إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإباضية .. مجد التاريخ وتاريخ المجد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإباضية .. مجد التاريخ وتاريخ المجد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... الموضوع منقول ....

    بسم الله الرحمن الرحيم..

    الحمد لله معلم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على نبي الأمة محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم.................... أما بعد:

    إليكم أحبتي القراء هذا الموضوع الشيق الذي كتبه الأخ الفاضل الأستاذ المنصور وقد نشره في موقع الشبكة العمانية على الإنترنت مشكورا .. وقد قمت بجمع هذه الحلقات المعنونة بـ (الإباضية .. مجد التاريخ وتاريخ المجد)....... وجزى الله خيراً كل من يساهم في نشره.



    فإلى الموضوع
    الحلقة الأولى:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الأخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    حينما يتهم أحدٌ من الناس غيره بالتعصب يجب عليه أن يعرف المسألة التي تُعصب لأجلها. هناك صواب وخطأ فمن أخذ بالدليل من القرآن والسنة الصحيحة فقد وافق الحق ولا يلام بعد ذلك إذا تمسك به وتعصب له. ومن ألقى بتعاليم الإسلام خلف ظهره وخالف أوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فهو في خطأ ولا يعذر إذا استمر عليه بل عليه أن يرجع عنه ويسلك طريق الحق المؤيد بالدليل القاطع.

    فمن الأمور التي استحدثت في تاريخ الإسلام وخاصة عند الكعبة المشرفة من قبل أتباع المذاهب الأربعة، ولم يوافقهم عليها أتباع المذهب الإباضي، ما كان يسمى بمقامات الأئمة. كان يوجد في المسجد الحرام أربع مقامات، ينسب كل مقام إلى أحد أئمة المذاهب الأربعة، وهي: " المقام الشافعي والمقام الحنبلي والمقام الحنفي والمقام المالكي". فقد تم تشييد تلك المقامات بين القرنين الرابع والخامس وتم والحمد لله هدمها بأمر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1377 ما عدا المقام الشافعي فقد تم هدمه عام 1383هـ.
    فكل مقام كان على هيئة بناية صغيرة يصلي فيها أتابع كل مذهب بمفردهم. فالأحناف كانوا يصلون في مقامهم الخاص بهم و الشافعية والحنابلة والمالكيون كانوا يصلون في أماكنهم التي ابتدعوها في حرم الله الآمن. فمقام الأحناف كان مقابلاً لميزاب الكعبة، ومقام الشافعية كان فوق بناء بئر زمزم، ومقام الحنابلة كان قرب بئر زمزم، ومقام المالكية كان مقابلاً لظهر الكعبة. وكان أدائهم للصلاة كالآتي:
    كان يصلي أولاً إمام الشافعية ثم يصلي بعده إمام المالكية ، ويصلي إمام الحنبلية معه في وقت واحد، ثم يصلي إمام الحنفية، كل في محرابه، وترتيبهم هكذا في الصلوات الأربع ، وأما صلاة المغرب فإنهم يصلونها في وقت واحد كل إمام يصلي بطائفة.
    ويدخل الناس من ذلك سهو وتخليط، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي، وسجد الحنفي بسجود الحنبلي. (انظر كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ج5/ص326-330 وكذلك رحلة ابن بطوطة ص177)
    بدعة المقامات هذه التي استمرت في حرم الله الآمن زهاء عشرة قرون خلفت في نفوس الناس بدع أمثالها حتى أصبح جيران المسجد الواحد في الحارة الواحدة ينصبون أربعة محاريب. فقد قال محمود مهدي الاستنبولي ( انظر العواصم من القواصم، تحقيق محب الدين الخطيب هامش ص 92) :" ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية ... .. وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد، تجد فيها أربعة محاريب يصلي فيها أربعة من الأئمة ! ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة معه كأنهم أصحاب أديان مختلفة ! وكيف لا وعالمهم يقول: أن مذاهبهم كشرائع متعددة ... .."
    فبدعة تلك المقامات ما كانت تستهوى الإباضية وما كانوا ليتخذوا منها سبباً لنشر مذهبهم بين أوساط الناس. فقد جاء في تيسير التفسير ( ج1/ص173) لقطب الأئمة محمد بن يوسف أطفيش - رحمه الله - : " ولا مقام إلا مقام إبراهيم عليه السلام، وهو مقام المؤمنين كلهم على حد سواء، ولا وجه لنسبته للشافعي، ولا وجه للبناء فيه لأنه نقص منه ومن المسجد، ولا وجه لجعل مقام آخر لمالك، وآخر لأبي حنيفة، وآخر لأحمد، فإن ذلك زيادات في الدين وتشرع فيه وبدعة، ونقص من الحرم والمقام بالبناء، ومناقضة لمقام إبراهيم حتى إنه استوت الثلاثة عند العامة بمقام إبراهيم، ويفضلها عامة أهلها على مقام إبراهيم، وقد قال أمير مكة للسلطان حمود ، وهو سلطان زنجبار ، أعوام إقامته بمكة : أبني مقاماً لك وللإباضية أهل مذهبك؟ فقال : لا تفعل ، لأنه خلاف الشريعة، ولأنهم لا يقبلون ذلك عني ولا عنك، ولا يقف به أحد منهم".
    فالإباضية لا يمتنعون عن الصلاة خلف أي مسلم من أي مذهب كان ما دام قد أتى بشروط الصلاة كما بينها الشرع. فمذهب يدعو إلى الوحدة بين أتباع الأمة الإسلامية في كل شؤون حياتهم لجدير بأن يتبع ويتخذ منهجاً في السير إلى رضوان الله.

    فعلى الذين يتطاولون على المذهب الإباضي دراسة مبادئه ومعرفة تاريخ أتباعه وإلا فمن الأفضل لهم عدم الخوض فيما ليس لهم به علم.
    الحلقة الثانية :

