إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

بين يدي المرجع: الليلة الأولى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بين يدي المرجع: الليلة الأولى

    بين يدي المرجع: الليلة الثامنة



    من المواضيع التي تم بحثها في مستهلّ جلسة هذه الليلة, كان موضوع عدم توضّؤ إمام الجماعة, حيث سأل أحد الفضلاء من المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, بقوله: إذا علم إمام الجماعة حين الصلاة بأنه لم يتوضّأ, ويخجل أن يقطع صلاته أمام المأمومين, فهل يمكنه الاستمرار بالصلاة؟

    أجاب سماحته: لقد بحث صاحب العروة هذه المسألة وقال: يمكنه قطع الصلاة لعذر واحد فقط ولايجوز له أن يستمرّ بها, وقد أيّد هذا القول أغلب المحشّين على العروة, ولم يعلّقوا عليها بشيء. ولكن هنا يوجد مطلب جدير بالذكر, وهو: إنّ القواعد العامة تقتضي انه إذا استمر بقصد الصلاة فهذا حرام, كما في الرواية الشريفة التالية: «أما يخاف الذي يصلّي من غير وضوء أن يخسف الله به الأرض». فهذا التعبير له ظهور في الحرمة, وفيه دلالة على أنه معصية, وهي معصية كبيرة. وهذا الظهور هو جزء من مرتكزات المتديّنين. وينطبق هذا الحكم على إمام الجماعة (المذكور) إذا قصد الصلاة.

    أما إذا استمر بالصلاة بلا نيّة الصلاة, أي يركع ويسجد ويقرأ الأذكار بلا قصد الصلاة, فهل يكون هذا في نفسه من المحرّمات وغير جائز؟ أو انها ليست بصلاة كي يشمله: (يصلّي من غير وضوء)؟ فلاشكّ انه لا توجد مشكلة بالنسبة لصلاة المأمومين, لأنها صحيحة, إلاّ إذا علموا أن الإمام على غير وضوء, فعندها ستكون صلاتهم غير صحيحة.

    ثم سأل آخر, تعقيباً على ما مرّ ذكره, وقال: إذا كان قطع الصلاة يسبب الحرج لإمام الجماعة, المذكور في المسألة التي ذكرت آنفاً, فهل يرفع الحرج عنه التكليف كي يمكنه الاستمرار بالصلاة؟

    قال سماحته: علينا أن نعرف هل الخجل هو حرج أو ليس بحرج؟ فبالنتيجة: هو حرج شخصي, ويختلف بالنسبة لكل إنسان.

    هنا طرح سماحة المرجع الشيرازي دام ظله مسألة اخرى للبحث, وقال: قبل فترة قال أحد الاخوة من العراق أنه في إحدى المدن العراقية انقطع التيار الكهربائي بسبب تضرّر تعرّضت له بعض محرّكات المحطّة, وقالوا بأن توصيل الكهرباء يستغرق عدّة أيام, حيث صرّح المسؤول المهتم بالكهرباء: إذا أردنا إرسال موظّفوا الدائرة لإصلاح الضرر الحاصل وإيصال الكهرباء للمدينة فهذا يلزم إفطارهم. فهل يجوز له أن يجبرهم على الإفطار بهذه الصورة؟

    أجاب أحد الفضلاء الحضور بقوله: عليهم أن يبتعدوا عن مدينتهم بمقدار المسافة الشرعية كي يصدق عليهم عنوان المسافرين, فيفطروا, وبعدها يذهبون إلى مكان تصليح الكهرباء.

    أما سماحته فقد قال في الجواب على ذلك: قبل أن ننظر إلى وجوب سفرهم, ترى هل يجوز لهم أن يفطروا أم لا يجوز؟

    ثم أضاف سماحته: نعم إذا كان في عدم تصليح الكهرباء هلاك النفوس (من المواطنين) فلا شكّ يجوز لهم أن يفطروا, حتى إن مات واحد فقط صعقاً بالكهرباء. وماذا إذا لم يكن هناك حالة تضرّر أو موت أحد من المواطنين؟

    بالنتيجة انقطاع الكهرباء صعب جدّاً على الناس, وانقطاعه يخلّ بالكثير من الأمور والأعمال, فلذا من باب ان الصنائع والحرف (واجب كفائي) إذا حصل خلل في نظام حياة المجتمع, فيجوز للموظّفين المذكورين أن يفطروا.

    بعدها سأل أحد الفضلاء وقال: إذا كان الزوج مصاب بالجنون الأدواري, أي تأتيه حالة الجنون بين فترة واخرى, فهل, في فترة الجنون, يجب على الزوجة أخذ إذن الخروج من البيت من الزوج المذكور؟

    قال سماحته: كلا, لأن موضوع وجوب الإذن هو: (الزوج العاقل), وهذا الموضوع غير محقّق بالنسبة للزوجة. وهذا الحكم يجري أيضاً في حال طلاق الزوجة المذكورة, لأنه لا ولاية للزوج المجنون, في حين ان الطلاق بحاجة إلى قصد الإنشاء, ولا يستطيع المجنون أن يقصد الإنشاء, ولذا يرجع الطلاق إلى الحاكم الشرعي, فالأخير هو وليّ من لا وليّ له.

    وسأل آخر: إذا أعرض الشخص عن مدينته (موطنه) إلى مدينة اخرى, ثم اشترى بعد فترة ملكاً في مدينته الاولى (موطنه) ويقوم بعض الأحيان بالسفر إلى مدينته الأولى, فهل يصدق على مدينته الأولى حكم الوطن؟

    أجاب سماحته قائلاً: إذا يسافر إليها كم يوم ويبقى فيها, فكلاّ لا تحتسب وطنه. وأما إذا بقى فيها شهرين أو ثلاث في السنة, نعم ستحتسب وطنه. لأنه سوف لا يقال عنه بأنه مسافر. فالملاك في الوطن (استناداً إلى ما تفضّل به الحاج السيد رضا همداني الذي أيّد قوله أيضاً من أتى بعده من الفقهاء) هو: لا يصدق عليه المسافر, لجهة وجود الفرق بين الوطن الأمّ والوطن الاتّخاذي.

    ثم سأل أحد الفضلاء أيضاً, وقال: هل يجوز التبعيض في التقليد؟

    أجاب سماحته: مع وجود الشروط الثلاثة أدناه, يجب تقليد الأعلم, ولا يجوز التبعيض في التقليد. والشروط هي:

    الأول: أن يكون محرزاً لوجود الأعلم بين المجتهدين.

    الثاني: أن يكون هناك اختلاف بين وجهة نظر مرجع تقليده ووجهة نظر الفقهاء الآخرين.

    الثالث: أن لا يسبب الرجوع إلى الأعلم لأخذ الأحكام منه حرجاً أو ضرراً.

    أما في حال عدم توافر هذه الشروط أو بعضها, فيجوز التبعيض في التقليد.

    ثم سأل أحد الفضلاء, وقال: ما هو دليل ومستند وجوب تقليد الأعلم؟

    قال سماحته: دليله هو بناء العقلاء, لجهة أنهم كانوا يعملون هكذا في سيرتهم حيث كانوا يرجعون في كل فن إلى الأعلم. والدليل الآخر هو حكم العقل من باب احتمال لزوم دفع الضرر.

    وأردف سماحته بقوله: لا شكّ أن بعض الفقهاء لم يوجبوا تقليد الأعلم بنحو مطلق كالسيد المرتضى وصاحب الجواهر. ولكن ظاهراً ليس مقصودهم ومرادهم أنه حتى مع توافر الشروط الثلاثة المذكورة لا يجب تقليد الأعلم, بل هو لجهة عدم توافر تلك الشروط, أو لأنه عادة قول هذه البيّنة في أن هذا الشخص هو الأعلم متعارض مع بيّنة اخرى ومتساقط, أو لأنه في تشخيص ومعرفة الأعلم حرج, فلذا لا يهتدي, عملاً, إلى الحصول على الأعلم.

    وسأل أحد من الفضلاء أيضاً, بقوله: إحدى أدلّة عدم مطهّريّة الماء المضاف هي: الأصل عدم المطهّريّة. فما هذا الأصل؟

    أجاب سماحته: هو أصل العدم, وهو بنفسه أصل برأسه ومستقلّ, وقد ذكرناه في أول بحث الاستصحاب في كتاب: بيان الأصول. لأن الأمر الحادث يحتاج إلى دليل وكونه مطهّراً. والأمر الحادث يحتاج إلى جعلية من الشارع. ولذا يجب أن يكون هناك دليل يقول بأن الشارع جعل المطهّريّة للمضاف. وأما بعدم وجود الدليل فيكون الأصل هو عدم المطهّريّة.

