نص كلمة السيد نصر الله في يوم القدس العالمي 2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبة الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..

نلتقي مجدداً في ذكرى عزيزة، في يوم القدس التي كان قد أعلنه الإمام الخميني (قدس) يوماً عالمياً، عندما اختار آخر يوم جمعة من يوم شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس.
في كل السنوات الماضية كنا نتحدث عن حكمة هذا الاختيار لهذا الزمان لهذا اليوم ـ يوم الجمعة ـ الذي هو أفضل الأيام في شهر رمضان، شهر رمضان الذي أيامه أفضل الأيام على مدار السنة، شهر رمضان، شهر الصيام والقيام والتوبة والإنابة وجهاد النفس وبناء الذات وتصحيح المسار، يتخذه الإمام الخميني يوماً للقدس، في إشارة واضحة على أن كل هذا الناتج الإيماني والجهادي الرمضاني يجب أن يذهب ويتمركز في هذا الاتجاه وفي اتجاه القضية المركزية للأمة في هذا العصر وفي هذا الزمن وهي قضية فلسطين وقضية القدس. عاماً بعد عام تتأكد الحكمة البالغة في اختيار الإمام هذا اليوم يوماً عالمياً للقدس، أصلا في اختيار يوم عالمي للقدس. الأحداث والتطورات خلال هذا العام، يعني منذ سنة، سواء على السنة الميلادية أو الهجرية أو من شهر رمضان إلى شهر رمضان من عام مقبل، في كل بلاد المسلمين، لدى كل الشعوب من الهموم، من المشاكل، من الاستحقاقات، من التحديات، ما يشغلها عن القدس وفلسطين.
هذا واقع، شئنا أم أبينا، اليوم نشهد هذا الواقع، ونشهده منذ عشرات السنين. هذا يؤكد أننا نحتاج في كل سنة وخصوصاً في شهر رمضان، شهر التأمل والتفكر والتدبر والمحاسبة والعودة إلى الذات والإنابة إلى الله، أن نعود إلى فلسطين، نعود إلى القدس، نعود إلى هذه القضية المركزية، أن نعود أولاً لنذكّر أنفسنا وأمّتنا بالثوابت، لنذكّر بالمسؤوليات الدينية والشرعية والأخلاقية والإنسانية تجاه القدس والمقدسات وفلسطين وشعبها، ولنؤكد على هذه الثوابت رغم الهموم والمشاكل والتحديات والأخطار والانقسامات والتعبئة النفسية والخاطئة في أكثر من بلد وفي أكثر من ساحة، لنقول للعالم والعدو في الدرجة الأولي كما قال الإمام الخامنئي في الأمس أن مسألة فلسطين، مسألة القدس، هي مسألة دينية وعقائدية، هي مسألة إيمانية بالنسبة لنا جميعا.
الاختلافات السياسية والانقسامات السياسية والمشاحنات السياسية والبغضاء والعداوات السياسية لا يمكن أن تؤثر على أساس الموقف تجاه فلسطين والقدس وشعب فلسطين، وأنتم اليوم تلاحظون أنه حتى في أكثر من بلد عربي، مثلاً لو أخذنا البحرين اليوم التي تعاني منذ أكثر من سنة من ظلم واضطهاد ومن غربة ومن تخلي العالم العربي والإسلامي عنها حتى أنها لم يكن لها مكان في القمة الإسلامية الإستثنائية ،لم يحبطها كل هذا الواقع العربي والإسلامي تجاهها وتجاه شعبها، بل خرجت اليوم لتحيي يوم القدس، لتؤكد أن مسألة القدس بالنسبة إلينا جميعا هي مسألة دينية.
في العراق أيضاً، بالرغم من التفجيرات التي تجتاح المدن العراقية، وأحيانا للأسف الشديد على أساس طائفي ومذهبي ويسقط المئات من الشهداء والمئات من الجرحى، يخرج العراقيون في يوم القدس ليقولوا إن فلسطين وإن القدس هي قضيتنا المركزية. وهكذا عندما نذهب إلى ساحات أخرى، رسالة اليوم الأساسية للعدو الإسرائيلي: لا تفرحوا ولا تراهنوا على كل ما يجري في عالمنا العربي والإسلامي من انقسامات، وإن كان الأمر محزناً ومخيفاً ومقلقاً، لكن فيما يتعلق بفلسطين، فيما يتعلق بالقدس، أيا تكن الانقسامات أو التوترات أو الاتهامات أو المشاحنات، فهي لم تغيّر شيئاً.