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين

    أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    إن الدافع الذي جعلني أكتب هذه الكتابات المتواضعة هو الرغبة الشديدة في تعريف الناس بالمذهب الإباضي الذي جهل مبادئه وقيمه الكثير من أفراد الأمة الإسلامية. فقد اخترت هذه الحلقة لتشير إلى مبدأ هام طالما جهله أو تجاهله الكثير ممن ظلم المذهب الإباضي ، ألا وهو تحريمهم أكل أموال المسلمين سواء كانوا في الحرب أو السلم.
    ففي الوقت الذي كانت تتسابق فيه سيوف بني أمية وبني العباس لأجل جمع حطام هذه الدنيا الفانية كانت سيوف الإباضية تسعى لغرس الحق وإقامة العدل بين أوساط المسلمين، ولاستئصال الفساد والبغي والظلم عن كاهل أمة الإسلام التي عانت كثيراً من جور الظلمة الذين اتخذوا عباد الله خولا.
    فمما جاء في كتب التاريخ الآتي: :
    - قُطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وأخذ سراويله ونعليه وسيفه، وأخذ جنود عبيد الله بن زياد الورس الحلل والإبل وانتهبوها. ومال الناس إلى نساء الحسين وثقله ومتاعه فكانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها ( تاريخ الطبري، ج3/ص334)
    - وقتل يزيد بن أنيس - قائد المختار بن أبي عبيد - ثلاثمائة أسير من جنود عبيد الله بن زياد وهو في السوق وكان يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم، فقتلوا عن آخرهم بعد أن أخذ ما في معسكرهم ( تاريخ الطبري ج3/ص453)
    - " فانتهى [ يقصد مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ] إلى مدينة حمص ... فأحدق خيله بالمدينة ... . فقاتلوه. فقتل عامتهم، وأسر ... نيف وثلاثين رجلاً منهم، فأتى بهم مروان فقتلهم وهو واقف، وأمر بجمع قتلاهم وهم خمسمائة أو ستمائة فصلبوا حول المدينة ... ." ( تاريخ الطبري ، ج4/ص281)
    - ولما انتهت المعركة بين مروان بن محمد الأموي وسليمان بن هشام الأموي حدث الآتي: " فانهزم سليمان ومن معه وأتبعهم خيوله تقتلهم وتأسرهم؛ وانتهوا إلى عسكرهم فاستباحوه، ووقف مروان موقفاً، وأمر ابنيه فوقفا موقفين، ووقف كوثر صاحب شرطته في موضع، ثم أمرهم ألا يأتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبداً مملوكاً، فأحصي مِنْ قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين ألفاً " ( تاريخ الطبري، ج4/ص288)
    - وقد قدر من قتله أبو مسلم الخراساني صبراً بستمائة ألف ( تاريخ الطبري ، ج4/ص386)
    - وقد سالت أنهار من دماء المسلمين وانتهبت أموالهم في أثناء الحروب الطاحنة التي دارت بين الأمين والمأمون بين عامي 195-197هـ.
    - وجاء في تاريخ بني أمية وبني العباس ما يعرف بتجارة الرؤوس، وكان كل هم المحاربين هو الإكثار من حطام الدنيا ولو دعا ذلك إلى قطع رأس الحسين بن علي رضي الله عنه و قطع رؤوس غيره من المسلمين ( انظر تاريخ الطبري ، ج3/ص 521 و 541 ، ج4/ ص160 و209 و 233 و 245 و 599).
    ومما جاء في هذا:
    1- "وقال الوليد: ... .من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فجاء قوم برؤوس، فقال الوليد : أكتبوا أسماءهم. فقال رجل من مواليه؛ ليس هذا بيوم يعمل فيه بنسيئة " ( تاريخ الطبري، ج4/ص246)
    2- " فأمر عبد الله منادياً، فنادى : من جاء برأس فله خمسمائة ؛ فو الله ما كان بأسرع من أن أتي برأس، فوضع بين يديه. فأمر له بخمسمائة، فدفعت إلى الذي جاء به. فلما رأى أصحابه وفاءه لصاحب الرأس، ثاروا بالقوم فوالله ما كان إلا هنيهة حتى نظرت إلى نحو من خمسمائة رأس قد ألقيت بين يديه ... ." ( تاريخ الطبري، ج4/ص278)
    تلك هي نماذج مختصرة من أعمال بني أمية وبني العباس وضعتها بين يديك أخي القارئ الكريم لكي تعرف الفارق بين أعمالهم وأعمال الإباضية الذين لم يفارقوا مبادئ الإسلام وتعاليمه بل باعوا حياتهم وأرواحهم لأجل نعيم دائم لا يزول ولا يفنى. فقد جاءت سيرهم عبر التاريخ لتعبر بلسان صادق عن صحة العقيدة التي استولت على كل ما يملكون من أحاسيس ومشاعر.
    فكانوا - وهم كذلك في كل عصر ومصر- عقيدة الحق تجري على وجه الأرض، الخير عندهم ما اختاره ربهم وكل ما نهاهم عنه فهو شر يعوذون ببارئهم منه.
    وإليك أخي القارئ هذا الواقع مسطراً بأحرف من نور ومترجماً لسيرة أحد الأبطال الذين صاغتهم العقيدة الإباضية الصافية النقية التي لا تلامسها شوائب الخيانة والنفاق.
    فقد جاء في تاريخ ابن خلدون: لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس على مصر. حمل العباس ما كان هنالك من المال والسلاح، وهو ألف ألف دينار. وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى، ثم سار إلى أفريقيا يطلب ملكها .. وانتهى إلى مدينة لبدة فخرج عليه عامل ابن الأغلب فقبض عليه، ونهب البلد وقتل أهله، وفضح نساءهم فاستغاثوا بإلياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الإباضية، وقد كان خاطبه يتهدده على الطاعة. ( تاريخ ابن خلدون، ج4/ص391)
    وجاء في الكامل لابن الأثير: " عصى العباس ابن أحمد بن طولون أباه ورحل حتى أتى حصن لبدة، ففتحه أهله له فعاملهم أسوأ معاملة، ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي، رئيس الإباضية هناك، واستعانوا به، فغضب لذلك ، وسار إلى العباس ليقاتله. ( الكامل في التاريخ، ج7/ص323)
    وقال الشيخ علي يحيى معمر:" كان العباس ولد أحمد بن طولون صاحب مصر، عاصياً لأبيه ناقماً عليه وخرج أبوه ذات يوم من عاصمة المملكة لشأن من الشئون فانتهز العباس فرصة غياب والده وأخذ ما بالخزانة من أموال وأخذ معه ثمانمائة فارس وعشرة آلاف راجل من عبدان أبيه. واتجه إلى الغرب قاصداً القيروان، ليبني هنالك ملكاً له - فيما يحسب - بعد أن يقوض ملك بني الأغلب. ولما وصل إلى لبدة تحرش بالإباضية وبعث برسالة تهديد إلى أبي منصور إلياس عامل الدولة الرستمية في جبل نفوسة فغضب أبو منصور وجهز جيشاً في اثني عشرة ألف مقاتل وزحف عليه فطحنه وقتل أغلب من معه وفر العباس منفرداً على فرسه حتى رجع إلى حضن أمه وتناثرت تلك الأموال التي سرقها من خزانة مصر ليبني بها ملكاً في القيروان في ساحات القتال وبقيت هناك لم تمسها يد من جند أبي منصور حتى جاءها بنو الأغلب والتقطوها من الأرض ومن أيدى الناس أما أبو منصور فعندما تم له النصر كف يده ويد جنده عن الدماء والأموال ورجع إلى مركز حكمه دون أن تتدنس جيوبه وجيوب أصحابه باستحلال أموال صانتها كلمة التوحيد وحفظتها شريعة الله. ( الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الثالث ، الحلقة الرابعة،ص47)
    وقال الشيخ علي يحيى معمر - رحمه الله - أيضاً: " فما عرف التاريخ في أحداثه الطويلة قائداً حربياً ينتصر في معركة وينهزم عدوه تاركاً وراءه ثمانمائة حمل من الذهب في الميدان فيعف القائد المنتصر، وجيشه المظفر، ولا يمس منها ديناراً واحداً يحتفظ به للذكرى، حتى يأتي أولئك الذين لا يفرقون بين الحلال والحرام ليلتقطوا ما بقي في الميدان كما تأتي الذئاب لتلغ في دماء الجيف التي عفت عنها الأسود. إن أصحاب المبادئ من المحاربين يجب أن يقفوا لتحية هذا البطل العظيم كلما ذكر اسمه، وإنه لقليل عليه أن يخلد اسمه في كل عاصمة من العواصم الإسلامية، وليس ذلك للرفع من مقامه فإن مقامه أسمق من أن يحتاج إلى رفعه، ولكنه ليكون ذكرى وعبرة لهؤلاء الذين يحملون السيوف ويحاربون من أجل المبادئ فيما يزعمون" ( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية ، القسم الثاني، ص 188)
    وقال الشيخ علي يحيى معمر - رحمه الله تعالى - في موضع آخر من كتابه القيم: " لقد ثار ... .وأي حر لا يثور؟ ... . ولاقى الطاغي الجبار في قصر حاتم ... . وكانت المعركة ... . وشاءت إرادة الله أن ينتصر الحق والشهامة والمروءة! ... . وأن ينهزم الطغيان المتكبر الجحود ! ... فماذا كان من المنتصر ؟ ... . ما هو موقف أبي منصور إلياس؟ ... هل ذبح الأسرى؟ . هل قطع الرؤوس؟ هل انتهك الحرمات؟ : حرمات المحاربين، أو حرمات المسالمين، هل أطلق أيدي الجند للغنيمة؟ هل جمع الأموال ليستأجر بها المرتزقة ؟ أو ليبني بها القصور ؟ أو ليكدسها في بيت المال ؟ هل جمع الذهب الذي يتناثر في المعركة كما يتناثر الحصى؟ ... .. ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك! . وعندما ولى العدو منهزماً ، وركب ابن طولون فرسه هارباً ، أوقف أبو منصور رحى القتال ، ثم أمر جيشه بالرجوع، هذا الجيش الذي يقاتل في سبيل الله لا يأخذ من الدولة مرتباً ، ولا من ساحات القتال غنيمة. ورجع أبو منصور بجيشه المظفر ، بريئاً من الانتقام، بريئاً من الظلم ، بريئاً من العدوان، نظيفاً من الدماء المسالمة، نظيفاً من الحرمات، نظيفاً من جميع الأموال ... . وسار التاريخ ، لا يلتفت ، وفنى الذهب الذي سرقه ابن طولون من خزائن أبيه ليبني به عرشاً ، فنثره أبو منصور النفوسي في ميدان المعركة ، وفني ابن الأغلب ، رغم هذه الدنانير التي كان يفتش عنها بدقة ، ويجمعها بحرص . وفني أبو منصور أيضاً ، كما يفنى جميع الناس . ولكن هذا المثل الرائع ، الذي ضربه للحكام ، وهذه السيرة العطرة التي سار بها بين العدو والصديق ، وهذا الخلق الكريم ، الذي اقتبسه من أخلاق النبوة ، وهذا الدين القويم ، الذي يعصمه من الخطأ والزلل، هذه الصفات وما إليها، بقيت خالدة مع الإنسان ، توحي بالعبرة والذكرى لكل من يتولى أمر أمة. إن الشهامة التي يتصف بها أبو منصور، والعبرة التي تركها للأجيال، والقدوة الحسنة التي خلفها لقواد الجيوش،.
    أغلى من ملء الدنيا ذهباً. وما عند الله خير وأبقى! ... .
    " ( الإباضية في موكب التاريخ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية، القسم الأول ، ص 123-124)
    هذه هي سياسة الإباضية في جميع حروبهم لم يكن لهم أن يستحلوا مالاً قد حرمه الله تعالى بل نجد قادتهم يحذرون جنودهم من أموال أهل القبلة ويقيمون على من خالف سياساتهم العقاب تأديباً لهم وردعاً لغيرهم من التورط في مثل أعمالهم. وكان من نصائح علماء الإباضية لأئمتهم وقادتهم بأن لا يخرجوا إلى النواحي والبلدان بعسكر لا يضبطونه ولا يصدونه عن الظلم والفساد ( السير والجوابات، ج1/ص417)
    وكان من تعاليم أئمتهم أن لا يؤخذ مال من جيش مسلم شارك فيه محارب مشرك فقد جاء في كتاب ( السير والجوابات ج1/ص359): " وسألت أبا المؤثر عن جبار من أهل القبلة خرج باغياً على المسلمين وسار معه قوم من المشركين، فقال: إن المشركين الذين ساروا مع الجبار لهم من الحرمة كحرمة البغاة من أهل القبلة، إذا كان إمامهم من أهل القبلة كان المشركون معه بمنزلة أهل القبلة لا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم "

    فأين أولئك الأقزام الذين يتطاولون على الفكر الإباضي من هذه المبادئ التي لم تكن في يوم من الأيام عند الإباضية نظريات تحشى بها الأدمغة. هذا الذي أردت أن قوله هنا وللحديث بقية إن شاء الله ...


