الامام الخميني العظيم

هو روح الله الموسوي الخميني, من سلالة الامام السابع من أئمة اهل البيت الامام موسى الكاظم عليه السلام تلك السلالة الطيبة مثلها (كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء), واما لقب الخميني فهو انتساب لمدينة (خمين) حيث ولد ونشأ قدس الله نفسه الزكية, فقيه مجتهد جامع للشرائط ومن بعد ذلك مرجع كبير, إمام وقائد لثورة عظيمة غيرت وجه التاريخ, والمؤسس لأول جمهورية اسلامية تقوم على نظرية ولاية الفقيه, فهو الامام الثائر الذي جمع بين الاجتهاد والجهاد.
تعجز الكلمات عن وصفه, فبالاضافة لكل ما تقدم توفر رضوانه الله عليه على صفات يندر وجودها مجتمعة في شخص واحد, جمع النقائض بكل معنى الكلمة, جمع الرئاستين, الرئاسة الدنيوية كونه القائد الاعلى للثورة وللجمهورية الاسلامية وبنفس الوقت الرئاسة الدينية كونه المرجع الاعلى للحوزة العلمية فصدق وصفه بذي الرئاستين. ورغم تربعه على عرش امبراطورية كبرى (جمهورية ايران الاسلامية) الا انه أكتفى منها بمائة متر مربع او اقل من ذلك تلك هي مساحة بيته [المستأجر] المتواضع في (جماران) شمال طهران الكبرى حيث تقع حسينية (جماران) الملاصقة لداره المتواضعة والتي كانت مقر قيادته ومنبره الذي منه يقود الامة ويرشدها.
ورغم تصديه للقيادة الدنيوية قائدا لثورة, ومؤسسا لجمهورية اطاحت بإمبراطورية الشاه, وزعيما لنظام سياسي جديد هو النظام الاسلامي الذي شكل طريقا ثالثا بين النظام الرأسمالي الذي تقوده امريكا, والنظام الشيوعي الذي قاده الاتحاد السوفياتي السابق, فإنه - اي الامام الخميني - ظل ذاك العرفاني الزاهد الهائم بعشق محبوبه الازلي خالق الاكوان, الله العلي العظيم.
لم تغره الدنيا بغرورها, ولم تأخذه بزخرفها, وظل وفيا لطريق الزهد والعرفان الذي خطه لنفسه, واتخذه منهجا, وقدوته بذلك الامام علي عليه السلام والذي اكتفى من مأكله بقرصيه, ومن ملبسه بقميصيه, وهو القائل عليه الصلاة والسلام (الا إن امامكم اكتفى من دنياه بطمريه, ومن طعمه بقرصيه, فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا, ولا ادخرت من غنائمها وفرا, ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا, ولا حزت من ارضها شبرا), انه تلميذ علي بن ابي طالب اسد الله الغالب, فمنه تعلم العرفان والزهد, ومنه اخذ القوة والحكمة والاصرار, وفي مدرسته تعلم فن القيادة والادارة, فهذا الشبل من ذاك الاسد, وهذا الغصن المورق من تلك الشجرة المباركة (شجرة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء). زهد بالدنيا فجاءته طائعة وركعت عند قدميه.
الحديث عن الامام الخميني حديث عن الجهاد بشقيه الاصغر (الجهاد ضد الطغاة والمكتبرين) والاكبر (جهاد النفس), وكذلك هو حديث عن العلم والعلماء والفقه والفقهاء, وهو حديث عن الحوزة العلمية وتقاليدها. فأما حديث الجهاد فيكفي ان نقول ان روح الله الخميني ضرب القدح المعلى بجهاده ضد الطغاة والمستكبرين حتى مكنه الله فقوض عروشهم وأسقط الشاه واخزاه وانهى حكم الشاهنشاهية وابدله بحكم الشعب وقدم في سبيل ذلك الغالي والنفيس, مجاهدا بماله ونفسه وذريته, ولم يتوان لحظة واحدة عن تأدية فرض الجهاد الاصغر حتى ولو كلفه ذلك ان يخسر في سبيل هدفه السامي نجله الاكبر المجاهد آية الله مصطفى الخميني الذي اغتاله (السافاك) جهاز مخابرات الشاه بالسم فسقط شهيدا رضوان الله عليه ودفن في النجف الاشرف.
لقد تعرض الامام الخميني الى السجن والتعذيب والمطاردة واخيرا النفي وظل يتنقل في المنافي حاملا روحه على راحته, جند نفسه لله, ونذرها لقضيته, ووطنها على الصعاب ولقي في ذلك الشيء الكثير.
واما جهاد النفس ,الجهاد الاكبر, فحدث ولا حرج وقد تقدم ذكر القليل عن ذلك.
