت تتلقي مزايا لانها كانت تعيش بين شعب تعتبره متوحشا.
ان الذين عاشوا في ايران قبل الثورة يروون التعامل الاستعلائي للقوات الاميركية للايرانيين ونفور الايرانيين منهم .
لقد تدهورت العلاقات الايرانية الاميركية عام 1979 عندما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني على نظام الشاه محمد رضا بهلوي حيث وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه للعلاج وهذا ما اغضب طلبه الجامعات الايرانية الذين هاجموا سفارة الولايات المتحدة في طهران في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1979 واحتجزوا 52 موظفا في السفارة ودعوا الى اعادة الشاه الى ايران وقد قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع ايران في السابع من نيسان/ ابريل 1980 بمبادره من الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر.
وكانت قضية الرهائن سببا في هزيمة الرئيس الاميركي كارتر في الانتخابات التي جرت في عام 1981 وانتخب رونالد ريغان مكانه ، وافرجت ايران عن الرهائن الـ 52 يوم تنصيب الرئيس الاميركي رونالد ريغان رئيسا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني / يناير/1981.
ايران ترى بان الولايات المتحدة دعمت شاه ايران طيلة ثلاثة عقود وان عليها بعد سقوط الشاه واقامة الجمهورية الاسلامية ان تعامل ايران على انها دولة مستقلة كسائر دول العالم ولا تتدخل في شؤونها .
ولكن الولايات المتحدة ترفض المطلب الايراني وتتعامل معها من منطلق استعلائي ولهذا السبب لا ترى ايران اي مسوغ لاعادة العلاقات مع الولايات المتحدة .
الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وايران يتعلق بعدة نقاط منها : الارصدة الايرانية المجمدة في البنوك الاميركية منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 والتي تقدر بنحو 12 مليار دولار و الحظر التجاري والتكنولوجي والعسكري الشامل المفروض على ايران .
العلاقات الايرانية الاميركيه ظلت متوترة حتى الثالث من تموز/ يوليو 1988 حيث اسقطت الفرقاطة الاميركية فينسين طائرة تابعة للخطوط الجوية الايرانية من طراز (ايرباص) حيث قتل اثر ذلك 290 من ركابها الايرانيين .
وفي 30 من نيسان/ ابريل 1995 فرضت واشنطن حظرا تجاريا وماليا على ايران وتبنى الكونغرس الاميركي في 19 حزيران / يونيو من نفس العام قرارا يفرض عقوبات على الشركات التي تريد الاستثمار في قطاع النفط والغاز في ايران .
المواقف الاميركية من ايران كانت مواقف عدائية بامتياز ، وقد اعتذر الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون لايران عن الظلم الذي سببه لها.
وبعد انتخاب جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة اتخذ بوش موقفا متشددا ازاء ايران وصنف ايران في 29 كانون الثاني / يناير2001 ضمن دول محور الشر .
وفي 17 كانون الثاني / يناير 2005 المح الرئيس الاميركي جورج بوش الى امكانية تدخل عسكري لبلاده في ايران لمنعها من امتلاك اسلحة نووية.
وقد ارسل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بعد انتخابه رئيسا للجمهورية وفي 8 ايار/ مايو 2005 رسالة الى الرئيس الاميركي جورج بوش يقترح فيها وسائل جديدة لتخفيف الاحتقان في العالم .
وقد ابدت الولايات المتحدة في 31ايار/ مايو2006 استعدادها للمشاركة في محادثات متعدده الاطراف مع طهران اذا تخلت هذه الاخيرة عن برنامجها النووي.
واقترح الرئيس الايراني في 6 ايلول / سبتمبر 2006 على الرئيس بوش حوارا ابان دورة الجمعية العامة للامم المتحدة ولكن واشنطن رفضت الاقتراح.
الخلاف الايراني الاميركي واسع ومتعدد الجوانب فايران تتهم الولايات المتحدة بالتدخل في شوونها الداخلية واصدار تقارير تدين ايران بانتهاك حقوق الانسان.كما ان هناك خلافات بين البلدين حول القضايا الاقليمية واهمها الموقف من القضية الفلسطينية ودعم ايران لحق الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد اسرائيل.