  • #2
    الحلقة الثالثة:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    لقد كان للإباضية عبر تاريخهم وقفات ضد الظلم والطغيان. فهم دائماً ثائرون على كل معتد ومنتهك للحرمات ومهلك للحرث والنسل. والمتتبع لأحداث التاريخ يدرك أن جميع حروبهم جاءت لتصلح فساد قد دب ولتردع طاغية قد تجبر ، وهم في جميع حركاتهم يجعلون أمر الله هو النافذ ويقدمون في ذلك أرواحهم وأموالهم.
    وفي هذه الحلقة أعرض عليك أخي القارئ الكريم بعضاً من المفاسد والجرائم التي سجلتها كتب التاريخ على بني أمية وبني العباس وغيرهم ممن وقف المذهب الإباضي أمام سياساتهم الظالمة. وسوف أذكر دور الإباضية في أحداث التاريخ في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى.
    1- فمن تاريخ بني أمية في المدينة المنورة الآتي:

    " أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد ، لا جزاه الله خيراً ، وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة منها، ووقع شر عظيم وفساد عريض" ( البداية والنهاية 8/223)
    " وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف، مما لا يعلمه إلا الله عز وجل." ( البداية والنهاية 8/225)
    " وجعل مسلم يقول من جاء برأس فله كذا وكذا ، وجعل يغري قوماً لا دين لهم، فقتلوا وظهروا على أكثر المدينة .. ودخل القوم المدينة ، فجالت خيولهم فيها يقتلون وينهبون .." ( الإمامة والسياسة 1/181)
    " وأول دور انتهبت والحرب قائمة دور بني عبد الأشهل، فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حلي ولا فراش إلا نقض صوفه، حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها.." ( الإمامة والسياسة 1/182)
    " وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال ... . ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج..
    وكان قتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي وغيرهم عشرة آلاف ... " ( البداية والنهاية، ج8/ص224)
    دعا مسلم بن عقبة أهل المدينة إلى البيعة ليزيد على أنهم خول ( أي خدم وعبيد ) له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم، فمن امتنع من ذلك قتله..
    وأتي بأناس بعد الحرب فقال لهم مسلم : بايعوا على الشرط فقالوا نبايع على كتاب الله وسنة رسوله، فضرب أعناقهم. ( انظر تاريخ الطبري 3/357 ، أنساب الأشراف 5/353 ، الكامل في التاريخ 4/118 ، تاريخ خليفة خياط ص183 ، البداية والنهاية 8/225)
    أخي القارئ استسمحك عذرا في إعادة هذه الفقرة على مسامعك : " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج.."
    " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج.. "
    " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد الحرة من غير زوج.. "

    2- وعندما دخل بنو العباس دمشق عاصمة بني أمية حدث الآتي:
    " ولما جاء عبد الله بن علي دمشق نزل على الباب الشرقي ... فحاصرها أياماً ثم افتتحها ... . فقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات، وهدم سورها، ... . ثم أبيحت دمشق ثلاث ساعات حتى قيل إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً ... "
    ولما دخل عبد الله بن علي القائد العباسي دمشق " دخلها بالسيف وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلا لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية ...
    ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته ... . " ( البداية والنهاية 10/47 )
    3- وفي عام 251هـ ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بمكة ... . وقتل الجند وجماعة بن أهل مكة ، وأخذ ما كان حمل لإصلاح العين من المال وما كان في الكعبة من الذهب، وما في خزائنها من الذهب والفضة والطيب وكسوة الكعبة، وأخذ من الناس نحواً من مائتي ألف دينار ، وأنهب مكة ، وأحرق بعضها ... .ثم رجع إسماعيل إلى مكة في رجب، فحصرهم حتى تماوت أهلها جوعاً وعطشاً ... . ولقي أهل مكة منه كل بلاء. ثم رحل ... إلى جدة فحبس عن الناس الطعام، وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب..ثم وافى إسماعيل بن يوسف الموقف ... . فقتل نحو من ألف ومائة من الحاج، وسلب الناس، وهربوا إلى مكة ، ولم يقفوا ليلاً ولا نهاراً ، ووقف إسماعيل وأصحابه، ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها.( تاريخ الطبري، 5/405)
    4- أرسل عبد الرحمن بن يزيد - أحد عمال بني أمية على حضرموت واليمن - شعيب البارقي وأمره أن يقتل كل من وجد من الناس فقتل شعيب الرجال وبقر النساء وقتل الصبيان وأخذ الأموال وعقر النخل وحرق بالنيران من قدر عليه منهم . ( تاريخ خليفة خياط ص317 ، تاريخ الطبري 4/338 ، أنساب الأشراف 9/306 )
    5- دخل عاصم بن جميل قائد القبيلة البربرية المعروقة بورفجومة القيروان فاستحل المحرمات وسبى النساء والصبيان وربطوا دوابهم في الجامع وأفسدوا فيه.. ( الكامل في التاريخ 5/315)
    وبعد عاصم بن جميل تولى أمر ورفجومة عبد الملك بن أبي الجعد وفعل ما كان يفعله عاصم من الفساد والظلم وقلة الدين وغير ذلك ( الكامل في التاريخ 5/316 ، تاريخ ابن خلدون 4/244 )
    من هذه الروايات نجد أن الحروب التي قادها بنو أمية وبنو العباس ضد المسلمين ما كانت توقر شيخاً ولا ترحم طفلاً ولا تحترم عرضاً ولا تصون مالا. بل كانت حروب لهتك الأعراض ، وبقر البطون ، وذبح الأطفال ، وهدم الدور ، ونهب الأموال وقتل الأبرياء.
    هذه هي إشارات مختصرة لبعض من أعمال الأمويين والعباسيين في حق الأمة الإسلامية التي عانت الويلات من شر سياساتهم التي خرجوا بها عن منهج الله القويم الذي يحفظ للنفس المسلمة دمها ومالها وعرضها.
    فكانت دوافعهم في جميع حروبهم السيطرة والملك وجمع حطام الدنيا لهذا جاءت أعمالهم شبيهة بأعمال أعداء الله عند هجومهم على أمة التوحيد.
    وتلك الأعمال التي نقلناها أعلاه هي شبيهة بأعمال الصرب ضد المسلمين في البوسنة وكوسوفو وهي نفس أعمال التتار في المشرق وهي عين أعمال الأسبان في الأندلس:
    = فمن أحداث البوسنة:
    أن " عدد النسوة اللاتي تم احتجازهن في معتقلات خاصة يقدر بـ 35 ألف سيدة وفتاة ... . وقد تحول النساء فيها إلى سبايا لمن يشاء من رجال الميليشيات والجيش الصربي، وفي أحيان عديدة قدمن للترفيه عن جنود القوات الدولية، وأن القتل هو نصيب كل امرأة تمتنع أو تقاوم". ( البوسنة والهرسك من الفتح إلى الكارثة، ص141)
    = ومن أحداث الأندلس:
    "-جرى قتال دموي رهيب ، وقعت فيه ضحايا كثيرة من الجانبين، أكثرهم من النساء والأطفال، فأمر الأمير خوان بقتلهم جميعاً أمامه. واقترح بعض المجرمين الأسبان أن يذاب النحاس ويصب في أرحام المسلمات انتقاماً منهن ... . وأن 1400 امرأة قتلن بحضوره" ( محنة العرب في الأندلس ، ص329-330 )