بالنسبة إلينا في لبنان، بالنسبة لحزب الله، بالنسبة لجمهور المقاومة في لبنان، وبالرغم من كل ما يجري عندنا في لبنان، وحولنا في المنطقة، نحن أيضاً في يوم القدس، في يوم الإمام الخميني( قدس)، نود أن نؤكد للعدو وللصديق وللعالم كله أن مسألة فلسطين والقدس وشعب فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي هي مسألة فوق كل هذه الحسابات وكل هذه الحساسيات وكل هذه الخصومات لأنها بالنسبة إلينا هي مسألة دين وعقيدة وإيمان وآخرة والتزام إنساني وأخلاقي، وإيماننا والتزامنا بها لا يمكن أن يتزعزع لحظة واحدة على الإطلاق.
يوم القدس أيضاً هو فرصة للعودة للبحث الأساسي والإستراتيجي التي يرتبط بمستقبل فلسطين والقدس والمنطقة، وبالتالي مستقبلنا وبالتالي مستقبل الجميع، لأن الحادث الخطير الذي رسم معالم المنطقة منذ أكثر من ستين عاماً وما زال يرسم معالم المنطقة هو احتلال الصهاينة لفلسطين والحروب التي شُنّت على الدول العربية والشعوب العربية، وما زلنا وما زالت أجيالنا وشعوبنا وأمتنا تعيش تداعيات تلك الحادثة المأساوية وهي حادثة احتلال فلسطين واحتلال بيت المقدس.
اليوم لا يمكن أن نتصور مستقبلاً للقدس بمعزل عن مستقبل ما يسمى بإسرائيل، لا يمكن أن نتحدث عن قدس تعود إلى الأمة أو إلى شعب فلسطين في ظل إسرائيل قوية، بل لا يمكن الحديث عن مستقبل للقدس في ظل "إسرائيل موجودة"، لأن القدس بالنسبة لإسرائيل هي نقطة الإجماع الإسرائيلي، يمين ويسار، ومتدينين وعلمانيين، وأشكناز وسفرديم، كل هذه التفاصيل والخلافات تنتهي عندما تصل إلى القدس كما يجب أن يكون حال العرب والمسلمين،ولكن الأمر ليس كذلك عند العرب والمسلمين، أن كل الخلافات يجب أن تنتهي وتذوب عندما نصل إلى القدس.
على كلّ، لدى الصهاينة إجماع أن القدس جزء من إسرائيل، أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، ولذلك مشروع تهويد القدس يسير على قدم وساق، وفي ظل إجماع إسرائيلي.
عندما يقول نتنياهو قبل مدة، قبل أسابيع، إنني سأواصل البناء في مدينة القدس ولو وقف في وجهي كل العالم، فهو يستند إلى إجماع إسرائيلي متين وقوي على هذا الصعيد، هذا الإجماع الإسرائيلي الذي نفتقده في موضوعات حساسة أخرى والتي سأتحدث عنها بعد قليل، ولكن عندما يصل الموضوع إلى القدس وإلى بناء المستعمرات في القدس وإلى تهويد القدس وربما في يوم من الأيام إلى شطب المسجد الأقصى وكنيسة القيامة قد يستند أي إسرائيلي إلى إجماع إسرائيلي على هذا الصعيد، إستمرار بناء المستوطنات في القدس في داخلها ومن حولها وصولاً إلى إعادة إحياء بناء المستوطنات في الضفة الغربية، مصادرة الأراضي في القدس، قضم الأوقاف الإسلامية والمسيحية تدريجياً، تهديد دائم للمسجد الأقصى من خلال الحريات، مصادرة البيوت وهدمها، مصادرة الأراضي، تهديد دائم للبشر، من سكان القدس الأصليين من مسلمين ومسيحيين، وصولاً إلى الإفقار المتعمد، بحيث يصل المقدسي سواء كان مسلماً أو مسيحياً إلى وضع لا يستطيع من خلاله البقاء في القدس، لا يجد خبزاً ليأكل لا يجد عملاً ولا يجد مدرسة ليذهب اليها، فحينئذٍ يكون هناك الهجرة القسريّة، أنا أنقل لكم شاهداً من صحيفة "هآرتس" الاسرائيليّة التي قامت بإعداد تقرير تستند فيه إلى جمعية حقوق المواطن وتقول إن سكان القدس، شرقي القدس، يعني العرب، والذين يشكلون نحو 38 % من سكان المدينة وصلوا الى نقطة الدرك الأسفل في المدينة من ناحية معطيات الفقر والبطالة. يتضح من التقرير أنه في العام 2011 كان يعيش 84 % من الأطفال الفلسطينيين من سكان القدس تحت خط الفقر، يعني العائلات الفلسطينية، يعني ذلك أنه إذا كان الأطفال تحت خط الفقر فهذا يعني أن الأب والأم تحت خط الفقر، 84 % من سكان القدس من العرب المسلمين والمسيحين تحت خط الفقر، ويقول التقرير إن السبب المركزي هو البطالة، فمعدلات البطالة 40 % في أوساط الرجال و85 % في أوساط النساء الفلسطينيات.