  • #2
    بين يدي المرجع: الليلة السابعة

    بين يدي المرجع: الليلة السابعة



    في جلسة هذه الليلة دار البحث بين المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله وبين العلماء والفضلاء حول عدة مسائل, كان منها:

    سأل أحد الفضلاء: شخص, وحين أذان المغرب, شكّ هل أنه صلّى الظهر والعصر أو لم يصلّيهما, فما هو حكمه؟

    أجاب سماحته: يشمله دليل (الوقت حائل) أو (كلما شككت فيه مما قد مضي). لأن (المضي) في الحديث الشريف أعم من نفس ذاك (المضي) أو محل (المضي). فإذا لم يكن عندنا إلاّ قاعدة التجاوز فسيكون لعبارة (المضي) إطلاق.

    بعبارة اخرى: مرّة يشكّ في أصل الصلاة بعد مضي وقتها, ومرّة يشكّ في جزء من أجزاء الصلاة بعد أن يتجاوز محلّها. فما موصوله في (مما قد مضي) يشمل الاثنين.

    وقال سماحته: إنّ المسألة التي لم يقبل بها أغلب الفقهاء, وبعضهم ولعدم تنقيح المسألة أفتى بفتوتين حولها مثل صاحب العروة, هي: هل ان المحل في (مما قد مضي) يجب أن يكون محلاًّ شرعياً, يعني المحلّ الذي عيّنه ووضعه الشارع, أم يشمل محل المبنى أيضاً؟ كشخص بنى أنه كلما يدخل الحمام يغسل ما في الذمّة من باب الاحتياط. فإذا شكّ هل اغتسل أو لا, وعلم أن في ذمّته غسل, فهل يصدق عليه (كلما شككت فيه مما قد مضي)؟ لأن هذا مضي محله أيضاً, ولكن هل هو محل المبنى؟

    وأضاف سماحته: على الظاهر المستفاد من (مما قد مضي) في مقام الظهور هو: المقصود من المرور من المحل الشرعي هو المبتنى على مبنى الشخص نفسه, وليس ما وضعه ورتّبه الشارع. أي: لجهة أنه بنى على أن يعمل طبقاً لما وضعه الشارع, ففي هذه الحالة إذا شكّ بعد المحل, فلا يعتني بشكّه.

    لذا, إذا لم يبني الشخص أصلاً أن يعمل طبقاً ووفقاً لما وضعه الشارع, ثم اعترضه شكّ بعد المحل, ففي هذه الحالة لا تجري عليه قاعدة التجاوز. وفي النتيجة: الموجود هو إطلاق هذه الرواية (مما قد مضي). نعم سنقبل متى ما لم يكن له ظهور عرفي, وكذلك نقبل إذا كان هناك إجماع أو ارتكاز مخالفاً.

    ثم عقّب سماحته بقوله: إنّ صاحب العروة أفتى بفتوتين في مسألتين متتاليتين (الاستنجاء والاستبراء), حيث قال في الأولى: تجري قاعدة التجاوز في المحل البنائي والتعوّدي (أي المحل الذي بنى أو تعوّد فيه على أن يعمل العمل الفلاني في كذا ساعة). ولكن قال في الثانية: لا تجري. وأما الميرزا عبد الهادي الشيرازي فقد قال: تجري القاعدة. لأنه ما الفرق بين الموردين؟

    بالنتيجة: إنّ (مما قد مضي) الذي يعني مضي محلّه كما قال الشيخ ومن أتى بعده, خلفاً عن سلف, بإطلاقه يشمل محل المبنى ومحل التعوّدي إلاّ ما خرج بدليل أقوى. بل كأنه لا يلزم حتى التعوّد, لأنه حتى في التعوّد لا يعتني بشكّه لأجل المبنى الذي بناه في أن يعمل ذاك العمل. ولذا بما أنه كان قد بنى, فيكفي مبناه في جريان قاعدة التجاوز. طبعاً لا يخفى أن نذكر لحضراتكم, بأننا الآن في مقام البحث العلمي وليس في مقام الفتيا.

    ثم ذكر سماحته مثالاً على المسألة التي مرّت وقال:

    مثلاً شخص لم يك معتاداً على الذهاب إلى الدرس وهو متوضّئاً، ولكن بنى أمره على أن يتوضّأ لأنه قرأ رواية الطهور. وبعدها شكّ أنه توضّأ أم لم يتوضّأ؟ فهنا إن قال الفقهاء: في مثل هذه الموارد تجري قاعدة التجاوز أيضاً، فهذا قول حسن.

    وفي سياق هذه المسألة أضاف سماحته بقوله: هنا مطلب آخر، وهو: ان كاشف الغطاء وابنه الشيخ حسن صاحب كتاب أنوار الفقاهة قالا: إنّ قاعدة التجاوز إمارة وليست أصلاً، ولذا عدّوا لوازمها بأنها حجّة، واستندوا إلى قول الإمام صلوات الله عليه: بلى قد ركعت، وبلى قد سجدت. وهذا التعبير له ظهور في انه يعني: أن يفرض السائل أنه قد ركع (بلى قد ركعت). أي: أنت (أيها السائل) راكع تعبّداً. ولذا إذا صارت إمارة فإن لوازمها وملزوماتها ستكون حجّة، كما أفتى المرحوم كاشف الغطاء بأنه: إذا شكّ بعد صلاة الظهر بأنه قد توضّأ أو لم يتوضّأ، فلا يلزم عليه أن يتوضّأ لصلاة العصر. وهذا قول حسن، لأن قاعدة التجاوز لها كاشفية عقلائية.

    وأردف سماحته: إنّ قول: بلى قد ركعت، وبلى قد سجدت، قالوا بأنه يختلف مع القول الوارد في روايات الأصول العملية. فقد قالوا في الأصل العملي: يبني على ما كان، ويعمل وفقاً له، ولا يعتني بشكّه. وأما بالنسبة إلى (بلى قد ركعت) فهو بيان أمر تعبّديّ، ولذا فإن اللسان هنا هو لسان إمارة.

    بعد الانتهاء مما مرّ ذكره من البحث السابق، سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بقوله: إذا كان الزوج مغمى عليه أو مجنوناً فهل تحتاج الزوجة إلى إذن للخروج من البيت، أو تحتاج إلى الإذن من الحاكم الشرعي؟

    أجاب سماحته بقوله: إنّ الزوجة تحتاج إلى إذن الزوج للخروج من البيت، وهذا يصدق في حال وجود الموضوع، أي وجود الزوج، وأن يكون عاقلاً وليس مغمى عليه. وأما بعدم وجود ذلك فلا موضوع للإذن، لأنه هنا سيكون من قبيل الملكة وعدم الملكة، وهنا لا يوجد ملكة، لأن الموضوع وهو: إذن الزوج العاقل واليقظ، ولكن الزوج حالياً يفتقد لذلك. ولا حاجة لإذن الحاكم الشرعي، لأن الحاكم الشرعي هو وليّ الممتنع، وهنا لا وجود للامتناع.

    كما ان في زواج البنت البكر، يلزم إذن الأبّ والجدّ بناء على القول به. فعدم وجود الأبّ والجدّ يعني لا وجود للموضوع، ولا يلزم إذن الحاكم الشرعي.

    وأضاف سماحته: هناك ستة أقوال في هذه المسألة، ويبدو ان الأوجه في المسألة هي الإذن بناء على الاحتياط الواجب لجهة لوازمه.

    وسأل أحد من الفضلاء أيضاً: إذا قال أحد بالاستصحاب: هذا الثوب طاهر، فهل له اعتبار لغيره؟

    قال سماحة المرجع الشيرازي في الجواب على ذلك: إنّ استصحاب القائل متضمّناً لشهادته بطهارة الثوب، وبأنه كان طاهراً بالأساس، ولذا فقوله حجّة لغيره. وهذا يكون بناء على أن يكون قول الثقة في الموضوعات معتبراً، كما يبدو. وكما قال جمع من الفقهاء أنه: بعد شكّه إذا حصل شكّ لغيره، فإن أركان الاستصحاب تكون تامّة لغيره، فيمكن للأخير أن يستصحب الطهارة، ويكون حكم الثوب له هو حكم الطهارة.