    - وبعد قتال ضار أقتحم الأسبان مدينة لانجار وأعملوا فيها القتل والسبي والنهب، واضطر عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ إلى الالتجاء إلى جامع المدينة، فأمر الكونت دوليرين بنسفه ، فتهدم البناء فوق رؤوسهم، ولم ينج منهم أحد ... "( المرجع السابق ، ص276)
    - "...وفي 30 حزيران 1520 هاجم الثائرون مدينة شيفرت التي سكنها كثير من المسلمين، وقتلوا جميع من فيها منهم، حتى لم ينج أحد منهم وخربوا بيوتهم، حتى لم ينج أحد منهم وخربوا بيوتهم ومنازلهم، بعد أن نهبوا جميع ما فيها .. " ( المرجع السابق، ص 234 )
    = ومن أحداث التتار:
    ... فوصلوا إلى الري على حين غفلة من أهلها، فلم يشعروا بهم إلا وقد وصلوا ، وملكوها ، ونهبوها ، وسبوا الحريم ، واسترقوا الأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يسمع بمثلها ، ولم يقيموا ومضوا مسرعين في طلب خوارزم شاه، فنهبوا في طريقهم كل مدينة وقرية مروا عليها ، وفعلوا في الجميع أضعاف ما فعلوا في الري ، وأحرقوا ، وخربوا ووضعوا السيف في الرجال والنساء والأطفال، فلم يبقوا على شيء " ( الكامل في التاريخ، 12/373)
    أكتفي بما ذكرته هنا من أعمال الأسبان والصرب والتتار في بلاد الإسلام ، ومن أراد المزيد عليه مراجعة الأحداث من مصادرها.
    هذا ما أردت كتابته في هذه الحلقة ، وسنذكر إن شاء الله تعالى في الحلقة الرابعة دور الإباضية في التاريخ.
    الحلقة الرابعة :

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    في هذه الحلقة أقدم لك أخي القارئ الكريم إشارات مختصرة عن الدور الذي قام به الإباضية في رد الأمور إلى منهج الله بعد أن أفسدها بنو أمية وبنو العباس وغيرهم ممن انتسب إلى الإسلام.
    بعد عرضنا لمختصر من تاريخ بني أمية وبني العباس في حق الأمة الإسلامية ، أقدم لك أخي القارئ هذه المقتطفات من تاريخ الإباضية وستجد فيها الفارق الكبير بين من جعل الدنيا نصب عينيه واستحل لأجل ذلك المحرمات، وبين من كان وقافاً عند حدود الله طالباً نعيماً خالداً باع لأجله الدنيا وما فيها.
    دور الإباضية في التاريخ:
    1- دخل أبو حمزة الشاري المدينة المنورة بعد أن نصره الله تعالى على الجيش الأموية الذي وُكل إليه حراسة الفساد والطغيان. وبعد أن دخل أبو حمزة " خطب على المنبر وأعلن بدعوته ووعظ، وذكر وردّ مقالاتهم وسفه رأيهم وأحسن السيرة في أهل المدينة وأستمالهم .. " ( تاريخ ابن خلدون 3/210 ، تاريخ الطبري 4/330 ، البداية والنهاية 10/38)
    أخي القارئ قارن ما قام به أبو حمزة رضي الله عنه بما قام به الجيش الأموي من جرائم - والتي ذكرناها في الحلقة الثالثة - حينما دخلوا المدينة في عام 63هـ.
    2- ودخل الإباضية إلى صنعاء وطردوا عامل بني أمية من هناك عام 128هـ. فماذا حدث؟

    " أقام عبد الله بن يحيى بصنعاء أشهراً حسن السيرة ، لين الجانب كافاً عن الناس ، فكثر جمعه ، وأتوه من كل وجه.. ( أنساب الأشراف 9/289)

    3- ودخل الإباضية القيروان وطهروها من فساد قبيلة ورفجومة فماذا حدث قبل وبعد القتال:

    - " أمر الإمام أبو الخطاب أصحابه حين كان في حصار المدينة أن لا يفسدوا زرعاً ولا غيره". ( طبقات المشائخ بالمغرب 1/29)

    - أن شيخاً من شيوخ القيروان بعث ابناً له يرتاد مزرعة كانت له بقرب منزل عسكر أبي الخطاب . فقال يا بني : اذهب وانظر هل بقي في مزرعتنا شيء ، فخرج الغلام إلى المزرعة فوجدها سالمة لم ينلها فساد، ... .
    - وقد أمر أبو الخطاب من يتفقد القتلى ، فوجد قتيلاً واحداً منهم مسلوباً ، وأمر منادياً في عسكره من نزع عن أحد من القتلى شيئاً فليردده ، فلم يرد أحد شيئاً. فعلم أن سالبه عمل غير صالح، فلما أيس من رده سلب القتيل المذكور طوعاً ، ومخافة من عقاب الله تعالى ، دعا أبو الخطاب ربه عز وجل أن يفضحه ويظهره على أعين الناس ، فأمر أبو الخطاب فرساناً من عسكره بأن يخرجوا ويجروا خيلهم بين يديه وكان فيهم رجل فارس من سدراته فلما اجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتي، ... . فسقط الكساء على أعين الناس. فأخذه الإمام فعزره حسب ما اقتضاه الاجتهاد. ( المرجع السابق ، 1/30-31 )
    - أمر أبو الخطاب رضي الله عنه اصحابه بعد الهزيمة أن لا يتبعوا مدبراً ، ولا يجهزوا على جريح .. ( المرجع السابق 1/31 )
    لقد أنكر الشيخ علي يحيى معمر - رحمه الله - على أولئك الناس الذين اتهموا الإمام أبي الخطاب بحب التوسع في الملك والسيادة حيث قال: " وهل من علامات حب السيطرة والعلو أن يستولي أبو الخطاب على طرابلس دون إراقة قطرة من دم وأن يخير حاكم البلد بين البقاء في أمته وبين إخوانه آمناً أو الرحيل إلى سلطانه موفوراً ؟ وهل من حب السلطة والتوسع أن ينتصر القائد ثم يتفقد قتلى العدو فيجد واحداً منهم مسلوباً فلا يقر له قرار حتى يعرف السالب ويؤدبه ، وهل من حب التوسع والنفوذ أن يحارب المحارب وينتصر ولكنه يعرض عن جميع المكاسب والغنائم ؟ وهل من علامات التوسع أن يبقى جيش متكون من ستة آلاف محارب محاصراً لمدينة كالقيروان مدة تطول أو تقصر ثم يخرج أهالي المدينة إلى حقولهم ومزارعهم فيجدونها سالمة لم يتغير منها إلا ما غيرته عوامل الطبيعة من ريح ووحش. وهل يجد المتتبع لحوادث التاريخ صورة واحدة من هذه الصور الرائعة عند أولئك الذين يهاجمون أبا الخطاب ، ويوالون عليه الحرب؟ إنه لن يجد بالتأكيد إلا عدواناً وظلماً وسرقة وغلولاً ، وارتكاب الفواحش في الأنفس والأعراض والأموال لا يسلم منهم برئ ولا مذنب وهم حين تتاح لهم فرصة النصر لا يبقون على جريح ولا يرجعون عن فار ، ولا يسلم منهم مسالم ، ولا ينجو منهم مال ولا عرض . ثم هم يتجاوزون كل ذلك إلى المثلة وتشويه خلقة الله وقطع الرؤوس لنيل الحظوة بها عند ملوك البغي في الدنيا " ( الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية ، القسم الأول ، ص57-58)
    " إن مرارة العدوان على أقدس شيء في شريعة الإسلام وهي النفس البشرية، هي التي جعلت الإباضية يثورون ، وحق لهم أن يثوروا ، وأن يقلبوا نظام الحكم على أولئك الظالمين، فإن حكم الله أحق أن يتبع. وهم عندما يثورون لا يطغون ولا يتجاوزون الحدود التي رسمها لهم حكم الله " ( المرجع السابق ، ص36 )
    " إن الإباضية أبغض الأمة لإراقة الدماء ، وأبعد الناس عن أن يكونوا سبباً في اشتعال حرب ، وحينما يضطرون إلى ذلك بسبب العدوان الصارخ الذي يسلطه الجبابرة، لا يزيدون عن رد هذا العدوان بأيسر سبيل، وبأقل ما يمكن من الأذى، وهم في كل ذلك ينظرون إلى هؤلاء المعتدين بنظرة الأخ إلى أخيه المخطئ ، يحاول أن يرد أذاه دون أن يلحق به أذى ... . " ( المرجع السابق ، ص218 )
    إن المواقف التي وقفها الإباضية عبر التاريخ هي مواقف شرف وعز أرادها الله تعالى أن تكون عنوان الأمجاد على جبين الدهر.
    فحينما أعتدي على حرم الله الآمن ورميت الكعبة المشرفة من قبل الأمويين بالمنجنيق ثارت ثورات الإباضية ضد أولئك الطواغيت الجبابرة.
    وحينما انتهكت أعراض بنات الصحابة والتابعين في مدينة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من قبل جيش يزيد ثارت دماء الإباضية لأجل تطهير المدينة من رجس الطواغيت والأنذال.
    وحينما أهينت مقدسات المسلمين في القيروان لم يقر للإباضية أي قرار حتى رفعوا الضيم والظلم عن كاهل المسلمين.
    وحينما أنتهكت أعراض المسلمات في جزيرة سقطرة من قبل النصارى تسابقت جيوش الإباضية وكتائبهم متحدية أمواج البحار العاتية لأجل الدفاع عن حرمات المسلمين وتأديب أعداء الله.
    لعلك أخي القارئ الكريم قد أدركت من أحداث التاريخ التي نقلناها هنا معنى قول القائد الإباضي أبي حمزة الشاري رضي الله عنه : " لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشراً ولا بطراً ولا عبثاً ، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه ، ولا لثأر قديم نيل منا ، لكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت ، وعنف القائل بالحق ، وقتل القائم بالقسط : ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن ، فأجبنا داعي الله ( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ) ، أقبلنا من قبائل شتى ، النفر منا على بعير واحد عليه زادهم وأنفسهم ، يتعاورون لحافاً واحداً ، قليلون مستضعفين في الأرض ، فآوانا وأيدنا بنصره، فأصبحنا والله جميعاً بنعمته إخوانا .. " ( تاريخ الطبري 4/329 )
    أخي القارئ
    أدعوك إلى قراءة التاريخ بعين البصيرة المتجردة عن نوازع الهوى وأن تحكم على الناس بما يظهر منهم من أعمال طبقاً لمنهج الله في تقييم الأمم والأفراد . فليس كل من ادعى يكون صادقا في دعواه حتى يثبت صحة ما يقوله في ميدان الحياة الواسعة.
    والإباضية ينظرون إلى الناس - من أي مذهب كان - بمنظار الإسلام الذي يجعل منهج الله هو الأساس في الحكم على البشر لا إلى الألقاب والأسماء التي قد يتسمى بأحسنها أطغى الطواغيت وأفجر الفجار.