من أسباب الفقر أيضاً هو الجدار الفاصل، لأن الفلسطيني يمكن إذا لم يجد عملاً في القدس كان ممكناً له أن يعمل في الضفة، فهذا المقدسي لم يعد بإستطاعته أن يذهب الى الضفة، وأصبح مسجوناً داخل الجدران في القدس، وهذا يؤدي إلى هذا الواقع.
حسناً، هذا هو واقع القدس، فيما العرب والمسلمون غارقون في مشاكلهم وصراعاتهم وإنقساماتهم والقدس تتهوّد وتضيع في كل يوم. سوف أعود إلى العرب في القمة السلامية الاستثنائية، حسناً، من هنا ندخل إلى موضوعنا، نريد أن نتكلم اليوم بموضوع إسرائيل، فلسطين، القدس، الوضع الاقليمي، لأننا عادةً في يوم القدس نتكلم في هذه المواضيع.
في آخر الكلمة إن شاء الله، في عدد من الدقائق، أود أن أعلّق على الوضع المستجد أخيراً في لبنان، البيئة الاستراتيجية في إسرائيل ، هذا مهم لهم ومهم لنا، لأنه بالنهاية في أي دولة هناك بيئة إستراتيجية لتعيش فيها في وضع إقليمي ووضع دولي تصنّفه بالنسبة لها بالبيئة الاستراتيجيّة، وضعها الداخلي وإنعكاسه على وجودها، على مستقبلها، على بقائها، على قوّتها، على إستمرارها.
للأسف الشديد إنّ عدونا لديه ميّزات، ميّزات جيّدة أحياناً، وهذا مؤسف، أنّ عدونا على هذه الحال، ونحن الذين نقول الذي يقوله الله سبحانه وتعالى عن هذه الامة أنها خير أمة أخرجت للناس، نحن كيف نتصرّف؟
من جملة هذه الميّزات أنه سنوياً، في الكيان الاسرائيلي، تقام مؤتمرات وبعضها مؤتمرات مشهورة وقديمة، موضوع المؤتمرات هو بحث الوضع الاستراتيجي لإسرائيل والبيئة الاستراتيجية، يتكلّمون بالتهديدات الداخلية والاقليمية والدوليّة، تهديدات بأنواعها المختلفة الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية الخ ... يتكلمون عن الفرص المتاحة أمامهم، يتكلمون عن التهديدات وعن الفرص، ويقيّمون الوقائع ويتكلمون عن الخيارات ويقدّمون أفكاراً ومقتراحات تذهب بعد ذلك إلى مؤسساتهم بالكنيست وبالحكومة وبالمراكز الأخرى، ويتم وضع خطط وبرامج ويُعمل عليها لدى هذا العدو.
طبعاً هذا الأمر في العالم العربي، بحدود معلوماتي أنا، غائب. يمكن كان يُعمل على بعض الأطر التي كانت تقوم بأمور مشابهة، بعض الأطر ذات البعد القومي، لكن عند الحكومات والدول والأنظمة والكثير من القوى السياسية، لا يوجد شيئ مشابه لهذا. اليوم أين نحن نجتمع لنقول: هذا هو الوضع الاستراتيجي لبلادنا ولأمتنا، هذه هي التهديدات، هذه الفرص، هذه الخيارات. هذا نموذج رأيناه قبل عدّة ايام، نجتمع بضع ساعات، يخطب بعض الاشخاص، ونقوم بكتابة بيان متواضع، هذه هي الأمور، يعني هذه هي خير أمة أخرجت للناس.
حسناً، الشاهد، نأتي إلى الاسرائيلي، طبعاً نحن نقرأ كل سنة ترجمات الموضوعات التي تناقش في هذه المؤتمرات وما يطرح فيها من تهديدات، من فرص، من خيارات، وقراءتهم للوضع في المنطقة. واضح أنه خلال السنتين الماضيتين، يعني إذا نظرنا الى السنة الماضية، عن ال ""2010" و"2011"، عندما بدأت التحولات في المنطقة العربيّة، ـ حسناً، نسميها الصحوة الاسلامية، نسميها الربيع العربي، أو صحوة الشعوب، كما تريدون ـ برز قلق إسرائيلي كبير، الاسرائيلي بدأ بالتحدّث عن تعاظم التهديدات، وهذا كان صحيحاً.