    تعليق


    • #3
      بين يدي المرجع: الليلة السادسة

      بين يدي المرجع: الليلة السادسة



      سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي: إذا طلب زيد مثلاً من عمّار أن يعمل له بدون أن يقصد إعطائه الأجرة, وبعد انتهاء العمل طالب عمّار بالأجرة, فهل يكون الأخير مستحقّاً للأجرة؟

      أجاب سماحته: علينا أن نعرف أن ظهور ذلك الفعل والعمل في أيّ شيء, لأنه وكما أشرنا إليه في الليالي السابقة, أن الفعل إذا كان له ظهوراً فسيكون معتبراً, كما إذا كان للفظ ظهوراً. فالذي يكلّف غيره بعمل تحتسب له الأجرة عرفاً, هذا التكليف سيسبّب أن يضمن زيد (وهو طالب العمل) الأجرة لعمّار (العامل), إلاّ إذا كان عمل عمّار له ظهور في التبرّع ولا ربط له بقصد زيد الذي كلّف عمّار بالعمل.

      إذن يلاحظ العمل والعامل معاً. ولكن بالنتيجة إن عمل كل إنسان هو عمل محترم, حتى غير المسلم, وعليه فإن (يبذل المال بإزائه وعدم البذل بإزاء هذا العمل) يحتاج إلى دليل, وهو: إما أن يكون قصد العامل التبرّع, أو أن لا يكون للعمل ظهوراً في ما له الأجرة.

      خلاصة القول: متى ما كان هناك تسبيب فهناك الضامن أيضاً, لأن التسبيب تعامل عقلائي يقبله العقلاء, ولم يرد دليل على خلافه, ويكفي هذا المقدار للإمضاء الشرعي.

      ثم طرح أحد الفضلاء السؤال التالي: إذا برّأ الدائن المديون قلباً (أي برّأه بقلبه) ولكن لم يصرّح بذلك ولم يظهره ولم يخبر به حتى المديون, فهل تبرأ ذمّة الأخير؟

      قال المرجع الشيرازي في الجواب على ذلك: إذا عدّ العرف هذا النوع من الإبراء بأنه إبراء فلا إشكال فيه, ولكن ليس معلوماً عرفاً أن هذا المقدار من النيّة يكون إبراء.

      يعني ان المشكلة في الصغرى بأنه هل تكون محقّقة صغرى هو الإبراء, أم لا؟ وإلاّ إذا تحقّق الإبراء, فسيتحقّق إبراء الذمّة للمديون.

      وسأل أحد الفضلاء: ما معنى قول: (الاستصحاب, أصل محرز)؟

      قال سماحته: يعني حاكم على بقية الأصول, ويقول لسان حاله: موضوعاً لا يوجد شكّ. وأمّا قول البعض: (يعني له الكاشفية) ليس تامّاً, لأن الاستصحاب أصل لا إمارة.

      ثم أضاف سماحته: مع ان بعض الفقهاء قد صرّحوا بأن الاستصحاب إمارة, كما انه بالسبة إلى قاعدة التجاوز والفراغ قال بعض الفقهاء بأنه إمارة كالشيخ حسن كاشف الغطاء (صاحب كتاب أنوار الفقاهة وهو كتاب جيّد وفيه نقاط مهمة حول عشرات الموارد, لا توجد في الجواهر, كما ان الجواهر يحوي على نقاط مهمة لا نجدها في أنوار الفقاهة, ولذلك بين هذين الكتابين القيّمين عموم من وجه). فالشيخ حسن كاشف الغطاء وتبعاً لأبيه يعتبر قاعدة الفراغ والتجاوز إمارة ودليله تعبير نجده في الرواية التالية: (عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أستتم قائماً, فلا أدري أركعت أم لا؟ قال: بلى قد ركعت فامض في صلاتك). حيث قال: هذا التعبير له ظهور في الوجود التعبّدي.

      ثم بحث أحد الفضلاء مع سماحة المرجع الشيرازي بعض مسائل قوانين المرور, فسأل قائلاً: إذا لم يراعي سائق السيارة قوانين المرور, كأن لا يبالي بالضوء الأحمر الذي يوجب التوقّف, فيسبب عدم وقوفه اصطدام بعض السيارات ببعضها, فهل يكون السائق ضامناً؟

      أجاب سماحته: إذا عدّ العرف ذلك تسبيباً, نعم يكون ضامناً. علماً بأنه قد قال الفقهاء في المئات من الموارد التي لا دليل خاص لها, أنه: ضامن لأنه هنا يصدق التسبيب عرفاً, والضمان مبتنياً على التسبيب, وإلاّ فإن كل القوانين, عدا قانون الله تعالى, لا اعتبار لها, لأنه «إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ».

      ثم سأل آخر: شخص رأس سنته الخمسية غرّة شهر رمضان المبارك, ولم يستلم راتبه عن شهري رجب وشعبان بسبب عدم توفّر المال عند صاحب المعمل أو الورشة أو الشركة التي يعمل فيها. ولكن استلم راتبه عن الأشهر رجب وشعبان وشهر رمضان بعد انتهاء شهر الصيام دفعة واحدة. فهل يعتبر راتب شهري رجب وشعبان من أرباح السنة الحالية ويجب خمسها, أو أنه من أرباح السنة التالية؟

      قال سماحته: إذا كان مستحقّاً لهذه الرواتب وكان يطلب صاحب العمل, فهي من أرباح السنة الحالية, وإذا لم يكن مستحقّاً لها ولم تكن من طلبه, عندها ستكون مسألة عرفية وهي: إذا عدّها العرف من أرباح السنة التالية فلا خمس عليها, كما قال بذلك بعض الفقهاء كالسيد الحكيم, والميرزا عبد الهادي, والمرحوم الوالد, والمرحوم أخي.

      وسأل أحد الفضلاء: إذا شكّ الإنسان بإحدى ملابسه بأنه قد استعملها أو لا, فهل عليه أن يدفع خمسها في رأس سنته الخمسية؟

      قال سماحته: لا شكّ بأنه يجب الخمس في ذلك. لأن ما يستنبط من أدلة الخمس هو أنه بمجرد حصول الإنسان على الملابس, فإنه يتعلّق بها الخمس, لأن الرواية الشريفة تقول: «هي والله الإفادة يوما بيوم», وفي رواية اخرى: «ما أفاد الناس من قليل أو كثير», وفي رواية أيضاً: «الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق».

      إذن يتعلّق بها الخمس, ولكنها مقيّدة بقيدين: الأول: هذا الوجوب (وجوب الخمس) موسّع إلى رأس السنة الخمسية, وعند حلول رأس السنة يصبح الوجوب مضيّقاً وفورياً.

      القيد الثاني: إذا أصبحت الملابس, أو أيّ شيء آخر حصل عليه, من المؤونة فيسقط عنها الخمس. (الخمس بعد المؤونة).

      وأضاف سماحته قائلاً: لذلك إذا شكّ بأن هذا الشيء مؤونة أو لا, لجهة يقينه بتعلّق الخمس به, فالأصل هو بقاء الخمس. وذلك لأنه يجب أن يكون مسقط الخمس وهي المؤونة, محرزة.

      وعقّب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بقوله: المسألة التي مرّت هي مثل ونظير المسألة التالية: إذا شكّ الإنسان بأن الثوب أو الملابس الكذائية هي في شأنه أو لا, كأن يعلم هو بأن من شأنه ارتداء العباءة التي سعرها 20 ألف ديناراً, وأما التي سعرها 50 ألف ديناراً فهي زائدة على شأنه, ولكنه يشكّ هل في شأنه ارتداء العباءة التي سعرها 30 ألف ديناراً أو لا؟ هنا عليه أن يدفع خمس عشرة آلاف دينار.