    هذا ما أردت قوله في هذه الحلقة والحلقة السابقة لها . وأدعو الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
    هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخوكم/ المنصور
    الحلقة الخامسة :

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    بعد قراءتك للحلقات الماضية من تاريخ الإباضية ومعرفتك الدوافع الأساسية التي جعلتهم يثورون على تعسف وظلم بني أمية وبني العباس تدرك تمام الإدراك أن الذين نسبوا الإباضية إلى الخوارج هم الذين اعتبروا ظلم بني أمية وبني العباس للأمة الإسلامية عدل وفسادهم إصلاح وغيهم رشاد.
    إن مسلك أولئك الكتاب جعلهم يعتبرون الذين رموا الكعبة المشرفة أئمة للمسلمين !!!! ، والذين اغتصبوا بنات الصحابة والتابعين بعد أن قتلوا آبائهن وإخوانهن في مدينة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم جنودا للخلافة !!!!! ، والذين قتلوا أكثر من تسعين ألفا من أهل دمشق من المسلمين في يوم واحد خلفاء وأئمة!!!!.
    ولم يقف أولئك الكتاب عند هذه المنزلة الشائنة بل وصل بهم الحال أن اعتبروا الدفاع عن حرمات المسلمين وأعراض المسلمات وصمة تاريخية ومنابذة السفاحين والمنتهكين للأعراض خروجاً على دولة الإسلام !!!. ( انظر الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام ، ص 80 ، 82 ، هامش ص 83 )
    قال الأستاذ سيد قطب في وصفه لحالة الكتاب الذين اضطربت عندهم المقاييس وانقلبت عندهم الموازين : " وإنه ليقع حينما يشتد الظلم ، ويفسد المجتمع ، وتختل الموازين ، ويخيم الظلام أن تضيق النفس الطيبة بالظلم الذي يشكل الأوضاع والقوانين والعرف؛ ويفسد الفطرة العامة حتى ليرى الناس الظلم فلا يثورون عليه ، ويرون البغي فلا تجيش نفوسهم لدفعه ؛ بل يقع أن يصل فساد الفطرة إلى حد إنكار الناس على المظلوم أن يدفع عن نفسه ويقاوم ؛ ويسمون من يدفع عن نفسه أو غيره جباراً في الأرض كما قال القبطي لموسى. ذلك انهم ألفوا رؤية الطغيان يبطش وهم لا يتحركون ، حتى وهموا أن هذا هو الأصل، وأن هذا هو الفضل ، وأن هذا هو الأدب ، وأن هذا هو الخلق ! وأن هذا هو الصلاح ! فإذا رأوا مظلوماً يدفع الظلم عن نفسه ، فيحطم السياج الذي أقامه الطغيان لحماية الأوضاع التي يقوم عليها ... .. إذا رأوا مظلوماً يهب لتحطيم ذلك السياج المصطنع الباطل ولولوا ودهشوا ، وسموا هذا المظلوم الذي يدفع الظلم سفاكاً أو جباراً ، وصبوا عليه لومهم ونقمتهم . ولم ينل الظلم الطاغي من نقمتهم ولومهم إلا القليل ! ولم يجدوا للمظلوم عذراً - حتى على فرض تهوره _ من ضيقه بالظلم الثقيل ! " ( في ظلال القرآن ج5/ص2683)
    وقال الأستاذ علي يحيى معمر :

    " والمؤرخ المنصف يجب أن ينظر إلى السبب الحقيقي المباشر لكل ثورة أو حدث أو فتنة ، والباعث عليها ، فليس الثائرون هم المخطئين دائماً ، وليس حقاً أن من تولى شأناً من شئون المسلمين يكتسب بذلك حصانة يستطيع أن يفعل داخلها ما يشاء من استغلال مجهود الناس " ( الإباضية في موكب التاريخ ، المجلد الأول ، الحلقة الثانية، القسم الثاني ، ص267 )
    إن الذين قاومهم الإباضية ووقفوا أمام وجوههم طغاة جبابرة ذاقت الأمة الإسلامية منهم كل أنواع الشر والفساد. فقد نقل ابن أبي عاصم من طريق الحسن البصري : " قدم علينا عبيد الله بن زياد أميراً أمره معاوية فقدم غلام سفيه حدث السن يسفك الدماء سفكاً شديداً ... ... " ( الآحاد والمثاني ،ج2/ص325 )

    فمواقف الإباضية عبر التاريخ هي مواقف كل غيور على حرمات المسلمين.
    فهم قد ضحوا بكل غال ونفيس لأجل تحطيم السياج الذي شيده الجبابرة من بني أمية وبني العباس حول الطغيان الذي أرهبوا به أمة الإسلام ، ولم يقيموا أي وزن لولولة أصحاب العقول المضطربة والأقلام المستأجرة. هذا هو واقع الإباضية عبر تاريخهم وعلى الذين يكتبون في تاريخ الإسلام أن يضبطوا كتاباتهم بمنهج الله الذي يدعو إلى قول الحق وعدم كتم الشهادة.

    تعليق


    • #3
      الحلقة السادسة :

      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد الله رب العالمين والصلاة السلام على رسوله الكريم وآله الأطهار وأصحابه الأبرار وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

      أيها الأخوة الكرام
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
      وبعد:

      الإسلام رحمة للعالمين ، وجاءت جميع تعاليمه آمرة بالاستمساك والطاعة المطلقة لأمر الله ورسوله في السلم والحرب. وانطلاقاً من هذا المبدأ فقد كان للإباضية في جميع مواقفهم القدح المعلى في تطبيق تعاليم الإسلام في كل شؤون حياتهم . وفي هذه الحلقة أعرض عليكم أيها الأخوة بعضا من نصائح أئمة المذهب لجنودهم حينما يرسلونهم إلى قمع طغيان الطغاة ومحاربة المفسدين في الأرض. وأقارن نصائح أئمة الإباضية بنصائح غيرهم من الذين وقف الإباضيون ضد سياساتهم الجائرة في حق المسلمين.
      فتعاليم الإسلام تجعل جميع الحروب لأجل إزاحة الظلم عن كاهل البشر وتحطيم السدود المصطنعة حتى تصل دعوة الحق إلى جميع الناس. وفي كل أطوار الحروب يجعل الإسلام أمر الله ورسوله هو المحرك والدافع لجميع الحركات والسكنات.