من أهم التطورات التي حصلت في المنطقة والتي أقلقت الإسرائيليين بدرجة كبيرة جداً:
أولاً: سقوط حسني مبارك في مصر، وتعرفون ماذا تعني مصر لإسرائيل، كان يوجد عزاء في إسرائيل.
ثانياً: إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من العراق في إطار هزيمة حقيقية، أمام المقاومة العراقيّة وإرادة الشعب العراقي والصمود السياسي في العراق.
التحولات في المنطقة التي بدا فيها أن أنظمة ما يسمى بالاعتدال العربي تتهاوى الواحدة تلوَ الأخرى، تونس، ليبيا، النظام في اليمن ـ وإن كان النظام في اليمن تمّ إستيعابه للأسف الشديد بدرجة كبيرة، تمّت مصادرة الحراك اليمني وثورة الشعب اليمني، وترتّبت الامور، وبقي النظام حيث هو، تغيرت بعض الوجوه فقط ـ وأيضاً ما كان يجري ويجري في البحرين، وجد الإسرائيليون أن هذه الأنظمة التي يسمونها أنظمة الإعتدال العربي، الواحدة تلو الاخرى إما سقطت أو في معرض السقوط، أو في معرض التهديد، هذا زاد عندهم من درجة القلق الكبير.
تنامي قدرات الجمهورية الاسلاميّة على الصعد المختلفة وهنا بين هلالين عنوان (البرنامج النووي الايراني) الذي نعود إليه في سياق الحديث عن التهديدات الاسرائيليّة لإيران.
بدا من خلال التحولات في المنطقة انه يوجد محور كبير قد يتشّكل لمصلحة فلسطين وشعب فلسطين وخيار المقاومة في المنطقة، علاقة تركيا مع إيران ممتازة، علاقة تركيا مع العراق جيدة جداً، علاقتها مع سوريا جيّدة جداً ـ كل ذلك كان قبل الاحداث في سوريا، أو التطورات التي كبرت في سوريا ـ حسناً، علاقتها مع إسرائيل بعد حادثة أسطول فك الحصار عن غزة، أصبحت سيئة ومتوترة، نظام حسني مبارك أو حسني مبارك سقط.
بدا للوهلة الأولى أن هناك محوراً كبيراً اقليمياً قد يتشكل، ويلتقي على مسألة فلسطين وقطاع غزة والقدس وشعب فلسطين وما شاكل، لذلك تحدّث الإسرائيليون في مؤتمراتهم تلك، وعلى مدار السنة بأن نسبة التهديد الاستراتيجي عالية جداً جداً جداً، في الوقت الذي توجد فيه فرص متاحة محدودة، ومن جهة أخرى فإنّ الاميركيين ما هو وضعهم، والاوروبيين ما هو وضعهم، ما هي إنشغالاتهم الاقتصاديّة، ما تأثير هزيمتهم العسكرية في المنطقة وفي العراق، وهم على مشارف هزيمة في أفغانستان الخ ... (إزاء ذلك) ظهر قلق إسرائيلي كبير جداً، كان هذا في مرحلة ما قبل التطورات الدامية في سوريا.
بعد ما بدا أن التطورات في سوريا بدأت تأخذ منحى خطيراً ودامياً ومقلقاً جداً، نزل منسوب القلق، وارتفع منسوب الأمل الاسرائيلي. كبر الحديث عن الفرص، وهذا منطقي وطبيعي جداً، لماذا؟ لانه إذا نظرنا إلى المشهد بعد التطورات السورية، ما الذي حدث؟
تركيا التي كان يمكن أن تشكل بشكل أو بآخر جزءاً من محور عربي وإسلامي كبير داعم لفلسطين وللقضية الفلسطينية، وصلت علاقتها مع سوريا إلى حد الصفر بل تحت الصفر، العلاقة مع العراق متوتّرة، العلاقة مع إيران متوتّرة أو في الحد الادنى نقول إنها باردة، تركيا أصبحت أولوياتها شيئاً آخر. موضوع غزة وفلسطين أصبح في مكان آخر بالنسبة إلى تركيا.