      تعليق


      • #4
        بين يدي المرجع: الليلة الخامسة

        بين يدي المرجع: الليلة الخامسة



        تركّزت المباحث العلمية في جلسة هذه الليلة على مسائل الصوم, وكثير السفر في شهر رمضان المبارك, والتوقيت الشرعي في المناطق القريبة من القطب. فسأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, وقال: إذا لم ينوي الشخص الصيام في شهر رمضان أصلاً, وشرب الماء أو تناول الطعام, فكيف يصدق عليه أنه أفطر؟ ففي هذا الفرض يحكم عليه وحسب القاعدة بالكفّارة, فبأيّ دليل يحكم بالكفّارة, لأن دليل الكفّارة يقول: من أفطر, وهذا الشخص لم يكن صائماً بالأساس كي يصدق عليه عنوان المفطر؟

        أجاب سماحته: عندنا في الروايات نوعين من الأدلة: الدليل الأول: هو قول الإمام صلوات الله عليه: (من أفطر). والدليل الثاني: قوله صلوات الله عليه: (من أكل) وماشابه من أكل المفطرات الاُخرى. فهنا يحمل دليل (من أفطر) على (من أكل), وليس بالعكس, أي ليس حمل (من أكل) على (من أفطر). ويعني: أن الأكل والمفطرات الاخرى لها موضوعية. ولذا فإنّ معنى أو المراد من (من أفطر) هو تناول الإنسان الطعام في شهر رمضان المبارك أو شربه الماء, حتى إن لم تكن عنده نيّة الصيام أو لم ينوي ذلك.

        وسأل آخر: بالنسبة للمبلّغ الذي يسافر كل يوم في شهر رمضان المبارك من بلدته إلى بلدة اخرى لأجل التبليغ ثم يرجع إلى بلدته, هل يصدق عليه (كثير السفر) أم لا؟

        أجاب سماحته بقوله: إذا قلنا أن تكرار السفر هو الجريان, حتى إن كان لمدّة شهر واحد لا أكثر, فيوجب صدق عنوان كثير السفر عليه, وهذا ليس ببعيد.

        نعم, هذا الشخص هو كثير السفر, وقد ذكرت الروايات الشريفة (الاشتقان) كمثال على كثير السفر. وكان الاشتقان عادة لا يسافر كثيراً من بلدته وعلى طول السنة, بل إما في شهر واحد أو شهرين, أو في فصل الشتاء أو الربيع فقط. فلذا يستفاد من هذا المثال أنه ليس مهماً كم شهر تطول مدّة السفر لكثير السفر, بل المهم هو أن تكرار السفر يكون له الجريان, وليس لأمر طارئ أو حدث أو بلا مناسبة. والمهم أيضاً أن لا يبقى في بلدته أو في غيرها عشرة أيام.

        بعبارة اُخرى ان كثير السفر له ثلاثة شروط, هي: الأول: تكرار السفر. والثاني: أن يكون له الجريان. والثالث: أن لا تقع فاصلة لمدّة عشرة أيام بين سفراته. فإنّ وجدت هذه الشروط صدق عليه عنوان كثير السفر.

        وأضاف سماحته بقوله: النتيجة المستخلصة هي: ان كل الموضوعات لها مصاديق معلومة ومصاديق مشكوكة. ولكن على الظاهر ان ما يستنبط من الأدلة هو أنه لا يلزم أن يكون تكرار السفر للكسب, كما استنبط بعض السادة الفقهاء بقولهم: (أنه يجب أن يكون لأجل الكسب بالذات), بل المقصود هو الجريان, حتى إن كان زيارة مسجد السهلة والكوفة أو مسجد جمكران, في كل ليلة أربعاء على طول فترة شهر واحد كحد أدنى.

        ثم أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى إحدى المسائل التي هي محلّ ابتلاء الصائمين القاطنين في المناطق القريبة من القطب, وقال: هناك مسألة مشكلة ويتكرّر كثيراً السؤال عنها, وهي محل ابتلاء بعض الناس في شهر رمضان المبارك, وهي:

        في بعض المناطق القريبة من القطب, اختلف أهل الخبرة في تعيين الأوقات الشرعية للصلاة في تعيين الفجر, فقال بعضهم: الفجر في الساعة الثالثة والنصف, وقال بعض: الفجر في الساعة الواحدة والنصف. أي اختلفوا بمقدار ساعتين, وسبب اختلافهم هو ان موضوع الفجر في الأدلة وهو (ضياء معترض في الأفق), لا يكون في تلك المناطق.

        إذن فما هو تكليف الألوف من الأشخاص القاطنين في تلك المناطق الذين يريدون أن يصوموا؟

        أجاب سماحته وقال: إذا كان قول أهل الخبرة ثقة فهو حجّة إلاّ إذا كان الأمر حول بداية شهر رمضان وبداية شهر شوال, فدليلهما هو صم للرؤية وافطر للرؤية). وكذلك في مثل باب القضاء حيث له دليل خاص أيضاً. وهنا إذا تعدّد أهل الخبرة واختلفوا, فهل يحدث التساقط إثر هذا التعارض ويرجع إلى الأصول العملية, أم يكون الاختيار بين أحدهما؟

        وأردف سماحته: إن مبنى أغلب الفقهاء هو على التساقط, فإذا كان التساقط فلا نعلم بوقت الفجر؟ لأن الإمارات الموجودة والمتعارضة تكون في حكم العدم. وهنا عندما لا تكون بين أيدينا إمارة, فنرجع إلى الأصول العملية, ويكون استصحاب الليل إلى الفجر الثاني. وإذا حدث إشكال لاستصحاب الموضوع (سواء كان بناء أو مبني) عندها سيكون استصحاب الحكم.

        نعم, قال المشهور: عند تعارض الإمارات يكون التخيير. وهنا لا يمكن أن يقال: أقل, وأكثر, وأقل قدر متيقّن, لأن الأقل والاكثر في مرحلة الشك والأصول العملية, وقول أهل الخبرة والثقة هو إمارة.

        وعقّب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً: هنا نقول: إذا أحرز بعدها ان الفجر في الساعة الواحدة والنصف هو الفجر الحقيقي, فسيكون صيام الذي أمسك من الساعة الثالثة والنصف صحيحاً ولا قضاء عليه. وعليه فلا قضاء لصوم الشخص الذي فحص أو لم يفحص. وأما صلاته فعليه أن يقضيها لأنها لم تكن في الوقت.