      فمن تعاليم الإسلام:

      " عن بريدة رضي لله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيراً، تم قال : اغزوا باسم الله ، في سبيل الله . قاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً

      ومن وصايا أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأحد قادته:

      1- إنك ستلقى أقواماً زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع فذرهم وما فرغوا له أنفسهم.
      2- وستلقى أقواماً قد حلقوا أوساط رؤوسهم ، فافلقوها بالسيف.
      3- ولا تقتلن مولوداً
      4- ولا امرأة
      5- ولا شيخاً كبيراً
      6, 7, 8 - ولا تعقرن شجراً بدا ثمره ولا تحرقن نخلاً ولا تقطعن كرماً.
      9, 10 - ولا تذبحن بقرة ولا شاة ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا لأكل.
      لمزيد من الإضاح حول منهج الإسلام في سياسة الحروب اقرأ ( في ظلال القرآن ، ج3/ ص1740 - 1741 ) وكذلك ( منهج الإسلام في الحرب والسلام ، ص177 وما بعدها )
      هذه وصايا الإسلام لأتباعه في وقت الحرب ، فكل حركاتهم وسكناتهم مرهونة بتقوى الله.
      ومن الأمور التي امتاز بها الإباضيون عبر تاريخهم أن جميع وصايا الأئمة والقادة لجنودهم كانت بعد الأمر بتقوى الله جل وعلا هي الاستمساك بآداب الإسلام عند لقاء من حاربوهم في ميادين النزال.
      فقد سجل التاريخ على جبين الدهر بأحرف من نور سير الأئمة الإباضيين التي جعلها الله مثالاً يحتذى وطريقاً يسلكه كل بار وصادق من أبناء أمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
      فمن نصائح أئمة الإباضية لجنودهم:

      1- عندما أرسل الإمام الصلت بن مالك رحمه الله كتائب الحق لتطهير جزيرة سقطرة من رجس النصارى زودهم بنصيحة طويلة منبعثة من أعماق قلب مؤمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً وبالقرآن منهجاً ودستوراً.
      فمما قاله في نصيحته ( راجع تحفة الأعيان ، ج1/ ص 168 - 183 ):

      - هذا ما يقول الإمام الصلت بن مالك بسم الله الرحمن الرحيم. إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومقاليد كل شئ عنده ، الواحد الأحد ، الذي ليس لعظمته حد ، ولا لملكه عد ، ولا لقدره صاد ، ولا لأمره راد ... ... .
      - فتوبوا إلى الله من سيئ ما مضى ، وأصلحوا فيما بقى بما عنكم به يرضى ، وصونوا دينكم ، ولا تبيعوا دينكم بدنياكم ولا بدنيا غيركم ، وقفوا عن الشبهات واحرموا عن محارم الشهوات، وغضوا أبصاركم عن مواقعة الخيانة ، واحفظوا فروجكم عن الحرام ، وكفوا أيديكم والسنتكم عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم بغير الحق ، واجتنبوا قول الزور ، وأكل الحرام، ومشارب الحرام ، وجماعة السوء ، ومداهنة العدو ، وأدوا الأمانات إلى أهلها ... ..
      - ... وتناصحوا فيما بينكم ، ولا تغاشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تغضبوا ، ولا تحزنوا ، ولا تكاذبوا ، ولا تكالبوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تكايدوا ، ولا تماكروا ، ولا تضاغنوا ، ولا تطاعنوا في الأحساب ، ولا تفاخروا في الأنساب ، ولا تضادوا ... ..
      - وقد بغى هؤلاء النصارى وطغوا ونقضوا عهدهم ، ونرجو أن يديل الله عليهم ، وإلى الله نرغب ونبتهل أن يهدم محاصنهم ، ويخرب بالعدل مساكنهم ، ويغنمكم أموالهم وطعامهم ، إن ربنا سميع قريب. فإذا سرتم أو نزلتم فأكثروا ذكر الله فإن بذكر الله تطمئن القلوب ... .
      -.... وإذا التحمت الحرب بينكم وبينهم فلا تقتلوا صبياً صغيراً . ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ، إلا شيخاً أو امرأة أعانوا على القتال ، ومن قتلتموه عند المحاربة فلا تمثلوا به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة ، ...
      2- وكان من وصايا الإمام طالب الحق لأتباعه حينما أرسلهم لحرب جيوش بني أمية : " إذا خرجتم فلا تغلوا ولا تغدروا واقتدوا بسلفكم الصالحين، وسيروا سيرتهم .. " ( أنساب الأشراف ، ج9/ ص 285 )
      3- وبعد أن انتصر القائد أبو حمزة الشاري - رحمه الله - على جيش بني أمية عرض عليه أحد أصحابه الإجهاز على الجرحى فلم يوافقه على ذلك بل قال له : " ما أرى ذلك وما أرى أن أخالف سيرة من مضى قبلي". ( تاريخ خليفة بن خياط ، ص314)
      هذا الذي نقلته لكم أيها الأخوة إنما هو غيض من فيض ولكن أحسب أن فيه الكفاية للتدليل على استقامة الإباضية على منهج الإسلام في جميع العصور.
      ولكن حينما يلقى بشرع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم خلف الظهور فلن تستقيم حياة القادة ولا حركات الجنود بل تأتي أعمالهم شبيهة بأعمال المتبربرين الذين لا ينصاعوا لأمر إلهي ولا ينقادوا لشرع منزل.
      وإليكم أيها الأخوة أمثلة من سير أولئك الناس الذين وقف الإباضيون أمام جبروتهم وظلمهم.
      1- أوصى يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة حينما أرسله لحرب أهل المدينة المنورة بالآتي: " أدع القوم ثلاثاً ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم ، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً ، فما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند .." ( تاريخ الطبري 3/353، البداية والنهاية 8/221-222 ، الكامل في التاريخ 4/112-113 )
      2- أمر مروان بن الحكم عبيد الله بن زياد بـ " أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر بأهلها ثلاثاً " ( تاريخ الطبري ، 3 /451 )
      3- "وجه إبراهيم بن محمد أبا مسلم إلى خراسان ، وكتب إلى أصحابه : إني قد أمرته بأمري ، فاسمعوا منه واقبلوا قوله ... .. ثم قال : ... وانظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم في أمرهم ، وانظر هذا الحي من مضر ؛ فإنهم العدو القريب الدار ، فاقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شيء ؛ وإن استطعت ألا تدع بخرسان لساناً عربياً فافعل ، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ... " ( تاريخ الطبري 4/300 )
      4- وحينما شاور أبو مسلم أبا منصور طلحة بن زريق بن أسعد في بعض الأسرى قال له: " اجعل سوطك السيف ، وسجنك القبر " ( تاريخ الطبري ، 4/ 321 ) .
      5- " كتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة لما ولاه البصرة : أما بعد ، فقد كتبت إليك آمرك بإفساد تمرهم ، فكتبت تستأذنني في أية تبدأ به بالبرني أم بالشهريز ! وعزله وولى محمد بن سليمان ، فقدم فعاث ...
      هدم محمد بن سليمان لما قدم دار يعقوب بن الفضل، ودار أبي مروان في بني يشكر ، ودار عون بن مالك، ودار عبد الواحد بن زياد ، ودار الخليل بن الحصين في بني عدي ، ودار عفو الله بن سفيان ، وعقر نخلهم. " ( تاريخ الطبري 4/ 481 )

      التطبيق الفعلي لمبادئ الإسلام في ميادين الحياة بعد الإيمان بالله وبالرسول هو الطريق الوحيد المؤدي إلى رضى الله، وأما الألقاب والأسماء التي يتلبس بها المدعون فلا وزن لها في الإسلام. فعلينا جميعاً ونحن ندرس سير من مضى أن نتولى ونقتدي بمن كان لله طائعاً ولسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متبعاً.
      هذا ما أردت ذكره في هذه الحلقة وأدعو الله جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
      الحلقة السابعة :

      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

      أما بعد:
      في عام 134 هـ التقى الجيش الإباضي بقيادة الإمام الجلندى بن مسعود رحمه الله والقائد العباسي خازم بن خزيمة في منطقة جلفار المعروفة الآن برأس الخيمة. كان خازم بن خزيمة يلاحق شيبان الخارجي ولما وصل إلى عمان وجد الإمام الجلندى بن مسعود رحمه الله قد تغلب على شيبان الصفري الخارجي.
      وقبل الحرب بين الإمام الجلندى بن مسعود وخازم بن خزيمة طلب خازم من الإمام الجلندى السمع والطاعة لأبي العباس السفاح و تسليم خاتم شيبان وسيفه لخازم لكي يذهب به إلى سيده في العراق. ولكن الإمام الجلندى وأصحابه رأوا أن ذلك لا يجوز في باب الدين أن يدفع عن الدولة بالدين فإنما يدفع عنها بالرجال والمال. فالتسليم للجبابرة والسفاحين لا يجوز. وأما سيف شيبان وخاتمه فهو ليس ملكاً للإمام الجلندى بل هو ملك لورثة شيبان فهم أحق الناس به.
      لم يرضى الإمام بالتسليم لخازم لهذا بدأت الحرب بين الفريقين وكانت النتيجة استشهاد الإمام ومن كان معه من الجنود وبعدها أخذ خازم يعيث في عمان فساداً حيث قطع نحو عشرة آلاف رأس وبعث بها إلى البصرة لكي تصلب هناك. ( البداية والنهاية ، 10 / 59 )
      فما هي الأعمال التي سجلها التاريخ لخازم بن خزيمة ولسادته الذين أرسلوه إلى عمان ؟؟.
      تاريخ خازم وسادته تاريخ أسود وعار تلطخ به ملوك بني العباس الذين وصفوا أنفسهم بأحسن الأوصاف وتلقبوا وبأشرف الألقاب وما هم إلا مجرمون وسفاكون للدماء. فقد قال الذهبي :