وعند الحديث عن أعلميته ومدرسته الفقهية فيكفي ان نقول انه مجدد كبير, شهد القاصي والداني بأعلميته وتجديده فهو صاحب أطروحة (ولاية الفقيه) التي نظرَّ من خلالها للنظام السياسي الاسلامي القائم على قيادة الفقيه كونه نائبا للامام في عصر الغيبة, واستطاع بمنهج علمي ان يؤكد ولاية الفقية العامة بالادلة العقلية والنقلية , وقد تحمل في سبيل ذلك الشيء الكثير لاسيما وانه خرج برأيه هذا عن المشهور.
لقد وضع الامام الخميني في ذلك كتابا قيما اسماه (الحكومة الاسلامية) وضح فيه نظريته, والغايات التي دعته الى تبني نظرية ولاية الفقيه, ورغم انشغاله بالهمّ السياسي فلم يمنعه ذلك من تأليف عدد من الكتب الروحية والعرفانية ككتابه النفيس (أسرار الصلاة) الذي يعد سفرا عرفانيا للقاصدين. وبين موضوع (الحكومة الاسلامية) وموضوع (اسرار الصلاة) بون شاسع الا انهما يلتقيان في النهاية بالدعوة الى طاعة الله وحبه وعشقه, اذ كل ما كتبه وفعله الامام الخميني كان من اجل الله ولله وفي الله, لا فرق عنده بين كتاب يتناول موضوعا سياسيا فقهيا صرفا, وبين كتاب يتحدث عن العرفان والتصوف مادامت الغاية واحدة وهي التعرف على الله والعمل بآوامره والانتهاء بنواهيه.
واما الحديث عن موقف الحوزة العلمية من الامام الخميني فهو حديث ذو شجون, وحديث عن ظلم ذوي القربى, وظلمهم اشد على الفتى من وقع الحسام المهند. ولا نبالغ اذا ما قلنا ان الامام عانى من الحوزة ورجالها اكثر مما كان يعانيه من الشاه وازلامه لأن الشاه عدو ظاهر واضح. شكى الامام الخميني ذات مرة في كتابه (من هنا المنطلق) من سلوك بعض علماء الحوزة معه الذين وصفهم بـ (علماء الدماء الثلاثة) اي علماء الحيض والاستحاضة والنفاس, والذين كان همهم الاول التصدي لاي مجدد, والرد على التجديد, والجمود على ما هم عليه.
تقاسم الحوزة العلمية في ايام الامام الراحل مذهبان, مذهب تقليدي لا يقول بولاية الفقيه العامة ويحصرها بالولاية الخاصة او ولاية الحسبة ويعتبر كل قول دون ذلك كخرط القتاد, ومذهب آخر يأخذ بولاية الفقيه العامة وان (له ما للامام, والراد عليه كالراد على الامام, والراد على الامام كالراد على الله) واصحاب هذا المذهب قلة قليلة كان على رأسهم الامام الخميني.
ليس غريبا على الحوزة العلمية ان تشهد مثل هذا السجال العلمي كيف لا، وباب الاجتهاد فيها مفتوح, ولطالما خاض الفقهاء في الحوزة العلمية بنقاشات علمية طويلة تمخضت عن ولادة نظريات علمية قيمة, ولكن في حالة أطروحة (ولاية الفقيه) اختلط العلمي بالسياسي وكان المذهب السائد في الحوزة يوم تصدى الامام الخميني لهذا الامر يحرم على الفقهاء الخوض في السياسية او ماله صلة بالشأن السياسي, وتطرف اصحاب هذا المذهب الى الدرجة التي اعتبروا فيها تعاطي الفقية للسياسة والعمل على تحقيق نظام اسلامي ضلال, منطلقين بذلك من الرواية التي تقول (كل راية تخرج قبل ظهور غائبنا راية ضلال) وهم بهذا الفهم اعتبروا الامام الخميني ضال ومضل, وراح هذا النفر يحاربه حربا شعواء لاهوادة فيها استنزفت الكثير من قوى الامام الراحل (قدس سره).
ومع كل ما قاساه الامام الخميني من هذا النفر الا انه كان ينظر اليهم نظرة الرحيم المشفق ولسان حاله (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) حتى مكنه الله بعد جهد جهيد بتحقيق ما كان يصبو اليه فأسس الجمهورية الاسلامية على اساس اطروحة ولاية الفقيه كخطوة اولى لتمهيد الارض لظهور صاحب العصر والزمان ارواحنا لتراب مقدمه الفدا, باعثا بذلك الروح في الاسلام الحركي الواعي, ومعلنا عن ولادة القطب الثالث.
هذا غيض من فيض من سيرة الامام الخميني وما عاناه في سبيل الله, وما قدمه للامة الاسلامية حتى فتح الله على يديه فتحا عظيما, فاستحق وعن جدارة لقب الامام الخميني العظيم. فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد ويوم رحل عنا في مثل هذه الايام اماما عظيما.
محمد حسن الموسوي
كاتب ومحلل سياسي عراقي
تعليق