        تعليق


        • #5
          بين يدي المرجع: الليلة الثالثة والرابعة

          بين يدي المرجع: الليلة الثالثة والرابعة
          سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: ما حكم صيام بعض الأشخاص الذين يعطشون كثيراً بسبب عملهم، كالخباز أو العامل في صنع الطابوق؟
          أجاب سماحته: هذا الأمر له دليل خاص، كما جعل له صاحب العروة خصوصية، وهي أنه: يشرب الماء بمقدار الضرورة فقط، ولا يأكل. وفي هذه الحالة يبطل صومه، فعليه القضاء بلا فدية.
          أما لماذا لا فدية عليه لجهة أن صومه كان طبقاً للدليل في هذا المورد. وأما أن يشرب الماء بمقدار الضرورة وليس أكثر، لجهة وجود رواية خاصة معمول بها.
          وأضاف سماحته: أما بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع أن يعمل وهو صائم، حيث يحتاج حين ممارسة عمله إلى الماء والطعام معاً، ولا يستطيع أن يترك عمله ليتفرّغ للصوم لأن رزقه متوقف على عمله، فعلى الظاهر يشمله (لا حرج)، مع أن صاحب المستند قال: إن صيام هذا الشخص تكليف حرجي.
          نعم، هذا الشخص إذا كان بإمكانه أن يترك عمله في شهر رمضان، ويقترض، ويمكنه وبلا حرج أن يسدّد أقساط القرض، وأن لا يفقد عمله بعد شهر رمضان المبارك، فعليه أن يقوم بهذا الأمر ويصوم. ولا شك أن الحرج مسألة شخصية، ويختلف بالنسبة لكل شخص.
          وأردف سماحته: هنا توجد مسألة، وهي: ان أمثال هذا الشخص هل يجب عليهم أن يفطروا، أم لا يجوز لهم الإفطار؟
          فقال سماحته في جواب ذلك: أحياناً يكون الحرج بشكل لا يمكن تحمّله، كما قالوا في الضرر بأنه هناك ضرر لا يجوز تحمّله، ففي هذه الصورة لا يجوز الصوم.
          ثم عقّب سماحته بقوله: قال الفقهاء ومنهم صاحب العروة أنه: إذا صام المريض ولحقه ضرر قليل، فهنا يجوز الصيام له ويجوز له تحمّل الضرر القليل، وهذا الكلام هو البحث نفسه الذي بحثه الفقهاء وقالوا: هل ان (لا ضرر) رخصة أم عزيمة؟
          نعم، إن قلنا بأنه عزيمة فلا يجوز له الصوم، ويصبح حينها حكم المريض كحكم المسافر، أي لا يجوز له الصوم، فهذا الأمر بالنسبة لهذا الشخص هو تبدّل التكليف.
          أما إذا قلنا بأنه رخصة فقاعدته هي: إذا كان الضرر قليلاً أو خفيفاً ولا يحرم تحمّله، فالشخص يكون مخيّراً بين الصوم والإفطار. ويفهم هذا التخيّر من سكوت المعصوم صلوات الله عليه قبال القول بوجوب الإفطار، وهذا ما يقول به الفقهاء.
          نعم، إنّ الآية الكريمة: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيامٍ أُخَرَ» قد ذكرت, بنحو مطلق, المريض والمسافر في سياق واحد، ومقتضاه هو ان حكم المريض والمسافر حكماً واحداً، لأن سياق القرينة هي على تساوي حكم المريض والمسافر، إلاّ إذا كان هناك دليل أظهر في مسألة المريض.
          بعدها أوضح سماحته بقوله: نعم، في مسألة المريض هناك روايات مستفيضة، منها الرواية التالية: عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صلوات الله عليه أَسْأَلُهُ: مَا حَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ صَاحِبُهُ... قَالَ: بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَقَالَ: فَإِنْ وَجَدَ ضَعْفاً فَلْيُفْطِرْ وَإِنْ وَجَدَ قُوَّةً فَلْيَصُمْهُ.
          في هذه الرواية سئل الإمام الصادق صلوات الله عليه: ما هو المرض الذي تقصده الآية الكريمة الذي يمنع الصوم؟ فقسّم الإمام صلوات الله عليه في الجواب المرض على قسمين، بقوله: القسم الأول: المريض الذي يجب عليه الإفطار ولا يجوز له الصيام. والقسم الثاني: هو المريض الذي له رخصة في الإفطار أو الصوم.
          وقال سماحته أيضاً: لعل من المتسالم عليه بين الفقهاء المعاصرين أن المرض على قسمين. وأما ما ذكرته بعض الروايات وهو: (كان المرض ما كان) فالمراد منه هو أن يكون المرض في أي موضع من البدن والرأس والجوارح، وليس المراد منه كل مرض، سواء كان خفيفاً أو شديداً.
          ثم أضاف سماحته: ما يؤيّد هذا المعنى هو هناك عبارة لصاحب الجواهر في المجلّد (16) في الصفحة (345) ممزوجة مع عبارة الشرائع التي يقول فيها: ولا إشكال في أنّه يصحّ الصوم من المريض ما لم يستضر به، لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض، ... .
          وتوجد هذه المسألة في رسالة الشيخ زين العابدين المازندراني، وهو من تلامذة صاحب الجواهر، وكتب ثلاثة من أعاظم الفقهاء حاشية عليها، وهم: السيد محمد كاظم اليزدي، والسيد اسماعيل الصدر، والميرزا محمد تقي الشيرازي. فهؤلاء الأعاظم الثلاثة لم يعلّقوا على هذه المسألة وقبلوها.
          إنّ عبارة الرسالة هي: (السادس: السلامة من المرض: فمن يعلم بأن الصوم مضرّ له، حتى إن لم يكن مريضاً، وكان الضرر من المعتد به وليس مطلق الضرر، فلا يجب عليه الصيام). ومعنى هذه العبارة أن (لا ضرر) هي رخصة.
          وأضاف سماحته أيضاً: النتيجة مما مر ذكره هي: إنّ مقتضى المستنبط من مجموع الأدلّة هو: إذا كان الصوم يوجب الضرر الذي يحرم تحمّله، مثل الضرر الذي يؤثّر على الكلية ويوقف عملها، أو يفقد البصر (سواء كان مريضاً أو ليس مريضاً) لأن الملاك هو الضرر وليس المرض، ولا فرق بين كون الضرر، ضرر مادّي أو مالي أو عرضي، ففي هذه الحالة لا يجوز الصيام.
          أما إذا كان الضرر من نوع الذي لا يحرم تحمّله، فيكون مخيّراً بين الصوم والإفطار، وهذا ما قال به أغلب الفقهاء، كالعبارة التي ذكرناها وقرأناها على مسامعكم آنفاً.
          هنا سأل أحد الفضلاء مسألة هي محل ابتلاء، وقال: هل يلزم في الإجارة تعيين مقدار المدّة وزمانها؟ فعلى سبيل المثال: الشخص الذي يسافر إلى مدينة مشهد، ويختار الفندق للسكن، عندما يدخل الفندق يقول لصاحبه: اُريد غرفة. فيسأله صاحب الفندق: كم يوم ستبقى فيها؟ فيقول: لا أعلم. فما هو حكم هذا النوع من الإجارة؟
          أجاب سماحة المرجع الشيرازي بقوله: حول هذه المسألة صرّح بعض الفقهاء بأن: هذه الإجارة باطلة. ولكن على الظاهر يستفاد من أدلة الإجارة ان: وهذه هي من أنواع الإجارة. نعم إذا تيقّن بغررها فالإجارة باطلة، ولكن عرفاً لا غرر في هذا المورد.
          وأردف سماحته: وإذا لم نقبل بأنها إجارة، فهي نوع من أنواع العقد الجديد ولا إشكال فيه، لأن (أوفوا بالعقود) لا يشملها، ولأن من مصاديق العقد الباطل هو ليس الكالي إلى الكالي، ولا غرر فيها عرفاً.
          وسأل آخر: في شهر رمضان هل يجوز للمسافر أن يصوم صوماً آخراً؟
          قال سماحته: لا صوم في السفر في شهر رمضان بالخصوص، سواء صوم الشهر أو صوم غيره، وحتى صوم النذر، وهذا ما يستنبط من الأدلة ومن ارتكاز المتشرّعة. وإذا قيل ان إطلاق الأدلة تقول إذا نذر يجوز الصوم، نقول: إنّ هذا الإطلاق محكوم بـ: اولئك العصاة. كما ان ارتكاز المتشرّعة قيّد هذا الإطلاق، ولكن إذا نذر في غير شهر رمضان فيجوز، لأن له دليل خاص.
          ثم أضاف سماحته: هناك روايات تقول بشكل مطلق، أي حتى بلا نذر، بجواز الصوم المستحبّ في السفر، وأفتى به المشهور أيضاً، ولكن قال بعض: لا يجوز الصوم في السفر مطلقاً حتى مع النذر، إلاّ ثلاثة أيام في المدينة المنوّرة لأجل حاجة ما. وقال بعض ويحتمل أن يكون من المشهور أنه: إذا نذر فيجوز له الصوم في السفر.
          وسأل آخر: إن قوله تعالى: «خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» هل يشمل تزيّن المرأة في الصلاة؟
          قال سماحته: لا إشكال إذا قلنا بالشمول، بالطبع مع فرض أن لا يراها الأجنبي. وعندنا رواية تويّد هذا الشمول. ففي الرواية أنه يكره للمرأة أن تصلّي وهي عطلاء، أي بلا أية زينة.

          تعليق


          • #6
            بين يدي المرجع: الليلة الثانية

            بين يدي المرجع: الليلة الثانية



            في جلسة هذه الليلة التي حضرها الفضلاء الضيوف من الحوزة العلمية في كربلاء المقدّسة, الأستاذ والمؤّلف آية الله الشيخ فاضل الصفّار, وعميد الحوزة الأستاذ آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري, دامت بركاتهما, وضيوف من سوريا والخليج, سأل أحد الفضلاء من المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: هل يحكم على منكر الضروري بالارتداد بشكل مطلق؟

            أجاب سماحته: إن مسألة منكر الضروري مسألة شائكة, وبما أن صاحب الجواهر قد بحث المسألة بالتفصيل, وكذلك بحثها المرحوم أخي أكثر تفصيلاً, وعلى ظاهر قول المشهور بأنه بشكل مطلق, ولكن على المبنى أنه إذا أنكر إحدى الأصول الثلاثة, وهي: التوحيد, والنبوّة, والمعاد, فيحكم عليه بالارتداد, وإلاّ فلا. وقال الكثير من العلماء: نحن نحكم بالارتداد لثلاثة أسباب, ولا رابع لها. ولم يوافقوا على اليحكم بالارتداد إن أنكر الرابعة.