وخففت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش بعض القيود على ايران للسماح باستيراد السلع الايرانية الا ان ذلك لم يمنع بوش من تجديد الحظر الاميركي على التجارة والاستثمار في ايران .
الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش كانت تهدد ايران بشن حرب عليها بسبب عدم تعليقها تخصيب اليورانيوم وترى بان ايران تعمل على حيازة الاسلحة الذرية ونفس التهمة يكررها الرئيس باراك اوباما حاليا ، بينما تنفي ايران الاتهامات الاميركية وترى بان الولايات المتحدة لا تملك الارادة لاجراء مباحثات معها لانها منحازة لاسرائيل ولا تقبل بما لا يرضي اسرائيل.
وبعد فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ، اعرب اوباما عن رغبته في الحوار مع ايران ، وكشف قائد الثورة الاسلامية في ايران آية الله السد علي الخامنئي وللمرة الاولى عن رسائل خطية وشفهية عديدة بعث بها اوباما له ودعا في رسائله الى تعاون ايران مع الولايات المتحدة لحل المشاكل العالمية.
واكد القائد في كلمته التي القاها في جمع من طلبة الجامعات بمناسبة حلول الذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة الاميركية في طهران ان الرئيس الاميركي اعلن في رسائله المتكررة عن نيته في التغيير مشيرا الى انه (اي القائد) لم يعلق على رسائل اوباما وانتظر ان يقوم الرئيس بتنفيذ وعوده ولكنه لم ير اي تغيير في المواقف الاميركية بل استمرت التهديدات الاميركية لبلادنا.
وفي اخر تصريح له دان قائد الثورة الاسلامية في ايران "اكاذيب" الولايات المتحدة التي اعتبرها "المجرم النووي الوحيد في العالم" الذي يتهم ايران بالسعي الى امتلاك السلاح النووي. وقال آية الله السيد الخامنئي ان "الحكومة الاميركية هي الوحيدة التي ارتكبت جريمة نووية"، مؤكدا ان "المجرم النووي الوحيد في العالم يكذب ويقدم نفسه على انه يعارض انتشار الاسلحة النووية في حين انه لم يتخذ اي قرار جدي في هذا المجال".
وأكد آية الله السيد علي الخامنئي أن الغرب والولايات المتحدة الداعمين للكيان الاسرائيلي يعانون اليوم من أزماتهم الحادة ونفرة الشعوب منهم.
وقال اية الله السيد الخامنئي في كلمة القاها في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الامام الخميني رحمه الله تعالى مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية ان الغرب يريد مصادرة ثورات المنطقة عبر إثارة الخلافات والفتن بين شعوبها وعلى جميع المسلمين ان يكونوا واعين لمؤامرات العدو ومخططاته موضحا ان الاميركيين يستفيدون من تجربة الاستعمار البريطاني في اثارة الفتن في المنطقة.
وفيما يتعلق بالمسألة النووية الايرانية قال قائد الثورة إن الشعب الايراني اثبت أن تحقيق التقدم يمكن بالاعتماد على الذات وليس بالاعتماد على المساعدات الاميركية داعيا الشعب الايراني الى مواصلة التقدم والصمود والتغلب على كافة التحديات. وأشار السيد الخامنئي الى أن كل المنشات الايرانية تم بناؤها وتشغيلها بكفاءات ايرانية وأن ايران اليوم لم تعد بحاجة للخبرات الاجنبية واصبحت تتميز بحركة علمية سريعة وواسعة بشهادات العالم مضيفا ان المرتبة العلمية لايران ارتفعت 11 مرة للنمو العلمي بعد الثورة الاسلامية مؤكدا أن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على ايران كانت باعثا لتقدمها وتطورها .
الولايات المتحدة تواصل اتخاذ مواقف عدائية تجاه ايران وقد اثبتت خلال السنوات الماضية انها مستمرة في مواقفها وخاصة معارضتها للبرنامج النووي الايراني وتهديداتها المستمرة لايران بالهجوم العسكري على منشاتها النووية .
وقد اكد الامام السيد علي الخامنئي موقف ايران من العلاقة مع الولايات المتحدة بالقول :" انه طالما لم تكف الادارة الاميركية عن التهديد ونزعتها الاستكبارية فان الشعب الايراني لن ينخدع بالتصريحات التصالحية ظاهريا ".
شاكر كسرائي
تعليق