      " تحولت دوله الإسلام من بني أمية إلى بني العباس في عام 132 هـ وجرى بسبب ذلك التحول سيول من الدماء وذهب تحت السيف عالم لا يحصيهم إلا الله بخرسان والعراق والجزيرة والشام وفعلت العساكر الخراسانية الذين هم المسودة كل قبيح " ( تذكرة الحفاظ ، 1/ 158 )

      وقد سجل التاريخ هذه الأحداث على خازم بن خزيمة:
      1- في عام 129 هـ غلب خازم بن خزيمة على مرو الروذ وقتل عاملها من جهة نصر بن سيار ( البداية والنهاية ، ج10 / 33 )
      2- " بعث السفاح خازم بن خزيمة إلى بسام بن إبراهيم ، فقاتله خازم وقتل عامة أصحابه ، واستباح عسكره ورجع فمر بملأ من بني عبد الدار أخوال السفاح فسألهم عن بعض ما فيه نصرة الخليفة ، فلم يردوا عليه واستهانوا به ، وأمر بضرب أعناقهم وكانوا قريباً من عشرين رجلاً ومثلهم من مواليهم ". ( البداية والنهاية ، 10 / 58 - 59 )
      3- وخازم بن خزيمة قتل في وقعة سبعين ألفاً وأسر بضعة عشر ألفاً فضرب أعناقهم وذلك بخرسان ( تاريخ بغداد ، 1 / 83 )
      4- وتوجه خازم بن خزيمة إلى الأهواز وأباحها ثلاثة أيام. ( البداية والنهاية ، 10 / 95 )
      ومن الأحداث التي سجلها التاريخ على سادة خازم بن خزيمة في دمشق عاصمة بني أمية: " ولما جاء عبد الله بن علي دمشق نزل على الباب الشرقي ... فحاصرها أياماً ثم افتتحها ... . فقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات، وهدم سورها، ... . ثم أبيحت دمشق ثلاث ساعات حتى قيل إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً ... " ولما دخل عبد الله بن علي القائد العباسي دمشق " دخلها بالسيف وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلا لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية ... ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته ... . " ( البداية والنهاية 10/47 )
      لقد سالت أنهار من دماء المسلمين وأزهقت أرواح بريئة ونهبت أمال من قبل حكام بني العباس وجنودهم . فهؤلاء هم الذين وقف الإباضية أمام غطرستهم وفسادهم.
      فمن هو الإمام الجلندى ومن هم جنوده الذين وقفوا أمام خازم بن خزيمة ؟
      هو الجلندى بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه كان من الذين حضروا بيعة الإمام عبد الله بن يحيى طالب الحق. فقد قال عبد الله بن محمد بن المؤثر رحمه الله : لا نعلم في أئمة المسلمين بعمان أفضل من سعيد بن عبد الله إلا أن يكون الجلندى بن مسعود. فسار الجلندى بن مسعود رحمه الله في عمان فأظهر الحق وعمل به ، وأخذ الدولة من يد أهل الجور ، وبرئ من الجبابرة وأشياعهم ، ودان بقتال أهل البغي ، ولم يستحل مع ذلك غنيمة ولا سبي ذرية ، ولا استعراضاً بالقتل من غير دعوة.
      كان هو وأصحابه لا يأخذون الصدقة بغير حقها ، ولم يضعوها في غير مواضعها ...
      كانوا يرفضون صدقة البحر إلا ما طاب به أنفس الناس ، وذلك لما يتخوفون من الدخل عليهم في سبيل الله إذ لم يحموه ... .
      كان على كل مائتين من الشراة إلى ثلاثمائة إلى أربعمائة قائد من أهل الفضل والحجا والبصيرة والثقة والمعرفة والعلم والفقه يعلمهم الدين ويؤدبهم على المعروف ، ويسددهم عن الزيغ ، ويقيمهم على الطريقة ويهديهم سبيل الرشاد ، ليست الدنيا ذكرهم ، ولا جمع المال شأنهم ، ولا الشهوات من حاجاتهم.
      كانوا أهل فقه وأهل علم وحلم وتؤدة وتودد ووقار وسكينة ولب وعقل وبر ومرحمة وصدق ووفاء وتخشع وعبادة وورع وتحرج وصلة ونصيحة وظاهرة مقبولة، لا يطمعون بمطامع السوء ، ولا يتعاطون من الناس الحقوق ، ولا يدخلون في خصومات الناس .. يحرصون على آدابهم في الدين ومع أهل الدين ويكرهون العيوب ويهجرون أخلاق الفجور والمعاصي . هم أنوار في الأرض وغرباء في الناس ، يعرفون بسيماهم ، وكيف لا يكون كذلك من باع لله نفسه ينتظر حتفها صباح ومساء ( انظر تحفة الأعيان ، 1 / 88 -92 )
      أخي القارئ لقد عرفت الفارق الكبير والبون الشاسع بين الفريقين :
      فريق لا يبالي بشرع الله ، وقد استحل كل حرام لأجل السيطرة والملك.
      وفريق متبع لأحكام الله في السلم والحرب. فبعد أن صد الإمام الجلندى الغزو الخارجي عن عمان ورد كيد شيبان عن بيضة الإسلام لم يستحل شيئاً من أمواله بل تكفل برد مخلفات شيبان وأفراد جيشه إلى أهلهم لأنهم أحق الناس بها.
      إن تاريخ أمتنا يحتاج إلى أناس أمناء يستخرجون من وقائع التاريخ دروساً وعبراً تسترشد بها أجيال المسلمين إلى يوم القيامة. لقد صور كثير من الكتاب حكام بني أمية وبني العباس على أنهم خلفاء وأمراء للمؤمنين مع ما اشتهروا به من ظلم للأمة الإسلامية. وأخذ أولئك الكتاب على كاهلهم الدفاع الشديد المستميت عن حكام بني أمية وبني العباس وأخذوا يرمون كل غيور على حرمات الإسلام بأقبح الأوصاف وأسوأ الألقاب.
      وقد تنبه أحد المنصفين ، وهو الدكتور نايف عيد جابر السهيل ، لهذا الانحراف في كتابة التاريخ وبين السبب الذي جعل كثيراً من الكتاب يظلمون المذهب الإباضي عبر التاريخ حيث قال :

      " .. فضلاً على أن الكثيرين من الكتاب والمؤرخين كانوا يقفون من المذهب الإباضي موقفاً معادياً على طول الخط لا لشيء اللهم إلا تأييداً ومساندة لخلفاء الدولة العباسية وحكام بعض البلدان الذين تصدوا للإباضية وبذلوا الجهد الكبير للقضاء عليها تماماً أو إضعافها على الأقل. إذ كانت الإباضية بأفكارها السياسية المستقاة من القرآن والسنة تشكل خطراً كبيراً على الخلفاء والحكام الذين بعدوا إلى حد كبير عن الالتزام والعمل بما جاء في القرآن والسنة وبخاصة فيما يتصل بنظام الحكم ومشتملاته." (الإباضية في الخليج العربي، ص 139 )

      لقد وقف الإباضيون عبر تاريخهم في وجه الظالمين والطغاة وحموا بأرواحهم الطاهرة ودمائهم العطرة أوطان المسلمين من وطأة أقدام المفسدين. فرحم الله تلك الأبدان الطاهرة وأسكن أرواحها فسيح جناته.

      تعليق


      • #4
        الحلقة الثامنة :

        بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

        أما بعد:
        أيها الأخوة الكرام.
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        إذا تفاخر الناس بكثرة عددهم ووفرة أموالهم فإن حظ الإباضية من هذه الدنيا التسليم لأمر ربهم والدفاع عن مقدسات دينهم ورد الطغيان والجور عن أبناء ملتهم.
        مشاهد وأحداث سجلتها أقلام التاريخ على جبين الدهر الناصع فقرأها البصير ، وفهم معناها الذكي ، ووقف لعظمتها كل منصف وطالب للحق.
        وقائع تاريخية سجلها الإباضية بدمائهم لتكون مفخرة لكل مسلم غيور على حرمات الإسلام ولتكون لواءا ركزه الإسلام ليستظل تحته جنود الحق الذين يجعلون من أنفسهم دروعاً لحماية الإسلام والمسلمين.
        لقد حَدَثَتْ العباسَ بن أحمد بن طولون نفسُه وذهب من مصر إلى بلاد المغرب لكي يبني عليها مجده المزعوم على جثث المسلمين وفي طريقه أخذ بالتحرش بإباضية القطر الليبي فوقف له الإباضية وهدموا أحلامه في ( قصر حاتم ) ورجع بعدها إلى أحضان أمه خائباً يجر خلفه ذيل الذل والعار بعد أن تناثرت تلك الأموال التي سرقها من خزائن مصر ، وعف عنها الإباضية ولم تسول لهم أنفسهم الطاهرة أخذ أي شيء منها حتى أتاها ابن الأغلب فالتقطها من التراب. ( لقد ذكرنا هذه الحادثة في الحلقة الثانية من هذه السلسلة )
        وفي محاولة ظالمة فاسدة مفسدة أعد القائد الأغلبي عدته واتجه بجنوده صوب المشرق لأجل الانتقام من ابن طولون الذي سبق وأن رده الإباضية عن بلاد المغرب إلى دياره بعد أن تلاشت أحلامه وضعف كيانه.
        لقد فكر هذا القائد المتوحش العربيد في أمر الإباضية الذين يقفون في طريقه، وظن أن وعوده لهمة بعدم التحرش بهم سيفرحهم بالتالي سيأذنون له بالمرور بأرضهم لكي يفسد في أرض الكنانة وديار الإسلام.
        ولكن هيهات هيهات إن المبدأ الذي دفع الإباضية في الماضي حينما صدوا ابن طولون عن بلاد المغرب هو نفس المبدأ الذي يأمر الإباضية بصد ابن الأغلب عن بلاد مصر ، وإن تغيرت الأجساد وتباعدت الأزمان.
        " ... ولم ينس ابن الأغلب اعتداء ابن طولون عليه ، فهو ما زال يفكر في الانتقام منه وقد اعتزم الأمر في غزوه في مصر.
        وفي المحرم سنة 283 جهز جيشاً وخرج من تونس لعشر خلون من المحرم ، فأقام برقادة إلى سبع بقين من صفر ، ثم خرج بجميع من معه قاصداً غزو ابن طولون في مصر ، ووصل إلى قابس في ربيع الأول ، فاعترضته نفوسه في قصر مانو لتمنعه من الذهاب إلى ابن طولون. " ( تاريخ الفتح العربي في ليبيا ، ص 224 - 225 )
        نعم لقد أعترض أبطال الإباضية من أهل نفوسة هذا الجيش وحق عليهم الدفاع عن المسلمين خاصة حينما يمر بأرضهم وحوش ضارية في أجسام البشر.
        لقد كان مطلب ابن الأغلب الوحيد من الإباضية الإذن له بالمرور بأرضهم ولو في شريط ضيق على ساحل البحر لكي يصل إلى غايته ولكن طلبه هذا قوبل بالرفض لأنه في أنظار الإباضية عون له على جرائمه وفساده.
        فلم يجد ابن الأغلب بداً من أن يصارع الإباضية في معركة ( مانو ) التي استبسل فيها أهل الحق دفاعاً عن المسلمين من أن يصيبهم شر ومكروه من أطغى طغاة زمانه الذي لم يسلم من شره أقرب الناس إليه.
        بدأت الحرب وانتهت باستشهاد الآلاف من الإباضية وخلا الجو بعدها لابن الأغلب يعيث في الأرض فساداً وجوراً. فقد كان " .... عدة القتلى اثنا عشرة ألفاً ، فمن نفوسة يومئذ أربعة آلاف ومن سائر القبائل ثمانية آلاف ، وكان في القتلى أربعمائة عالم ... " ( طبقات المشائخ بالمغرب ، 1 / 89 )
        فمن هو ابن الأغلب هذا ؟؟ وهل كان إباضية نفوسه على حق في محاولة صدهم له من الوصول إلى مصر وإن كان أول أمره لا يرديهم بسوء ؟؟
        فابن الأغلب : - " ... كان يكثر القتل في أقاربه ، وأبنائه ، وإخوانه ، وخدمه ، وأنصاره : فقد قتل ابنه بين يديه صبراً ، وقتل ثمانية أخوة له ضربت أعناقهم بين يديه . وقد ولدت له بنات أخفتهن عليه أمه خوفاً عليهن من القتل ، وربتهن من غير أن يشعر بوجودهن ، حتى اجتمع عندها ست عشرة بنتاً كأنهن البدور وقد رأت - لهذه المناسبة - أن تزيده سروراً وانشراحاً ، وظنت أن علمه بهؤلاء البنات خير وسيلة لذلك ، فقالت له : يا سيدي لقد ربيت لك وصائف ملاحاً ، وأحب أن تراهن ، فقال : نعم ، فأتت بهن له ، وسمتهن له واحدة واحدة حتى عددتهن له ، وبعد انتهاء المجلس أخذتهن معها وخرجت ، وكان ثمن هذه المقابلة حياة هؤلاء الفتيات الست عشرة ، فإن أمه ما كادت تغيب عنه ومعها البنات حتى قال لخادم له أسود - وكان بجواره - : اذهب إليهن وائتني برؤوسهن ، فبهت الخادم ، فراجعه ، فهدده بالقتل إن لم يفعل ، فذهب الخادم بالخبر إلى أمه ، فذهلت وكادت تصعق ، وأمرت الخادم أن يراجعه ، فأفهمها ألا فائدة من المراجعة ، فذهب إليهن الأسود وقتلهن الست عشرة ، وأتى برؤوسهن معلقة من شعورها ، وطرحها بين يديه ..... " ( تاريخ الفتح العربي في ليبيا ، ص227 )

        - وكان " ... تاسع أمراء الأغالبة وأطول من حكم من أمرائهم وهو رجل غريب الأطوار ، تردد بين الذكاء البعيد والجنون المخيف ، ورغم مساوئه الكثيرة بلغت الدولة آخر فترة من فترات صعودها في حكمه ، ثم انحلت عقدتها بعد وفاته سريعاً ... " ( تاريخ المغرب وحضارته ، ص 261 )
        - " ... لقد حكم هذا الرجل سبعاً وعشرين سنة ميلادية ( 28 هجرية ) أي ثلث العصر الأغلبي كله تقريباً ، وكان حكمه كما رأينا سيئاً في مجموعه ، فقد كان حتى الفترة الأولى التي كان فيها هادئ المزاج أميل إلى الظلم والعنف وكان جريئاً على الدماء سرياً إلى سفكها دون ندم ؛ فملأ الرعب قلوب الناس وخافه العمال والحكام والفقهاء وعامة الناس ، وتباعدوا عنه وعن آل بيته ، واشتد حقد الجند العربي عليه .... " ( تاريخ المغرب وحضارته ، ص 287 )
        - " ... وأين هذا مما فعله إبراهيم بن أحمد الأغلبي وما ارتكبه من الجرائم دون أن يتحرك في نفسه ضمير .. " ( تاريخ المغرب وحضارته ، ص 406 )

        - " ... فسار إلى طرابلس ، وكان بها ابن عمه أبو العباس محمد بن زيادة الله ابن الأغلب فقتله ... وسار إبراهيم في جيشه من طرابلس إلى تاورغه ، وهناك قتل خمسة عشر رجلاً وأمر بطبخ رؤوسهم ، وأظهر أنه يريد أكلها هو ومن معه فارتاع الجند لذلك ... " ( تاريخ الفتح العربي في ليبيا ، ص 226 )
        لقد عرف الإباضية سيرة هذا الرجل المجرم في أهله وأقرب الناس إليه ، لهذا وقفوا أمامه لصده ولمنعه من الوصول إلى الأبرياء من أهل مصر وغيرها من الأقطار.
        إن لله في خلقه شؤون ، فإذا أراد الله تعالى أمراً فلا راد لقضائه. وما الدنيا إلا أرض بلاء واختبار وعند الله تجتمع الخصوم.
        لقد أخلص أولئك الإباضية الأطهار نياتهم واستسلموا لأمر ربهم وحاولوا جاهدين رد ظلم ابن الأغلب كما ردوا ظلم ابن طولون من قبله ، وكان من حظهم غفر الله لهم الموت دفاعاً عن حياض الإسلام ، ومقاومة جبار لم تسلم من سطوته بناته وإخوانه وأبناءه.

        أخي القارئ :
        اعلم علم اليقين أن الدفاع عن أرواح المسلمين وأموالهم من أهم مسؤوليات الإباضية التي يتقربون بها إلى الله تعالى ولا يفرقون عند تأديتهم لهذا الواجب بين أبناء الإسلام من أي مذهب كان ، والشواهد على ذلك كثيرة.
        ولقد حارب أحد أئمة الإباضية البرتغاليين وأجبرهم " ... على فك ما في أيديهم من أموال العمور وأموال الشيعة من صحار فأذعنوا لذلك وأخذ منهم العهود .... " ( تحفة الأعيان ، 2 / 10 )

        رحم الله تلك الأجساد الطاهرة وأدخل أرواحها فسيح جناته.
        هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


        وتقبلوا تحيات أخيكم/ المنصور

        أئمة حفظ الدين الحنيف بهم
        من يوم قيل لدين الله أديان
        صيد سراة أباة الضيم أسد شرى
        شمس العزائم أو اهوان رهبان
        سفن النجاة هداة الناس قادتهم
        طهر السرائر للاسلام حيطان
        تقيلوا مدح القرآن أجمعها
        اذا استحق مديح الله ايمان
        جدوا الى الباقيات الصالحات فلم
        يفتهم في التقى سر واعلان
        على الحنيفية الزهراء سيرهم
        والوجه والقصد ايمان واحسان

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

        يعمل...
        X