            وقال سماحته: إن حدثت شبهة عمومية في مورد ما بحيث يصاب بسببها عامة الناس بالانحراف, مثل فتنة الجمل وصفّين, والنهروان, فلا يحكم بالارتداد في مثل هذه الموارد استناداً إلى عمل مولانا النبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.

            وأضاف سماحته: لا يقال: العمل لا ظهور له, ولا يمكن الاستناد عليه, فلعله كان لجهة خاصة.

            لأننا نقول: أحياناً يكون للعمل ظهور, مع ان الأصل في العمل هو أنه لا ظهور له, كما في اللفظ حيث ان الأصل فيه هو أن يكون له ظهورً, مع انه أحياناً يكون له انصراف ولاظهور له.

            وأردف سماحته: إن الفقهاء استندوا كثيراً إلى عمل المعصومين صلوات الله عليهم في موارد متعددة, وقال صاحب العروة في كتاب الوصية في المسألة (9): (إنّ ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال). أي إن العمل أحياناً له ظهور في العموم, ويستظهر منه أنه كان لجهة خاصّة, ومن هذه الموارد شبهات العامّة. ومثل هذا الظهور موجود بالنسبة إلى عمل مولانا النبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.

            بعدها بحث الفضلاء مع سماحة المرجع الشيرازي بعض مسائل الخمس, فسأل أحدهم بقوله: إذا خمّس الشخص من عين الذهب الذي ربحه, ثم وإلى السنة القادمة لم يزد على ذهبه شيئاً, ولكن ارتفعت أسعار الذهب, فهل يتعلّق الخمس بالسعر الزائد من الارتفاع؟

            أجاب سماحته: إنّ الملاك في باب الخمس هو: الفائدة كما في الرواية الشريفة: (هي والله الإفادة يوماً بيوم). ويعني: ان موضوع الخمس هي الفائدة. فمتى ما صدقت الإفادة عرفاً على أي شيء فيتعلّق به الخمس. وعندما ترتفع أسعار الذهب يقال عرفاً لصاحب الذهب: لقد حصل على فائدة.

            هذا الحكم يصدق في هبوط قيمة الأموال أيضاً. على سبيل المثال: انه إذا كان للشخص عشرة مليون دينار, وخمّس مليونين منها في رأس السنة, فإذا صارت الثمانية الباقية عشرة مليون إلى رأس السنة الجديدة, فهذا يعني أنه حصل على مليونين فائدة, مع انه بالدّقة لا يحسب ربحاً لأن أسعار البضائع غلت وأصبح لا قيمة شرائية للأموال. ولذا لعله لم يحصل على الفائدة أصلاً, ولكن يقول العرف: لقد اضيفت على أمواله مليوني دينار وربح وحصل على فائدة.

            هنا قال أحد الضيوف, سائلاً: المشهور هو ان المخمّس لا يخمّس, وهذا المقدار من الذهب قد تم تسديد خمسه, فهو مخمّس, ولا يخمّس بعدها؟

            أجاب سماحته: إن المخمّس لا يخمّس من جهة أن المخمّس هو ليس فائدة كي يدفع خمسه مرة اخرى, ولكن الفرض هو ان سعر الذهب قد ارتفع, والعرف يحسبه ربح وفائدة, حيث ان ملاك الخمس هو: الفائدة. وليكن معلوماً انه لا يوجد في الأدلّة عنوان مثل: (المخمّس لا يخمّس), ولا اجماع فيه كي نجعله ملاكاً. ولذا حتى إذا لم تحصل إضافة على عين الذهب, لكن إذا صدقت عليه الفائدة عرفاً, يتعلّق به الخمس.

            نعم يقال انه لا خمس في القرض, لأن القرض ليس فائدة.

            ثم تناول أحد الفضلاء بعض مسائل الصيام في بحثه مع سماحة المرجع الشيرازي دام ظله, فسأل بقوله: هل ان عنوان الشيخ والشيخة عنوانان مستقلاّن, أم مشروط بعدم القدرة على الصوم؟

            أجاب سماحته: إن استنباطي من الأدلة هو: أن الشيخ والشيخة, عنوانان مستقلاّن لعدم الصيام.

            وسأل آخر: إذا كان الشخص في بيت صديقه مثلاً أو في بيت أحد معارفه, واستيقظ من النوم قبل السحور وهو مجنب, ويخجل بشدّة من الذهاب إلى الحمام أمام صديقه أو معارفه للغسل, فصام وهو مجنب, فهل عليه القضاء والكفّارة؟

            أجاب سماحته بقوله: إن كان في الأمر حرج, فالحرج يرفع الحكم, كما في قوله تعالى: (ماجعل عليكم في الدين من حرج), والخجل الشديد حرج, فلذا لا إشكال عليه وكذلك لا قضاء ولا كفّارة عليه, شرط أن يتيمم عوضاً عن الغسل قبل حلول أذان الصبح وقبل صيامه.

            وسأل أحد الأفاضل القادمين من إحدى دول الخليج, بقوله: تم وقف صحن من النحاس في إحدى المساجد, ولكن لم يستفاد منه في ذلك المسجد, فهل يجوز نقله من المسجد؟

            قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في الجواب على ذلك: إذا تم نقل الصحن إلى مسجد آخر يتم فيه الاستفادة منه, فلا إشكال في نقله. وطبعاً مع عدم الوقوع في الحرج يجب الفحص في مسألة البحث عن مسجد يستعمل صحوناً كالصحن النحاسي المذكور.

            تعليق


            • #7
              بين يدي المرجع: الليلة الأولى

              بين يدي المرجع: الليلة الأولى



              في ليالي شهر رمضان المبارك يتوافد العلماء والفضلاء وطلاّب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامّة المؤمنين على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدّسة.

              خلال لقائهم بسماحة المرجع الشيرازي, يدور حديث العلماء والفضلاء وباقي الضيوف حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضّل به سماحته من وصايا وتوجيهات.

              الليلة الأولى

              في بداية جلسة هذه الليلة وبعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وعلى مولانا النبي الأكرم وآله الأطهار الأخيار صلوات الله عليهم أجمعين, قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: نشكر الله سبحانه وتعالى أن منّ علينا بأن نشهد شهر رمضان آخر، فالعديد من المؤمنين كانوا قد شهدوا شهر رمضان السنة الفائتة، لكنهم في هذه السنة قد رحلوا عن الدنيا ولم يدركوا رمضاننا هذا.

              ثم استعدّ سماحته للإجابة على أسئلة الفضلاء والحضور ومناقشتها معهم، فكان مستهلّ البحث العلمي في الجلسة الأولى من شهر رمضان المبارك حول العقيقة, حيث سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً:

              هل يمكن ذبح عقيقة واحدة عن شخصين, وهل في هذه الحالة تحتسب عقيقة؟

              أجاب سماحته: على الظاهر هناك توسّع في باب المستحبّات المالية. وبالنسبة للاضحية هناك رواية تقول بأنه يمكن تقديم اُضحية واحدة عن 77 شخصاً. وبلا شك هذا بالنسبة لغير المتمكن مالياً. نعم قد يكون هذا الأمر غير مخصّص بالاُضحية أي يشمل العقيقة أيضاً بالنسبة لغيرالمتمكن مالياً, وليس للمتمكن الذي يقدر على ذبح العقيقة عن كل شخص, لأن ذبح عقيقة واحدة عن عدّة أشخاص مخالف للأصل, حتى مع احتمال وجود إمكانه, ولا يوجد دليل عليه. والنصوص الموجودة بيّنت إمكان ذلك لغيرالمتمكّن مالياً أو للذي لايقدر على ذلك لوحده. نعم يمكن أن تحسب صدقة عامة, ولكن لا تحسب صدقة خاصة وهي العقيقة.

              وسأل آخر من الفضلاء: شخص كان مريضاً ولم يستطع الصيام لسنين عديدة. أما الآن فقد شفي من مرضه, ويظن, وليس يشك, أنه يستطيع الصيام, وان الصوم لا يضرّ بصحته. في هذه الحالة هل يجب عليه الفحص ومراجعة الطبيب, أم لا يجب عليه الفحص, والاستصحاب مضرّ أيضاً بجهة كونه من الموضوعات, ومن المشهورأن الموضوعات تناولها الشيخ الأنصاري ومن أتى بعده.