حسناً، بالنسبة إلى الدول العربية التي حصلت فيها تحوّلات، يظهر أنّها مشغولة في نفسها، ليس معلوماً في أي وقت يمكن أن تمتلك القدرة أو القرار أو النية لأن تلعب دوراً أقليمياً مؤثراً في مسألة الصراع العربي الاسرائيلي.
لا أدعي أن القلق زال، القلق الاسرائيلي ما زال قائماً، خصوصاً في اتجاه مصر. بدل أن يُستفاد من التحولات في بعض هذه الدول العربية التي سقطت فيها أنظمة وتوظف لمصلحة الشعب الفلسطيني ودعم الصراع مع إسرائيل، ذهبت بإتجاه الصراع في سوريا، مقاتلون من هذه الدول، أسلحة من هذه الدول، دعم سياسي وإعلامي ومالي من هذه الدول.
حسناً، إسرائيل تقف وتشاهد الخصومة التي عملت لها إسرائيل لعشرات السنين، تريد أن تكوّن عداوة بين الشعوب العربية والحكومات العربية مع الجمهورية الاسلامية في إيران. أيضاً بسبب هذه الاحداث يتم إستغلال موقف الجمهورية الاسلاميّة المبدئي والاسترتيجي، لأن إيران تنظر إلى المنطقة على النقيض من أميركا، أميركا تنظر الى المنطقة بعيون إسرائيليّة وكان الامام الخميني واليوم الامام الخمنئي، والجمهوريّة الاسلاميّة قيادة وحكومة وشعباً تنظر الى المنطقة بعيون فلسطينيّة. هذه هي الحقيقة. ولأنها تنظر إلى المنطقة بعيون فلسطينيّة لديها هذا الموقف من الأحداث في سوريا، ويتم إستغلال موقف إيران من الاحداث في سوريا لإيجاد هذا المناخ من العداء، من الخصومة، من التوتر.
اليوم، عندما ترى إسرائيل هذه التحوّلات التي حصلت في العام الماضي هذا يرفع لديها منسوب الفرص ويخفض لديها منسوب التهديدات ولذلك اليوم نرى إسرائيل، تتكلم عن أمال، حتى في موضوع سوريا، تتكلم عن مستقبل واعد وأنه يمكن أن تأتي معارضة وتستلم الحكم في سوريا وتوقع معاهدة السلام مع إسرائيل ما يسمى بين هلالين "بالسلام"، وينكسر محور المقاومة وتتحاصر المقاومة في غزة وتتحاصر المقاومة في فلسطين، هم لا يخفون سعادتهم، أنا لا أحلل ولا أفتري عليهم، هم لا يخفون سعادتهم ولا رهاناتهم، تعرفون أن في إسرائيل يوجد رأي عام ومزاج عام ويوجد عقول وقلوب وعواطف، حدث معيّن يؤثر على الاستثمارات، حدث معين يأتي بالمهاجربن الى إسرائيل، حدث آخر يسمح للهجرة المعاكسة أن تبدأ، ولذلك هم يهمّهم كثيراً الرأي العام الشعبي، طمأنة شعبهم، تقديم الضمانات لشعبهم، ويقولون لهم "لا، نحن لسنا ضعفاء بل نحن أقوياء"، مثلاً، ولذلك عند أي مؤشر أو فرصة، تجدون المسؤولين الاسرائيليين يتحدّثون عنها بسعادة، وأي مؤشر تهديد يتكلمون عنه، ولكن عندما يخاطبون شعبهم يحاولون أن يخففوا من قيمة هذا التهديد، لأن كل شيء له تأثيراته السياسية والانتخابيّة والماليّة والاقتصادية والأمنية والديموغرافيّة على الكيان الاسرائيلي .
في ظل هذا المناخ، هذه الأشهر الأخيرة، بشكل غير مسبوق بدأ الخطاب الإسرائيلي بالتصعيد غير المسبوق، سواء تجاه إيران أو تجاه لبنان أو تجاه قطاع غزة، والآن سوريا في محنة فهم محايدون عن هذا الموضوع، ولكنهم يفتحون نافذة الأسلحة الإستراتيجية، أسلحة الدمار الشامل، أو أو أو .. كحجة للتدخل الإسرائيلي العسكري في سوريا في يوم من الأيام .. هذه "العنترة " الإسرائيلية من جديد، وهذا التصعيد الإسرائيلي الجديد هو مبني على قراءة مختلفة للبيئة الإستراتيجية لإسرائيل عما قبل عامين وسببه التطورات الأخيرة..
نحن سنقف قليلاً ونتحدث بكلمة عن إيران وبكلمة عن لبنان والتهديدات الإسرائيلية وبكلمة عن غزة.
تعليق