              أجاب سماحته: لا يجب الفحص. ومن جهة قيل في الاستصحاب: الاستصحاب جار حتى مع الوهم, أي حتى مع وجود الظن بتغيّر الحالة السابقة. وهنا إذا لم يلزم الفحص, نسأل لماذا وبأي دليل؟ وإذا كان لا يلزم الفحص فهل يجرأ أحد أن يقول بأنه: لا يجب الفحص, ولا يصوم. اعتماداً على استصحاب الضرر؟ وهل يقول الفقيه بمثل هذا؟

              وأضاف سماحته: هذه من موارد النقض على ما قيل بأنه لا يجب الفحص في الموضوعات. لذا فمن المشكل القول بعدم وجوب الفحص, بل يجب أن نقول هكذا: يجب الفحص في الموضوعات إلاّ ما خرج.

              نعم في باب الأحكام الشرعية عندنا إجماع على وجوب الفحص, ولا تجري الأدلة الترخيصية بلا فحص, أما في باب الموضوعات مع أنه لا يوجد الاجماع, ولكن عندنا أدلة اخرى تدلّ على وجوب الفحص, ومنها سيرة العقلاء, فكما يتم الفحص في الاحكام عند حصول الشكّ, فهكذا يعمل في الموضوعات أيضاً, ولا فرق في ذلك.

              وعقّب السائل: إذا كان لا يجب الفحص بالنسبة للموضوعات, لأشارت إليه الروايات الشريفة. ولذا وطبقاً لقاعدة (لو كان لبان), يستفاد أنه لا يجب الفحص في الموضوعات.

              هنا أوضح سماحته بقوله: تجري هذه القاعدة في حال كونه مما يغفل عنه عامّة الناس, وأما في مثل المورد المذكور فلا تجري القاعدة, لأن العقلاء يعلمون بالفحص في باب الموضوعات كما قلنا.

              وسأل أحد الضيوف: في مثل هذه المسألة, هل يمكن أن نجري أصالة القدرة ونقول: أن هذا المريض المعافى يقدر حالياً على الصيام, فيجب عليه الصوم؟

              أجاب سماحته: إن أصالة القدرة هي أصل عقلائي, ويجري في موضع يفتقد للأصل الشرعي. أي في الموضع الذي يخلو من اليقين السابق, أو لم يكن مورد لحاظ.

              أما في حال وجود رأي للشارع بالنسبة للمسألة وأنه قد قرّر قانوناً لها, مثل: لاتنقض اليقين بالشك, فهنا لا مكان للشكّ في القدرة كي نجري أصالة القدرة.

              وسأل آخر: شخص سلسل الريح ويحمّل نفسه ضغوطاً كبيرة أثناء الركوع والسجود كي يحافظ على وضوئه وطهارته بحيث إن إراد في الركوع مثلاً أن يكتفي بالذكر الواجب فسيحدث, ولكن إن اكتفى بقول سبحان الله مرّة واحدة فقط يمكنه أن يصلّي بطهارة. فما هو تكليفه؟

              أجاب سماحته: هذه المسألة هي مسألة تزاحم. أي: إما أن يفقد الطهارة ويقوم عوضاً عن ذلك بذكر التسبيحة الكبرى في الركوع والسجود, أو أن يكتفي بذكر التسبيحة الصغرى مرّة واحدة ويصلّي بطهارة. وذلك لأن أدلّة شرطية الطهارة من الحدث في الصلاة لها قوّة, مثل: لا صلاة إلاّ بطهور, ويستفاد منها أن الطهارة من الحدث هي ركن, حتى قال بعضهم: لا يصلّي إذا كان فاقداً للطهور. إذن فالطهارة من الحدث بالنسبة إلى أغلب الأجزاء والشرائط في الصلاة هي الأهم. ولذا عليه أن يكتفي بذكر التسبيحة الصغرى أي: (سبحان الله) مرة واحدة, ويتم صلاته بطهارة.

              وهنا انبرى أحد الفضلاء وقال: إن هذا المقدار من الطهارة في مسألة المبتلى بالسلس هو بدل وفي تزاحم مع: ما له بدل مقدّم على ما ليس له بدل. إذن عليه أن يذكر التسبيحة الكبرى وإن أدّى ذلك إلى فقدان الطهارة؟

              قال سماحته: من غير المعلوم أن يكون هذا المقدار من الطهارة بدل, وحتى لو فرضنا بكونه بدل, فلا يوجد في هذا المقام دليل على شمول الإطلاق أو العموم لهذا المقدار من البدل.

              وسأل أحد الفضلاء الكرام الوافدين من كربلاء المقدّسة, وقال: هل يمكن إعطاء كفّارة الصيام إلى الشخص الهاشمي (الذي ينتهي نسبه إلى مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله)؟

              أجاب سماحته: على المبنى, وقد يكون هو المشهور, أنه لا يمكن إعطاء الزكاة, وزكاة الفطرة, المأخوذة من الشخص غير الهاشمي (أي العامي الذي لا ينتهي نسبه إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله) إلى الهاشمي, وذلك لجهة وجود نهي خاص وكونه من المعمول به. وأما في باقي الصدقات, سواء الواجبة والمستحبّة, المأخوذة من غير الهاشمي, فيمكن إعطاؤها للهاشمي.

              تعليق


              • #8
                بين يدي المرجع: الليلة التاسعة

                بين يدي المرجع: الليلة التاسعة



                في جلسة هذه الليلة وبعد أن استقرّ المجلس بالحضور, سأل أحد الفضلاء من المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, قائلاً: هل الأحكام الشرعية مسبوقة بالعدم؟

                أجاب سماحته: نعم, لأن الحكم الشرعي جعله الشارع المقدّس, وهو جعل جديد, كما في الحديث الشريف: (كان الله ولم يكن معه شيء). ويعني أن كل شيء مسبوق بالعدم إلاّ الله تعالى. ولذا فهو ليس بتكويني ولا تشريعي, فالأصل هو العدم كما مذكور في العقليات, وفي الأحكام أيضاً تجري العرفيات, وهو أصل برأسه. بلى لم يكن هناك إهمال, لأن الله تعالى من الأزل هو القادر وهو الحكيم, ولكن بالنسبة للحكم الشرعي فهو جعل جديد.

                وأضاف سماحته قائلاً: إنّ الآية الكريمة التالية: «وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا» ليس فيها دلالة على ان الماء المطلق له المطهّرية من أوّله. فهل ان الماء المطلق كان له حكم في السابق أم لا, فهذا ما لا نعرفه, لأنه لا يوجد يقين سابق كي يتم الاستصحاب. وأدلة الاستصحاب ليست ذات توسيع كبير كي تشمل مثل هذه المسائل. نعم استصحاب الشرائع السابقة صحيح, ولكن يختلف مع ما نحن فيه. لأنه بالنسبة للشرائع الماضية نعرف ان كل شريعة كانت لها أحكامها الخاصة بها, وبمجيء شريعة اخرى بعدها كانت بعض أحكام الشريعة السابقة تتغير وبعضها كانت تبقى. فهنا إذا شككنا بالنسبة إلى حكم من أحكام الشريعة السابقة بأنه هل غيّره نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله أم لا؟ فسيشمله أدّلة الاستصحاب, وهو أمر عرفي أيضاً.

                وسأل آخر: إذا كان لطريق, كاشفية عقلائية, فهل تكون حجّيّته مقيّدة بمبنى وعمل العقلاء؟

                قال سماحته: كلا, لأن هذا بخلاف الإطلاق, في حين ان الشارع المقدّس ذكر لفظ له إطلاق. فما الإشكال في أن تكون إطلاقات الشارع والإمارات التي جعلها الشارع حجّة, ما الإشكال أن يكون لها كاشفية نسبية عند العقلاء؟

                أما إذا أردنا أن نقيّدها بالحدود العقلائية ومبنى وعمل العقلاء, فسيكون بخلاف الإطلاق. فالشيء الذي كان في السابق ثم أطلقه الشارع المقدّس, إذا أردنا حمل هذا المطلق على الشيء السابق, وقلنا بأن مراد الشارع هو خصوصه, فهذا سيكون بخلاف الإطلاق.

                ثم أضاف سماحته قائلاً: إن الشارع المقدّس جعل إمارة, فإذا أخذوا من هذا التّعبير معنى الإمضاء فهو ليس لجهة الاختراعية. فإذا كان الإطلاق عند العقلاء منجّز ومعذّر فهو حجّة, ويؤيّد ذلك هو إذا أردنا تقييد كل هذه الإمارات بعمل ومبنى العقلاء, فسيرد إشكال على كل الإمارات. مثل خبر الواحد, إذا أردنا أن نقيّده بعمل ومبنى العقلاء فسيتبدّل الفقه, لأن العقلاء وبخلاف خبر الثقة إذا حصل عندهم ظن حول الخبر فلا يعملون به.

                ثم سأل أحد الفضلاء وقال: في معاملات البيع المتعارفة حالياً, أن المشتري, بعض الأحيان, يشتري شيئاً ويقول للبائع سأدفع لك مبلغه لاحقاً, ولكن لا يعيّن وقت الدفع, فهل هذه المعاملة صحيحة, وهل يحتسب هذا النوع من البيع بيع نقد أم دَين؟

                قال سماحته: هذه المعاملة صحيحة, والبيع هو بيع نقد وليس بيع بالدَين, لأن النقد والدين اصطلاحين شرعيين.

                ثم عقّب سماحته وقال: هناك أربعة أنواع من البيع, هي:

                الأول: بيع النقد, وهو أن لا يعيّن أجل ولا مدّة للثمن.

                الثاني: بيع الدين, وهو أن يتم تعيين أجل للثمن.

                الثالث: بيع السلف, وهو عكس بيع الدين, يعني أن يتم تعيين أجل للمبيع وللمثمن.

                الرابع: الكالي بالكالي (الدين يالدين), وهو عدم تبادل أي شيء حين المعاملة, لا المبيع ولا الثمن, وعدم تعيين الأجل لأي منهما, وهو بيع باطل.

                إذن فالشخص الذي يشتري شيئاً ولا يدفع ثمنه ويقول: سأدفعه لاحقاً, ولكن لا يعيّن له أجل, فهذا في الاصطلاح الشرعي بيع النقد, حتى إن دفع ثمنه بعد 20 سنة.

                وأردف سماحته: نعم هذه المعاملة نقدية رغم أن المتعاملين قصدوا النسيئة, لكونهم يتصوّرون ان هذا نسيئة, ولكن المعاملة المذكورة ولأنه لم يعيّن فيها أجل, فهي نسيئة, وهي معاملة صحيحة ونقول بعدم وجود إشكال فيها, لجهة أن الشارع لم يقل: هذا باطل, بل قال: النسيئة ليست شرعية, لأنه في النسيئة يجب تعيين الأجل والمدّة. ولكن يشمل هذه المعاملة عموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود). فالبحث المطروح هو: هل العقود العقلائية التي لم ترد في الشرع ولكنها في الوقت نفسه مصداق للمعاملات الباطلة كالربا والكالي بالكالي, فهل الأصل فيها: الصحّة أم البطلان؟ فقد صرّح صاحب العروة وصاحب الجواهر بأن الاصل هو الصحّة, سواء كان ذلك في البيع أو الإجارة أو المضاربة أو الحوالة أو العقود الأخرى. وطبعاً هذا محل خلاف ونقاش, ولكنه قول حسن, لأن العقود في (أوفوا بالعقود) هي العقود العقلائية ولم ينهى عنها الشرع, وليست العقود التي كانت في الشريعة السابقة.

                وأضاف سماحته بقوله: نعم بالنسبة للبحث في هذه المسألة: إذا قصد المتعاملَين النسيئة الشرعية بالخصوص ولا غيرها, فهي باطلة بلا شك ولا يوجد فيها وجه تصحيح, لأن العقود تابعة للقصود. وأما إذا قصدا الأخذ والعطاء, والتملّك والتمليك, وظنّا ان هذه المعاملة نسيئة, فهذا خطأ في التطبيق, وكونها انها ليست نسيئة شرعية لا تتنافى مع كونها معاملة جديدة ويشملها: (أوفوا بالعقود) وتكون في إطاره.

                بعدها سأل أحد الفضلاء سؤالاً آخراً بقوله: في مسألة غسل الثوب المتنجّس بالبول يقول الدليل: يجب غسله مرتين بالماء القليل, ولكن في الموارد التي ليس فيها دليل الخصوص على وجوب غسله مرتين, هل يكفي غسله مرّه واحدة بالماء القليل؟

                أجاب سماحته قائلاً: بلى, لأن إطلاق (الماء طهور) يقتضي بعد زوال النجاسة بغسله مرّة واحدة فقط, لأن عدم ذكر عدد المرّات في الدليل يقتضي أن يكفي غسله مرّة واحدة. وبالنسبة للزوم غسله أكثر من مرّة فهذا يحتاج إلى دليل, وبعدم وجود دليل على تعدد الغسلات, فإطلاق المقتضي هو الاكتفاء بغسله مرّة واحدة.

                وأردف سماحته: وهذا الإطلاق موجود في باب صلاة الجماعة واستند عليه صاحب الجواهر وقال: تشمل هذه الإطلاقات كل موارد الجماعة. وعلى أساس هذا القول أفتى: إذا كان الإمام والمأموم مجتهدان وتختلف وجهة نظرهما في مسائل الصلاة المختلفة, يمكنهما أن يقتدي أحدهما بالآخر, وصلاتهما صحيحة.

                كما قال صاحب الجواهر حول الجماعة والقبلة: إذا كان بوجهة نظر أحدهما أن اتجاه القبلة لزاوية أو لجهة خاصّة, وبوجهة نظر الآخر انه اتجاه القبلة يختلف قليلاً عن الاتجاه الذي يقول به الأول, فيمكنهما أن يقتدي أحدهما بالآخر, وأن يصلّي كل واحد منهما بالاتجاه الذي يطمئن بأنه هو جهة القبلة.

                هنا أشكل أحد العلماء الحضور على البحث السابق حول (الماء طهور) وقال: إطلاق (الماء طهور) هو في مقام بيان أصل مطهّريّة الماء وليس في مقام بيان كيفية التطهير, وأنه يكفي غسله مرّة واحدة أو عدّة مرّات. ولذا لا يمكن أن نتمسّك بإطلاقه ونقول أنه تكفي مرّة واحدة.

                فقال سماحة المرجع الشيرازي في الجواب: نعم هذا المطلب قد تعرّض له السادة الفقهاء في الأصول, وقالوا: في حجّيّة الإطلاق علينا أن نعرف ان المتكلّم في مقام البيان من هذه الجهة كي نتمكن بالتمسّك بالإطلاق. ولكن هذا ليس تامّاً, كما أن السادة الفقهاء لم يلتزموا في الفقه عملاً في الكثير من موارد وجود الإطلاقات. لأن يكفي كون اللفظ مطلق وله قابلية الشمول وعدم وجود قرينة على التقييد, ولا يلزم إحراز أن المتكلّم هو في مقام البيان من هذه الجهة. بلى يجب أن لا يكون إحراز العدم. أي يكفي أنه لم يكن محرزاً بأن المتكلّم ليس في مقام البيان من هذه الجهة, ولا يلزم بعدها إحراز أنه كان في مقام البيان من هذه الجهة. وقد بحثنا هذا المطلب في كتاب: (الأصول) وفي الفقه بنينا مبنانا عليه, كما أن الكثير من الفقهاء بنوا عليه عملاً في الفقه, مع انهم في الأصول لم يقولوا بذلك.

                ثم وفي سياق البحث سأل أحد الفضلاء, وقال: في أدلّة أحكام المياه, هل ذكروا خصوصية لـ(الجاري)؟

                قال المرجع الشيرازي: بلى, ويالها له من خصوصية. فلذا إذا كان الماء راكداً ولا جريان له, ولكن يأخذون منه, عبر المحرّك, مقداراً ويجرونه في المزارع مثلاً وأمثالها, فهذا وحسب الاصطلاح ليس ماء جاري, مع انه بلحاظ اللغة هو جاري, لأنه ـ اصطلاحاً ـ الماء الجاري هو الماء الذي له نبع طبيعي, وليس الذي له نبع غير طبيعي, لأنه في الأدلّة يقال للماء (الجاري) في قبال الماء (الراكد), فلذا ظاهره ان له نبع طبيعي.

                وهنا أشكل أحد الفضلاء, وسأل بقوله: إذن لماذا قالوا بأن: ماء الحمام كالجاري؟

                أجاب سماحته دام ظله: يعني إنهم ارادوا القول: له حكم الجاري, وليس انه موضوعياً ماء جاري.

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                يعمل...
                X